q

يسعى أكراد سوريا وفي سباق مع الزمن لتحقيق طموحهم بإقامة حكم ذاتي في شمال سوريا، في وقت تسعى فيه روسيا وتركيا لإحياء عملية السلام في سوريا من خلال بناء تحالف جديد قد يقود الأطراف السورية إلى اتفاق لوقف هذه الحرب، حيث يرى بعض المراقبين ان الجماعات الكردية السورية وحلفاؤها قد عمدت الى تغير بعض المواقف والخطط السابقة، بهدف تقريب وجهات النظر لضمان إقامة نظام حكم اتحادي، حيث عمد الأكراد وبعد مناقشات شملت كل الجماعات والأطراف السياسية الكردية، لاقرار خطة ترقى إلى مستوى دستور، وتعرف باسم العقد الاجتماعي.

خطوة اعتبرها مراقبون وكما نقلت بعض المصادر، استباقاً كردياً لاجتماع الأستانة، وتشكل استفزازاً كبيراً لتركيا التي تعمل منذ بداية الصراع السوري من أجل تأمين عدم قيام أي كيان كردي شمال سوريا قد يشكل تهديداً لها في المستقبل. ومع تقدم قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد العنصر الأساسي فيها في العديد من المناطق شمال سوريا على حساب داعش يزداد القلق التركي، وهو أمر قد يزيد من احتمال مواجهة عسكرية تركية كردية خاصة بعد الانتشار العسكري للجيش التركي على الحدود السورية، إضافة إلى وجود قوات تركية على مشارف مدينة الباب، وحسب مراقبين فهي تطورات تنذر بقرع طبول الحرب بين الطرفين في المنطقة التي لا تقبل القسمة على اثنين خصوصا مع وجود حلفاء اقوياء. وقد أثار تزايد النفوذ الكردي في شمال سوريا انزعاج تركيا المجاورة وسبق أن رفضت الولايات المتحدة خطة النظام الاتحادي عندما أعلنت لأول مرة في مارس آذار. ويعارض الرئيس السوري بشار الأسد أيضا الفكرة.

دستور كردي

وفي هذا الشأن أعلن الأكراد في شمال سوريا أنهم أقروا دستورا لهم، أطلقوا عليه "العقد الاجتماعي"، يهدفون منه إلى "تنظيم حياتهم" في شمال سوريا حتى إقرار "دستور ديمقراطي يضمن حقوق كل السوريين"، وفق ما ورد في الوثيقة السياسية للمجلس التأسيسي، وسيعقب ذلك إجراء انتخابات في غضون ستة أشهر.

وبعد اجتماع دام ثلاثة أيام صادق المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي، بحضور 165 شخصية من المقاطعات الكردية الثلاث ومناطق تمت السيطرة عليها مؤخرا، على "عقد اجتماعي" لإدارة شؤون المنطقة، بحسب بيان ختامي. وعقد الاجتماع في الرميلان في محافظة الحسكة. وقال الرئيس المشترك للجنة التنفيذية للنظام الفيدرالي في شمال سوريا منصور السلوم، "نحن بصدد البدء بالعمل بالدستور الفيدرالي"، مضيفا "نحضر للانتخابات خلال مدة ستة أشهر".

وأفادت الوثيقة السياسية للمجلس التأسيسي للفيدرالية "أننا في المناطق المحررة سنقوم بتنظيم حياتنا وفق هذا العقد المتفق عليه من قبل كل المكونات التي تعيش ضمن جغرافية شمال سوريا إلى أن يتم الاتفاق على دستور ديمقراطي يضمن حقوق كل السوريين". وينص "العقد الاجتماعي" على تأسيس "مؤتمر الشعوب الديمقراطي"، وهو بمثابة مجلس شعب يجري انتخابه كل أربع سنوات وعلى رأس مهماته تشريع القوانين ورسم السياسة العامة.

