يواجه ملف الحقوق والحريات في العالم العربي، صعوبات وتحديات كبيرة بسبب الضغوط والانتهاكات متواصلة التي تمارسها بعض الحكومات ضد المعارضين ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام وغيرها من المؤسسات الاخرى، من خلال تشديد الاجراءات والقوانين الرقابية بما يخدم اصحاب السلطة والقرار، وسجلت مؤسسة "فريدوم هاوس" الأميركية، كما نقلت بعض المصادر، في أحدث تقرير لها تراجع واقع الديمقراطية والحريات السياسية والمدنية في العالم العربي وتناول التقرير أوضاع الحريات وسيادة القانون والديمقراطية في مختلف أنحاء العالم خلال عام 2017، والذي سجلت فيه المملكة العربية السعودية انهياراً واضحاً لمؤشر الحريات المدنية والسياسية فيها.
فقد تراجعت السعودية إلى مراكز متأخرة في التقرير لتذيل المملكة قائمة الدول في مؤشر الحريات في الدول العربية والشرق الأوسط في عام 2017. ففي الرياض، تتدهور أوضاع الحريات بوتيرة متسارعة مقارنة بالأعوام السابقة. تواجه فكرة الديمقراطية داخل حدود المملكة أزمة حقيقية حيث تتآكل حرية الإعلام وسيادة القانون وتتآكل فرص إجراء انتخابات حرة ونزيهة. كما اشارت تقارير اخرى الى استمرار الانتهاكات في العديد من الدول العربية الاخرى ومنها ليبيا ومصر وتونس. وهم ما اثار قلق وانتقاد بعض الدول والمنظمات العالمية التي تخشى من تفاقم الانتهاكات ضد الناشطين والصحفيين والمدونين، والتي ازدات بشكل خير في السنوات الاخيرة تحت مسمى قوانين محاربة الإرهاب وغيرها من المسميات الاخرى.
السعودية
وفي هذا الشأن دعا خبراء بالأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان السعودية إلى وقف ”قمع“ نشطاء حقوقيين والإفراج عن عشرات تم اعتقالهم منذ سبتمبر أيلول لممارستهم حقوقهم المدنية والسياسية بشكل سلمي. وقال الخبراء في بيان مشترك إن تقارير أفادت باحتجاز أكثر من 60 رجل دين وكاتبا وصحفيا وأكاديميا ونشطا بارزين في موجة احتجاز منذ سبتمبر أيلول. ونددت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بالحملة على المعارضين لكن الانتقاد الشديد من جانب الأمم المتحدة للبلد المنتج للنفط أمر نادر.
وتقول الرياض أنه ليس لديها سجناء سياسيون لكن مسؤولين كبارا يقولون إن مراقبة النشطاء مطلوبة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. وقال الخبراء الخمسة المستقلون ”نشهد اضطهادا للمدافعين عن حقوق الإنسان لأنهم مارسوا سلميا حقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين جمعيات وحرية الاعتقاد وانتقاما منهم لعملهم“. وندد الخبراء ”بنمط يثير القلق من الاعتقالات التعسفية الواسعة والممنهجة واحتجاز“ شخصيات دينية وكتاب وصحفيين وأكاديميين ونشطاء بموجب قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين الأمنية في المملكة.
وقال الخبراء إن من بين المحتجزين رجل الدين ”الإصلاحي“ المعروف سلمان العودة الذي يدعو إلى زيادة احترام حقوق الإنسان في إطار الشريعة. وذكر الخبراء الأكاديمي والكاتب عبد الله المالكي ورائد الأعمال عصام الزامل وكذلك عبد العزيز الشبيلي وعيسى بن حامد الحامد عضوي ”جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية“ المحظورة.
وقال الخبراء ”رغم انتخاب السعودية عضوا في مجلس حقوق الإنسان في نهاية عام 2016، إلا أنها تواصل إسكات وإلقاء القبض التعسفي واحتجاز واضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان“. ويملك خبراء الأمم المتحدة تفويضا دوليا بشأن متابعة ممارسات الاحتجاز التعسفي، وأحوال المدافعين عن حقوق الإنسان، والحق في حرية التعبير والرأي، وحرية الدين والاعتقاد، وحماية حقوق الإنسان خلال إجراءات مكافحة الإرهاب. ولم يشر البيان إلى احتجاز السلطات السعودية 200 أمير ووزير ورجل أعمال في فندق فاخر بالرياض في نوفمبر تشرين الثاني في إطار ما وصفته الرياض بأنها حملة على الفساد. وجرى الإفراج عن بعضهم بعدما توصلوا إلى تسويات مالية مع الحكومة.
الى جانب ذلك اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان السعودية بانتهاك القانون الإنساني الدولي في اليمن وبتكثيف حملات اعتقال ومحاكمة نشطاء يطالبون بالإصلاح أو يعبرون عن معارضة سلمية. وفي تقريرها العالمي لعام 2018 الذي يراجع ممارسات حقوق الإنسان في أكثر من 90 دولة قالت المنظمة إنها وثقت 87 هجوما غير قانوني من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن مما تسبب في مقتل ما يقرب من ألف مدني.
