مع استمرار الصراع المسلح والغارات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، تفاقمت بشكل كبير معاناة الشعب اليمني،
مع استمرار الصراع المسلح والغارات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، تفاقمت بشكل كبير معاناة الشعب اليمني، الذي يعاني اليوم من كارثة إنسانية حقيقية اثارت قلق ومخاوف العديد من المنظمات الانسانية والحقوقية العالمية، حيث كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في وقت سابق، عن تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن بشكل غير مسبوق، ولاساب كثيرة منها صعوبة في الحصول على المياه الصالحة للشرب، وانتشار الامراض الخطيرة بعد تدمير البنى التحتية في هذا البلد، وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان وكما نقلت بعض المصادر، جددت اتهامها للسعودية بارتكاب جرائم حرب وانتهاك للقانون الإنساني الدولي في اليمن، وفي تقريرها العالمي لعام 2018 الذي يراجع الممارسات ضدّ حقوق الإنسان في أكثر من 90 دولة، قالت المنظمة إنها وثقت 87 هجوماً غير قانوني من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ما تسبب في مقتل ما يقرب من ألف مدني.
كما كشف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عن آخر حصيلة لضحايا القصف السعودي المتواصل على الشعب اليمني، مشيراً إلى أنه خلّف آلاف القتلى الأبرياء والعائلات المشردة وكان السبب الأول لانتشار الأوبئة والمجاعة في هذا البلد العربي الفقير. وتشنّ السعودية والإمارات منذ 25 آذار مارس من عام 2015 عدواناً متواصلاً على اليمن حصد أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، كما شرّد الملايين من الشعب اليمني، وأدّى إلى أوضاع صحية غاية في السوء، حتى وصلت الأمور إلى انهيار القطاع الصحي بشكل عام.
ظروف كارثية
وفي هذا الشأن نبه مسؤول في الامم المتحدة الى ان ظروف الحياة في اليمن باتت "كارثية" جراء نزاع مستمر منذ ثلاثة اعوام مع تنامي خطر المجاعة والكوليرا في بلد يشهد اسوأ ازمة انسانية في العالم. وقال مسؤول عمليات المساعدة في الامم المتحدة جون غينغ امام مجلس الامن "بعد ثلاثة اعوام من النزاع، باتت الظروف في اليمن كارثية. ان النزاع تفاقم منذ تشرين الثاني/نوفمبر مع مئة الف شخص اضافي غادروا منازلهم".
وتقول الامم المتحدة ان عددا قياسيا من 22,2 مليون شخص يحتاجون الى مساعدات غذائية بينهم 8,4 ملايين على وشك المجاعة. كذلك، اصاب وباء الكوليرا 1,1 مليون شخص منذ نيسان/ابريل 2017 وسجل مرض الخناق مجددا في البلاد للمرة الاولى منذ 1982، بحسب غينغ. من جهته، حذر السفير الفرنسي لدى الامم المتحدة فرنسوا دولاتر من "اي انقسام" بين اعضاء المجلس ال15 وخصوصا بعدما شهد انقساما كبيرا حول ادانة ايران في حرب اليمن لمناسبة التمديد السنوي لحظر السلاح المفروض على هذا البلد. واستخدمت روسيا حق الفيتو لعرقلة اي ادانة لطهران سعت اليها الولايات المتحدة بدعم من الدول الاوروبية الخمس الاعضاء. ويستمر النزاع في اليمن بين قوات الحكومة المعترف بها والمتمردين الحوثيين واسفر عن اكثر من 9200 قتيل معظمهم مدنيون.
