ما تزال ألمانيا التي استقبلت أعداد هائلة من المهاجرين، تعاني العديد من الازمات والمشكلات التي تفاقمت بشكل كبير في السنوات الاخيرة، ومنها تنامي جرائم العنف والعداء ضد المهاجرين من قبل بعض الاحزاب والجماعات اليمنية المتطرفة التي ترفض وجودهم في البلاد
ما تزال ألمانيا التي استقبلت أعداد هائلة من المهاجرين، تعاني العديد من الازمات والمشكلات التي تفاقمت بشكل كبير في السنوات الاخيرة، ومنها تنامي جرائم العنف والعداء ضد المهاجرين من قبل بعض الاحزاب والجماعات اليمنية المتطرفة التي ترفض وجودهم في البلاد، حيث تزايدت الهجمات على اللاجئين ومراكز ايواء طالبي اللجوء في المانيا بعد توافد مئات الالاف منهم. وشهدت البلاد في 2016 حوالى 3500 هجوم على لاجئين او طالبي لجوء، بمعدل عشرة اعمال مماثلة في اليوم. واصيب في الهجمات 560 شخصا بينهم 43 طفلا بحسب وزارة الداخلية.
وألمانيا هي الدولة الأكبر في الاتحاد الأوروبي من حيث يعيش فيها حوالي 82 مليون إنسان، ويعتمد الاقتصاد الألماني منذ فورة ما بعد الحرب في الخمسينيات على العمالة الأجنبية الوافدة. ويعيش في ألمانيا وبحسب بعض التقارير أكثر من 15 مليون إنسان من أصول أجنبية. ويقدر عدد المسلمين في ألمانيا بأربعة ملايين، وذكرت صحيفة (نويه أوسنابروكنر تسايتونج) أن السلطات الألمانية وثقت 950 هجوما على الأقل على مسلمين ومنشآت إسلامية مثل المساجد في عام 2017.
وأضافت الصحيفة نقلا عن بيانات قدمتها وزارة الداخلية الألمانية لمشرعين أن 33 شخصا أصيبوا في الهجمات التي كان 60 منها موجها ضد مساجد ونُفذ بعضها بدماء خنازير. وأظهرت البيانات أن كل مرتكبي تلك الهجمات تقريبا من المتطرفين اليمينيين.كما سعت السلطات الالمانية التي تواجه ضغوط داخلية كبيرة من قبل بعض الخصوم، الى وضع خطط واجراءات خاصة اثرت سلبا على حياة المهاجرين، وقامت ألمانيا بترحيل 100 مصري وأعادتهم إلى القاهرة بسبب انتهاكات تصريح الإقامة، ومن ضمنهم أولئك الذين رفضت طلبات لجوئهم، حسب ما قال مسؤولون في مطار القاهرة الدولي، في أول إجراء من نوعه من قبل برلين.
وتشير هذه الخطوة إلى نية تنفيذ سياسة أكثر وضوحا للهجرة من قبل ألمانيا، التي استقبلت أكثر من مليون لاجئ في الفترة من 2015 وحتى 2016، معظمهم من البلدان التي مزقتها الحروب مثل سوريا وأفغانستان والعراق، لكنها شهدت في وقت لاحق رد فعل شعبي لقي دعما من السياسيين اليمينيين المتطرفين. وكانت هذه القضية موضوعا رئيسيا في انتخابات ألمانيا العام الماضي التي شهدت صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" القومي، وكانت واحدة من أكبر العقبات أمام تشكيل ائتلاف بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة المستشارة، أنغيلا_ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي من اتجاه يسار الوسط.
عنف مستمر
وفي هذا الشأن أقدم رجل في السبعين من العمر على طعن ثلاثة من طالبي اللجوء في جنوب المانيا احتجاجا على سياسة الهجرة في هذا البلد قبل توقيفه وسجنه، على ما اعلنت النيابة. وأوقفت الشرطة الرجل، وهو الماني روسي لم ترصده السلطات سابقا، بتهمة محاولة قتل ثلاثة اشخاص، في فعل "سياسي الدافع" وعنصري، بحسب متحدث باسم نيابة هايلبرون.
