ما تزال السلطات المصرية وبحسب بعض المراقبين، تواصل تشديد إجراءاتها القانونية فيما يخص ملف الحريات والحقوق، حيث عمدت في السنوات الأخيرة الى تصعيد مواقفها ضد العاملين في المنظمات الحقوقية والإعلامية والمدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، يضاف الى ذلك اتهام البعض للقضاء المصري بأنه اصبح اليوم قضاء مسيس وغير مستقل، وواجهت منظمات المجتمع المدني بمصر وعشرات الحقوقيين بحسب بعض المصادر، بينهم مواطنون من جنسيات أميركية وأوروبية، اتهامات كثيرة ومتنوعة منها تلقي تمويلات من جهات أجنبية دون ترخيص، والعمل على زعزعة الامن والاستقرار وغيرها من الاتهامات الاخرى. هذه الإجراءات المتشددة بحق المنظمات الحقوقية وغيرها، كشفت ان منظومة العدالة في مصر تعاني من الانهيار شبه تام، وسط تحكم الأجهزة الأمنية في إدارتها على نحو غير مسبوق، وتوظيفها لخدمة أهداف الإدارة السياسية الأمنية الحالية.
من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان مصر كغيرها من الدول الاخرى تسعى الى تثبيت دعائم الدولة التي تمر بمرحلة مهمة وحساسة، بعد التحولات السياسية الكبيرة التي شهدتها البلاد يضاف الى ذلك حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة بسبب انتشار التنظيمات الارهابية المتطرفة وغيرها من الامور الاخرى.
وفي هذا الشأن قال المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو منظمة شبه رسمية في مصر إن مراكز الاحتجاز في أكبر الدول العربية سكانا مكتظة بالمحبوسين احتياطيا بأعداد تفوق طاقتها الاستيعابية بما يصل إلى 300 بالمئة. وطالب المجلس بإعادة النظر في الحد الأقصى الحالي للحبس الاحتياطي وهو 24 شهرا. وقد برأت محكمة جنايات القاهرة هذا الشهر سبعة متهمين قضوا نحو 33 شهرا في الحبس الاحتياطي بالمخالفة للقانون. وكان السبعة، وبينهم المصرية الأمريكية آية حجازي، متهمين باستغلال أطفال الشوارع والاتجار بهم وانتهاك أعراضهم.
ويطبق الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في القضايا التي تصل عقوبة التهم الموجهة فيها إلى السجن المؤبد أو الإعدام. وفي بيان شدد المجلس القومي لحقوق الإنسان على "ضرورة إعادة النظر في طول مدة الحبس الاحتياطي". وأضاف أنه "يدعو لإيجاد حل لهذه المشكلة خصوصا وأنه قد يُحبس الشخص احتياطيا وبعد طوال فترة حبسه تظهر براءته، وبذلك يكون قد عوقب على جريمة لم يرتكبها." بحسب رويترز.
وتابع "الحبس الاحتياطي يتسبب في اكتظاظ مراكز الاحتجاز بأعداد هائلة من المحبوسين تفوق طاقتها الاستيعابية بشكل كبير وبمعدلات تصل إلى 300 بالمئة". ومرت مصر باضطراب سياسي شابه العنف بعد انتفاضة 2011 وكان من شأن ذلك إلقاء القبض على عشرات الآلاف من الأشخاص وحبس أغلبهم احتياطيا طوال فترات محاكمتهم. وتقول منظمات حقوقية محلية وأجنبية إن هناك انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في مصر. وتنفي مصر ذلك.
قانون التظاهر
الى جانب ذلك أقر البرلمان المصري تعديلا لمادة بقانون تنظيم التظاهر كانت المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستوريتها في ديسمبر كانون الأول الماضي. ويضع التعديل الجديد قيدا على وزارة الداخلية فيما يتعلق بسلطة إلغاء المظاهرة لكن محامين قالوا في وقت سابق إنه لن يمنح الناس حرية أكبر في التظاهر. وكان مجلس الوزراء وافق على تعديل هذه المادة في ديسمبر كانون الأزل وأحالها لمجلس النواب.
