دخلت حملة الانتخابات الرئاسية في فرنسا وبحسب بعض المراقبين مرحلة تنافسية ساخنة، حيث تصاعدت حرب الفضائح والاتهامات ضد بعض المرشحين من اليمين واليسار مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، والتي أصبحت مادة دسمة لوسائل الإعلام في هذا البد المهم، خصوصا بعد ان أكدت بعض التقارير وجود تدخلات خارجية وعمليات تجسس من اجل مساعدة بعض الشخصيات المرشحة في الوصول الى كرسي الرئاسة. حيث تعد فرنسا بحسب بعض المصادر أكبر دول الاتحاد الأوروبي من حيث المساحة، وثانيها من حيث عدد السكان بعد ألمانيا، تمتلك عضوية دائمة في مجلس الأمن، ولها الحق في استخدام الفيتو، أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي، وعضو في مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين، وتعد القوة النووية رقم ثلاثة بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا.
وفيما يخص بعض تطورات هذا الملف الانتخابي في فرنسا، فقد أطلق عدد من مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام فرنسية بارزة، مبادرة بعنوان "كروس تشيك" لمحاربة الشائعات والأخبار الكاذبة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بفرنسا المقرر لها أوائل إبريل المقبل. وبحسب قناة "فرانس 24"، فإن فيسبوك وجوجل وفرانس 24 ووكالة الأنباء الفرنسية وصحيفة لوموند ومجلة لاكسبرس من أبرز المشاركين بالحملة التي يشير اسمها "كروس تشيك" إلى "الفحص والتدقيق". وقال فيسبوك إنه سيتعاون مع المؤسسات الإعلامية بفرنسا منها وكالة الأنباء الفرنسية لضمان عدم نشر أخبار كاذبة على صفحاته، بعد انتقادات تعرض لها خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث وجه أنصار هيلاري كلينتون الاتهامات للأخبار المزيفة بأنها السبب الرئيسي في فوز ترامب بالانتخابات.
عاصفة من الانتقادات
على صعيد متصل تعرض المرشح الرئاسي الفرنسي الأوفر حظا إيمانويل ماكرون لعاصفة من الانتقادات من منافسيه في اليمين بسبب تصريحاته التي أدان فيها الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر لكنه رفض التراجع عنها. وخلال زيارة للجزائر قال ماكرون -وهو مرشح مستقل- إن تاريخ فرنسا في الجزائر كان "جريمة ضد الإنسانية". وتابع قائلا "كان الأمر وحشيا حقا وهو جزء من الماضي يجب أن نواجهه حتى نعتذر أيضا لمن تضرروا." وعاش الجزائريون تحت الحكم الفرنسي لمدة 132 عاما حتى انتصروا في حرب استقلال دموية في 1962. وتقول الحكومة الجزائرية إن 1.5 مليون جزائري قتلوا في الصراع.
وقالت مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف والتي من المرجح أن يواجهها ماكرون في جولة الإعادة "هل هناك ما هو أسوأ -عندما تريد أن تكون رئيسا- من الذهاب للخارج واتهام البلاد التي تريد قيادتها بارتكاب جريمة ضد الإنسانية؟". ورفض ماكرون التراجع عن تصريحاته وقال في بيان مصور "يجب أن تكون لدينا الشجاعة لتسمية الأشياء بمسمياتها... هل نحن معاقبون بالعيش للأبد تحت ظلال تلك التجربة المؤلمة لبلدينا؟". وردا على تصريحات ماكرون قال فرانسوا فيون مرشح المحافظين للرئاسة في خطاب بأحد مؤتمراته الانتخابية "هذا الاستياء من تاريخنا.. هذا الندم المستمر.. ليس لائقا بمرشح لرئاسة الجمهورية."
وانتقد العديد من السياسيين من اليمين ومن حزب "الجبهة الوطنية" (يمين متطرف)، بشدة تصريحات ماكرون. فقال جيرار دارمانين المقرب من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي والنائب عن الحزب الجمهوري (يمين) في تغريدة "العار لإيمانويل ماكرون الذي شتم فرنسا في الخارج (بقوله) الاستعمار الفرنسي كان جريمة ضد الإنسانية". من جانبه قال اليميني جان بيار رافارين "إيجاد تعارض بين الفرنسيين وإخراج هذه القصص بغرض التقسيم أو إعادة التعبئة، أرى وراء ذلك أغراضا انتخابية. ليس جديرا برئيس دولة أن ينبش جراحا لا تزال مؤلمة جدا". واتهم واليران دو سان جوست المسؤول في "الجبهة الوطنية" ماكرون "بطعن فرنسا من الخلف". بحسب فرانس برس.
