تفاقمت مأساة المهاجرين الأفارقة عبر ليبيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بسبب بعض الاجراءات والقوانين المتشددة التي فرضت من قبل دول الاتحاد الأوروبي والسلطات الليبية، ويضاف الى ذلك الأعمال الإجرامية المتعلقة بالاختطاف والتعذيب وابتزاز المهاجرين واللاجئين التي تقوم بها عصابات التهريب وبعض الجهات الأخرى، حيث اكدت بعض التقارير ان عصابات التهريب التي تجلب الناس إلى السواحل الليبية هي نفسها من تقوم ببيعهم أجراء وعبيداً لمن يرغب في شرائهم، بعد فشل ادخالهم إلى أوروبا. التي اغلقت حدودها للحد من التدفق الهائل للمهاجرين الأفارقة وغير الأفارقة، خاصة القادمين من الدول العربية التي تشهد أوضاعاً شبيهة بالدول الإفريقية.
وزاد تدفق اللاجئين بحسب بعض المصادر عبر ليبيا منذ 2014. وعبر أكثر من 600 ألف شخص وسط البحر المتوسط إلى إيطاليا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة لكن الانطلاق من ساحل ليبيا تراجع بشكل حاد في يوليو تموز عندما بدأت الجماعات المسلحة في صبراتة منع القوارب من المغادرة. وفي صيف عام 2017، كثّف خفر السواحل الليبي اعتراضاته لزوارق المهاجرين في البحر بعد الدعم الذي قدمه له الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، حيث لعبت فرنسا وإيطاليا دورا رئيسيا في هذا الدعم. وتُعتبر ليبيا الآن وأكثر من أي وقت مضى فخا كبيرا لمن كانوا يحملون أملا في العثور على عمل هناك أو العبور إلى أوروبا بحثا عن ملجئ وحياة أفضل.
ومنذ أكتوبر / تشرين الأول 2017، تضاعف عدد المهاجرين المحتجزين في مراكز الاحتجاز الرسمية ثلاث مرات، وفقا للتقديرات التي قدمتها المنظمة الدولية للهجرة وإدارة مكافحة الهجرة غير القانونية والوكالة الليبية التي تديرهما. وصُدم مراقبو الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مما رأوه في مراكز الاحتجاز في طرابلس خلال مهمتهم حيث شاهدوا الآلاف من الأشخاص وقد تعرضوا للعنف والتجويع مكدسين فوق بعضهم البعض ويتم احتجازهم في الحظائر كما يتعرضون لأنواع قاسية من العنف والإيذاء. وفي وقت سابق ايضا أعلن السيد زيد رعد الحسين، المفوض السامي لحقوق الإنسان أنه منذ أن كثف الاتحاد الأوروبي تدخلاته لوقف الهجرة، أظهرت تقارير المراقبة تدهورا في الأوضاع السيئة أصلا لاحتجاز المهاجرين واللاجئين في ليبيا.
نددت الأمم المتحدة، بتعاطي الاتحاد الأوروبي مع المهاجرين القادمين من ليبيا عبر البحر المتوسط،ووصفتها بـ “غير الإنسانية” ونقلت “أسوشييتد برس”عن المفوض السامي لحقوق الإنسان في المنظمة الأممية، زيد بن رعد الحسين، قوله:” ان”دعم الاتحاد الأوروبي لخفر السواحل الليبي لاعتراض المهاجرين، ومعظمهم من الأفارقة، في البحر، يؤدي إلى احتجازهم بشكل تعسفي لمدد غير محددة” وأضاف المسؤول الاميي،:”لا يمكن تصور الفظائع التي يواجهها 19 ألفا و900 مهاجر محتجزين حاليًا في ليبيا” وهو رقم زاد بمقدار مرتين ونصف منذ منتصف سبتمبر الماضي.
اعتقال العشرات
وفي هذا الشأن قالت السلطات في شرق ليبيا إنها ألقت القبض على 81 مهاجرا من إريتريا وإثيوبيا والصومال فروا من مهربين بعدما فشلوا في الوصول إلى أوروبا وإنها ستقوم بترحيلهم. وذكر مسؤولون أن إمام جامع على الساحل إلى الجنوب من مدينة بنغازي أبلغ السلطات عن المهاجرين. وقال أحمد العريفي، وهو مسؤول في إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية في بنغازي، إن المهاجرين اعتقلوا في منطقة الزويتينة عند مخيم للمهاجرين غير الشرعيين. وأضاف أن السلطات ألقت القبض عليهم لترحيلهم إلى بلدانهم.