وأصبحت الاحتجاجات مسألة حساسة منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحسني مبارك عام 2011 وإعلان الجيش عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمه. وقتل مئات الأشخاص خلال احتجاجات وسجن آلاف آخرون. وينص قانون تنظيم التظاهر الذي أقر عام 2013 على ضرورة إخطار وزارة الداخلية كتابة بأي اجتماع عام أو مظاهرة بمشاركة أكثر من عشرة أشخاص قبل الموعد بثلاثة أيام عمل على الأقل.
ويتضمن القانون عقوبات بالسجن تصل إلى خمس سنوات لمن يخالف أحكامه التي تتضمن العديد من القيود على التظاهر والاحتجاج. ويمنح قوات الأمن الحق في تفريق المظاهرات غير المرخصة باستخدام مدافع المياه والغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش. وقضت المحكمة الدستورية العليا في الثالث من ديسمبر كانون الأول ببطلان المادة العاشرة التي كانت تسمح للشرطة بإلغاء أو تغيير مكان أي مظاهرة ترى أنها تشكل تهديدا للأمن.
ويلزم التعديل الجديد وزارة الداخلية بالتقدم بطلب إلى محكمة لإلغاء المظاهرة أو نقل مكانها في حال الحصول على معلومات جدية أو دلائل تفيد بوجود تهديد للأمن العام. ولا يزال الاحتجاج أو التظاهر ممنوعا بدون تصريح مسبق. وفي جلسات سابقة طالب بعض النواب بادخال تعديلات شاملة على القانون الذي يلقى انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية ومحلية لكن قوبل طلبهم بالرفض.
وعلى صعيد منفصل وافق مجلس النواب من حيث المبدأ على تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية والتي تتمركز حول اختصار إجراءات التقاضي بهدف تحقيق ما يوصف "بالعدالة الناجزة". وأحيلت هذه التعديلات إلى مجلس الدولة لمراجعتها. ولم يتحدد بعد موعدا للتصويت النهائي عليها. وجاء ذلك بعد من مقتل 45 شخصا على الأقل وإصابة 125 آخرين في تفجيرين استهدفا كنيستين خلال احتفالات أحد السعف. بحسب رويترز.
وعقب التفجيرين قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه أصدر قرارا بإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في جميع أنحاء البلاد. وقال مجلس الوزراء إنه وافق على إعلان حالة الطوارئ مضيفا أنها ستطبق. ووفقا للدستور يجب عرض إعلان حالة الطوارئ على البرلمان خلال سبعة أيام من صدوره لاتخاذ ما يراه مناسبا بشأنه. وقالت مصادر برلمانية إن المتوقع أن يجري تصويتا على إعلان حالة الطوارئ يوم الثلاثاء وأن يحظى الإعلان بتأييد غالبية الأعضاء.
التحريض على الإرهاب
على صعيد متصل قضت محكمة مصرية بسجن محام 10 سنوات وفرض إقامة جبرية عليه مدتها خمس سنوات وحرمانه من استخدام الانترنت لمدة مماثلة بعد إدانته ب"إهانة رئيس البلاد والتحريض على الإرهاب" على مواقع التواصل الاجتماعي، حسبما أفاد مسؤول قضائي ومحاميه. وطبقت المحكمة في هذه القضية قانون الإرهاب الصادر في آب/أغسطس 2015 الذي يشدد العقوبات في قضايا الارهاب لتصل الى الاعدام كما يشددها في مسائل النشر سواء بواسطة وسائل الاعلام او الانترنت.
وقال مسؤول قضائي ان "محكمة جنايات الإسكندرية قضت غيابيا بحبس محمد رمضان عشر سنوات وفرض إقامة جبرية عليه لخمس سنوات وحرمانه من استخدام الانترنت لخمس سنوات لادانته بإهانة رئيس الجمهورية والتحريض على الإرهاب على مواقع التواصل الاجتماعي". وليس من الواضح كيف يمكن منع رمضان من استخدام الانترنت.
وصدر الحكم غيابيا في اولى جلسات المحاكمة، كما قال محامي المتهم محمد حافظ. واعتبر ان الحكم "قاس للغاية". وأضاف عبد الحافظ أن "الحكم رسالة لكل منتقدي النظام مفادها: احذروا عند استخدام الانترنت لأن أحدا ليس في مأمن من التنكيل". من جهتها، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن الحكم يعبر عن "إساءة استخدام قانون مكافحة الارهاب في مصر لاسكات منتقدي الحكومة".
