ملف حقوق الإنسان في تركيا ومع استمرار قانون الطوارئ الذي تعيشه البلاد منذ الانقلاب العسكري الفاشل، ما يزال محط اهتمام واسع خصوصا وان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اصبح عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية يتمتع بصلاحيات واسعة قد عمد وبحسب بعض المراقبين لفرض مزيد من القيود والقوانين ضد الخصوم، وهو ما اثار قلق ومخاوف الكثير العديد من المنظمات العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان، فبعد يوم واحد فقط من الاستفتاء على تعديل الدستور بحسب بعض المصادر، مددت تركيا حالة الطوارئ المعمول بها في البلاد منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، وأعلنت السلطات أنها ألقت القبض على أكثر من ألفي عنصر من جماعة الخدمة التابعة للمعارض المقيم في الولايات المتحدة الأميركية فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية.
كما أعلنت السلطات تعليق عمل أكثر من تسعة آلاف شرطي انضموا إلى عشرات الآلاف من الذين جرى اعتقالهم ومحاكمتهم وفصلهم من أعمالهم بتهمة الانتماء لجماعة غولن أو الاتصال بها. وما زالت تركيا ايضا تقبع في ذيل قوائم الدول التي تحترم حرية الصحافة، حيث يوجد في سجونها عشرات الصحافيين، بينما يتعرض آخرون لمحاكمات ومضايقات مستمرة. فالعديد من الإجراءات والمحاكمات التي اتخذتها الحكومة ضد الصحافيين ووسائل الإعلام في الآونة الأخيرة اعتبرتها المعارضة ومنظمات دولية قمعاً وحرباً ضد حرية الإعلام، ورأت فيها الحكومة إجراءات قانونية وأخرى متعلقة بالأمن القومي للبلاد والحرب على «الإرهاب».
محاكمات قضائية
وفي هذا الشأن بدأت أنقرة محاكمة 200 مشتبه به من بينهم ضباط كبار في الجيش متهمون بتخطيط وتدبير محاولة الانقلاب العام الماضي في قضية يطالب فيها المدعون بالسجن مدى الحياة. ومر المتهمون وبينهم مساعد للرئيس رجب طيب إردوغان والقائد السابق للقوات الجوية وعشرات من كبار الضباط برتب جنرال وكولونيل وميجر على عشرات من المتظاهرين الذين طالبوا بإعدامهم وألقوا مشانق عليهم في طريقهم إلى المحكمة.
وذكرت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء أنه جرى نشر نحو 1500 من أفراد الأمن لتأمين المحاكمة والتي بدأت وقائعها في دار قضاء خصصت لهذا الغرض في سنجان على مشارف العاصمة أنقرة. وقتل أكثر من 240 شخصا كثير منهم مدنيون في محاولة الانقلاب في 15 يوليو تموز 2016 عندما قادت مجموعة من الجنود دبابات وطائرات حربية وطائرات هليكوبتر وقصفوا البرلمان وحاولوا الإطاحة بالحكومة.
ومن بين المقدمين للمحاكمة في سنجان المشتبه بهم الرئيسيون وراء الانقلاب الذين داهموا مبنى تلفزيون الدولة وأجبروا مذيعة على قراءة إعلان يقول إن الجيش استولى على السلطة وإن تركيا تخضع لإدارة لجنة تسمى "السلام في الداخل". ويلوم إردوغان حليفه السابق رجل الدين فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة وشبكته الدولية في تدبير الانقلاب وهو اتهام ينفيه كولن. واعتقلت السلطات قرابة 50 ألف شخص بسبب مزاعم عن صلاتهم بكولن.