وباء الكوليرا
الى جانب ذلك حذرت منظمة الصحة العالمية من أن وباء الكوليرا في اليمن الذي أودى بحياة أكثر من ألفي شخص قد يتفشى من جديد في موسم المطر. وقال بيتر سلامة نائب مدير عام المنظمة لبرنامج الطوارئ الصحية إن عدد حالات الإصابة بالكوليرا تراجع في اليمن خلال العشرين شهرا الأخيرة بعد أن وصل إلى حاجز مليون حالة يشتبه بإصابتها بالمرض. وأضاف ”ولكن المشكلة الحقيقية هي أننا ندخل مرحلة أخرى من المواسم المطيرة“. وتابع قائلا ”عادة ما تزيد حالات الكوليرا وفقا لهذه المواسم المطيرة. ولذلك فإننا نتوقع زيادة في أبريل وزيادة محتملة أخرى في أغسطس“.
وأدت حرب بالوكالة بين جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا والتي يدعمها تحالف تقوده السعودية إلى سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل منذ 2015 وتشريد أكثر من مليوني شخص وتدمير كثير من منشآت البنية الأساسية في اليمن بما في ذلك النظام الصحي. ويعتمد اليمن بشكل كبير على استيراد الطعام كما أنه على شفا المجاعة.
وقال سلامة إن اليمن شهد أيضا تفشيا لمرض الدفتيريا الذي يؤثر عادة على الأطفال ويمكن الوقاية منه من خلال التطعيم وتمكنت الدول المتقدمة من القضاء عليه إلى حد بعيد. وأضاف أن تفشي الكوليرا والدفتيريا ناجم عن الأضرار التي لحقت بالنظام الصحي في اليمن. وقال إن أقل من نصف المنشآت الصحية في اليمن تعمل بكامل طاقتها. بحسب رويترز.
وذكر أنه على الرغم من وفاة أكثر من ألفي شخص بسبب الكوليرا فقد انخفض معدل الوفيات بما يتراوح بين 0.2 و0.3 في المئة. وأضاف أن منظمة الصحة العالمية حصلت على موافقة الحكومة للقيام بحملات تطعيم وتعمل على ضمان تنفيذ كل أطراف الصراع لهذه الخطة.
85 ألف نازح
من جانب اخر أعلنت الأمم المتحدة الجمعة أن تصاعد أعمال العنف في اليمن أجبر نحو 85 ألف شخص على النزوح من منازلهم في الفترة الاخيرة، فيما لا يزال المئات يفرون يوميا. وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 70 بالمئة ممن نزحوا قبل الاول من كانون الأول/ديسمبر، فروا هربا من تصعيد عسكري في محافظتي الحديدة وتعز على الساحل الغربي لليمن.
وأعربت المفوضية عن القلق بشكل خاص إزاء الأشخاص الذين نزحوا الى مناطق قريبة من المعارك في المحافظتين، حيث تستمر الاوضاع في التدهور بسرعة بشكل "يعرض الناس الى العنف والأمراض في غياب خدمات أساسية". وقالت المتحدثة باسم المفوضية سيسيل بويي للصحافيين في جنيف "إن معظم الذين نزحوا في محافظتي الحديدة وتعز لا يزالون في ضيافة اقارب او أصدقاء، محاصرون داخل منازل او في كهوف، تحتدم حولهم الاشتباكات البرية والقصف الجوي ونيران القناصة".
وقالت المفوضية ايضا انها ترصد زيادة في عمليات نزوح جديدة من مناطق قرب الجبهات الاخرى في انحاء اليمن، ومنها في محافظتي الجوف وحجة الحدوديتين وفي محافظة شبوة الغنية بالنفط شرق اليمن. وقالت بويي "إن الاحتياجات الرئيسية للنازحين وسكان آخرين في المناطق المتأثرة بالنزاع، لا تزال تتعلق بالوصول الى المأوى ومرافق الصحة والطعام والمياه والنظافة". بحسب فرانس برس.
