مع استمرار المواجهات المسلحة والضربات الجوية التي تشنّها دول التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، يرى بعض الخبراء ان البلاد تمضي بصورة متسارعة نحو كارثة انسانية وفق ما تقول تقارير المؤسسات الدولية، فقد حذرت الأمم المتحدة مؤخرا من أن تدهور الوضع في اليمن يهدد بأزمة إنسانية خطيرة، حيث يعاني 14 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي، في حين أصبحت المستشفيات غير قادرة على التعامل مع حالات سوء التغذية والامراض المنتشرة ومنها وباء الكولرا. ويشهد اليمن، وهو بالفعل من أفقر دول الشرق الأوسط، حربا أهلية منذ عام 2015 بين الحوثيين وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا. وتدخل تحالف تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة لمساندة هادي ونفذ آلاف الضربات الجوية. وأودت الحرب بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص لكن آخر محادثات جادة للسلام انهارت قبل نحو عام.
وقد أكدت منظمة اليونسيف ايضا، أن الأطفال في اليمن هم الفئة الأشد تضررًا من الحرب نظرًا لتعرضهم لسوء التغذية وأمراض جسدية ونفسية وآفات اجتماعية كتجنيدهم من قبل مجموعات مسلحة. ومع ظهور شبح المجاعة، قالت المنظمة في التقرير الذي صدر في آذار/مارس إن عدد الأطفال الذين يعانون خطر سوء التغذية إلى ازدياد، وإن أكثر من ٤٦٢ ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في الوقت الراهن. وأضافت المنظمة أن أعداد الذين يعانون من الفقر المدقع والضعف يزداد، فقرابة 80 في المائة من الأسر مثقلة بالديون، ونصف سكان البلاد يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
وكشفت إحصائية حديثة أعدتها مؤسسة اليتيم التنموية أنّ الحرب خلفت أكثر من 79155 يتيمًا. وقالت المؤسسة في تقرير صدر لها مطلع نيسان/أبريل "في ظل انحسار هامش الحياة وتعدد أسباب الموت واتساع رقعة المأساة التي يقضيها غالبية المواطنين في اليمن، هناك معاناة من نوع آخر يقضيها أكثر من مليون طفل فقير غيّب الموت آباءهم".
300 الف حالة
وفي هذا الشأن قالت منظمة الصحة العالمية إن اليمن قد يشهد ما يصل إلى 300 ألف حالة إصابة بالكوليرا خلال ستة أشهر إضافة إلى عدد "كبير جدا" من الوفيات. وقال نيفيو زاجاريا مندوب منظمة الصحة العالمية باليمن "يجب أن نتوقع ... زيادة تتراوح بين 200 ألف و250 ألف حالة خلال الأشهر الستة القادمة بالإضافة إلى الخمسين ألف حالة التي ظهرت بالفعل". وأضاف أن عدد الوفيات سيكون "مرتفعا جدا جدا".
وبدأ تفشي المرض في أكتوبر تشرين الأول 2016 وتزايدت حالات الإصابة حتى ديسمبر كانون الأول. وقال زاجاريا إن الانتشار تراجع لكنه لم يخضع للسيطرة التامة أبدا فيما عاد عدد الحالات الجديدة للارتفاع في موسم الأمطار وزاد من سوء الوضع انهيار النظامين الاقتصادي والصحي. وأضاف أن انتشار المرض تسبب في إصابة 23425 حالة في 18 محافظة يمنية من أصل 23 محافظة منذ 27 أبريل نيسان فيما بلغ عدد الوفيات 242 شخصا. بحسب رويترز.
