في أحدث موجة عنف تستهدف مسلمي الروهينغا في إقليم أراكان (راخين) غرب ميانمار (بورما)، وكما نقلت بعض المصادر، سقط مئات القتلى والجرحى على يد جيش ميانمار الذي يتفنّن منذ سنوات في قتل المسلمين العزّل هناك، في محاولة لإبادتهم حسب تقارير حقوقية دولية وأممية هذا بالإضافة الى تشريد الآلاف من السكان. الهجوم على مسلمي الروهينغا تم هذه المرة بصورة انتقامية، بعد انباء عن تعرض مواقع للشرطة وقاعدة للجيش لهجمات من قبل مسلحين حسبما قالت السلطات التي أضافت أن 24 موقعًا للشرطة كانوا هدفًا لهجمات المسلحين، في حين تحدث الجيش عن مقتل 12 جنديًا، وكثيرًا ما تدعي حكومة ميانمار تعرض قواتها الأمنية والعسكرية لهجمات مسلحة من قبل مسلحين مسلمين لتشرعن العنف الممارس ضد الأقلية المسلمة في ذلك البلد الآسيوي.
ومنذ عام 2012، يشهد إقليم أراكان أعمال عنف بين البوذيين والمسلمين، ما تسبب بمقتل مئات الأشخاص، وتشريد مئات الآلاف، وفق تقارير حقوقية دولية. ولجأ عشرات الآلاف من مسلمي الروهينغيا إلى مخيمات لجوء داخل الإقليم، وفي بنغلاديش، فيما حاول مئات التوجه إلى دول مجاورة أخرى، مثل ماليزيا وإندونيسيا. ويشكّل المسلمون في ميانمار نحو 4.3% من إجمالي عدد السكان، البالغ تعدادهم قرابة 51.5 مليون، بحسب إحصاء رسمي لعام 2014.
وينحدر أغلب المسلمين في البلاد لأقلية الروهينغيا، التي يتركز وجودها بإقليم أراكان، الذي يعد أكثر أقاليم ميانمار فقراً. وتعتبر الحكومة أقلية الروهينغيا "مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش"، بموجب قانون أقرته عام 1982، بينما تصنفهم الأمم المتحدة على أنهم "الأقلية الدينية الأكثر اضطهاداً في العالم". كما ذكرت تقارير إعلامية عن شهود عيان أن مئات من مسلمي الروهينغا محاصرون داخل منطقتهم من قبل البوذيين في مناطق مختلفة.
مجازر جديدة
وفي هذا الشأن أثار تصاعد الهجمات التي تشنها القوات الحكومية ضد مسلمي الروهينغا بإقليم أراكان مؤخراً، التساؤلات حول توقيت تلك المجازر التي أسفرت خلال 3 أيام فقط عن مقتل بين ألفين إلى 3 آلاف شخص، بحسب تصريحات مجلس الروهينغا الأوروبي. وتزامنت الهجمات ضد الشرطة في إقليم أراكان غربي ميانمار، و"مجازر" الجيش التي أعقبتها بحق مسلمي الروهينغا، عقب تسليم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، لحكومة ميانمار تقريراً نهائياً، في 23 أغسطس/آب الجاري 2017، بشأن تقصي الحقائق في أعمال العنف ضد مسلمي "الروهينغا" في أراكان.
ويبدو أن وقوع هجمات على مخافر الشرطة بالإقليم، و"المجازر" التي تطال المسلمين هناك جاء في توقيت ذي دلالة، حيث طالب التقرير الذي قدَّمه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، حكومة ميانمار بإعطاء المسلمين حقوقهم. ففي اليوم التالي من إعلان اللجنة تقريرها للرأي العام العالمي، في 24 أغسطس/آب، وقعت هجمات متزامنة على مخافر للشرطة، وحرس الحدود في منطقة مونغدو غربي أراكان، خلفت 96 قتيلاً.
وزعم بيان صادر عن مكتب وزيرة خارجية ميانمار، مستشارة الدولة (رئيسة الحكومة)، أونغ سان سو تشي، أن "جيش تحرير روهينغا أراكان"، أعلن مسؤوليته عن الهجمات عبر موقعه على شبكات التواصل الاجتماعي. وسبق أن أعلن جيش تحرير روهينغا أراكان، أو ما كانت تعرف بحركة اليقين عند تأسيسها قبل نحو عام، عن اتخاذ قرار بالتحرك للدفاع عن القرويين بعد اشتداد وطأة الحصار المفروض عليهم، وارتفاع عدد القتلى مؤخراً.