وحذرت من ان اليمن الذي يواجه حاليا أكبر أزمة انسانية في العالم، مع أكثر من 22 مليون شخص بحاجة للمساعدة "يشهد ارتفاعا في الاحتياجات يغذيها النزاع الدائر واقتصاد منهار وتضاؤل الخدمات الاجتماعية وموارد الرزق". ووجهت الأمم المتحدة نداء لجمع 3 مليارات دولار تقريبا (2,45 مليار يورو) لدرء خطر مجاعة وشيكة إضافة الى انتشار الكوليرا والديفتيريا (الخناق) هذا العام. وطلبت المفوضية 200 مليون دولار (165 مليون يورو) من ذلك المبلغ لعملياتها في اليمن لكن بويي قالت أن فقط 3 بالمئة من ذلك المبلغ تم جمعه. واخذ النزاع في اليمن منحى جديدا في كانون الاول/ديسمبر الماضي عندما قتل الحوثيون الرئيس السابق علي عبد الله صالح بعد انهيار التحالف معهم وسعيه للمصالحة مع السعودية.
دول احتلال
الى جانب ذلك دعت الناشطة اليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام إلى إنهاء ما وصفته باحتلال عسكري سعودي إماراتي لبلادها، واتهمت البلدين بقمع التحول الديمقراطي بالمنطقة. وفازت كرمان، وهي مدافعة نشطة عن حقوق الإنسان وعضو بحزب الإصلاح الإسلامي، بجائزة نوبل في عام 2011 بعدما اعتصمت في خيمة لعدة شهور خلال احتجاجات مؤيدة للديمقراطية أفضت في النهاية إلى تنحي الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
ومثلما حدث في بلدان أخرى هزتها انتفاضات الربيع العربي في ذلك العام ومنها سوريا وليبيا، انزلق اليمن إلى حرب شهدت تدخل قوى خارجية لتهدد أحلام التقدم التي راودت آلاف المحتجين الذين اعتصموا بساحة التغيير في صنعاء. ودخل تحالف عسكري بقيادة السعودية تدعمه الولايات المتحدة بالسلاح والمخابرات إلى أتون الصراع اليمني بعدما سيطرت جماعة الحوثي على معظم أراضي اليمن في أواخر عام 2014 ونجاحها في النهاية في طرد الحكومة إلى المنفى في السعودية.
وقالت كرمان ”الاحتلال السعودي الإماراتي لليمن واضح للعيان .. لقد غدروا باليمنيين وخانوهم واستغلوا انقلاب الحوثي على الشرعية، ليمارسوا احتلالا بشعا ونفوذا أعظم“. وأضافت كرمان ”اتضح أن التحالف يكذب ويمارس الخداع ويعمل على تنفيذ أجندة خاصة به لا علاقة لها بقرارات مجلس الأمن بل تتعارض معها“. وزعمت كرمان أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ومسؤولين آخرين كبار محتجزون رهن ”الإقامة الجبرية“ في الرياض وأنهم ممنوعون من ممارسة مهامهم في الحكم من أجل الحفاظ على النفوذ السعودي والإماراتي.
وقالت الناشطة اليمنية ”هناك عدوان آخر تقوم به الإمارات في اليمن هل تريدون معرفته؟ حسنا، لقد قامت الإمارات ببناء سجون خاصة تمارس فيها التعذيب والتنكيل بمعارضيها. الإمارات إلى جانب ذلك تحتل الجزر والموانئ والمطارات في المناطق المحررة وترفض تسليمها لسلطة الرئيس هادي“. ورفض مسؤول بالحكومة اليمنية مزاعم كرمان. وقال المسؤول ”هذه السيدة وللأسف لم تعد تعي ما تقوله. الرئيس هادي ليس قيد الإقامة الجبرية وبوسعه السفر إلى حيث شاء...ويوجد تنسيق كامل بين الحكومة والتحالف“.
ويقول التحالف إنه شن الحملة بناء على طلب هادي وإنه يهدف إلى إعادته إلى الحكم والحفاظ على مستقبل اليمن كبلد موحد وفقا لقرارات الأمم المتحدة. لكن كرمان تقول إن السعودية والإمارات تسعيان للوقوف أمام حركة التاريخ بشأن التقدم السياسي في اليمن وغيره. وقالت ”هم (السعوديون والإماراتيون) يعتبرون الربيع العربي عدوهم الأول وهذا خطأ استراتيجي يقعون فيه ...لذا ادعوا الدولتين إلى أن تتصالحا مع الربيع العربي .. لا أن تتصادما معه ، لأن المستقبل هو مستقبل التغيير، وعجلة التاريخ لا تعود للوراء“. وأضافت ”سيرحلون وتبقى اليمن .. سنحرر بلدنا منهم جميعا .. من الاحتلال السعودي الإماراتي ومن الانقلاب الحوثي معا .. وسنقيم دولة الحرية والعدالة والديمقراطية والقانون .. هذا قدرنا ووعدنا وميعادنا“.