واستخدم الرجل الذي بدا ثملا سكينا لمهاجمة ثلاثة من طالبي اللجوء امام كنيسة وسط المدينة، وهم افغاني في الـ17 من العمر وسوري في الـ19 وعراقي في سن الـ25، بحسب بيان للشرطة والنيابة. وأصيب الافغاني بجروح خطيرة فيما أتت اصابات الآخرين أقل تهديدا. وبعد توقيفه، أفاد الرجل الذي سارع مارة إلى السيطرة عليه، انه اراد "توجيه إشارة ضد سياسة الهجرة" التي تبنتها المانيا واستقبلت بموجبها منذ 2015 أكثر من مليون طالب لجوء أتى أغلبهم من سوريا والعراق وأفغانستان، بحسب النيابة والشرطة.
واوقف الرجل لفترة وجيزة بعيد الوقائع ثم افرج عنه بعدما اكتفى المحققون بتحميله مسؤولية ضربات وجروح. لكن بعد ايام من التحقيقات باتوا يشتبهون في قيامه بـ"محاولات قتل وضرب وجرح في ثلاث حالات" بحسب بيان للشرطة والنيابة، ما ادى الى توقيفه وايداعه السجن الاحتياطي. ولم يعثر المحققون حتى الان على اثبات يربطه بتيار اليمين المتطرف.
سياسة التميز
وفي خطوة أثارت انتقادات واسعة النطاق.. قرر بنك للطعام في مدينة إسن الألمانية التوقف مؤقتا عن قبول عملاء جدد من المهاجرين قائلا إنه يأمل أن يزيد بذلك عدد الجدات والأمهات العزباوات الألمانيات اللاتي يقصدونه للحصول على إمدادات غذائية. وقوبل القرار الذي بدأ سريانه في يناير كانون الثاني لكن لم يعلن عنه سوى في الفترة الاخيرة بالرفض من رئيسة بنك الطعام نفسها وآخرين كما أثار عاصفة في وسائل الإعلام وتناولته أخبار في صحف مثل صحيفة بيلد واسعة الانتشار.
وقال يورج سارتور الذي يرأس فرع إسن من منظمة ”تافل“ التي تقوم بأنشطة خيرية في جميع أنحاء ألمانيا إن المتطوعين لاحظوا أن بعض العملاء الألمان أصبحوا لا يأتون في ظل زيادة نسبة المهاجرين. وأضاف أن المهاجرين يمثلون 23 بالمئة من سكان المدينة لكنهم يمثلون 75 بالمئة من مستخدمي بنك الطعام، ومجموعهم ستة آلاف شخص، أي أن عددهم زاد بنسبة تتراوح بين 35 و40 بالمئة عما كان عليه الحال قبل أن تستقبل ألمانيا موجات من الوافدين الجدد في 2015 و2016.
وقال سارتور إن عملاء بنك الطعام عادة ما يكونون من الأجانب ”لكن عندما وصلنا إلى 75 بالمئة تساءلنا.. لماذا أصبح هناك ألمان معينون لا يحضرون؟ - كالجدات والأمهات العزباوات“. ووضعت المنظمة قواعد جديدة تطالب العملاء الجدد بإظهار بطاقة هويتهم الألمانية والوثائق التي توضح أنهم مؤهلون للحصول على مزايا اجتماعية. وأصر سارتور على أن القرار مؤقت ويمكن إعادة النظر فيه خلال شهرين. وقال إنه تم رفض طلبات ما يتراوح بين 15 و16 أسرة من المهاجرين في الآونة الأخيرة دون أي شكاوى.