وهي ليست المرة الأولى التي يخلق فيها ماكرون الجدل حول الاستعمار فقد سبق أن أثار جدلا في تشرين الأول/أكتوبر 2016 عندما أدلى لمجلة لوبوان بتصريحات مختلفة. فقال حينها "نعم في الجزائر حصل تعذيب، لكن قامت أيضا دولة وطبقات متوسطة، هذه حقيقة الاستعمار. هناك عناصر حضارة وعناصر وحشية". وماكرون (39 عاما) النجم الصاعد للحملة الانتخابية الرئاسية، مرشح للانتقال إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 7 أيار/مايو، لمواجهة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، وفق استطلاعات حول نوايا التصويت الحالية. ولم يكن ماكرون الوحيد الذي طرح مسألة الاستعمار أثناء هذه الحملة ففي نهاية آب/أغسطس 2016، أثار فرنسوا فيون مرشح اليمين جدلا حين اعتبر أن "فرنسا لم تكن مذنبة حين أرادت مشاركة ثقافتها مع شعوب أفريقيا".
حرب الاتهامات
من جانب اخر شن إيمانويل ماكرون المرشح في انتخابات الرئاسة الفرنسية هجوما على منافسته في الانتخابات الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان قائلا إنها تخذل المثل الفرنسية في الوقت الذي عقد فيه المرشحان تجمعات انتخابية في مدينة ليون في إطار حملتهما الانتخابية. وعلى الجانب الآخر من المدينة أطلقت لوبان حملتها الانتخابية معلنة سلسلة من الوعود مثل الانسحاب من منطقة اليورو وإجراء استفتاء على عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي.
وصعد ماكرون وهو وزير اقتصاد سابق في استطلاعات الرأي في الوقت الذي واجه فيه المرشح المحافظ فرانسوا فيون اتهامات بأن زوجته حصلت على أموال عامة مقابل عمل لم تؤده. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ماكرون سيهزم بسهولة لوبان في الجولة الثانية ولكن الثقة في مؤسسات استطلاعات الرأي اهتزت بعد إخفاقها في توقع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية أو تصويت بريطانيا في يونيو حزيران الماضي بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وسخر ماكرون من شعار لوبان في الحملة الانتخابية "باسم الشعب." بحسب رويترز.
وقال "إنهم لا يتحدثون باسم الشعب إنهم يتحدثون باسم مرارتهم إنهم يتحدثون عن أنفسهم من الأب إلى الابنة والابنة إلى ابنة أخيها" مشيرا إلى الأب لوبان وابنة الأخ ماريون. وقال ماكرون البالغ من العمر 39 عاما إن حزب الجبهة الوطنية المناهض للاتحاد الأوروبي وللهجرة لن يكون وفيا للشعار الفرنسي "الحرية والمساواة والأخوة." وأضاف "إنهم يخذلون الحرية بتقليص آفاقنا ويخذلون المساواة بإعلان أن البعض متساو أكثر من آخرين ويخذلون الأخوة لأنهم يكرهون الوجوه التي لا تبدو مثلهم." ورد مسؤولو الجبهة الوطنية في تجمع ليون بالمثل ووصفوا ماكرون بأنه مرشح "الرأسمالية الدولية."
الى جانب ذلك رفض ماكرون في تصريحات أدلى بها ودونتها المتحدثة باسمه على تويتر ما يتردد عن إقامته علاقة مع الصحفي الإذاعي ماتيو جاليه مدير إذاعة راديو فرانس. وتتردد منذ سنوات أقاويل عن هذه العلاقة والتقطتها في الفترة الأخيرة وسائل إعلام روسية. وقال ماكرون وسط حشد من أنصاره "إذا قيل لكم أنني عشت حياة مزدوجة مع السيد جاليه فإن ذلك لأن صورتي الثلاثية الأبعاد (هولوجرام) هربت" في إشارة فيما يبدو إلى لجوء منافسه في انتخابات الرئاسة جان لوك ميلينشون للظهور من خلال صورة هولوجرام مجسمة في لقاء شعبي في إطار حملته الانتخابية. ووصفت المتحدثة تصريحات ماكرون بأنها "نفي واضح للشائعات عن حياته الخاصة."
لوبان تنفي
على صعيد متصل وفي تصريح لاذاعة "فرانس بلو" خلال وجودها في شرق فرنسا في إطار حملتها الانتخابية، نفت زعيمة اليمين المتطرف المرشحة للانتخابات الرئاسية الفرنسية مارين لوبان صحة تقارير صحافية أشارت إلى اعترافها بمنح حارسها الشخصي وظيفة وهمية كمساعد في البرلمان الأوروبي. وقالت لوبن إن التقارير "كذبة لا صحة لها. لم أعترف البتة بشيء من هذا،" مضيفة أنها لم تلتق حتى محققين من الاتحاد الأوروبي لمناقشة المسألة. ونشرت وسيلتا إعلام فرنسيتان مقاطع من تقرير لمكتب مكافحة الغش في الاتحاد الأوروبي يفيد بأن لوبان أقرت بأنها دفعت لحارسها تيري لوجييه من أموال الاتحاد.