وليبيا هي نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين الحالمين بالوصول لأوروبا عبر البحر. وعبر قرابة 120 ألف مهاجر من منطقة وسط البحر المتوسط العام الماضي. ويغادر المهاجرون من غرب ليبيا في معظم الأحيان لكن الهجرة من هناك تراجعت بشدة في يوليو تموز عندما بدأت فصائل مسلحة في منع عبور المهاجرين. ومعظم المهاجرين من دول غرب أفريقيا لكن بعض أبناء شرق أفريقيا يدخلون ليبيا عبر السودان.
وقال العريفي إن السلطات رحلت 5686 مهاجرا في المجمل من شرق ليبيا العام الماضي بارتفاع من 2912 مهاجرا في 2016. وقال مهاجر من إريتريا في مركز للإيواء في بنغازي إنه وصل إلى ليبيا في مارس آذار قادما من السودان بعدما دفع أربعة آلاف دولار للقيام بالرحلة. ونقل المهاجر عبر الصحراء الكبرى إلى مدينة صبراتة بغرب ليبيا وانتظر هناك مع مهاجرين آخرين لحوالي أربعة أشهر قبل أن يبلغ بإغلاق مسار الهجرة عبر البحر. بحسب رويترز.
وبدأت فصائل مسلحة منع انطلاق القوارب من صبراتة في يوليو تموز كما تم طرد جماعة كبيرة للتهريب من المدينة في سبتمبر أيلول. وقال المهاجر الإريتري إنه عاد بعد ذلك إلى أجدابيا الواقعة في شرق ليبيا وبالقرب من الزويتينة عبر بلدة بني وليد. وطالب المهربون المهاجر بدفع ألفي دولار إضافية للقيام بالرحلة إلى أوروبا لكنه لم يملك المال الكافي وفر من سوء معاملتهم له. وأضاف ”أردت الذهاب إلى إيطاليا للعمل لكن للأسف لم يكن هذا ممكنا. نعاني فقرا مدقعا في بلدنا وبه نظام دكتاتوري“. وتابع ”أصابتنا العلل ونعاني أمراضا جلدية لأن المهربين أساءوا معاملتنا. لا نريد العودة لبلدنا. نريد الذهاب إلى أوروبا“.
إنقاذ 1400 مهاجر
الى جانب ذلك قال خفر السواحل الإيطالي إنه أنقذ نحو 1400 مهاجر من قوارب مكتظة قبالة ساحل ليبيا بينما تم انتشال جثتين. وأفاد بيان أن سفنا تابعة لخفر السواحل الإيطالي وشرطة مالي وعملية الاتحاد الأوروبي لمكافحة التهريب المعروفة باسم صوفيا وسفنا تديرها جماعات إنسانية شاركت في 11 عملية إنقاذ. ولم ترد تفاصيل عن جنسيات من جرى إنقاذهم كما لم تتوفر معلومات عن الجثتين.
ورغم أن مئات الآلاف من المهاجرين وصلوا أوروبا عن طريق إيطاليا بعد أن انطلقوا في قوارب من شمال أفريقيا على مدى الأعوام الأربعة الماضية فمن غير المعتاد إنقاذ هذا العدد في يوم واحد خلال الشتاء عندما تكون البحار هائجة. وقالت وزارة الداخلية قبل عمليات الإنقاذ إن 974 مهاجرا وصلوا إيطاليا عبر البحر حتى الآن هذا العام مقارنة مع نحو 2393 خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. بحسب رويترز.
والهجرة إحدى القضايا الساخنة في إيطاليا قبل الانتخابات العامة المقررة في الرابع من مارس آذار. وأشار الحزب الديمقراطي الحاكم إلى التراجع الحاد في عدد الوافدين من ليبيا منذ يوليو تموز كدليل على أنه بات قادرا الآن على التعامل مع ما كان يبدو سابقا تدفقا لا نهائيا لقوارب المهاجرين. وتراجع عدد الوافدين بواقع الثلث العام الماضي ليصل إلى 119 ألفا مقارنة بالعام الذي سبقه وتراجع بواقع الثلثين في النصف الثاني من العام. يأتي الانخفاض بعد اتفاق أبرم مع حكومة طرابلس في فبراير شباط الماضي يحصل الليبيون بموجبه على مساعدات وتدريبات لمكافحة مهربي البشر وتعزيز خفر السواحل الليبي.