لكن زابينه فيرت رئيسة منظمة تافل في جميع أنحاء ألمانيا قالت إنه لا أحد يملك حقا حصريا في الحصول على الطعام من أي فرع لكن من الخطأ أيضا استبعاد أي مجموعة بعينها. وانتقد رئيس منظمة خيرية أخرى القرار وقال”تكافح منظمة تافل للمتطوعين في إسن الطلب المتزايد لكن لا يمكن حل ذلك بالتمييز على أساس عرقي“. وأضاف أن اللوم يقع على الحكومة الاتحادية بسبب سياساتها التي تركت كثيرين في فقر وافتقار للغذاء. بحسب رويترز.
وذكرت صحيفة (فيستدويتشه ألجماينه تسايتونج) أن الكثيرين من العملاء الألمان كبار السن لم يشعروا بالراحة عندما ذهبوا إلى بنك الطعام وشاهدوا العدد الكبير من المهاجرين وبينهم كثيرون من الشبان العزاب. ونقلت الصحيفة عن سارتور قوله ”عندما فتحنا الباب في الصباح كان هناك الكثير من التدافع دون أي اعتبار للجدة التي تقف في الطابور“.
لم الشمل
من جانب اخر اقر النواب الألمان قانونا يحد من لم شمل عائلات اللاجئين كان شرطا لتشكيل حكومة ائتلافية بين المحافظين والاشتراكيين الديموقراطيين بعد أشهر من التعقيدات التي تلت الانتخابات. ويمدد القانون الذي أقر بغالبية 376 صوتا في مقابل 298 صوتا معارضا، حتى 31 تموز/يوليو قرارا مطبقا منذ بداية 2016 حول لم شمل العائلات للاجئين الذين يسمون "ثانويين" ويشكلون فئة تضم مئات آلاف الأشخاص الذين يتمتعون بوضع الحماية المؤقتة ولاسيما السوريون الهاربون من الحرب.
وكان محافظو المستشارة أنغيلا ميركل يطالبون بالتجميد التام للم شمل العائلات، لكن الاشتراكيين الديموقراطيين كانوا يأملون بمزيد من السخاء. وقال وزير الداخلية توماس دي ميزيير امام النواب "في نهاية مناقشة صعبة، يتعين علينا احراز نتائج، لأننا بشر هنا. والنتيجة، التسوية التي توصلنا إليها، تتسم في آن بالإنسانية التامة والمسؤولية والسخاء والواقعية". لكن هذه التسوية تزيل خصوصا عقبة مهمة في المفاوضات الرامية الى تشكيل حكومة ائتلافية تحت اشراف ميركل، بعد اشهر على الانتخابات التشريعية التي تركت المانيا من دون اغلبية واضحة. بحسب فرانس برس.
وما زال يتعين طرح القانون للتصويت في البوندسرات، مجلس الشيوخ لكن هذا الاجراء شكلي. من جانبه، انتقد حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف، الذي دخل بقوة الى مجلس النواب بعد انتخابات 24 ايلول/سبتمبر، القانون الذي أقر. وقال النائب كريستيان فيرث "نعتبر ان لم شمل العائلات يجب ألا يحصل في بلادنا، إنما في مناطق محمية، في سوريا (على سبيل المثال) التي يسود السلام القسم الاكبر منها"، منتقدا مشروعا أوروبيا "لاستبدال" سكان القارة بمهاجرين من العرب والأفارقة. وزاد هذا الحزب المناهض للإسلام والنخب وأوروبا، من شعبيته عبر اللعب على وتر الهواجس الناجمة عن استقبال حوالى 900 الف طالب لجوء في 2015.
