عمليات الإبادة التي تتعرض لها أقلية الروهينغا المسلمة، من قبل جيش ميانمار الذي يشن حملة عسكرية انتقامية بذريعة تطهير المناطق ممن يصفهم بالإرهابيين، ماتزال محط اهتمام اعلامي واسع، حيث اكدت العديد من التقارير حدوث انتهاكات خطيرة شملت القتل والاغتصاب و عمليات احراق المساكن لإرغام الاهالي على النزوح ، الامر الذي اثار قلق ومخاوف المنظمات الحقوقية والانسانية .
وقد أعلن جيش ميانمار أن حصيلة الحملة التي بدأها عقب هجمات شنها "جيش إنقاذ روهينغا أراكان" على مراكز حدودية ارتفعت إلى نحو أربعمئة قتيل، بينهم 370 مسلحا، وكانت الحصيلة السابقة تفيد بمقتل نحو 120 بينهم 14 مدنيا فقط. لكن منظمات حقوقية ترجح أن حصيلة الضحايا أكبر بكثير، وتتحدث عن ارتكاب قوات الجيش والأمن ومليشيات بوذية مجازر بحق الروهينغا في قرى نائية.
وتتواتر شهادات بحسب بعض المصادر، عن ممارسات مروعة لقوات ميانمار ضد المسلمين، وروت امرأة في الـ23 أنها شاهدت جنودا ومسلحين بوذيين يقتلون مدنيين ويغتصبون نساء مسلمات في قريتها، وقالت من منطقة كوكس بازار في بنغلاديش "كانوا يقتلون الرجال والنساء والأطفال بلا رحمة". وكانت الحملة السابقة التي شنتها قوات ميانمار ضد الروهينغا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي شهدت أعمال قتل واغتصاب وحرق للقرى وفق شهادات وثقتها تقارير دولية، وخلفت الحملة مئات القتلى، وتسببت في تهجير نحو تسعين ألفا إلى بنغلاديش.
وانتقد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ميانمار بسبب ”العملية العسكرية الوحشية“ ضد الروهينجا المسلمين والتي وصفها بأنها ”مثال صارخ على التطهير العرقي“. ولا يزال الرحيل الجماعي إلى بنجلادش مستمرا دون أي مؤشر على انخفاضه إذ قالت متحدثة باسم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن 370 ألف شخص وصلوا إلى هناك مقارنة بنحو 313 ألفا قبل أيام. وقالت رئيسة وزراء بنجلادش الشيخة حسينة إنه ينبغي لميانمار إقامة مناطق آمنة لتمكين اللاجئين من العودة لديارهم. وتعتبر حكومة ميانمار قرابة مليون من الروهينجا مهاجرين غير شرعيين من بنجلادش المجاورة وتحرمهم من الجنسية على الرغم من أن الكثير من أسر الروهينجا تعيش في ميانمار منذ وقت طويل.
سياسة الارض المحروقة
وفي هذا الشأن كشفت منظمة العفو الدولية صورا حديثة ملتقطة بالاقمار الصناعية لقرى محروقة في ولاية راخين، متهمة قوات الأمن البورمية بشن تطهير "منهجي" ضد اقلية الروهينغا المسلمة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة. وذكرت المنظمة الحقوقية ومقرها لندن أن 26 قرية على الأقل تعرضت لهجمات حرق متعمد في الولاية التي يشكل الروهينغا غالبية سكانها، مع ظهور ركام من الرماد محل مواقع البيوت في الصور الملتقطة.
ودعما للصور الملتقطة، أوضحت منظمة العفو أن مجسات الحريق في الاقمار الصناعية التقطت 80 حريقا كبيرا في مختلف ارجاء ولاية راخين منذ 25 اب/اغسطس الفائت، حين بدات السلطات في بورما شن "عمليات تطهير" ردا على هجمات للمسلحين الروهينغا. وقال أولوف بلومكفيست الباحث في منظمة العفو إن الوضع في "ولاية راخين مشتعل... هناك حملة واضحة لقوات الامن البورمية للتطهير العرقي". ونقلت المنظمة عن شهود عيان من الروهينغا قولهم إن قوات الأمن وقرويين استخدموا البنزين والصواريخ المحمولة على الكتف لحرق المنازل، قبل إطلاق النيران على السكان الروهينغا الفارين. وقال بلومكفيست إنه "من الصعب جدا الاستنتاج أن ما يحدث أي شيء غير محاولة متعمدة للجيش البورمي لاخراج الروهينغا من بلادهم بأي وسيلة ممكنة". بحسب فرانس برس.
