قسم علماء الاجتماع مشاركة الناس في إدارة شؤون حياتهم وتنظيمها وتوجيهها -على نحو من الإنحاء- إلى مشاركة اجتماعية، ومشاركة اقتصادية، ومشاركة سياسية. ويرى بعضهم أن المشاركة السياسية هي جوهر كل سياسة، كبيرة أو صغيرة، سواء كان المجتمع ديمقراطيا أو دكتاتوريا. وأن المشاركة السياسية قلب الديمقراطية، فارتفاع نسبتها دليل على أتساع الديمقراطية، وأفول المشاركة مؤشر على انحسارها.
تأتي أهمية المشاركة السياسية من حيث إنها تحول دون الاستبداد بالسلطة وتمنع انحرافها، وتمكن الشعوب من اختيار من يحقق طموحاتها، ومن ثم مراقبته وتوجيهه، وتساهم في تعزيز مسؤولية المواطن تجاه المجتمع وانتمائه له، وتساعد المواطن في تعزيز قدرته على إيصال طلباته وتوصياته لصناع القرار.
إذ بحسب المختصين" تؤثر المشاركة السياسية على الأفراد وعلى السياسة العامة للدولة على حد سواء، فعلى مستوى الفرد تنمي المشاركة فيه الشعور بالكرامة والقيمة والأهمية السياسية، وتنبه كلا من الحاكم والمحكوم إلى واجباته ومسئولياته، وتنهض بمستوى الوعي السياسي. كما أنها تساعد على خلق المواطن المنتمي الذي يعد عماد قوة وعافية الجسد السياسي.
وعلى صعيد السياسة العامة، تجلب المشاركة أعظم خير لأكبر عدد من الأفراد، إذ أنها تدفع الحاكم إلى الاستجابة إلى مطالب المواطنين، وتسهم في إعادة توزيع موارد المجتمع بشكل أكثر عدالة، ومن ثم يؤدي ازدياد عدد المشاركين السياسيين إلى مزيد من العدل الاقتصادي والاجتماعي."
فماذا تعني المشاركة السياسية؟ وماهي أنواعها وأصنافها ومستوياتها، وما هو موقف القانوني الدولي منها من حيث كونها حق من حقوق الإنسان؟ وكيف يمكن أن تكون المشاركة السياسية فاعلة في بلد وغير فاعلة في بلد آخر؟ وماهي النتائج المتوقعة من تطبيق مفهوم المشاركة السياسية الفاعلة، وماهي متطلباتها؟
مفهوم المشاركة السياسية، قد يعني "أي عمل تطوعي من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة، وإدارة الشؤون العامة، أو اختيار القادة السياسيين على المستوى المحلي أو الوطني أو القومي." وقد تعني المشاركة السياسية "الجهود التطوعية المنظمة، التي تتصل بعمليات اختيار القيادات السياسية، وصنع السياسات، ووضع الخطط، وتنفيذ البرامج والمشروعات، سواء على المستوى الخدمي أو على المستوى الإنتاجي، وكذلك على المستوى المحلي أو المستوى القومي."
كما تعرف المشاركة السياسية أنها "الأنشطة التي ترتبط بالحكومة أو الدولة من خلال مؤسساتها السياسية أو المساهمة مع الآخرين في بعض الأنشطة، والمشروعات التطوعية لصالح المجتمع" وبهذا التعريف فان "المشاركة السياسية" هي نشاط وليست مجرد اتجاه أو اعتقاد؛ فقد يشعر المرء شعورا عميقا بأهمية الإدلاء بصوته في الانتخابات دون أن يدلي بالفعل بصوته في الانتخابات، ومن ثم لا يعد ذلك مشاركة، حيث تهتم المشاركة السياسية بالنشاط الذي يقوم به الأفراد. والصورة الأكثر فاعلية للمشاركة فهي الانضمام بصفة رسمية إلى حزب، والمنافسة على وظيفية حزبية، والترشيح للانتخابات، والمشاركة في التصويت، والمشاركة في المسيرات والمظاهرات والاعتصامات والمقاطعة.
من هنا، فإن حق المشاركة السياسية في مفهومه الأوسع يشمل، ليس فقط قدرة المواطنين على المشاركة في عملية الانتخابات كل بضع سنوات، بل، تتطلب أيضا، مشاركتهم المدنية الفاعلة بهدف التأثير على ما هو حاصل في دولتهم، بين جولة انتخابات وأخرى. بهذا المعنى فإن المشاركة السياسية تعبّر عن إرادة مواطني الدولة في التأثير على سياسة الحكومة وتحديد سلّم أولوياتها خلال ولايتها الدورية الجارية.