مسيرات مناهضة للكراهية
الى جانب ذلك نظم ألمان ولاجئون عرب يحملون لافتات مؤيدة للمهاجرين ومناهضة للفاشية مسيرة في مدينة كوتبوس الألمانية وأدانوا ما قالوا إنها محاولات من جماعات يمينية متطرفة لتأجيج التوتر في المدينة الواقعة في شرق البلاد بعد أن قام مراهقون سوريون بهجومين بسكين. وقال أحمد البرقوني (28 عاما) وهو طالب سوري يشارك في المسيرة مع نحو 1500 شخص آخر ”نريد أن نوقف تلك الكراهية بين الألمان واللاجئين العرب“. وأضاف ”يقترف بعض الأشخاص الأخطاء لكن لا يجب أن يدفع الجميع ثمنها“ في إشارة للهجومين.
وعززت الشرطة الإجراءات الأمنية في المدينة التي يقطنها نحو مئة ألف نسمة وتقع قرب الحدود البولندية والتي حقق فيها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المناهض للهجرة نتائج جيدة في انتخابات جرت العام الماضي إذ احتل المركز الأول متغلبا على المحافظين بقيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مستثمرا غضب الناخبين من قرارها في 2015 استقبال أكثر من مليون لاجئ.
ونظم سكان وأعضاء في جماعات يمينية متطرفة يحملون لافتات مناهضة للإسلام مسيرة مضادة في المدينة بعد بضع ساعات احتجاجا على ما وصفوه بارتفاع معدلات الجريمة بسبب المهاجرين. وهتف المشاركون، الذين بلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف، بشعارات تطالب ميركل بالتنحي وتتهم الصحافة بالكذب وهم يسيرون سلميا في شوارع المدينة تحت مراقبة شرطة مكافحة الشغب.
وفي وقت سابق أصاب مراهقان سوريان مراهقا ألمانيا في السادسة عشرة من عمره بسكين فيما هدد ثلاثة مراهقين سوريين أعمارهم تقل عن 17 عاما اثنين من الألمان بسكين خارج مركز للتسوق في كوتبوس. وتسبب الهجومان في احتجاجات من سكان معارضين لاستقبال مدينتهم لمزيد من طالبي اللجوء. وأوقف وزير داخلية ولاية براندنبورج التي تقع فيها المدينة إرسال لاجئين لها.
وقالت ليا بانك (25 عاما) وهي طالبة ألمانية شاركت في المسيرة الأولى ”نحن هنا لنتخذ موقفا واضحا ضد حملة الكراهية اليمينية“. وأضافت أن الهجومين لا يبرران مطالب بعض السكان بطرد كل اللاجئين من المدينة. وتتزايد المخاوف والقلق من الهجرة في كوتبوس شأنها كشأن الكثير من المناطق التي تقع في شرق ألمانيا حيث ترعرع كبار السن تحت نظام شيوعي ولم يكن لهم اتصال يذكر بأجانب.
وقال هانس كريستوف برند زعيم حركة (تسوكونفت هايمات) أو الوطن المستقبلي، وهي جماعة تشمل حركات أخرى ونظمت احتجاجات مناهضة للمهاجرين، إن أنصاره يحتجون على سياسات الهجرة التي تنتهجها الحكومة وليس على المهاجرين. وقال ”وسائل الإعلام تسيء تقديمنا... نحتج على قرار استقبال الجميع. ليس هناك أفراد شرطة كافيين ولا أماكن كافية في الحضانات ولا مدرسين كافيين. نطالب بتنحي ميركل“. بحسب رويترز.
واعتقلت الشرطة ستة أعضاء من الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتطرف الذي أصدرت المحكمة الدستورية في العام الماضي حكما يقول إن الحزب يشابه الحزب النازي لأدولف هتلر. وكان الحزب يوزع منشورات وغاز مسيل للدموع على سكان المدينة. وتجتذب الجامعة التقنية في المدينة مئات الطلبة الأجانب كل عام وأدى تدفق الأجانب واللاجئين إليها إلى وقف تراجع عدد سكانها إلى ما دون المئة ألف بعد أن كان يقطنها 145 ألفا قبل توحيد شطري ألمانيا في 1990.
اضف تعليق