وكانت كرمان مسؤولة كبيرة في حزب الإصلاح الذي يعتبر فرع الإخوان في اليمن إلى أن انفصلت علنا عن التحالف في خطاب أدى إلى تجميد عضويتها. وتساءلت كرمان قائلة ”من يجمد من؟ ...الغالبية الساحقة من شعبنا يوافقونني الرأي“. وقالت كرمان ”مشكلة السعودية والإمارات ليست مع الإسلام السياسي فقط بل مع مطالب التغيير وكل من يحملها سواء كانوا من الإسلام السياسي أو التيارات القومية أو الليبراليين أو حتى المستقلين... مشكلتهم مع المطالبين بالمساواة ودولة الحرية والعدالة والديمقراطية“.
ومن المفارقة أن حزب الإصلاح اليمني هو الحليف الرئيسي للتحالف الذي تقوده السعودية في الحرب ضد جماعة الحوثي التي كشفت عن بعض من أصعب صراعات المنطقة في مجال التوجهات الفكرية والجغرافيا السياسية. وأقامت كرمان في السنوات القليلة الماضية في قطر ثم انتقلت إلى تركيا البلدان اللذان رحبا إلى حد كبير بانتفاضات 2011 وأبديا دعما للإسلاميين مما أثار غضب الرياض وأبو ظبي. واتهمها منتقدوها على مدى سنوات بأنها تنفذ سياسات مضيفيها خاصة بعدما منحتها تركيا الجنسية رغم أنها تؤكد أنها ”مواطنة يمنية حرة“. وفرضت السعودية والإمارات ومصر والبحرين قيودا على السفر والتجارة مع الدوحة في يونيو حزيران قائلة إن الحكومة القطرية ساعدت الإرهاب وسعت للتقرب من خصمهم اللدود إيران لكن قطر نفت ذلك.
وقالت كرمان ”موقفهم من قطر وتركيا ومحاربتهم لهما امتداد لموقفهم المعادي للربيع العربي.. طبعا هم يعاقبون قطر بالذات لهذا الموقف“. وقد تكون الأوضاع في الداخل أشد التباسا من الصراع في الخارج في ظل اشتباكات دموية وقعت مؤخرا أدت إلى انقسامات في صفوف الحلفاء اليمنيين المنضوين تحت لواء التحالف بقيادة السعودية ضد جماعة الحوثي. واتهمت كرمان السعودية والإمارات بدعم فصائل انفصالية في الجنوب خاضت معارك ضد قوات موالية للرئيس هادي من أجل إثارة الفوضى والحفاظ على نفوذ البلدين على الأرض. بحسب رويترز.
ويردد قول كرمان كثير من اليمنيين الذين يرون أن قوى أجنبية أقوى سيطرت على بلدهم لتحقيق مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية الخاصة. ويقول التحالف إنه يتوسط لحل الخلاف بين قوات هادي والانفصاليين ويؤكد أن قواعده العسكرية على الجزر والموانئ والمطارات في أنحاء البلاد يستهدف دعم جهود الحرب. ورغم الانهيار الداخلي المتزايد في اليمن، إلا أن كرمان لا تزال مطمئنة إلى ”نصر حاسم على الثورة المضادة“. وقالت كرمان ”سيعاود الربيع الكرة في أي بلد، وفي كل مرة يكون هناك دولة الاستبداد والفساد والفشل والمحسوبية والرشاوي سيحدث ذلك في أي دولة من المحيط إلى الخليج“.
اضف تعليق