وفي بداية الجلسة صرخت أسر الضحايا التي حضرت المحاكمة في وجه المتهمين وانهارت إحدى النساء قتل ابنها خلال محاولة الانقلاب. وصاحت المرأة قبل أن تفقد وعيها "اقتلوا هؤلاء الخونة.. قتلة ابني" واستدعى القاضي فريقا طبيا لقاعة المحكمة. ومن بين 221 متهما في المجمل فإن 200 من الجيش وأكثر من نصفهم ضباط تراوحت رتبهم بين كابتن وجنرال. وحضر كل المتهمين المحاكمة باستثناء 12 لا يزالون طلقاء. ويحاكم كولن وهو من بين المتهمين غيابيا.
وفي أعقاب تأكيد هويات المشتبه بهم وتلاوة ملخص للائحة اتهامات وقعت في ألفي صفحة بدأ المتهمون تقديم دفاعاتهم وكان أولهم قائد القوات الجوية السابق. وقال أكن أوزترك للمحكمة إنه بريء وإن وسائل الإعلام الحكومية صورته خطأ على أنه زعيم محاولة الانقلاب. وأضاف "لا صلة لي بمحاولة الانقلاب الشنيعة تلك... أشعر بجرح عميق لأن هذه المزاعم مخزية". وخلال شهادته التي استمرت 40 دقيقة قال إن وسائل الإعلام الحكومية صورته على أنه زعيم محاولة الانقلاب قبل إدلائه بإفادته. بحسب رويترز.
ومن المقرر أن تستمر جلسات القضية وهي واحدة من أكبر المحاكمات المرتبطة بالانقلاب في جميع أنحاء تركيا حتى 16 يونيو حزيران. وأقالت السلطات التركية أو أوقفت عن العمل نحو 150 ألفا من الموظفين الحكوميين والمعلمين والقضاة وممثلي الادعاء والشرطة والجنود وأغلقت نحو 150 وسيلة إعلامية متعللة بأن محاولة الانقلاب مثلت تهديدا جسيما للدولة. ويقول كثير من أقارب من اعتقلوا أو فصلوا منذ يوليو تموز إنهم لا صلة لهم بمحاولة الإطاحة بالحكومة وإنهم ضحايا لحملة تطهير لإحكام قبضة إردوغان على السلطة.
عمليات تسريح تعسفية
في السياق ذاته اتهمت منظمة العفو الدولية في تقرير، تركيا بالقيام بعمليات تسريح "تعسفية" و"جائرة" و"لدوافع سياسية" منذ الانقلاب الفاشل الذي وقع في تموز/يوليو الماضي. ومنذ المحاولة الانقلابية، تم تسريح أكثر من مئة ألف شخص بمراسيم-قوانين بموجب حالة الطوارىء المفروضة منذ تموز/يوليو. وفي تقرير بعنوان "لا نهاية في الأفق تدين المنظمة عدم حصول الأشخاص المعنيين على أي تفسير فردي، إذ إن عمليات التسريح الجماعية "تجري بشكل تعسفي استنادا إلى دوافع مبهمة ومعممة تشير إلى "صلات مع المنظمات الإرهابية".
وبمعزل عن عمليات التسريح بحد ذاتها، تعبر المنظمة عن أسفها للصعوبات التي يواجهها الأشخاص الذين يتم تسريحهم في العثور على وظيفة، وإلغاء جوازات سفرهم. وقال التقرير إن "بعض هذه الاجراءات مثل الإقصاء الكامل من الإدارات العامة والإلغاء المنهجي لجوازات السفر، تشكل انتهاكا للحقوق، وإن كان التسريح مبررا في بعض الحالات". وشكلت الحكومة التركية لجنة مكلفة بدراسة حالات الذين يعتقدون أنهم اقيلوا بلا مبرر في ظل حالة الطوارىء.
وأضاف التقرير أن "الإدارات العامة المعنية لم تقدم أي تبرير لأي فرد لعمليات التسريح، ولم يتمكن الأشخاص الذين تم تسريحهم من الحصول" على تفسير. وتدين المنظمة غير الحكومية أيضا إجراءات تطال بشكل أعم نقابيين وناشطين سياسيين وصحافيين. وقالت إن "ذلك يعزز المخاوف من أن يكون الكثير من عمليات التسريح هذه تعسفية، جائرة، أو دوافعها سياسية".