وتنفي السلطات في بورما استهداف الروهينغا، بل تتهم المسلحين الروهينغا باشعال هذه الحرائق في ولاية راخين. وتقول الحكومة البورمية إن 40% من قرى الروهينغا خالية الآن في اقصى شمال ولاية راخين، لكنها تؤكد أن بعض الفارين من عمليات الجيش، على صلة ب"المتطرفين الارهابيين" أو هربوا خوفا منهم. وتقول تيرانا حسن مديرة الاستجابة للازمات في المنظمة إن "هناك نموذج واضح ومنهجي للانتهاكات هنا. قوات الامن تحاصر قرية، تطلق النار على السكان الفارين ثم تحرق المنازل حتى تساويها بالارض". ومنذ نهاية آب/اغسطس، لجأ اكثر من 379 الفا من الروهينغا الى بنغلادش.
زيارات ممنوعة
على صعيد متصل قالت ميانمار إنها لن تسمح لمسؤول أمريكي يعتزم زيارة البلاد بالذهاب إلى منطقة سبب العنف وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن من المقرر أن يصل باتريك ميرفي نائب مساعد وزير الخارجية إلى ميانمار لينقل مخاوف واشنطن ويسعى من أجل السماح بوصول المزيد من المساعدات إلى منطقة الصراع. وقال مسؤولون في ميانمار إنه سيجتمع مع قيادات الحكومة في العاصمة نايبيتاو ويحضر كلمة توجهها سو كي للمواطنين.
وقال تين ماونج سوي المسؤول المحلي بولاية راخين إن ميرفي سيزور سيتوي عاصمة الولاية ويجتمع مع حاكمها لكن لن يسمح له بزيارة شمال الولاية حيث اندلع الصراع في 25 أغسطس آب. ولدى سؤاله عما إذا كان ميرفي سيذهب إلى منطقة ماونجداو التي تقع في قلب الصراع الذي بدأ حين هاجم مسلحون من الروهينجا مواقع للشرطة ومعسكرا للجيش مما أسفر عن مقتل العشرات أجاب ”غير مسموح“. بحسب رويترز.
ولا يزال قادة الجيش يسيطرون على سياسات الأمن القومي لكن مع ذلك وجهت انتقادات عديدة إلى سو كي في الخارج لعدم إدانتها العنف. وتحظي الحملة على المتمردين الروهينجا بتأييد الرأي العام في ميانمار. وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل إن سو كي أبلغته أنها تعمل من أجل وصول المساعدات للمناطق التي يجتاحها العنف.
الأمم المتحدة تناشد
الى جانب ذلك ناشدت الأمم المتحدة تقديم مساعدات هائلة لنحو 400 ألف من الروهينجا المسلمين فروا إلى بنجلادش فيما تنامت المخاوف من أن العدد قد يرتفع ما لم تضع ميانمار حدا لما يصفه منتقدون بالتطهير العرقي. وينزح الروهينجا هربا من حملة عسكرية في ولاية راخين بغرب البلاد بعد سلسلة من الهجمات على نقاط أمنية ومعسكر للجيش يوم 25 أغسطس آب أسفرت عن مقتل نحو عشرة أشخاص. ودعت الأمم المتحدة إلى زيادة كبيرة في عمليات الإغاثة لمساعدة اللاجئين وإلى استجابة أكبر من المجتمع الدولي.
