تعيش ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، حالة من الانقسام والصراع بسبب تفاقم الخلافات السياسية، حيث تعصف بهذا البلد الشمال أفريقي الذي يسكنه نحو ستة ملايين نسمة وكما نقلت بعض المصادر، أزمات سياسية ونزاعات عسكرية عنوانها الصراع على السلطة، إلى جانب تهديدات المنظمات الإرهابية التي تمكنت من تثبيت وجودها بسبب الفوضى وعدم الاستقرار، ليبيا وبحسب بعض المراقبين تواجه اليوم ازمة حقيقية و تحديات خطيرة قد تكون سببا في حدوث حرب أهلية كبيرة، فبعد هزيمة تنظيم داعش في معقله في سرت تخوض الفصائل المتنازعة في ليبيا حرب نفوذ شرسة تهدد بتعميم النزاع في البلاد.
وتوجد في البلاد حكومتان احداهما حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس وتحظى باعتراف دولي والاخرى في الشرق وتسيطر على مساحات شاسعة من المنطقة المعروفة باسم اقليم برقة. وهناك قوتان بارزتان على الارض هما قوات مصراتة على اسم المدينة الواقعة غرب ليبيا والتي تشكل النواة الرئيسية للقوات التي نجحت في اخراج تنظيم داعش من سرت في اطار عملية "البنيان المرصوص" التي وجهتها حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي يخوض منذ اكثر من سنتين معارك ضد الجهاديين في شرق البلاد. وفي حين نجح الجيش الوطني الليبي في استعادة مدينة بنغازي، فانه لا يزال يواجه الجهاديين في بعض الجيوب ويتهم قوات مصراته بدعم بعض الجماعات الجهادية.
وتزايد التوتر بين القوتين بشكل كبير في بداية كانون الاول/ديسمبر بعد اعلان حكومة الوفاق الوطني وقوات مصراته الانتصار على تنظيم داعش في سرت. وشاركت فصائل متشددة من مصراته في هجوم نفذ انطلاقا من قاعدة الجفرة الجوية في الجنوب على منطقة الهلال النفطي التي تضم ابرز مرافئ تصدير النفط. ونجحت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر في صد المهاجمين. ورفضت فصائل اكثر اعتدالا من مصراته المشاركة في هذا الهجوم مفضلة عدم خوض مواجهات مباشرة مع قوات حفتر.
هذه التطورات الخطيرة اثارت قلق ومخاوف العديد من الدول والمنظمات الدولية، حيث اكد مبعوث الامم المتحدة في ليبيا مارتن كبلر ان "التوتر في ليبيا هو مصدر قلق" داعيا "كل الاطراف الى التحلي بضبط النفس". من جانبها اعربت الولايات المتحدة عن "قلقها العميق" واضافت ان اعمال العنف الجديدة "لا تخدم سوى داعش وغيرها من المجموعات المتطرفة". وحتى بعد طرد التنظيم من سرت لا يزال التهديد الجهادي قائما في ليبيا حيث يؤكد خبراء وجود عدة خلايا جهادية في الجنوب وفي الشرق والغرب بما يشمل العاصمة طرابلس.
هجمات واشتباكات
وفي هذا الشأن قال متحدث ومصدر طبي إن قوات شرق ليبيا هاجمت قاعدة جوية في منطقة الجفرة وسط البلاد مما أسفر عن مقتل شخصين على الأقل بعد ساعات من اندلاع قتال بين فصائل متناحرة في العاصمة طرابلس. وتواجه حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة ووصلت لطرابلس العام الماضي صعوبات في فرض سلطتها على عدة جماعات مسلحة في العاصمة ناهيك عن باقي أنحاء البلاد مترامية الأطراف والمنتجة للنفط.
واشتبكت قوات موالية لخليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي المتمركز في الشرق مع كتائب مناوئة في منطقة الجفرة واتهمتهم بمحاولة الهجوم على موانئ نفطية واقعة على ساحل البحر المتوسط سيطر عليها الجيش الوطني الليبي في سبتمبر أيلول الماضي. وقال أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي إن الضربة العسكرية التي نفذت والتي أصيب فيها أيضا 13 شخصا كانت تهدف إلى "شل حركة" العدو قبل هجوم متوقع على الموانئ. ولم يتسن الوصول إلى القوات التي تسيطر على القاعدة الجوية التي استهدفت للتعليق. بحسب رويترز.
وزادت المعارك حول منطقة الجفرة المخاوف من تصعيد في الصراع بين التحالفات العسكرية في الشرق والغرب التي اندلعت بينها معارك متقطعة منذ 2014. ويسعى الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر لتوسيع مناطق سيطرته نحو الغرب وهدد بالزحف إلى طرابلس. وعارض حفتر الموالي لحكومة معلنة من جانب واحد في شرق ليبيا حكومة الوفاق الوطني التي وصلت إلى طرابلس غرب البلاد العام الماضي. وبعض الجماعات المسلحة في العاصمة لا زالت تدين بالولاء لحكومة ثالثة معلنة من طرف واحد بقيادة خليفة الغويل.