جاء الحق في المشاركة السياسية في العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، حيث أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 على الحق في المشاركة السياسية في المادتين 20 و21 " لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما. ولكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده.
ونص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1976، على أهمية المشاركة السياسية في المادة 21 "يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم"
وتضمنت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "تتخذ جميع التدابير المناسبة التي تكفل للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل ودون تمييز الحقوق التالية:
أ-حقها في التصويت في جميع الانتخابات وفي ترشيح نفسها لجميع الهيئات المنبثقة عن الانتخابات العامة. ب-حقها في التصويت في جميع الاستفتاءات العامة. ج-حقها في تقلد المناصب العامة ومباشرة جميع الوظائف العامة. وتكفل هذه الحقوق عن طريق التشريع".
بما أن المشاركة السياسية هي إسهام أو انشغال المواطن بالمسائل السياسية داخل مجتمعة، سواء أكان هذا الانشغال عن طريق التأييد أو الرفض أو المقاومة أو التظاهر، فان هناك أكثر من تصنيف للمشاركة السياسية منها:
1. المشاركة السياسية الرسمية وغير الرسمية: إن المشاركة السياسية إما أن تكون رسمية أو غير الرسمية، فمن المعروف أن الرسميين وأصحاب المناصب هم الذين يقومون بها من واقع الحفاظ على مصالحهم من خلال تحقق الدوام والاستمرار والاستقرار للنسق الذي يهيمنون عليه، وهم من خلال هذه العملية قد يواجهون مصاعب أو صراعات مع ذوي المصالح الآخرين من أعضاء المجتمع الذين يكونون عادة من الأحزاب السياسية خارج السلطة وجماعات الضغط أو المصلحة والأقليات، وهؤلاء يمثلون أعضاء المجتمع المشاركين سياسيا بالطرق غير الرسمية، ومن ثم تعتبر المعارضة في أي نسق سياسي مشاركة سياسية غير رسمية.
2. المشاركة السياسية الإيجابية والسلبية: والمشاركة السياسية قد تكون مشاركة ايجابية مثل التصويت وكتابة الخطابات الحكومية والعمل من خلال التبرع بالوقت أو المال لمرشح ما. وقد تكون سلبية من الامتناع عن الترشيح أو التصويت، أو المقاطعة أو التظاهر أو الانتقاد وغيره.
3. المشاركة السياسية المباشرة وغير المباشرة: وهناك من يقسم المشاركة في النشاطات السياسية إلى المشاركة في النشاطات السياسية المباشرة أو الأولية: ومن أمثلة المشاركة في النشاطات السياسية المباشرة تقلد منصب، عضوية حزب، الترشيح في الانتخابات، التصويت، والاشتراك في المظاهرات. والمشاركة في النشاطات السياسية غير المباشرة أو الثانوية: ومن أمثلة النشاطات السياسية غير المباشرة هي المعرفة، الوقوف على المسائل العامة، العضوية في هيئات التطوع.
4. المشاركة السياسية التقليدية وغير التقليدية: تشمل الأنشطة التقليدية أو العادية التصويت ومتابعة الأمور السياسية، والدخول مع الغير في مناقشات سياسية، وحضور الندوات والمؤتمرات العامة، والمشاركة في الحملة الانتخابية بالمال والدعاية، والانضمام إلى جماعات المصلحة، والانخراط في عضوية الأحزاب، والاتصال بالمسئولين، والترشيح للمناصب العامة، وتقلد المناصب السياسية. وتشمل الأنشطة غير التقليدية ما هو قانوني مثل الشكوى، وبعضها قانوني في بعض البلاد وغير قانوني في بلاد أخرى، كالتظاهر والإضراب وغيره من السلوكيات السلبية.
لما كانت المشاركة السياسية تعني بصفة عامة تلك الأنشطة الاختيارية، أو التطوعية، التي يسهم المواطنون من خلالها في الحياة العامة، فإن هذه المستويات لمشاركة المواطنين في الحياة العامة، تختلف من دولة لأخرى، ومن فترة لأخرى، في الدولة نفسها، ويتوقف ذلك على مدى توفر الظروف التي تتيح المشاركة أو تقيدها، وعلى مدى إقبال المواطنين على الإسهام في العمل العام.
