q
الأكثر رعبا ليس سياسة ترامب الوحشية تجاه كل شيء غير امريكي انما يكمن الشيطان في التفاصيل فالقضاء الأمريكي يبدو انه خضع او هو يريد ان يمنع دخول الهاربين من الحروب والأزمات التي خلقتها أمريكا أصلا، فضلا عن ذلك يبدو ان سياسة ترامب تلاقي ترحيبا من جمهوره الذي تؤكد استطلاعات الراي ان عملية إعادة انتخابه باتت مسالة وقت...

كل فضيلة تتعلق بالحرية وحقوق الانسان فهي أمريكية المنشأ والرعاية، ولا حق لاحد ان ينتحل هذه الصفة مهما بلغ من درجات الدفاع عن حقوق الانسان وحريته، وبالتالي فان كل شيء محرم أيضا إذا خالف القواعد الامريكية، لأنها وبكل بساطة هي المبادئ التي وجدت من اجل الانسان فكيف يمكن مخالفتها، هكذا ترى أمريكا نفسها وتفرض رؤيتها على العالم، لكن هل فعلا تكون أمريكا بهذا الشكل الملائكي؟ ومن يستطيع محاكمتها لو خالفت قواعدها؟

يسمع الناس في كل انحاء العالم عن قصص الحلم الأمريكي، وكيف يعيش الناس برفاهية ورخاء اقتصادي، فيما توفر الدولة كل متطلبات العيش الكريم للإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه وديانته، وبينما تعيش الدول في حروب طاحنة تشارك أمريكا فيها بشكل مباشر او غير مباشر، يهرب الناس الى ارض الحلم. انها أمريكا ملجأ الهاربين وكل من انتهك كرامته وحقوقه، بحسب ما تصوره شاشات الاعلام العالمي.

الا ان الرئيس الأمريكي وكل رجال ادارته لها رأي اخر، وحتى المحكمة الامريكية العليا التي تمثل سلطة أمريكا الدستورية والمعنوية، قالت كلمتها ورفضت استقبال هؤلاء الهاربين بعد استدعتهم برامج أمريكا التلفازية، ودفعتهم لقطع الاف الكيلومترات بغية التقليل من صعوبات الحياة التي سببتها الأسلحة والحروب الامريكية في أماكن أخرى من العالم.

في مطلع عام 2017 قرر الرئيس ترامب منع دخول المهاجرين من ست دول إسلامية هي إيران وليبيا والصومال وسوريا واليمن، مضافا اليها كوريا الشمالية، في قرار تنضح منه رائحة العنصرية تجاه المسلمين رغم تذرعه بأشياء مختلفة عن ذلك، ولم يمنعه الرفض القضائي من مواصلة جهوده العنصرية.

قصة منع مهاجري الدول الإسلامية انتهت بموافقة المحكمة العليا (الثلاثاء 26 حزيران2018) بأغلبية خمسة أصوات مقابل أربعة بتأييد قرار ترامب بشأن منع دخول مواطني الدول الإسلامية الست مضافا لها كوريا. ورأت المحكمة أن قرار ترامب "يتفق مع نطاق السلطات الرئاسية" بموجب قانون الهجرة الأمريكي، فيما اعتبره معارضون حظرا غير قانوني على المسلمين.

ليس منع المسلمين من دخول أمريكا فقط انما ذهب ترامب الى ابعد من ذلك وهو عازم على تخريب كل شيء وقلب موازين العالم من جديد في استعادة وتقليد واضح للنهج الوحشي الذي اتبعه "ادولف هتلر" فقد أنشأت السلطات الامريكية مؤخرا مراكز احتجاز أشبه بالأقفاص ذات الأرضية الإسمنتية، يتم وضع الأطفال الذين يُفصلون عن ذويهم من المهاجرين إلى أمريكا وفق سياسة "عدم التسامح" الذي اتخذت بعداً تنفيذياً جديداً في الأيام الماضية ووصف بانه الأكثر وحشية وعديم الإنسانية.