تشكيل عسكري جديد
على صعيد متصل أعلنت مصادر مقربة من حكومة الوفاق الليبية عن دخول مجموعات مسلحة إلى العاصمة طرابلس، ينضوي معظمها تحت راية القوات التي طردت تنظيم داعش من سرت العام الماضي. وأعلنت هذه المجموعات عن تشكيل قوة عسكرية مستقلة، الأمر الذي أثار مخاوف ليبية وأمريكية على حد سواء. وصلت مجموعات مسلحة خصوصا من مدينة مصراتة (غرب)، إلى طرابلس حيث أعلنت عن تأسيس قوة مسلحة مستقلة، ما أثار قلق السلطات المحلية وواشنطن. ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، باتت العاصمة الليبية تحت سيطرة عشرات الميليشيات ذات التوجهات المختلفة.
وأوضح مصدر قريب من حكومة الوفاق الليبية ومقرها طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة والدول الغربية، أن معظم المجموعات المسلحة التي وصلت إلى العاصمة تنضوي تحت راية القوات التي طردت العام الماضي تنظيم داعش من سرت. وأضاف المصدر طالبا عدم كشف اسمه "يشعرون الآن بأنهم مهمشون وباتوا يبحثون عن دعم"، موضحا أن اجتماعات تعقد مع قياداتهم لإيجاد حل. وذكرت الولايات المتحدة "أنها تابعت بقلق دخول آليات عسكرية لمجموعة تقدم نفسها أنها -الحرس الوطني اللييي- إلى طرابلس".
وأضافت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان أن "هذا الانتشار من شأنه إضعاف الأمن الهش أصلا في طرابلس"، داعية إلى تشكيل "قوة عسكرية وطنية موحدة تحت قيادة مدنية قادرة على ضمان الأمن لكافة الليبيين ومحاربة الجماعات الإرهابية". وقال محمود زقل آمر منطقة مصراتة "نسعى لبناء مؤسسة وطنية بعيدة عن كل التجاذبات السياسية والحزبية والقبلية". وأضاف "نعلن الاستمرار في متابعة ‘تنظيم الدولة الإرهابي‘ ورصد تحركاته والقضاء عليه في كل مدن ومناطق ليبيا".
وأوضح "نعلن تقديم كافة أنواع الدعم والحماية لمؤسسات الدولة ومقارها وحمايتها حتى تقوم بعملها بعيدا عن الابتزاز الذي تمارسه بعض المليشيات الخارجة عن القانون". وأضاف نعلن "حماية سفارات الدول والبعثات الدبلوماسية وتوفير الأمن لرعاياها داخل الوطن". ولم يوضح زقل إن كان الحرس الوطني الليبي يدعم حكومة الوفاق أم لا. لكن بحسب مصادر محلية فإن مليشيات عديدة منضوية تحت رايته موالية لخليفة الغويل، المسؤول الليبي السابق الذي أعلن في 2014 تشكيل "حكومة الإنقاذ الليبية" ورفض الاعتراف بحكومة الوفاق الليبية عندما انتقلت إلى طرابلس في العام 2016. بحسب فرانس برس.
والإعلان عن تأسيس "الحرس الوطني الليبي" يزيد من إضعاف حكومة الوفاق الليبية التي تستعد لتشكيل "حرس رئاسي" بدعم من الأمم المتحدة لضمان أمن مؤسسات الدولة والبعثات الدبلوماسية. وبعد عام على تأسيسها، لا تزال حكومة الوفاق الليبية عاجزة عن بسط سلطتها على كافة أراضي البلاد، وحتى على العاصمة الليبية. وهي تواجه حكومة أخرى في شرق ليبيا ترفض الاعتراف بها.
اعادة التفاوض
الى جانب ذلك اعتبرت مجموعة الازمات الدولية في تقرير نشرته ان الاتفاق السياسي الليبي الموقع قبل نحو عام وصل الى طريق مسدود، وان هناك حاجة ملحة لاطلاق مفاوضات جديدة تشمل خصوصا اللاعبين الامنيين بهدف تعديل هذا الاتفاق. وفي كانون الاول/ديسمبر 2015، وقع سياسيون ليبيون الاتفاق بوساطة من الامم المتحدة في مدينة الصخيرات في المغرب املين في انهاء النزاع العسكري والسياسي في البلاد الغنية بالنفط عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود مرحلة انتقالية لعامين تنتهي بانتخابات.
