تزايدت حدة التوتر في القدس المحتلة، بعد ان سعت إسرائيل الى فرض تدابير أمنية جديدة لدخول الحرم القدسي عقب الهجوم الاخير الذي قتل خلاله شرطيان اسرائيليان وثلاثة مهاجمين من عرب إسرائيل. حيث أعلنت الشرطة في بيان ان "الدخول الى المدينة القديمة والحرم الشريف سيقتصر على الرجال فوق الخمسين، بينما يسمح بدخول النساء من جميع الاعمار. كما اعتمد قوات الاحتلال اجراءات جديدة تمثلت تركيب أجهزة كشف المعادن على مداخل المسجد الأقصى، وهو ما أثار موجة غضب واحتجاجات فلسطينية وتهديدات بالتصعيد. وتشهد مداخل الحرم القدسي مواجهات ليلية يومية بين فلسطينيين غاضبين يلقون الحجارة والشرطة الإسرائيلية التي تستخدم القنابل الصوتية لتفريقهم في القدس الشرقية المحتلة منذ تركيب الأجهزة.
وتصاعد حدة التوتر في الايام الاخيرة بعد ان تعهدت فصائل فلسطينية بتصعيد الموقف مع القوات الإسرائيلية التي وضعت خمسة كتائب في حالة الاستعداد لتعزيز القوات. كما حث رجال الدين المسلمون في المدينة الفلسطينيين على عدم المرور عبر بوابات الكشف عن المعادن وأقيمت الصلاة منذ ذلك الحين على مقربة من أحد مداخل المسجد. ويقول رجال الدين إن الأجهزة تنتهك اتفاقا بشأن الصلاة والترتيبات الأمنية في الحرم. كما دعا إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تحكم قطاع غزة المتظاهرين الفلسطينيين إلى مواجهات ضد الجنود الإسرائيليين على طول حدود القطاع احتجاجا على الإجراءات الإسرائيلية.
هذه الاجراءات اثارت قلق ومخاوف العديد من الحكومات والمنظمات العالمية، التي تخشى من حدوث ازمة جديدة في فلسطين يمكن ان تسهم في تعقيد الامور او تقود لاندلاع انتفاضة جديدة يصعب السيطرة عليها، وتشهد الأراضي الفلسطينية واسرائيل موجة عنف تسببت منذ الاول من تشرين الاول/اكتوبر 2015 بمقتل نحو 284 فلسطينيا بينهم عرب من اسرائيل و44 إسرائيليا وأميركيين اثنين وأردني وأريتري وسوداني.
وقال دبلوماسيون إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيجتمع لبحث أشد موجات العنف دموية في سنوات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقال كارل سكو مندوب السويد لدى مجلس الأمن على تويتر إن السويد وفرنسا ومصر طلبت عقد الاجتماع "ليناقش بشكل عاجل كيف يمكن دعم النداءات التي تطالب بخفض التصعيد في القدس".
من جهته، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن القدس «خط أحمر» لا يقبل العرب والمسلمون المساس بها، وإن ما يحدث من قبل الاحتلال الإسرائيلي هو محاولة فرض واقع جديد في المدينة المقدسة، بما في ذلك الحرم القدسي الشريف. وشدد أبو الغيط على أن السلطات الإسرائيلية تدخل المنطقة إلى منحنى بالغ الخطورة من خلال تبنيها لسياسات وإجراءات لا تستهدف الفلسطينيين وحدهم، إنما تستفز مشاعر كل عربي ومسلم، باتساع العالمين العربي والإسلامي.
وقال "الجيش الإسرائيلي" إن" إسرائيل" دفعت بمزيد من القوات إلى الضفة الغربية المحتلة وداهمت منزل مهاجم فلسطيني قتل ثلاثة إسرائيليين طعنا بسكين. وقبل ساعات من مقتل" الإسرائيليين" الثلاثة قُتل ثلاثة فلسطينيين في أحداث عنف فجرها قيام إسرائيل بوضع أجهزة لكشف المعادن عند مداخل الحرم القدسي بالقدس القديمة. وقالت" الشرطة الإسرائيلية" إنها استخدمت عتاد مكافحة الشغب في القدس لتفريق عشرات الفلسطينيين الذين رشقوا الجنود الإسرائيليين بالحجارة والزجاجات.
عنف مستمر
وفي هذا الشأن قالت الشرطة الإسرائيلية إن ثلاثة مسلحين من عرب إسرائيل فتحوا النار على الشرطة قرب المسجد الأقصى في القدس فقتلوا شرطيين قبل أن تقتلهم قوات الأمن في أخطر هجوم في المنطقة منذ سنوات. وأغلقت السلطات الإسرائيلية الحرم القدسي بعد الهجوم متعللة بأسباب أمنية وتسبب إغلاق المنطقة في منع المسلمين من أداء صلاة الجمعة مما أثار غضب زعماء دينيين فلسطينيين.