كما يعترف النص بكافة اللغات المستخدمة في شمال سوريا على أنها "متساوية"، ولكل من مكونات شمال سوريا تنظيم "حياته وتسيير أموره بلغته". ويعتبر الدستور "قوات سوريا الديمقراطية" "قوات الدفاع المسلحة" لفيدرالية شمال سوريا. وتعد هذه القوات، وهي تحالف فصائل عربية وكردية سورية، الأكثر فعالية في قتال الجهاديين في سوريا. وتخوض منذ الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر حملة لطرد تنظيم داعش الارهابي من الرقة، معقله في سوريا. وكان الأكراد أعلنوا في 17 آذار/مارس، خلال مؤتمر واسع بمشاركة مكونات عربية وسريانية وأرمينية وغيرها، النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال سوريا.

وبرز نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة النزاع في العام 2012 مقابل تقلص سلطة النظام في المناطق ذات الغالبية الكردية. وبعد انسحاب قوات النظام تدريجيا من هذه المناطق، أعلن الأكراد إدارة ذاتية مؤقتة في مقاطعات كوباني وعفرين (ريف حلب الشمالي والغربي) والجزيرة (الحسكة)، أطلق عليها اسم "روج آفا" (غرب كردستان). وباتت الإدارة الذاتية المرجعية التي تتولى تسيير شؤون الناس وإدارة المؤسسات والخدمات، واتخذت سلسلة إجراءات أبرزها إدخال اللغة الكردية إلى المناهج الدراسية. بحسب فرانس برس.

واعتبرت عضوة اللجنة التنفيذية في فيدرالية شمال سوريا فوزة اليوسف لوكالة الأنباء الفرنسية، أن أهمية "الدستور وهو بمثابة عقد اجتماعي تكمن في أن مناطقنا كانت بحاجة إلى نظام إداري ودفاعي بعد تحريرها من داعش وجبهة النصرة والنظام". وأضافت "هذا حقنا كشعب كردي فضلا عن المكونات الأخرى لضمان حقوق الجميع". وأكدت أن "النظام الفيدرالي الديمقراطي هو الأنسب للمنطقة (...) ولكل سوريا".

دولة مصطنعة

في السياق ذاته قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم يوم إن تركيا لن تسمح أبدا بقيام "دولة مصطنعة" في شمال سوريا في إشارة إلى المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة الذين تسعى أنقرة لوقف تقدمهم. وبدأت تركيا عملية في سوريا أطلقت عليها اسم درع الفرات في 24 أغسطس آب لإخراج متشددي تنظيم داعش ووقف تقدم وحدات حماية الشعب خشية سيطرتها المتزايدة على شمال سوريا.

واعلن يلدريم عن برنامج استثماري لإعادة إعمار أجزاء من المنطقة ذات الأغلبية الكردية التي دمرتها العمليات الأمنية. وقال "لن نسمح بتشكيل دولة مصطنعة في شمال سوريا." وأضاف "نحن هناك بدرع الفرات. نحن هناك لحماية حدودنا. لنوفر لمواطنينا سلامة الأرواح والممتلكات ولنضمن وحدة سوريا." وتكافح تركيا حركة انفصالية كردية مسلحة بدأت أنشطتها قبل ثلاثة عقود في الجنوب الشرقي وتخشى أن تشجع مكاسب وحدات حماية الشعب المسلحين في الداخل. وتعتبر تركيا أن وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية وامتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور. بحسب رويترز.

وبينما تعتبر الولايات المتحدة وأوروبا حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية فإن واشنطن تنظر إلى وحدات حماية الشعب الكردية على أنها كيان منفصل وأكثر الشركاء فعالية في معركتها ضد الدولة الإسلامية في سوريا. وقد سبب هذا الموقف خلافا مع تركيا عضو حلف شمال الأطلسي والشريكة في محاربة التنظيم المتشدد. وكرر يلدريم في تصريحاته ما قاله الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في قمة مجموعة العشرين التي جمعت زعماء من العالم في الصين حين قال للصحفيين عقب اجتماع مع أوباما "أمنيتنا ألا يتكون ممر للإرهاب عبر حدودنا الجنوبية." وقال إردوغان مرارا إن على حلفاء تركيا ألا يفرقوا بين داعش ووحدات حماية الشعب لأن الجماعتين تمثلان تهديدا لتركيا.