وقالت المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ناجية بونايم في بيان إنه "صادم جدا أن السلطات المصرية فرضت حكما ضد شخص كان يمارس حقه في حرية التعبير. نشر تعليق على فيسبوك ليس جناية. لا ينبغي ان يواجه أحد عقوبة السجن لمجرد التعبير عن رأيه". وكان مجهول تقدم في تشرين الأول/أكتوبر الفائت ببلاغ ضد رمضان يتهمه بشتم الرئيس عبد الفتاح السيسي على موقع فيسبوك. وأصدرت النيابة العامة مذكرة توقيف بحق رمضان في كانون الأول/ديسمبر الفائت، لكن السلطات أطلقت سراحه بعد التحقيق معه واحتجازه يومين. بحسب فرانس برس.
غير ان رمضان فوجئ لاحقا بإحالته للمحاكمة بتهمتي "إهانة رئيس الجمهرية والتحريض على الإرهاب"، بحسب محاميه. وقال رمضان "القضية ملفقة. أنا اكتب ارائي السياسية كأي شخص عادي دون سب أو إهانة ... لم أحرض ابدا على إلارهاب". وتابع أن "الحكم يهدف لقمع المعارضة وإسكات وإخراس أي صوت معارض في البلاد". وقام رمضان بتقديم طلب الى النيابة العامة في الإسكندرية "لإعادة إجراءات المحاكمة" بسبب صدور الحكم غيابيا وهو ما يوقف تنفيذ الحكم وفقا للقانون. واضافة الى العقوبات السالبة للحرية، يسمح قانون الارهاب للقضاء بفرض عقوبات اخرى بينها "الإلزام بالإقامة في مكان معين، حظر الاقتراب أو التردد على أماكن أو محال معينة، حظر العمل في أماكن معينة أو مجال أنشطة محددة، حظر استخدام وسائل اتصال معينة أو المنع من حيازتها".
عمل مقيد
الى جانب ذلك وافقت الهيئة الوطنية للصحافة في مصر على استقالة أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام أكبر الصحف الحكومية والتي تقدم بها احتجاجا على ما وصفه بالتدخل في إدارة المؤسسة. وقال حاتم زكريا عضو الهيئة الوطنية للصحافة إن الهيئة التي تشكلت مؤخرا وافقت بإجماع الآراء على استقالة النجار الذي كان يشغل المنصب منذ يناير كانون الثاني 2014.
ونشرت البوابة الالكترونية لصحيفة الأهرام نص استقالة النجار التي قال فيها إنه يرفض "البقاء في المنصب بلا صلاحيات" بعد تلقيه خطابا من الهيئة الوطنية تلزمه فيه بعدم اتخاذ أي قرارات مالية أو إدارية حتى تخطره بما يستجد. ويقتصر دور رئيس مجلس الإدارة على النواحي المالية والإدارية وليس له صلة برسم السياسات التحريرية لكن ظهر للعلن أكثر من مرة خلاف النجار مع محمد مهدي علام رئيس تحرير الأهرام في أمور تتعلق بالمحتوى الصحفي.
وينتقد النجار الحكومة من آن لآخر في مقالاته وأعلن رفضه لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أبرمتها مصر مع السعودية العام الماضي وتضمنت نقل تبعية جزيرتين بالبحر الأحمر للمملكة. وتشكلت الهيئة الوطنية للصحافة التي تختص بإدارة المؤسسات الصحفية الحكومية بموجب قانون جديد صدر في ديسمبر كانون الأول وحلت محل ما كان يعرف باسم المجلس الأعلى للصحافة. بحسب رويترز.
وأدى رئيس وأعضاء الهيئة اليمين القانونية أمام مجلس النواب. ومن المتوقع أن تجري الهيئة تغييرات في رؤساء مجالس ورؤساء تحرير المؤسسات الصحفية الحكومية قريبا. وقال زكريا إن الهيئة ستتولى تسيير شؤون صحيفة الأهرام حتى اختيار رئيس مجلس إدارة جديد خلفا للنجار.
اضف تعليق