ويذكر المختصون أربعة أنواع لمستويات المشاركة السياسية وهي:
أ - المستوى الأعلى: وهو ممارسو النشاط السياسي، ويشمل هذا المستوى من تتوافر فيهم ثلاثة شروط من ستة: عضوية منظمة سياسية، والتبرع لمنظمة أو مرشح، وحضور الاجتماعات السياسية بشكل متكرر، والمشاركة في الحملات الانتخابية، وتوجيه رسائل بشأن قضايا سياسية للمجلس النيابي، ولذوي المناصب السياسية أو للصحافة، والحديث في السياسة مع أشخاص خارج نطاق الدائرة الضيقة المحيطة بالفرد.
ب- المستوى الثاني: المهتمون بالنشاط السياسي، ويشمل هذا المستوى الذين يصوتون في الانتخابات، ويتابعون بشكل عام ما يحدث على الساحة السياسية.
ج - المستوى الثالث: الهامشيون في العمل السياسي، ويشمل من لا يهتمون بالأمور السياسية، ولا يميلون للاهتمام بالعمل السياسي، ولا يخصصون أي وقت أو موارد له، وإن كان بعضهم يضطر للمشاركة بدرجة أو بأخرى في أوقات الأزمات، أو عندما يشعرون بأن مصالحهم المباشرة مهددة، أو بأن ظروف حياتهم معرضة للتدهور.
د- المستوى الرابع: المتطرفون سياسيًّا، وهم أولئك التين يعملون خارج الأطر الشرعية القائمة، ويلجئون إلى أساليب العنف.
بناء على ما تقدم، فان هناك مجموعة من المتطلبات والحاجات الأساسية التي إذا ما توفرت بشكلها الصحيح، فان المشاركة السياسية تكون فاعلة ومؤثرة ومنتجة، ومن أهم تلك المتطلبات التي يذكرها المختصون هي:
- ضرورة ضمان توفير المتطلبات والاحتياجات الأساسية للجماهير، مثل الغذاء والكساء، والمسكن الملائم، والصحة والتعليم، وفرص العمل، وحرية التعبير، وغيرها من الاحتياجات، التي تحقق الإشباع المادي والنفسي للإنسان، ويتيح له قدرًا من الاستعداد للمشاركة في الحياة العامة داخل وطنه.
- ضرورة ارتفاع مستوى وعي الجماهير سياسيا، ويكتسب هذا الوعي: إما عن طريق سعي الأفراد لبلوغ هذا القدر المطلوب من المعرفة، أو عن طريق الوسائل المختلفة لتكوين الرأي العام داخل المجتمع، مثل المؤسسات الحكومية، العاملة في مجال الإعلام والثقافة والتعليم أو المؤسسات غير الحكومية، كالنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الخاصة، والاتحادات، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية.
- الشعور بالانتماء للوطن، وإحساس المواطنين بأن مشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع تمثل واجبًا تفرضه العضوية في هذا الوطن.
- الإيمان بجدوى المشاركة: فإحساس المواطن بأهمية المشاركة وفاعلية هذه المشاركة وسرعة استجابة المسؤولين، يعمق من شعوره بجدوى مشاركته، ومردودها المباشر على تحسين صورة حياته، وحياة الآخرين داخل المجتمع.
- وجود التشريعات التي تضمن وتؤكد وتحمي المشاركة، وكذلك الوسائل والأساليب المتنوعة؛ لتقديم وعرض الآراء والأفكار والاقتراحات بوضوح تام وحرية كاملة، ومع توافر الأساليب والوسائل والأدوات التي تساعد على توصيل هذه الأفكار، والتي تضمن وصول هذه المشاركات لصانع القرار.
- وجود برامج تدريبية لمن في مواقع المسؤولية، سواء في الحكومة أو في المؤسسات غير الحكومية في المجتمع؛ لتدريبهم على مهارات الاستماع والإنصات، واحترام فكر الجماهير، وكذلك على أساليب استثارة اهتمام الجماهير، وتنمية قدراتهم على المشاركة.
- وجود القدوة الصالحة في كل موقع من مواقع العمل؛ مما يستلزم التدقيق في اختيار القيادات، والتأكد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. فهذه القدوة الصالحة من شأنها أن تكون مشجعة، وليست معوقة للمشاركة. كما يفترض فيها إيمانها بإمكانات الشباب، ودوره في عملية التنمية.
- اللامركزية في الإدارة، مما يفسح المجال أمام الجماهير؛ لكي تشارك في إدارة شؤون حياتها، ويفتح الباب لكل الجهود والمساهمات التي تقدمها الجماهير.
- ضرورة التزام وسائل الاتصال بالصدق والموضوعية، في معالجة القضايا والأحداث والمشكلات المختلفة، وإفساح المجال أمام كافة الآراء والاتجاهات والأفكار؛ للتعبير عن نفسها، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو المهنية.
.....................................
اضف تعليق