صواريخ مضادة للطائرات

من جانب اخر قال متحدث باسم تحالف فصائل مسلحة تدعمها الولايات المتحدة في قتال تنظيم داعش إنه يأمل أن يؤدي قرار واشنطن بتخفيف القيود عن تسليح الجماعات المقاتلة في سوريا إلى حصوله على صواريخ مضادة للطائرات. وقال طلال سيلو المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية إنه رغم عدم امتلاك تنظيم داعش لطائرات حربية إلا أن قواته تريد أنظمة مضادة للطائرات محمولة على الكتف لحماية نفسها من أي أعداء في المستقبل.

ورفض سيلو توضيح ما يقصد بالأعداء المحتملين في المستقبل لكنه قال إنه لا يوجد حاليا أي مواجهة بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية وداعميها الروس. وقالت ماريا زخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية إن موسكو تعتبر التغير في السياسة الأمريكية عملا عدائيا و"تهديدا مباشرا للقوة الجوية الروسية". وحظيت الحكومة السورية بدعم كبير من سلاح الجو الروسي في الحرب.

وتقاتل قوات سوريا الديمقراطية بمعزل عن الجماعات المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد. وتحظى القوات بدعم قوات خاصة أمريكية في حملة أبعدت داعش عن مناطق بشمال سوريا. ويغلب على قوات سوريا الديمقراطية وحدات حماية الشعب الكردية التي أسست منطقة حكم ذاتي كبيرة في شمال شرق سوريا. وتجنبت الوحدات الاشتباك مع قوات الحكومة السورية لكن الطائرات الحربية السورية شنت ضربات جوية على مدينة الحسكة التي يسيطر عليها الأكراد في أغسطس آب.

ويعارض الأسد الحكم الاتحادي في سوريا الذي تقول الجماعات الكردية وحلفاؤها إنه ينبغي أن يكون الأساس لإنهاء الحرب. وتعادي تركيا الوحدات أيضا وتخشى من أن يؤجج توسع النفوذ الكردي في شمال سوريا النزعة الانفصالية في المناطق الكردية بجنوب شرق تركيا. وقال سيلو في المقابلة "حاليا ما في طيران يستهدفنا وفي المستقبل قد يستهدفنا الطيران وعلى هذا الأساس نطالب أن يكون لدينا مضادات للطيران حماية لقواتنا في المستقبل." بحسب رويترز.

وأضاف أن قوات سوريا الديمقراطية الحليف "رقم واحد" للولايات المتحدة على الأرض وينبغي أن تكون أول من يتلقى أسلحة. وقال سيلو إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قدم دعما عسكريا لقوات سوريا الديمقراطية في بداية حملتها الأخيرة ضد داعش في محافظة الرقة وزودها بأسلحة مضادة للمدرعات استخدمت ضد السيارات الملغومة التي يقودها انتحاريون. وحصلت جماعات المعارضة السورية التي تقاتل الأسد وحلفاءه في غرب سوريا على صواريخ أمريكية الصنع مضادة للدبابات أو ما يطلق عليها (تاو) في إطار برنامج مساعدات مدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وتركيا والسعودية وقطر. ورفضت الولايات المتحدة في السابق مطالب من المعارضة للحصول على صواريخ مضادة للطائرات خشية وصولها إلى داعش أو غيرها من الجماعات المتشددة.

بين العراق وسوريا

الى جانب ذلك وبعد أيام من المساعدة على استعادة السيطرة على بلدة بعشيقة إلى الشمال الشرقي من الموصل في العراق يسير المقاتلون الأكراد السوريون بفخر أمام جثث مقاتلي تنظيم داعش التي لا تزال ملقاة وسط الأنقاض. وبينما يتفقدون الشوارع المدمرة حيث اختبأ المتشددون في خنادق تحت صفائح معدنية بدت الثقة واضحة على أعضاء لواء روج آفا (الاسم الكردي لشمال سوريا) وقوامه 3300 مقاتل.