وقال محمد عبدي كير مدير العمليات والطوارئ في المنظمة الدولية للهجرة خلال مؤتمر صحفي في داكا عاصمة بنجلادش ”نحث المجتمع الدولي على زيادة الدعم الإنساني وتقديم المساعدة“ وأضاف أن الاحتياجات هائلة. وأصبح العنف في راخين ورحيل سكانها من الروهينجا المسلمين أكبر مشكلة ملحة تواجه أونج سان سو كي الحائزة على جائزة نوبل للسلام منذ قيادتها البلاد العام الماضي.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ومجلس الأمن الدولي ميانمار يوم الأربعاء لإنهاء العنف. ووصف جوتيريش العنف هناك بأنه تطهير عرقي. وترفض حكومة ميانمار التي يغلب عليها البوذيون هذه الاتهامات وتقول إنها تستهدف ”إرهابيين“. ويقول مكتب الأمم المتحدة المعنى بمنع الإبادة الجماعية إن القانون الدولي لا يعترف ”بالإبادة الجماعية“ كجريمة مستقلة لكن المصطلح استخدم في قرارات للأمم المتحدة واعترفت به المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في أحكام ولوائح اتهام.
وعرفت لجنة خبراء من الأمم المتحدة هذا المصطلح بأنه ”جعل منطقة متجانسة عرقيا باستخدام القوة أو الترهيب لترحيل أشخاص من مجموعات معينة“. وأثارت الأزمة تساؤلات بشأن التزام سو كي بحقوق الإنسان وقد توتر العلاقات مع داعميها من الغرب الذين يساندون قيادتها للمرحلة الانتقالية في ميانمار بعد عقود من الحكم العسكري الصارم والعزلة الاقتصادية. ودعا منتقدوها إلى تجريدها من جائزة نوبل للسلام لعدم بذلها جهودا لوقف العنف رغم أن الأمن القومي لا يزال إلى حد بعيد تحت سيطرة الجيش.
وقالت وسائل إعلام رسمية في ميانمار إن الصين تدعم الحملة الأمنية على متمردي الروهينجا ووصفتها بأنها ”شأن داخلي“. وتتنافس الصين مع الولايات المتحدة على النفوذ في ميانمار. ونقلت صحيفة (جلوبال نيو لايت أوف ميانمار) الرسمية عن السفير الصيني هونغ ليانغ قوله خلال لقاء مع مسؤولين كبار بالحكومة ”موقف الصين تجاه الهجمات الإرهابية في راخين واضح. هذا ما هو إلا شأن داخلي“. وأضاف ”الهجمات المضادة التي تشنها قوات أمن ميانمار على الإرهابيين المتطرفين وتعهدات الحكومة بتقديم العون للناس محل ترحيب شديد“.
لكن في الأمم المتحدة بنيويورك استخدمت الصين نبرة مختلفة وانضمت إلى مجلس الأمن الدولي في التعبير عن القلق بشأن التقارير عن العنف ودعت لاتخاذ خطوات لوضع حد لذلك. وعبر المجلس عن ”قلقه بشأن التقارير التي تحدثت عن العنف المفرط خلال العمليات الأمنية ودعا إلى اتخاذ خطوات فورية لوقف العنف في راخين وعدم تصعيد الوضع وإعادة بسط القانون والنظام وضمان حماية المدنيين... وحل مشكلة اللاجئين“.
وتقول بنجلادش إنه يجب عودة جميع اللاجئين إلى بلادهم ودعت إلى إقامة مناطق آمنة في ميانمار التي تقول إن المناطق الآمنة غير مقبولة. ورفض عبدي كير من المنظمة الدولية للهجرة تحديد عدد اللاجئين الذين يعتقد أنهم سينتهي بهم الحال في بنجلادش. وقال ”العدد قد يصل إلى 600 ألف أو 700 ألف أو حتى مليون إذا لم يتحسن الوضع في ميانمار“. وقال جورج وليام أوكوث أوبو مساعد المفوض السامي للعمليات بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أهم شيء هو أن يتمكن اللاجئون من العودة لديارهم بسلام. وأضاف خلال مؤتمر صحفي ”على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم لضمان عودتهم... سالمين وآمنين“.بحسب رويترز.
ووفقا للأرقام الحكومية فقد قٌتل 432 شخصا أغلبهم متمردون منذ 25 أغسطس آب. وتقول حكومة بنجلادش إنها عثرت على 100 جثة على الأقل في نهر على الحدود وشواطئ قريبة وكان بعضهم مصابا بجروح. وهناك مخاوف من اندلاع أزمة إنسانية على جانب ميانمار من الحدود. واتهمت الحكومة بعض وكالات الإغاثة بمساعدة المتمردين وفرضت قيودا مشددة على وصول المساعدات.
اضف تعليق