وقال إن تلك الأرقام قادت لاعتقاد مضلل بأن معدل الوفيات نحو واحد بالمئة فيما أن المعدل الحقيقي على الأرجح هو أربعة إلى خمسة بالمئة مشيرا إلى أن الأرقام التي وردت مؤخرا فاجأت خبراء الصحة. وتابع قائلا "سرعة عودة وباء الكوليرا للظهور غير مسبوقة" في اليمن. ويعاني اليمن من حرب أهلية على مدى عامين تسببت في حاجة 18.8 مليون شخص للمساعدات الإنسانية والكثير منهم على حافة المجاعة فيما يقتصر تقديم الخدمات الصحية حاليا على 45 بالمئة من إجمالي المنشآت الصحية في البلاد. وقال زاجاريا إن منظمة الصحة العالمية ستعلن خطة طارئة لمواجهة الموقف خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة. وأضاف "لدينا هدف بإقامة 350 مركزا لعلاج الكوليرا وألفي موقع لمعالجة الجفاف. نحن حاليا نغطي ما يتراوح بين 10 إلى 12 بالمئة من المستهدف".
موت جماعي
الى جانب ذلك قالت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي يديرها الحوثيون إن الكوليرا أودت بحياة 115 شخصا على الأقل في العاصمة صنعاء وذلك بعد أن أعلنت السلطات حالة الطوارئ وطلبت المساعدة الدولية لتجنب وقوع كارثة. وقالت الأمم المتحدة إن بضع منشآت طبية فقط هي التي ما زالت تعمل وأشارت إلى أن ثلثي السكان ليس لديهم مصدر آمن لمياه الشرب.
ونقلت سبأ عن محمد سالم بن حفيظ وزير الصحة في حكومة الحوثيين قوله "إن ما يحدث اليوم يتجاوز قدرات أي نظام صحي متعافي فما بالكم ونحن في هذا الأوضاع الصعبة والمعقدة". ودعت وزارة الصحة، بعد اجتماع مع ممثل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن جيمي ماجولدريك ومسؤولين دوليين آخرين، منظمات الإغاثة وجهات مانحة أخرى إلى مساعدتها في التصدي للوباء والحيلولة دون وقوع "كارثة غير مسبوقة". وذكرت سبأ أن الوزارة أعلنت حالة طوارئ صحية في العاصمة.
وأضافت أن "حالات الاشتباه بالكوليرا بلغت 8595 حالة في صنعاء ومحافظة أخرى" في الفترة من 27 أبريل نيسان إلى 12 مايو أيار بينما أكدت الفحوص المعملية 231 حالة إصابة. وقالت الوكالة إن عدد الوفيات بالمرض بلغ 115. وذكرت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق أن المرض أودى بحياة 51 شخصا. وأضافت المنظمة أن 7.6 مليون يمني يعيشون في مناطق معرضة لخطر انتشار عدوى الكوليرا. بحسب رويترز.
وانحسر تفش وبائي في أواخر العام الماضي إلا أن بؤرا تظهر بشكل متكرر وتسبب في زيادتها تردي الأوضاع الطبية والصرف الصحي والنظافة العامة. وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن العاصمة صنعاء شهدت أكبر عدد من حالات الإصابة تلتها المحافظة التي تقع فيها. كما ظهرت حالات في مدن يمنية كبرى أخرى هي الحديدة وحجة وإب وتعز وعدن. وتقول الأمم المتحدة إن نحو 17 مليونا من بين سكان البلاد البالغ عددهم 26 مليونا يواجهون نقصا في الغذاء ويعاني ثلاثة ملايين طفل على الأقل من سوء تغذية خطير.
القتال والكوليرا
من جانب اخر يتلوى أطفال مستلقون في ردهات مستشفيات اليمن المزدحمة من آلام الكوليرا في حين يجوب قرويون نازحون السهول القائظة والجبال القاحلة هربا من القتال. وأثار تصاعد تفشي المرض ونزوح عشرات الألوف بسبب القتال في الفترة الأخيرة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم ودفع المجتمع اليمني المنكوب بالحرب للاقتراب أكثر وأكثر من الانهيار. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومقرها جنيف إن تفشي الكوليرا في اليمن أودى بحياة 180 شخصا خلال أقل من ثلاثة أسابيع.