وفي مواجهة الانتقادات، تنفي السلطات التركية القيام بأي حملات ملاحقة وتؤكد أن هذه الاجراءات الاستثنائية ضرورية لتطهير المؤسسات من العناصر المشاغبين. وقالت منظمة العفو الدولية إن 33 ألف مدرس وموظف في وزارة التربية تم تسريحهم، إلى جانب 24 ألف شرطي وموظف في وزارة الداخلية وثمانية آلاف من أفراد الجيش وخمسة آلاف جامعي وموظف في الدراسات العليا، وكذلك أربعة آلاف قاض ومدع وغيرهم من عاملين في وزارة العدل. بحسب فرانس برس.
ولوضع تقريرها، تحدثت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان إلى 61 شخصا بينهم 33 موظفا أقيلوا ومحامين ونقابيين والسلطات التركية. لكن المنظمة تدين خصوصا نقص الوسائل التي تملكها هذه الهيئة وتدعو الى وضع "آلية استئناف مستقلة فعليا وغير منحازة وتتمتع بالشفافية والفاعلية".
اعتقالات مستمرة
من جانب اخر قال محاميان يدافعان عن أستاذة جامعية ومعلما مضربين عن الطعام منذ أكثر من شهرين احتجاجا على فصلهما من العمل في إطار حملة حكومية أعقبت الانقلاب الفاشل العام الماضي إن الشرطة التركية اعتقلت موكليهما. ومع انتشار نبأ اعتقال أستاذة الأدب نوريا جولمان والمعلم بالمرحلة الابتدائية سميح أوزاكتشا تجمع حوالي 150 شخصا في شوارع أنقرة يهتفون دفاعا عن حقوق العمال قبل أن تطلق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
واقتادت الشرطة بعض المتظاهرين عنوة واعتقلتهم لكن آخرين عادوا بعد ذلك بقليل في محاولة لمواصلة احتجاجهم. وقال المعلمان إنهما يحتجان لتسليط الضوء على محنتهما ومحنة نحو 150 ألف موظف حكومي أوقفتهم السلطات عن العمل أو فصلتهم بعد محاولة الانقلاب التي اتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رجل الدين فتح الله كولن المقيم بالولايات المتحدة بتدبيرها.
وكتبت جولمان على تويتر تقول "تحاول الشرطة السياسية دخول المنزل. يكسرون الباب الآن... نريد العودة لوظائفنا! نحن لم ولن نستسلم!". وقال سلجوق كوزاجاكلي وهو محام يمثل المعلمين في تغريدة على تويتر إن الاعتقال حصل خوفا "من أن ينقلب احتجاجهما إلى صيام حتى الموت وتظاهرات (متنزه) غازي جديدة". وكان كوزاجاكلي يشير إلى التظاهرات الضخمة المناهضة للحكومة قبل أربع سنوات عندما نزل مئات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على خطط إزالة متنزه غازي في وسط اسطنبول لبناء نسخة من الثكنات العثمانية.
وأوضح كوزاجاكلي في حديث معه عبر الهاتف "أنا محام منذ فترة طويلة ولم أشهد مطلقا مثل هذا المسوغ للاعتقال. في القانون التركي هذا النوع من الاعتقال الوقائي المبني على فرضيات غير موجود". وخسر جولمان وأوزاكتشا، اللذان يعيشان على نظام غذائي يعتمد على السوائل والمؤلف من عصير الليمون والماء والملح والمحاليل السكرية، جزءا من وزنيهما خلال فترة إضرابهما عن الطعام وقال الأطباء في وقت سابق إن صحتهما تتدهور.