وعقب الهجمات بدأت قوات جيش ميانمار، هدم قرى المسلمين وارتكاب "المجازر" بحق سكانها، متذرّعةً بتلك الهجمات. وأعلن مجلس الروهينغا الأوروبي، مقتل ما بين ألفين إلى 3 آلاف مسلم في هجمات جيش ميانمار بأراكان خلال 3 أيام فقط. وثمة مخاوف من سقوط آلاف القتلى في إقليم أراكان، في حين فرَّ عشرات الآلاف بحثاً عن مناطق آمنة للحفاظ على حياتهم.
ولا يزال الموقف الدولي يدور في فلك الإدانات والمناشدة بتقديم المساعدات، رغم تقرير عنان الذي طالب بتوفير حقوق لمسلمي الروهينغا الذين يعانون من أوضاع إنسانية جائرة. فقد أدان أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أحداث العنف التي شهدتها ولاية راخين (أراكان)، معرباً عن "القلق الشديد إزاء تقارير مقتل مدنيين أثناء العمليات الأمنية".
وناشد غوتيريش، السلطات في بنغلاديش، أن "تواصل السماح للفارين من العنف من أبناء الروهينغا، وغالبيتهم من النساء والأطفال، وبعضهم مصابون، بالتماس الأمان في بنغلاديش". وبحسب عطا نور الإسلام الأراكاني، الناشط الروهينغي ومدير قناة آرفيجين العربية، فقد تم تهجير أكثر من 50 ألف شخص من المسلمين الروهينغا خلال الأسبوع الأخير فقط، وهم الآن في الجبال والغابات أو في المنطقة الحدودية بين بورما وبنغلاديش.
من جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يتابع عن كثب ما يحدث في إقليم أراكان، وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية ماجا كوسيجانسيك: "نتابع الوضع عن كثب، عيوننا ليست مغلقة تجاه ما يحدث في أراكان". وطالبت بريطانيا على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، ماثيو رايكروفت، بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بشأن أعمال العنف التي تشهدها ولاية "راخين" (أراكان).
ودعت مفوضة الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، بيربل كوفلر، الأربعاء، حكومة ميانمار إلى تطبيق توصيات تقرير أعدته اللجنة الاستشارية لإقليم أراكان، برئاسة الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي عنان. وقالت كوفلر، في بيانٍ، إنها تتابع بقلق كبير الأحداث التي أدت إلى عودة الأمور إلى الاشتعال شمالي إقليم أراكان، وتسببت في مقتل عدد كبير من الأشخاص.
وأدانت منظمة التعاون الإسلامي في بيانٍ، ما وصفته بـ"التدمير الممنهج" لقرى أقلية الروهينغا المسلمة، على أيدي جماعات تتمتع بدعم قوات الجيش والشرطة، ما دفع الآلاف إلى الفرار. بدوره أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشدة، أعمال العنف في أراكان، مؤكداً أن بلاده ستُعبر عن موقفها في المؤسسات الدولية المعنية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة. وانتقد أردوغان في مقابلة مع قناة تركية، الصمت الدولي حيال انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم أراكان، قائلاً "إن (العالم) أعمى وأصم، لا يرى ولا يسمع".
ومنذ 25 أغسطس/آب الجاري، يرتكب جيش ميانمار انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان، شمالي إقليم أراكان، تتمثل باستخدام القوة المفرطة ضد مسلمي الروهينغا، حسب تقارير إعلامية. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2016، وصل إلى بنغلاديش نحو 87 ألف شخص من الروهينغا، حسب مسؤول محلي بارز في مقاطعة "كوكس بازار" البنغالية.
الفرار من المعارك
على صعيد متصل أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن 18,500 لاجئ على الأقل عبروا الحدود في اتجاه بنغلادش المجاورة منذ بداية المعارك الأسبوع الماضي بين الجيش البورمي ومقاتلين مسلمين من الروهينغا. وفي تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، قال كريس لوم المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة الذي قدم أول تقدير لحجم الهجرة منذ الجمعة، إن "18,500 شخص بالإجمال اجتازوا الحدود منذ 25 آب/أغسطس"، يوم بدأت أعمال العنف بين المقاتلين المسلمين والجيش.