لكن رغم ولادة هذه الحكومة بدعم دولي كبير وانتقالها الى طرابلس في نهاية اذار/مارس، الا انها فشلت في ترسيخ سلطتها على كامل ليبيا بعدما عجزت عن الحصول على ثقة البرلمان المنتخب الذي يتخذ من شرق البلاد مقرا له ويدعم حكومة منافسة لحكومة الوحدة. كما انها لم تتمكن من ايجاد حلول للمشاكل اليومية التي يواجهها الليبيون، وعلى راسها نقص السيولة في المصارف وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
ويطالب اعضاء في البرلمان باعادة اطلاق مفاوضات حول الاتفاق السياسي قبل منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، داعين الى الغاء مادة قد تؤدي الى خسارة قائد القوات الموالية لهذا البرلمان، العسكري النافذ خليفة حفتر، لمنصبه كقائد للقوات المسلحة. وقال تقرير مجموعة الازمات ان "خريطة طريق الاتفاق التي تنص على ان تقوم حكومة انتقالية تضم البرلمانين (البرلمان المنتخب وبرلمان منافس في طرابلس) وحلفاءهما بتكوين اطار سياسي جديد وتعيد دمج الميليشيات، لم يعد يمكن تطبيقها من دون ادخال تعديلات عليها". واضاف "هناك حاجة لاطلاق مفاوضات جديدة تضم اللاعبين الامنيين الرئيسيين (...) من اجل منح حكومة الوحدة دعما اكثر توازنا".
وحذر التقرير من ان ليبيا تقف عند حافة نزاع عسكري كبير بين القوات التي يقودها حفتر والتي سيطرت مؤخرا على موانئ التصدير الرئيسية في منطقة الهلال النفطي، والقوات المؤيدة لحكومة الوفاق. وتقع منطقة الهلال النفطي في شرق البلاد لكنها تبعد نحو 200 كلم فقط عن سرت (450 كلم شرق طرابلس). وقالت مجموعة الازمات "هناك احتمال بان تقوم بعض القوات في سرت وبدعم من قوات اخرى من غرب ليبيا بالسير شرقا والاشتباك مع القوات التي يقودها حفتر في الهلال النفطي، او ان تقوم هذه القوات (بقيادة حفتر) بالسعي للتحرك نحو طرابلس". بحسب فرانس برس.
وراى التقرير ان "اهداف (اتفاق) الصخيرات في تجنيب البلاد مواجهة عسكرية اضافية والحؤول دون حدوث انهيار مالي، تبدو بعيدة المنال"، معتبرا ان "اعادة اطلاق المسار السياسي امر اساسي". وتابع ان "محاولة تطبيق الاتفاق السياسي من دون موافقة البرلمان (المنتخب) وحفتر يجب ان تتوقف، وكذلك يجب الضغط على حفتر كي يقبل بالتفاوض. على الجانبين ان يقدما تنازلات، خصوصا فيما يتعلق بالشق الامني".
تحذير أممي
على صعيد متصل حذر مبعوث الامم المتحدة الى ليبيا مارتن كوبلر في وقت سابق، من ان هذا البلد يواجه "مأزقا سياسيا" و"تطورات عسكرية خطيرة" منددا بتأثير العنف على المدنيين. وقال كوبلر "نواجه الآن مازقا سياسيا"، موضحا ان حكومة الوفاق الوطني لم تلق الموافقة المطلوبة من البرلمان الذي يدعم سلطة موازية منافسة. واضاف "في الوقت ذاته، تواجه ليبيا تطورات عسكرية خطيرة" مشيرا الى سيطرة قوات المشير خليفة حفتر الذي يرفض الاعتراف بالحكومة على منطقة "الهلال النفطي"، البالغة الاهمية بالنسبة للاقتصاد.
ودعا مبعوث الامم المتحدة المجتمع الدولي الى عدم "الاستهانة بمخاطر تصاعد التوتر في طرابلس". واضاف مبعوث الامم المتحدة ان الجماعات المسلحة "تواصل ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان مع افلاتها من العقاب". واشار الى "المصير القاتم للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء" الذين يحاولون الوصول الى أوروبا عبر ليبيا ويواجهون "اساءات منهجية" في ليبيا. وندد بافلات مرتكبي الاساءات من العقاب وبينهم "عناصر ميليشيات والمؤسسات الرسمية".
من جانب اخر اعتبر رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج ان الحوار وحده يمكن ان يجنب البلاد "حربا اهلية"، معربا عن استعداده لتشكيل حكومة جديدة ودمج قوات المشير خليفة حفتر الذي يسيطر على موارد البلاد النفطية. وقال السراج "دعونا الى مصالحة وطنية شاملة، اعتقد ان هذا هو الخيار الوحيد لليبيين وعليهم التحاور والمصالحة". واضاف "ليس هناك اقصاء لاحد. يجب ان نقف جميعا في مكافحة الارهاب". وتعهد السراج ان يقدم "خلال الفترة القريبة" الى البرلمان "تشكيلة وزارية يكون فيها تمثيل متوازن للجميع وتستطيع ان تقوم باعباء المرحلة المقبلة".
اضف تعليق