اسبانيا في 2017
على صعيد متصل انضم جزائريون ومغاربة في 2017 إلى موجة المهاجرين عبر البحر المتوسط نحو إسبانيا التي شهدت ارتفاع عدد الوافدين إلى سواحلها ثلاثة اضعاف في رحلات خطيرة اودت بحياة اكثر من مئتي شخص. وقالت المنظمة غير الحكومية "المفوضية الاسبانية لمساعدة اللاجئين" ان "الحصيلة تبقى مؤسفة في نهاية هذا العام".
وتفيد آخر ارقام نشرتها منظمة الهجرة الدولية التابعة للامم المتحدة ان عدد الذين لقوا حتفهم في المتوسط انخفض من 4967 في 2016 الى 3116 هذه السنة، لكن عدد الذين لقوا مصرعهم خلال سعيهم للوصول الى سبانيا ارتفع الى اكثر من 223 مهاجرا. ومن الاول من كانون الثاني/يناير الى 21 كانون الاول/ديسمبر 2017، وصل 21 الفا و468 شخصا الى المياه او السواحل الاسبانية مجازفين بحياتهم في مراكب هشة بعد دفع اموال لمهربين، اي اكثر بحوالى ثلاث مرات من 6046 الرقم الذي سجل العام الماضي.
وقال وزير الداخلية الاسباني المحافظ خوان اينياسيو زويدو للاذاعة "نواجه ضغط الهجرة في كل منطقة المتوسط". في المقابل يتراجع تدفق المهاجرين على اليونان وايطاليا. وما زالت ايطاليا بوابة الدخول الرئيسية للمهاجرين الى اوروبا اذ وصلها 119 الف مهاجر ولقي 2832 آخرين مصرعهم. لكن هذا العدد تراجع اكثر من الثلث مقارنة بـ2016 مع انخفاض عدد الرحلات انطلاقا من ليبيا.
وتأتي بعد ذلك اليونان التي وصل اليها 28 الفا و800 شخص (اقل بست مرات عن 2016) ووفاة 61 شخصا (اقل بسبع مرات)، بعد توقيع اتفاق بين الاتحاد الاوروبي وتركيا لوقف تدفق اللاجئين. وتنتقد منظمات غير حكومية حتى الآن هذا النوع من الاتفاقات، مؤكدة ان الاتحاد الاوروبي لا يطمح سوى الى ابقاء هؤلاء المهاجرين خارج اوروبا بدلا من تحسين مصيرهم بشكل فعلي.
وما زالت فاعلية هذه الاتفاقات مشكوك فيها اذ ان ايستريلا غالان الامينة العامة للمفوضية الاسبانية لمساعدة اللاجئين ترى ان زيادة الواصلين الى اسبانيا "يدل على انه عندما يغلق طريق للمهاجرين ينشط آخر". وفي السنوات الاخيرة، كان جزء كبير من المهاجرين الذين وصلوا الى اسبانيا عبر البحر قادمين من افريقيا جنوب الصحراء. والامر الجديد هذه السنة هو ارتفاع عدد الجزائريين والمغاربة الذين يبحرون للهجرة.
وقال كارلوس ارسي من جمعية الحقوق الانسانية في الاندلس "هذه السنة سجلت زيارة كبيرة في الاشخاص المتحدرين من الجزائر". ونسب ارسي ذلك الى "الوضع الاقتصادي الذي تدهور في السنوات الثلاث الاخيرة في الجزائر" التي تأثرت بتراجع اسعار النفط وعائداتها من القطع الاجنبي. وسجلت المفوضية السامية للاجئين التابعة للامم المتحدة من جهتها زيادة في عدد المغاربة. وقالت في تقرير ان هؤلاء "يستخدمون كل الوسائل للوصول الى اسبانيا (بحرا) من الجيت سكي وألواح الركمجة والزوارق المطاطية والمراكب الخشبية التي تنقل احيانا اكثر من ستين شخصا".