ومع انتشار صور تلك الأقفاص، تقول بعض التقارير الإعلامية انها تعيد "إلى الذاكرة أقفاص العبودية التي كان يوضع فيها الأطفال الذين يُنتزعون من أهلهم عنوة ليجري بيعهم لاحقاً في سوق العبيد. في ذلك الوقت استعان مسؤولون أمريكيون بالإنجيل لإيجاد مبررات للعبودية ولفصل الأولاد عن أهاليهم في ظل النظام القائم".

الأكثر رعبا ليس سياسة ترامب الوحشية تجاه كل شيء غير امريكي انما يكمن الشيطان في التفاصيل فالقضاء الأمريكي يبدو انه خضع او هو يريد ان يمنع دخول الهاربين من الحروب والأزمات التي خلقتها أمريكا أصلا، فضلا عن ذلك يبدو ان سياسة ترامب تلاقي ترحيبا من جمهوره الذي تؤكد استطلاعات الراي ان عملية إعادة انتخابه باتت مسالة وقت، فعلى الرغم من انتشار الأزمة في وسائل الإعلام العالمية، واعتبار الأمم المتحدة لهذه الإجراءات "وحشية وغير إنسانية"، فإن استطلاعات للرأي أجريت مؤخراً في الولايات المتحدة تشير إلى مثابرة الناخبين الجمهوريين على دعم سياسة ترامب الجديدة في مسألة الهجرة وشعارها "صفر تهاون".

والسياسة الوحشية الامريكية ليست جديدة بالمرة، فالتاريخ الأمريكي ملطخ بممارسات ممنهجة عدة جرى عبرها فصل الأطفال عن ذويهم. اذ ترصد تقارير إعلامية انه "من أيام العبودية، مروراً بإجبار الأمريكيين الأصليين على إرسال أطفالهم إلى المدارس الحكومية والكنائس حيث تم حلق شعرهم الطويل وإجبارهم على الاندماج في المجتمع الأبيض والتخلي عن لغتهم الأصلية، وصولاً إلى مطلع العام 1900 حيث كان الفقر مبرراً لنزع أطفال السكان الأصليين والسود من عائلاتهم، كما كان حال مالكوم أكس الذي كتب عن تأثير ذلك على حياته وكيف دخلت والدته إلى مصح الأمراض العقلية بعدما انتزعوه منها".

ويستذكر العالم فترة الكساد العظيم في الثلاثينيات التي جرى خلالها ترحيل حوالي مليون مهاجر من المكسيك وأمريكا الوسطى، بينما بقي الكثير من أطفالهم في أمريكا، ولم يتمكن هؤلاء من رؤية أهاليهم مجدداً.

ومع ظهور الأطفال داخل الأقفاص بقرار من الرئيس او "ديكتاتور أمريكا"، تعود إلى الذاكرة مجدداً صور من الحرب مع اليابان، حيث - وخلال حرب الولايات المتحدة مع اليابان في الأربعينات - وُضع حوالي 120 ألف شخص من ذوي الأصول اليابانية في مخيمات الاحتجاز، من بين هؤلاء حوالي 30 ألف طفل كان سلّط وثائقي "أطفال المخيمات" الضوء على معاناتهم وعلى انتظارهم بلوغ الـ18 ليشاركوا في الحرب في صفوف الجيش الأمريكي كي يثبتوا ولاءهم للأرض.

ان صورة أمريكا التي تبشر بها عبر وسائل الاعلام يفضحها الواقع يوما بعد اخر، فاطفال اليمن يقتلون بأسلحة وتخطيط ودعم امريكي كامل، والحال نفسه ينطبق على أطفال قطاع غزة الجريحة بالجرم الاسرائيلي، ولا ينسى العالم لحد هذه اللحظة جريمة طرد نظام ميانمار لأطفال وعوائل الروهنغيا المسلمة (اكثر من نصف مليون انسان)، حيث رفضت أمريكا ادانة هذه الجريمة البشعة، ولو اريد إضافة الجرائم الأخرى قد لا يكفي مقال او كتاب واحد لسرد تلك الجرائم الامريكية بحق الانسان ليس على أراضيها فحسب انما في جميع انحاء العالم.

اضف تعليق