وزعيمة حزب الجبهة الوطنية المناهض للاتحاد الأوروبي عضو في البرلمان الأوروبي الذي يتهمها بالاحتيال عليه بمبلغ قدره نحو 340 ألف يورو (362 ألف دولار). ويفيد البرلمان بأنه دفع عام 2011 نحو 41554 يورو في إطار عقد باسم لوجييه مدته ثلاثة أشهر زعم بأنه مساعد برلماني. وأضاف التقرير أن لوبان بررت عقد لوجييه بأنه وسيلة لدفع البرلمان لتعويضها رواتب ونفقات لم يسددها لها. وأقرت لوبان بوجود "تسوية مالية" إلا أنها نفت أن يكون عقد لوجييه زائفا. بحسب فرانس برس.
ولوبان متهمة أيضا بسوء استخدام أموال البرلمان عبر تسديد أموال لمساعدتها كاثرين غريزيه بين عامي 2010 و2016. ونفت لوبان الاتهامات التي دفعت القضاء الفرنسي إلى فتح تحقيق في قضية احتيال. ومع رفضها تسديد المال، أفاد البرلمان الأوروبي أنه سيكف عن دفع راتبها. إلا أن فضيحة الوظائف الوهمية المفترضة التي تطارد مرشح اليمين فرانسوا فيون طغت على الاتهامات ضد لوبان. وتلقت حملة فيون ضربة كبيرة مع كشف معلومات أن زوجته بينيلوب تقاضت 680 ألف يورو على الأقل لقاء عملها كمساعدة في البرلمان على مدى 15 عاما، وهي اتهامات نفاها المرشح.
روسيا والانتخابات
في السياق ذاته نفى الكرملين أن يكون وراء هجمات إعلامية والكترونية على حملة المرشح الرئاسي الفرنسي الأوفر حظا إيمانويل ماكرون لكن معسكر ماكرون جدد الاتهامات لوسائل إعلام روسية وجماعة للتسلل الإلكتروني تعمل في أوكرانيا. وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين ردا على سؤال في مؤتمر يومي على الهاتف مع الصحفيين إن الاتهامات التي وجهها ريشار فيران رئيس الحزب الذي ينتمي له ماكرون سخيفة. وأبلغ بيسكوف الصحفيين "لم تكن لدينا ولن تكون لدينا النية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو في عملياتها الانتخابية على وجه الخصوص." وأضاف قائلا "الحقيقة الواضحة أن هناك حملة هيستيرية مناهضة لبوتين في بعض الدول بالخارج."
وقال فيران إن السياسي الفرنسي الوسطي الذي تظهر استطلاعات الرأي الآن أنه الأوفر حظا للفوز بانتخابات الرئاسة في مايو أيار أصبح هدفا "لأخبار كاذبة" في وسائل الإعلام الروسية وإن حملته تواجه آلاف الهجمات الالكترونية. وأضاف فيران أن موسكو تفضل سياسات زعيمة أقصى اليمين مارين لو بان والمرشح الوسطي فرانسوا فيون وهما منافسان لماكرون في سباق الانتخابات وكلاهما "نجا بشكل مريب" من انتقادات وسائل الإعلام الروسية. وأضاف أن روسيا لا تميل لموقف ماكرون الداعم بشدة لأوروبا.
وتريد لو بان زعيمة الجبهة الوطنية والمنافس الأقرب لماكرون على مقعد الرئاسة في قصر الإليزيه إخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي وتدعم سياسة روسيا في أوكرانيا. وجدد فيران هذه الاتهامات قائلا إن قواعد بيانات وصناديق للبريد الالكتروني تابعة لحملة "ماكرون إلى الأمام" تعرضت لهجمات. وقال فيران للموقع الالكتروني لصحيفة لو موند "إذا نجحت هذه الهجمات فإن حملة إلى الأمام ستصبح صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة." وأضاف أن أكثر من نصف هذه الهجمات جاءت بالأساس من أوكرانيا ونظمتها "جماعة مترابطة" وليس متسللين فرادى. وقال فيران "نحن أمام محاولة منسقة من جانب قوة أجنبية لزعزعة استقرار مرشح في الانتخابات الرئاسية." بحسب رويترز.
وأشار بأصابع الاتهام مجددا إلى روسيا اليوم وسبوتنيك وهما وسيلتان إعلاميتان حكوميتان روسيتان قائلا إنهما نشرتا "أكثر الشائعات إساءة" عن ماكرون ومنها ما يخص حياته الشخصية وتمويل حملته. ونفت كل من روسيا اليوم وسبوتنيك نشر "أخبار كاذبة" عن ماكرون وقالتا إن مزاعم فيران لا أساس لها. وقالت سبوتنيك في تعقيب إن اتهامات فيران كاذبة ولا دليل عليها وتمثل محاولة لتوجيه الرأي العام. وأضافت قائلة "سبوتنيك تغطي دائما الأحداث كما هي بنقل وجهات النظر المختلفة التي يعبر عنها الأشخاص المعنيون بالحملة الانتخابية".
اضف تعليق