وهذا التقدير هو نتيجة جمع معلومات حصلت عليها المنظمات غير الحكومية التي تأتي لمساعدة اللاجئين في منطقة كوكس بازار على الجانب البنغالي من الحدود. ويشكل المسلمون الروهينغا الفارون من أعمال العنف في ولاية راخين، القسم الأكبر منهم. وأسفرت أعمال العنف عن 110 قتلى على الأقل منذ الجمعة. وأضاف كريس لوم "نعرف أيضا أن ثمة أشخاصا قد علقوا على الحدود، لكننا لا نعرف عددهم"، مشيرا إلى صعوبة العمل في المنطقة. ورفض قسم من اللاجئين الوصول إلى بنغلادش في الأيام الاخيرة. بحسب فرانس برس.
ولم يحصل الروهينغا الذين يعتبرون أجانب في بورما التي تعد 90% من البوذيين، على الجنسية حتى لو أن بعضا منهم يعيشون في هذا البلد منذ أجيال. ولا يستطيعون الوصول إلى سوق العمل، ودخول المدارس والمستشفيات. وأجج تنامي القومية البوذية في السنوات الأخيرة العداء حيالهم، وقد اتخذ ذلك شكل مواجهات دامية.
الى جانب ذلك أفادت السلطات الأمنية في بنغلاديش، بأنه تم انتشال 20 جثة ، إثر غرق قارب في نهر ناف كان يقل لاجئين من الروهينغا. وقال مدير الشرطة المحلية إن "جميع الضحايا هم من أقلية الروهينغا في ميانمار، وكان من بين القتلى 9 نساء و 10 أطفال، ورأى السكان المحليون الجثث عائمة في النهر فجلبوها إلى الشاطئ. ثم اتصلوا بالشرطة". واحتجزت قوات الأمن البنغلاديشية أيضا 75 لاجئا من الروهينغا، من بينهم نساء وأطفال، عندما كانوا يحاولون عبور الحدود هربا من ميانمار إلى بنغلاديش.
تحذيرات واستنكارات
من جهة اخرى قال وزير الخارجية التركي، وكما نقلت بعض المصادر مولود جاويش أوغلو، إن المسؤولين الأتراك يتواصلون مع دول العالم لإنهاء الظلم الذي يتعرض له مسلمو الروهينغا في إقليم أراكان في ميانمار. وأضاف جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره المالديفي، محمد عاصم في العاصمة التركية أنقرة :" الرئيس رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، يتابعان الوضع في أراكان بنفسيهما"..."ينبغي إيجاد حل جذري اليوم لما يحصل في أراكان، فلا يمكن استمرار هذا الظلم والمعاملة غير الإنسانية بهذا الشكل، وعلى العالم بكامله أن يتحلى بالمسؤولية".
ونوه جاويش أوغلو إلى أنه يقع على عاتق دول المنطقة دور هام من أجل حل الأزمة، مشيرا إلى أن إندونيسيا وماليزيا قدمتا كل أنواع الدعم لمسلمي الروهينغا الذين يتعرضون بشكل ممنهج للظلم والقمع والتهجير. وأضاف الوزير التركي قائلا:" أقول للمسؤولين في الدول الإسلامية، علينا ألا نلتزم الصمت حيال هذا الأمر، علينا أن نظهر حساسيتنا وأن نوجه التحذيرات اللازمة إلى ميانمار، وأن ندعمهم في حال أبدوا تجاوبا".
بدوره قال وزير خارجية المالديف محمد عاصم، إن بلاده "تعي أهمية الدور القيادي الذي تلعبه تركيا في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي". على صعيد متصل استنكر الأزهر، بشدة الأعمال الوحشية وغير الإنسانية التي يتعرض لها مسلمو الروهينغا في ميانمار والتي تتعارض مع كافة الشرائع والأديان. وناشد الأزهر، في بيان، المجتمع الدولي لوضع حد لهذه الممارسات البشعة، وضرورة العمل على حقن الدماء في هذه البلاد(ميانمار) خدمة للسلام العالمي.
اضف تعليق