قد لا يختلف حال السعودية في اليمن هذه الايام عنه في الايام الاولى لحربها على هذا البلد العربي الفقير (ماليا)، وربما ازدات اوضاعها سوء في مختلف المستويات وخسائرها تتحدث عن حجم التورط الذي اريد له ان يكون مفتاحا لنجاحات ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، وساحة جديدة للمواجهة مع الغريم الايراني.
عندما تتحدث الامم المتحدة عن الازمة اليمينة وبلغة الادانة فالسعودية هي المقصودة بتحالفها مع الامارات، ورغم قدرة الرياض على فرض قرارها سابقا على المنظمة الاممية عندما ادرجتها في قائمة العار ومن ثم تم اخراجها بضغوط المال والسياسة، فتكرار الادانة كفيل باخراج الملف من جعبة الامم المتحدة الى ساحة الرأي العام العالمي وتوفير سلاح مجاني لخصوم السعودية في حرب المواجهة التي وعلى ما يبدو لا نهائية.
المبعوث الاممي الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ احمد طالب عبر حسابه على تويتر الى فتح مطار صنعاء الدولي المغلق منذ اكثر من عام، قائلا انه يكرر النداء العاجل بضرورة اعادة فتح مطار صنعاء الدولي باسرع وقت ممكن، معتبرا ان هذه خطوة اساسية للتخفيف من معانات اليمنيين وتامين المساعدات الانسانية لهم.
تصريح ولد الشيخ احمد ياتي في وقت غير مناسب جدا بالنسبة للسعوديين فهو يتهمهم بعدم الاكتراث بالمطالبات الدولية المتكررة لفتح الاجواء امام اليمنيين العالقين في الحصار، وذلك من خلال تاكيده على انه "يكرر النداء" ما يؤكد عدم الاستجابة السعودية لنداءات سابقة (وهذا معروف سابقا لكن ان ياتي من المبعوث الاممي لحل الازمة اليمنية فهذا يضيف لغلة الصورة السوداوية للسعودية)، والاهم من هذا اعتباره فتح المطار بانه "خطوة اساسية للتخفيف من معانات اليمنيين وتامين المساعدات الانسانية لهم"، ولا نعتقد انه يحتاج لاكثر من هذا الكلام ليكون اتهاما واضحا لتحالف الرياض بعرقلته الجهود الانسانية وهو المسبب لتفاقم الالم اليمني، لا سيما وان السعودية وتحالفا هي التي تسيطر على الاجواء هناك بشكل مطلق.
ومما يزيد الموقف السعودية صعوبة دعوة 15 منظمة اغاثة الى اعادة فتح المطار، وتاكيد هذه المنظمات ومنها لجنة الاغاثة الدولية ومجلس اللاجئين النرويجي ان الاغلاق الرسمي لمطار صنعاء لمدة عام يحاصر فعليا ملايين اليمنيين ويمنع حرية حركة السلع التجارية والانسانية. ويقول المجلس النرويجي للاجئين ان الاف اليمنيين توفوا بسبب عدم تمكنهم من السفر للحصول على الرعاية الطبية المتخصصة اثر اغلاق المجال الجوي من قبل التحالف السعودي الاماراتي، مبينا ان عدد هؤلاء القتلى فاق عدد قتلى الغارات الجوية.
هذه المواقف الدولية تفتح النار على السعودية من فريقين الاول هو خصومها الاقليميين وعلى رأسهم ايران التي باتت في وضع مريح بالميدان السوري فضلا عن الوافد الجديد لقائمة العداء للسعودية المتمثل بقطر وقناة الجزيرة اللسان الطويل في اوقات السلم والحرب، اما الفريق الثاني فهو حلفاء السعودية الذين لم يبقى اي مبرر لبقائهم في صف التحالف السعودي اذا كانت كل هذه الادلة تدين الاجراءات التعسفية ضد الشعب اليمني.
السعودية لم تقدر تبعات الاحتلال لليمن ويبدو انها ارادت تغيير مسار التاريخ الذي يتحدث عن انهيار كل الانظمة التي حاولت تركيع الشعب اليمني الذي يتمتع بفائض كبير من الكرامة والعزة قد يفوق الاموال الخليجية مجتمعة، ما يجعله قادرا بما يكفي لتغيير معادلة النصر التقليدية التي تزعم تحقيق اهدافا اكبر للدول الاوفر حظا بالمال والاقتصاد، عن طريق شراء ذمم الدول الكبرى والمنظمات الدولية، لكن هذه الاخيرة (الدول الكبرى) ورغم انصياعها للمال السعودي الا انها وجدت من الصعوبة بمكان غض الطرف عن التجاوز السعودي لجميع الاعراف دولية كانت ام محلية واسلامية وغيرها، مضافا لها انخفاض القيمة المالية للرياض اثر انخفاض اسعار النفط وما يترتب على ذلك من تراجع وسيلة الاغراء المالي للدول الغربية.
كما ان التحالف السعودي اراد احراج الحوثيين وحلفائهم باغلاق المجال الجوي وتجويع الشعب بغية حصول ثورة مضادة، لكن ذلك لم يحدث ولا يمكن ان يحدث مستقبلا لاسباب ترتبط بالولاء للداخل وتحول الصراع الى صراع وجود بين السعودية واليمن وليس بين السعودية والحوثيين، اما مبررات اغلاق المطار المعلنة فلم تعد مقبولة لدى المجتمع الدولي ولا حتى الشعب السعودي صاحب الرأي المغيب في قرارات مصيرية مثل هذه الحرب المنهكة لجميع الاطراف، والصواريخ اليمنية لا تزال تصل الى حيث يريد الحوثيون وحليفهم علي عبد الله صالح، ومن ثم فان اي مبرر لاغلاق المطار يكون غير مقبولا بمنطق الواقع.
قد لا تتحرج دولة سجلها في حقوق الانسان يكاد يكون شديد السواد؛ لكن المعروف ان السعودية دولة قائمة على الداعميين الخارجين وخاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الاوربية التي تطمح باموال النفط، وهؤلاء لا يمكن ان يستمروا في تقديم الدعم السياسي والعسكري لتحالف اصبح عارا على دول تدعي الديمقراطية وحماية حقوق الانسان.
التاريخ يقول ان اتباع سياسة الحساب المفتوح في الحروب لم تستطع ان تجاريها دول عظمى وقد سقطت بالفعل كما هو حال الاتحاد السوفيتي التي وقع فريسة في افغانسان، ولم تتعض الولايات المتحدة التي احتلت العراق وعادت الى ديارها بفشل ذريع، ولا يمكن لدولة مثل السعودية ان تنجح في اليمن، حتى وان اتهمت الحوثيين بتهديم الكعبة وليس محاولة ضربها فقط؛ لان صوت السعودية لم يعد هنالك من يصغي اليه وسمعتها السيئية كافية لفشل سياساتها في عصر اصبحت حقوق الانسان رأسمال يرفع امة ويضع اخرى.
اضف تعليق