وأبدت سميرة علي وهي أم قلقة على أطفالها صدمتها مما شاهدته في مستشفى السبعين في صنعاء العاصمة في شمال البلاد الخاضع لسيطرة حركة الحوثي المسلحة منذ عام 2015. وقالت سميرة وهي مدرسة "فجأة وجدت ابني الصغير يعاني من إسهال شديد. ذهبت إلى المستشفى وجدته ممتلئ لا نجد مكانا". وأضافت "وبعد عناء تمكن الأطباء من إعطائه الأدوية وأنقذوا حياته".
وتفيد تقديرات الأمم المتحدة عن اليمن الآن بأن طفلا دون الخامسة يموت كل عشر دقائق جراء أسباب يمكن علاجها وأن مليوني شخص فروا من القتال قرب ديارهم وأن نصف المستشفيات فقط لديهم طاقم طبي وإمدادات للعمل بشكل طبيعي. ويبدو أن مؤسسات الدولة تفقد، أكثر من أي وقت مضى منذ بدء الحرب، قدرتها على الصمود في مواجهة الوباء وارتفاع أعداد الوفيات. وأدت معركة للسيطرة على البنك المركزي إلى وقف دفع الرواتب في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء وحولها لستة أشهر مما دمر حياة العاملين في المستشفيات والقطاع الصحي.
وتعطلت مضخات تعقيم إمدادات المياه بسبب نقص الوقود في حين لا تدفع شركات الصيانة التي تقوم بتنقية المياه الجوفية أجورا للعاملين ولا تحصل على إمدادات. وليس حال الأطباء الذين يواجهون تفشي وباء الكوليرا بالأفضل. وقال راجات مادهوك المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في اليمن "النظام الصحي في خطر... الأجور لا تأتي، يبذل عمال الإغاثة والأطباء أقصى جهدهم لكن بعضهم يترك عمله هذا بحثا عن عمل يتقاضى عنه أجرا. وكان لانهيار قيمة العملة وكل ذلك أثر متزايد يضر بشدة بالقطاع".
ويمتد البؤس بطول الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر من قتال في الشمال على امتداد الحدود مع السعودية إلى هجوم جديد يدعمه التحالف يشق طريقه إلى ميناء الحديدة الرئيسي من الجنوب. وأجبرت الحملة العسكرية نحو 50 ألف شخص على الفرار من المنطقة بحثا عن الأمان هذا العام، كثيرون منهم كانوا قد فروا بالفعل من ديارهم المتأثرة بالقتال وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
وروت صالحة أحمد علي (19 عاما) الممسكة بابنها الصغير رحلتها المرهقة على امتداد الساحل من الشمال الغربي قائلة "نحن من حرض وبسبب الحرب نزحنا إلى باجل لكي نستقر هناك ثم مكثنا لفترة ومع اشتداد القصف على باجل نزحنا إلى مدينة الحديدة". وأضافت "ولا يوجد أي شيء لكي نأكل به أطفالنا من حليب و مواد غذائية حتى لم نحصل على فرشان (أسرة) لكي ننام عليها ولا دبب ماء لكي نغسل بها أطفالنا وحتى الخيام لم يعطونا لكي نستر به حالنا، بالأمس وقع مطر لا ندري أين نختبئ وابتلت ملابسنا اللي نملكها ولكن حالتنا صعبه جداً... هذي الحرب شردتنا من مكان إلى آخر". بحسب رويترز.
وتساءلت شابية مانتو المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في حديث هاتفي مع رويترز من صنعاء لماذا لم يسفر هذا القدر الكبير من المعاناة عن جهود أكبر لإحلال السلام. وقالت "الوضع كان كارثيا بالفعل. إلى أي مدى يتعين أن يسوء الوضع. 19 مليون شخص يواجهون معاناة حقيقية. اليمن الآن تحول إلى مخزن للبؤس. ما الذي يتعين أن يحدث أكثر من ذلك للفت انتباه العالم".
اضف تعليق