ودعا مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين الفلسطينيين لتحدي الإغلاق. وذكرت أنباء لاحقا أنه تم اعتقاله. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية إن الرئيس محمود عباس اتصل هاتفيا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأدان الهجوم لكنه قال أيضا إن إغلاق المنطقة يمكن أن تكون له تبعات. وقالت المتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية لوبا السمري إن المسلحين وصلوا الموقع وتوجهوا صوب إحدى بوابات المدينة القديمة القريبة. وأضافت "عندما شاهدوا رجال الشرطة أطلقوا النار باتجاههم ثم لاذوا بالفرار صوب أحد المساجد في مجمع جبل الهيكل (المسجد الأقصى). وقعت مطاردة وقتلت الشرطة ثلاثة إرهابيين".
وأظهرت لقطة مدتها عشر ثوان سجلتها إحدى كاميرات المراقبة الأمنية ونشرتها الشرطة اثنين من المهاجمين وهما يركضان نحو شرطيين وأطلقا النار على أحدهما من ظهره. وأظهرت لقطات فيديو صورت بالهاتف المحمول ونشرتها وسائل إعلام إسرائيلية عددا من أفراد الشرطة يطاردون رجلا ويطلقون النار عليه في الموقع.
وذكرت السمري أن الشرطة عثرت على ثلاثة أسلحة بحوزة المهاجمين. وقال جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) إن المسلحين الثلاثة من عرب إسرائيل وكانوا غير معروفين للسلطات. والشرطيان القتيلان من عرب إسرائيل وينتميان إلى طائفة الدروز. وقالت خدمة الإسعاف الإسرائيلية إن شرطيا ثالثا أصيب بجروح طفيفة في الهجوم. وعادة ما يشوب التوتر الوضع حول المجمع الذي يضم المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وتديره السلطات الأردنية.
وفي مسعى لتهدئة التوتر فيما يبدو ذكر مكتب نتنياهو أنه قال في بيان إنه لا تغيير في الوضع الراهن للمجمع وهي رسالة أكد عليها في اتصال هاتفي مع عباس. ودفع إغلاق المجمع مئات المصلين للتجمع خارج بوابات المدينة القديمة حيث أدوا صلاة الجمعة. وقال مفتي القدس والديار الفلسطينية "نرفض رفضا قاطعا ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من منع المصلين الدخول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة... قلنا ودعونا كل أبناء الشعب الفلسطيني لشد رحالهم إلى المسجد الأقصى في هذا اليوم وكل يوم لأداء الصلاة في المسجد الأقصى". وقال مساعد لمفتي القدس إن الشرطة اعتقلته في المدينة القديمة في وقت لاحق. وأظهرت لقطات فيديو المفتي ويصطحبه رجل يرتدي ملابس مدنية بعيدا وسط حشد من الفلسطينيين تجمعوا قرب بوابة المجمع. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية إن السلطات الإسرائيلية أفرجت عن المفتي بعد احتجازه عدة ساعات. بحسب رويترز.
وقال أوفير زالزبرج كبير المحللين لدى مجموعة الأزمات الدولية إن صور قتل المسلح في المكان المقدس زادت الوضع توترا. وأضاف "ربما يكون لذلك تأثير أوسع لأن الدفاع عن الأقصى يأتي في صلب القومية الفلسطينية... رد إسرائيل بمنع المسلمين كلية من الوصول إلى الموقع للحيلولة دون وقوع مزيد من الهجمات من شأنه فعليا أن يفاقم الأزمة". ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم لكن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم قطاع غزة أشادت به. وتباطأت وتيرة هجمات فلسطينية بدأت عام 2015 لكنها لم تتوقف. وقتل 257 فلسطينيا على الأقل ومواطن أردني منذ أن بدأت أعمال العنف.
البوابات الكترونية
الى جانب ذلك واصل مئات المصلين الصلاة خارج المسجد الأقصى رفضا للدخول عبر بوابات الكترونية وضعتها السلطات الإسرائيلية. وأصدرت المرجعيات الإسلامية التي تضم مجلس الأوقاف والهيئة الإسلامية العليا والمفتي العام للقدس والديار الفلسطينية بيانا طالبت فيه المصلين عدم الدخول عبر هذه البوابات. وأعلنت في بيان مشترك "رفض إجراءات العدوان الإسرائيلي الجائرة كافة والمتمثلة في تغيير الوضع التاريخي القائم ومقاطعتها ومنها فرض البوابات الالكترونية على أبواب المسجد الأقصى المبارك". وأضافت في بيانها "نهيب بأهلنا عدم التعامل مطلقا وعدم الدخول من خلالها إلى المسجد الأقصى المبارك بشكل قاطع".