وقال كوزاجاكلي الذي التقى موكليه في وقت سابق في السجن إنهما يشعران بالإعياء مشيرا إلى أنهما ينويان رفض تناول المياه المالحة والمحاليل السكرية احتجاجا على اعتقالهما. وقالت إبرو تمتيك، وهي محامية ثانية تتولى الدفاع عن المعلمين، إن مجموعة من المحامين يحاولون التحدث مع المدعي العام سعيا للإفراج عنهما. وأوقفت تركيا عن العمل أو طردت أكثر من 150 ألف قاض ومعلم وشرطي وموظف حكومي كما اعتقلت نحو 50 ألفا آخرين للاشتباه بارتباطهم بحركة تدعم كولن.
ويقول مسؤولون أتراك أن تلك الإجراءات ضرورية لأن حركة كولن أقامت "دولة داخل الدولة" بما يهدد الأمن القومي. ويشيرون إلى خطورة محاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو تموز الماضي والتي قاد خلالها جنود مارقون طائرات لقصف البرلمان واستخدموا دبابات مما أسفر عن مقتل 240 شخصا. وينفي كولن أي ضلوع له في محاولة الانقلاب. بحسب رويترز.
ويقول منتقدون لإردوغان في تركيا والخارج إنه يستخدم الانقلاب ذريعة لإقصاء خصومه وتكميم المعارضة. وفي الشهر الماضي منح استفتاء على تعديلات دستورية إردوغان صلاحيات جديدة واسعة بعد أن فاز معسكر الموافقين عليها بهامش ضئيل. وأعلنت وزارة الداخلية التركية أنها اعتقلت 1284 مشتبها به في مداهمات نفذتها في إطار مكافحة الإرهاب بينهم نحو ألف شخص يشتبه بعلاقتهم بشبكة كولن.
وقال كولن في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تزامنا مع اجتماع إردوغان في البيت الأبيض "أخشى على الشعب التركي وهو يدخل هذه الحقبة الاستبدادية الجديدة". وينفي كولن الاضطلاع بأي دور في ما أسماه "محاولة الانقلاب المستهجنة". وفي مقال نشرته مجلة "فورن بوليسي" دعا وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى تسليم الداعية التركي للسلطات التركية مشيرا إلى أن كولن وشبكته يمثلون تهديدا خطيرا ووشيكا على الأمن القومي التركي والنظام الدستوري.
استهداف الصحفيين
في السياق ذاته قال مصدر في الشرطة وصحيفة معارضة تركية إن السلطات أصدرت مذكرات اعتقال بحق مالك الصحيفة وثلاثة من العاملين فيها. يأتي ذلك في إطار حملة مستمرة على وسائل الإعلام أثارت قلق الجماعات الحقوقية والحلفاء الغربيين لأنقرة. وقالت المصادر إن الأربعة متهمون بارتكاب جرائم لصالح شبكة الداعية فتح الله كولن.
وقال المصدر بالشرطة إنها فتشت منزل مالك صحيفة سوزجو والموظفين الثلاثة في الصحيفة المعارضة التي تنتقد بشدة إردوغان وحزبه الحاكم. كما اعتقلت رئيس تحرير الموقع الإلكتروني للصحيفة. وأشار المصدر إلى أن مالك الصحيفة موجود في الوقت الحالي خارج البلاد. وذكرت وكالة الأناضول للأنباء الرسمية أن التهم ضد المشتبه بهم الأربعة تشمل التخطيط "لاغتيال الرئيس والاعتداء الجسدي" و"التمرد المسلح على حكومة الجمهورية التركية". بحسب رويترز.
وأكد متين يلمظ رئيس تحرير صحيفة سوزجو العلمانية القومية حصول مداهمات الشرطة لكنه نفى التهم مشيرا إلى أن الصحيفة تنتقد كولن ومؤيديه منذ فترة طويلة. وأضاف في بيان نشرته الصحيفة على موقعها الإلكتروني "الشيء الوحيد الذي نفعله هو الصحافة. لكن القيام بذلك في هذا البلد هو جريمة في حد ذاته. كتابة الحقيقة والنقد وكتابة القصص جميعها جرائم". وانتقد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي كمال قليجدار أوغلو التحقيق ووصفه بأنه "غير مقبول".
اضف تعليق