ونفى التحالف مرارا مزاعم ارتكابه جرائم حرب ويقول إن هجماته موجهة ضد الحوثيين وليس المدنيين. وقال متحدث باسم التحالف في بيان ردا على التقرير إن إلقاء اللوم على السعودية في الأزمة الإنسانية في اليمن غير منصف مضيفا أنه أسس آلية مراقبة خلصت إلى أن التحالف لم يستهدف المدنيين. وقال تقرير هيومن رايتس ووتش التي مقرها نيويورك إن أكثر من 12 ناشطا سياسيا بارزا ”أدينوا بتهم غير واضحة على خلفية نشاطاتهم السلمية“ ويقضون عقوبات مطولة بالسجن. بحسب رويترز.
وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش ”صورة محمد بن سلمان كرجل إصلاحي – التي صُرفت عليها أموال كثيرة – تسقط في وجه الكارثة الإنسانية في اليمن وأعداد النشطاء والمعارضين السياسيين القابعين في السجون السعودية بتهم زائفة“. وأضافت ”الإصلاحات القليلة المتعلقة بحقوق المرأة لا تغطي الانتهاكات السعودية الممنهجة“.
السودان
على صعيد متصل قال مجلس الإعلام الخارجي الذي يتعامل مع أجهزة الإعلام الأجنبية إن السلطات السودانية اعتقلت صحفيا يعمل مع وكالة رويترز ومراسلا لوكالة الصحافة الفرنسية كانا يغطيان احتجاجات في العاصمة الخرطوم. وكان آخر اتصال أجرته رويترز مع مراسلها قبل أن يتوجه لتغطية المظاهرات التي أدت إلى اشتباكات بين الشرطة ومحتجين. ويشهد السودان موجة من الاضطرابات بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
ولم يذكر مسؤول في مجلس الإعلام الخارجي ما إذا كان سيتم توجيه اتهامات للصحفيين السودانيين. كان المسؤول قال في وقت سابق إنه سيطلَق سراحهما. وقال متحدث باسم رويترز ”لا نعلم ملابسات الاعتقال ونسعى للحصول على معلومات إضافية عن الموقف“. وقالت لجنة حماية الصحفيين التي تتخذ من نيويورك مقرا لها إن خمسة صحفيين محليين اعتقلوا أيضا ودعت إلى إطلاق سراح جميع الصحفيين على الفور.
وقال شريف منصور منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة في بيان ”من خلال اعتقال وترهيب الصحفيين ومصادرة الصحف ومحاولة الرقابة على نشر الأخبار، تواصل السلطات السودانية السعي لدفع الصحفيين إلى الالتزام بالروايات الرسمية وإلا دفعوا الثمن“. وذكر البيان نقلا عن تقرير إخباري وشبكة الصحفيين السودانيين المستقلة أن السلطات اعتقلت الصحفيين أثناء تغطيتهما المظاهرات في الخرطوم. بحسب رويترز.
ورفض المسؤول السوداني التعليق على تقرير لجنة حماية الصحفيين. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنه ليس لديها علم بهذه الاعتقالات وإنها تتابع هذه التقارير عن كثب. وقالت هيذر ناورت المتحدثة باسم الوزارة في بيان ”ندين المضايقات والاعتقال التعسفي والهجمات في السودان على الصحفيين الذين يؤدون مهامهم ويمارسون حقهم الأساسي في حرية التعبير“. وأكدت وكالة الصحافة الفرنسية القبض على أحد صحفييها. وقالت الوكالة إن إدارتها تدين اعتقاله وتطلب الإفراج عنه فورا.
وفي هذا البلد الذي تتزايد فيه الرقابة على الاعلام، يعتبر الباز بين عدة صحافيين مستقلين تركوا الصحافة المطبوعة وانتقلوا الى مواقع الكترونية للصحف. وفي العام الحالي دشنت عشرات الصحف الالكترونية بينما ظل جهاز الامن والمخابرات، المؤسسة القوية في البلاد، يصادر نسخ الصحف المطبوعة بسبب مقالات تنتقد نظام الرئيس السوداني عمر البشير. ويقول رؤساء تحرير ان عددا من القوانين في البلاد تعرقل حرية الصحافة وان الرقابة على الاعلام تزايدت عقب انفصال جنوب السودان عن السودان عام 2011. وتصنف منظمة "مراسلون بلا حدود" التي تراقب أوضاع الحريات الصحافية في العالم ومقرها باريس، السودان في المرتبة 174 من بين 180 دولة شملها تقريرها لعام 2017 عن اوضاع حرية الصحافة . وقالت المنظمة ان "جهاز الامن يستدعي الصحافيين ويراقب الاعلام المطبوع".