ويعتبر المسجد الأقصى بؤرة مشتعلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأدت زيارة قام بها أرييل شارون عام 2000 إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي امتدت سنوات قتل فيها آلاف الفلسطينيين ومئات الإسرائيليين. وحذر رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله من "أن التصعيد العسكري الإسرائيلي خاصة في القدس سيؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية وتصاعد ردود الفعل". ودعا الحمد الله الذى أجرى اتصالا هاتفيا مع رئيس الوزراء الأردني هاني الملقى "إسرائيل إلى وقف انتهاكاتها بحق أبناء شعبنا". بحسب رويترز.
وقال مكتب الحمد الله في بيان صحفي أنه بحث مع رئيس الوزراء الأردني الذي تتولى بلاده المسؤولية على المقدسات الإسلامية في القدس "التصعيد الإسرائيلي الخطير بحق المسجد الأقصى والمساعي المبذولة... في الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ووقف الانتهاكات الإسرائيلية بحقها".
دعوات للتصعيد
في قطاع غزة، دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تسيطر على القطاع اسماعيل هنية، في كلمة متلفزة الى "يوم غضب ونفير" ليكون "نقطة تحول مهمة في معركة الدفاع عن القدس والاقصى". بينما اعلن الجيش الاسرائيلي الابقاء على خمس كتائب في حالة تأهب بما في ذلك في الضفة الغربية المحتلة تحسبا لاندلاع مواجهات. ومن جانبه، اعتبر رئيس لجنة المتابعة العربية في اسرائيل محمد بركة ان "الشرطة تلعب لعبة سياسية لان القرار امني، هذا مسعى منهم لاغتيال القدس بعروبتها وفلسطينيتها واسلاميتها ومسيحيتها". وبحسب بركة فان"هناك ادعاءات امنية بان المسجد بحاجة للحماية، ولكن المسجد الاقصى بحاجة للحماية من المحتلين وليس من المصلين".
ويضم الحرم القدسي المسجد الاقصى وقبة الصخرة، وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين. ويعتبر اليهود حائط المبكى (البراق) الواقع أسفل باحة الاقصى آخر بقايا المعبد اليهودي (الهيكل) الذي دمره الرومان في العام 70 وهو أقدس الأماكن لديهم. وتسمح السلطات الإسرائيلية لليهود بزيارة الباحة في أوقات محددة وتحت رقابة صارمة، لكن لا يحق لهم الصلاة هناك. ويستغل يهود متطرفون سماح الشرطة الإسرائيلية بدخول السياح الاجانب لزيارة الاقصى عبر باب المغاربة الذي تسيطر عليه، للدخول الى المسجد الاقصى وممارسة شعائر دينية والمجاهرة بانهم ينوون بناء الهيكل مكانه.
الى جانب ذلك حَذَّر سفير دولة فلسطين لدى روسيا عبد الحفيظ نوفل، من تحوُّل الخلاف السياسى بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى إلى "حرب دينية". وقال نوفل، "إذا حصلت حرب دينية، سيدفع الجميع ثمنًا قاسيًا وصعبًا وباهظًا"، مشيرًا إلى أن الجانب الفلسطينى يحاول نقل الخلافات إلى المسار السياسى وإيجاد حلول لها. وأعرب السفير الفلسطينى - بحسب وكالة أنباء (سبوتنيك) الروسية - عن أمله بأن "يكون هناك فى إسرائيل ما يكفى من العقلانيين"، لافتًا إلى أن الجانب الفلسطينى جَمَّدَ الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي، بما فيها التنسيق الأمني.
وقالت المتحدثة باسم الشرطة لوبا سمري في بيان انه بناء على قرار الحكومة الاسرائيلية فأن "بوابات كشف المعادن ستبقى في مكانها. وفي الوقت نفسه، فان لدى الشرطة صلاحية اتخاذ القرار حول مستوى التدقيق الامني الذي ستقوم به عبر هذه البوابات"، مشيرة الى ان الشرطة ستتصرف استنادا الى تقييمها للوضع وللضرورة. واعربت كل من الولايات المتحدة والامم المتحدة عن قلقها من الوضع في القدس. بينما دعا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي تحادث هاتفيا مع كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين ، الى ازالة البوابات الامنية.
اضف تعليق