يرى ارسي انه في حالة المغرب، كانت لحركة الاحتجاج التي بدأت في منطقة الريف في الشمال في نهاية 2016 عواقب. وقال ان قوات الشرطة "باتت تركز على القمع اكثر من مراقبة حركة الهجرة على ما يبدو" ما سهّل ابحار مراكب. وشهدت اسبانيا في تشرين الثاني/نوفمبر جدلا حادا عندما وضع حوالى 500 مهاجر معظمهم من الجزائريين في سجن في بلدة ارخيدونا في الاندلس. بحسب فرانس برس.
وقال اليخاندرو كورتينا مدير جمعية ملقة لاستقبال اللاجئين انه في الاسبوعين الاخيرين طرد "مئات الاشخاص الى الجزائر" بينهم "عدد كبير من القاصرين". وقالت السلطات ان مراكز الاحتجاز للاجانب باتت مكتظة وان هذا السجن مزود "بحمامات وتدفئة واسرة وقاعات رياضية". وصرح وزير الداخلية الاسباني "لا يمكننا قبول بقاء هؤلاء الاشخاص احرارا بذريعة وصولهم في مراكب واننا نستطيع انقاذهم". لكن خوسيه فيلاهوز محامي جمعية الجزيرة الخضراء لاستقبال اللاجئين قال ان "الحرمان من الحرية يجب ان يقتصر على الذين يرتكبون جنحا وهذا لا ينطبق" على المهاجرين".
نشر 470 جندي
من جانب اخر قالت هيئة أركان القوات المسلحة الإيطالية إن إيطاليا تهدف إلى نشر ما يصل إلى 470 جنديا في النيجر للمساعدة في التصدي لمشكلة تهريب البشر. كان رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني قد قال إن بعض قوات إيطاليا المنتشرة الآن في العراق والبالغ قوامها 1400 جندي قد ينتقلون إلى منطقة الساحل في غرب إفريقيا، والتي تتضمن النيجر، بعد ما تحقق من مكاسب على تنظيم داعش في العراق.
وقال جنتيلوني إن القوات التي ستنتقل إلى منطقة الساحل قد تساعد أيضا على مكافحة الإرهاب هناك. وقالت هيئة الأركان الإيطالية في بيان إن مهمة استطلاع تجري في النيجر للمساعدة على تحديد نطاق المساعدة التي طلبتها البلاد لكن ما زال يتعين الحصول على موافقة البرلمان الإيطالي على نشر القوات. وأضاف البيان أنه في حالة الحصول على الموافقة اللازمة فإن إيطاليا ستعمل على إرسال 470 جنديا تدريجيا. وأضاف البيان ”مهمة البعثة زيادة قدرة قوات النيجر في العمليات وتمكينها من ضمان الاستقرار في المنطقة ومكافحة تهريب المهاجرين بشكل غير قانوني“.بحسب رويترز.
وخاض ما يزيد على 600 ألف شخص رحلة محفوفة بالمخاطر لعبور البحر المتوسط من ليبيا إلى أوروبا على مدار السنوات الأربع الأخيرة. وانخفضت أعداد اللاجئين بشدة منذ أن أقنع مسؤولون يعملون لصالح الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس المهربين بوقف رحلات القوارب وبعد أن كثف خفر السواحل الليبي عمليات الاعتراض في عرض البحر.
الى جانب ذلك قال مسؤولون إن ليبيا أعادت 142 مهاجرا بشكل غير مشروع إلى غينيا بالطائرة بمساعدة المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة حيث تكثف عمليات الترحيل لتخفيف التكدس الشديد في مراكز الاحتجاز لديها. وزاد عدد الأشخاص في مراكز الاحتجاز الليبية بشكل كبير هذا العام بعد أن أغلقت الجماعات المسلحة بشكل كبير المسار الذي تنطلق منه القوارب إلى إيطاليا من مدينة صبراتة مركز التهريب.
وأعادت المنظمة الدولية للهجرة المهاجرين الغينيين من مدينتين بالغرب إلى مدينة مصراتة حيث ركبوا طائرة في طريقها لكوناكري. وتأتي عمليات الترحيل في أعقاب تقرير من (سي.إن.إن) عن بيع مهاجرين للعمل بالسخرة فجر غضبا دوليا.
اضف تعليق