المغرب
من جانب اخر اعربت وسائل اعلام مغربية عن "قلقها من الأوضاع التي يعيشها قطاع الصحافة بشقيه الورقي والإلكتروني"، بعد فرض السلطات المغربية ضريبة على الاعلانات التي يتم نشرها على مواقع الصحافة الالكترونية. ونددت الفدرالية المغربية لناشري الصحف، في بيان نشرته وسائل اعلام، بالقرار الذي يفرض على ناشر الاعلان الالكتروني ان يسدد شهريا خمسة بالمئة من مجموع مداخيله الإعلانية لادارة الضرائب، وهو ما وصفته الفدرالية بانه "إجراء ضريبي خطير وعبثي وغير مفهوم".
واعلنت الفدرالية ان الاجراء يسدد "ضربة موجعة للصحافة الإلكترونية ستجعلها أسوأ حالا من نظيرتها الورقية المكلومة”، منددة في المقابل بعدم فرض اية ضرائب على الاعلانات المنشورة في المملكة عبر "العملاقين العالميين غوغل وفيسبوك". واشار بيان الفدرالية المغربية الى "الخطر الداهم الذي يهدد وجود الصحافة"، كما و"القوانين الزجرية"، ولا سيما "ترحيل" احدى مواد قانون الصحافة الى القانون الجنائي (المادة 72)، كما و"مشروع قانون آخر حول معاقبة الأخبار الزائفة". بحسب فرانس برس.
ويعاني قطاع الصحافة في المغرب من اوضاع صعبة مع استمرار تراجع المبيعات الورقية، في حين ان الصحافة الالكترونية نادرا ما تنجح في تحقيق توازن مالي بين المصاريف والايرادات. وبالاضافة الى الازمة المالية التي يعاني منها القطاع، لا تزال حرية التعبير تخضع لمفاعيل القانون الجنائي الذي يفرض عقوبة الحبس على النشر او التصريح العلني الذي يتخطى "الخطوط الحمر"، بحسب تقرير نشرته مؤخرا المنظمة الحقوقية "هيومن رايتس ووتش".
تونس
على صعيد متصل استنكرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين تكثيف "الانتهاكات" و"المضايقات" و"محاولة تدجين" مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية، التي كان اتهمها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي السبت بالإساءة لصورة البلاد في تغطيتها للاحتجاجات الأخيرة. وأكدت النقابة أن التشدد في مراقبة مراسلين يغطون الاضطرابات كما لوحظ الأحد وكذلك توقيف صحافي فرنسي لفترة قصيرة، يأتي بعد تصريحات الرئيس التونسي الذي انتقد السبت تغطية الصحافة الأجنبية للاحتجاجات الاجتماعية.
وكان قايد السبسي قد صرح أن "الصحافة التونسية كانت معتدلة والصحافة الأجنبية شوهتنا" متابعا أنه جرى "تهويل" الأحداث وأن العالم أجمع "من تلفزيونات وجرائد شوهنا أكثر من اللازم"، حسب قوله. وقالت النقابة في بيانها "تزايدت الانتهاكات والتضييقات في حق الصحافيين المراسلين لمؤسسات الإعلام الدولية في تونس مؤخرا". وكان نادي المراسلين الأجانب في شمال أفريقيا قد أعرب عن "قلقه" اإزاء "ضغوط متزايدة" يتعرض لها الصحافيون الأجانب العاملين في تونس.
وعبر عن استنكاره لتوقيف مراسل إذاعة فرنسا الدولية لفترة قصيرة وكان يغطي زيارة قايد السبسي لحي شعبي بالعاصمة. واحتج على استدعاء مراسل صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية إثر تحقيق في مدينة قرب العاصمة شهدت مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن. ونددت منظمة مراسلون بلا حدود بالضغوط على الصحافيين. وقالت إن صحافيا يعمل لـ "تونيجيا ريفيو" كان يغطي تظاهرة، تمت مصادرة هاتفه لأيام من قبل شرطي حين كان يبث ريبورتاجا مباشرا. بحسب فرانس برس.
وأكدت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أن هذه الممارسات تأتي "في إطار سلسلة من التضييقات على مراسلي الصحافة الأجنبية المعتمدين رسميا من قبل الدولة واستعادة لممارسات وكالة الاتصال الخارجي سيئة الذكر في التعتيم والتوظيف وشراء الذمم وعدم منحهم رخص التصوير، ولعل آخرها تصريح رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي الذي وجه فيها اتهامات للمراسلين بتشويه صورة تونس وتعمد الإثارة بخصوص تغطية الاحتجاجات الأخيرة". واندلعت في تونس مع بداية كانون الثاني/يناير حركة احتجاج غذتها البطالة والفساد وإجراءات تقشف، وذلك بتظاهرات متقطعة في عدة مدن تونسية، ثم تحولت الاحتجاجات إلى أعمال شغب.
اضف تعليق