ومن خلال القتال إلى جانب القوات العراقية ومقاتلي البشمركة الأكراد العراقيين يعتقد الأكراد السوريون أنهم قادرون على الانتصار في معركة الموصل آخر معقل كبير للمتشددين في العراق. وهم أيضا على ثقة من هزيمة تنظيم داعش في الحرب الأهلية المندلعة بوطنهم سوريا حيث يتطلعون إلى العودة لحماية رفاقهم الأكراد. غير أنه في وضع يعكس تعقيدات الحرب ضد الجماعة المتشددة الأكثر خطورة في العالم تطورت المنافسات بين الجماعات الكردية عبر الحدود وحالت الأوضاع دون مشاركة لواء روج آفا في القتال بسوريا.

وقال العميد محمد راشد قائد لواء روج آفا في بعشيقة "نريد حماية أرضنا وشعبنا. يمكننا هزيمة الجهاديين في الوطن." لكنه تحدث بشعور من الأسف عن الوضع في سوريا قائلا "قمنا بعدة محاولات للعودة." ومثل نحو 20 بالمئة من الرجال تحت إمرته خدم راشد من قبل كضابط في الجيش السوري. وفي أعقاب اندلاع الاحداث فر إلى العراق وترك والديه خلفه وترك أيضا أحلام إقامة دولة كردية مستقلة. وغادر آخرون أيضا إلى العراق بمساعدة مهربين ثم شرعوا في التدريب العسكري مع لواء روج آفا في العراق.

وخلال العامين الماضيين تلقى اللواء تدريبا وتمويلا من قوات زيرفاني وهي قوة شرطة خاضعة لوزارة الداخلية في إقليم كردستان العراق. وخلال هذه الفترة انضم اللواء إلى القوات الكردية في كل معركة تقريبا ضد المتشددين بما في ذلك هجوم الموصل وواجه قناصة مهرة وعبوات ناسفة ومفجرين انتحاريين.

وتبدو العودة إلى سوريا مستبعدة جدا في أي وقت قريب. ويقول راشد إن العقبة الرئيسية هي وحدات حماية الشعب الكردية القريبة من جماعة حزب العمال الكردستاني وهي جماعة ماركسية تخوض تمردا منذ ثلاثة عقود ضد تركيا من أجل الحصول على حكم ذاتي. واستغلت وحدات حماية الشعب الكردية الحرب الأهلية السورية لإقامة منطقة حكم ذاتي في مناطق واسعة بشمال سوريا المعروف باسم روج آفا باللغة الكردية. لكن العلاقات بين الجماعات الكردية السورية الرئيسية والسلطات الكردية العراقية متوترة.

واتهم رئيس الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال سوريا السلطات الكردية العراقية في وقت سابق بفرض حصار على روج آفا عن طريق إغلاق الحدود قائلا إن الأكراد العراقيين يتصرفون بالتواطؤ مع تركيا ضدهم. وقال ريدور خليل المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية إنه ليس لديه أي علم بلواء روج آفا لكن الجماعات العسكرية التي تشكلت خارج المنطقة الكردية السورية غير مسموح لها بشكل عام بدخول الأراضي.

وقال خليل "لا يسمح لأي قوة عسكرية أخرى تشكلت خارج روج آفا أو سوريا بدخول روج آفا بدون تصريح من وحدات حماية الشعب الكردية والإدارة الكردية الذاتية لأن حينها سيكون هناك فوضى وهذا ما لا نقبله بالقطع لا سيما إذا كانت هذه الجماعة لا تعترف بشرعية وحدات حماية الشعب الكردية والإدارة الذاتية." بحسب رويترز.

وقمعت الحكومات العربية الأكراد السوريين والأكراد العراقيين في بلادهم. وتحول الانقسامات بين الأكراد دون تحقيق الحلم الذي يراودهم منذ أمد بعيد لإقامة دولة كردية مستقلة على أراض في سوريا والعراق وإيران وتركيا. ومنذ عام 2014 عندما اجتاحت داعش شمال العراق قتل 41 عضوا في لواء روج آفا وأصيب 200 آخرون. وساعد لواء روج آفا في تطهير بعشيقة والبلدات والقرى الأخرى من المتشددين.

اضف تعليق