التطورات الميدانية الأخيرة التي ملف الصراع سوريا، بعد سقوط حلب في قبضة قوات الحكومة السورية التي تدعمها روسيا وإيران، أثارت قلق ومخاوف الحكومة الإسرائيلية التي تخشى وكما نقلت بعض المصادر، من تهديدات ايرانية محتملة لحدودها، خصوصا وان ما حدث قد يكون سببا في تغيير موازين القوى في المنطقة. وفي مقال تحليلي على صحيفة "إسرائيل اليوم" قال أستاذ للدراسات الشرق أوسطية في جامعة تل أبيب البروفيسور آيال زيسر، إن روسيا باتت هي صاحبة البيت في سوريا، وأضاف أن مجريات الحرب الدائرة بسوريا، لاسيما في أعقاب سقوط مدينة حلب بيد الروس والنظام السوري، ربما تعني أن النهاية الوشيكة للحرب السورية قد اقتربت، وفي حال تحقق ذلك فعلا لصالح السيناريو المتفائل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد فإنه قد يغلق نافذة للفرص الكبيرة التي وجدتها إسرائيل أمامها.
وأوضح الكاتب الذي يعتبر بحسب بعض المصادر، من كبار المتخصصين الإسرائيليين في الشأن السوري، أن إسرائيل هدفت من الحرب السورية إلى استمرار استنزاف حزب الله على الأراضي السورية، ولذلك فإن توقف الحرب ربما يحرم إسرائيل من فرصة التأثير في رسم الخريطة المستقبلية لسوريا. مع أن هناك في إسرائيل من يعتقد أن استمرار هذه الحرب قد يمنح تل أبيب إمكانية الاحتفاظ بهضبة الجولان، ويساعدها على مساومة السوريين لإجبارهم على انسحاب القوات الإيرانية وقوات حزب الله من الأراضي السورية، سواء تلك الموجودة بشمال سوريا أو ووسطها أو جنوبها قرب الجولان. وأشار زيسر إلى أنه بينما يتواصل القتال داخل سوريا فإن إسرائيل تواصل شن مزيد من الهجمات فيها رغم الوجود الروسي المكثف هناك. ويرى بعض المراقبين ان إسرائيل بعد هذه التطورات، قد تعمد الى استخدام خطط جديدة من اجل استفزاز ايران وحزب الله في سوريا، الأمر الذي قد سيهم بتعقيد المشهد الحالي، ويزيد رقعة الصراع الذي قد يتحول الى حرب كارثية تهدد امن واستقرار المنطقة والعالم.
مراقبته ايران
وفي هذا الشأن زاد سقوط حلب في قبضة قوات الحكومة السورية التي تدعمها روسيا وإيران القلق في إسرائيل من تهديدات محتملة لحدودها وتغيير أوسع في خريطة المنطقة. وعبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قلق إسرائيل العميق من طهران التي قويت شوكتها ونفوذ الجماعات التابعة لها في سوريا بعد سحق المجاميع المسلحة في حلب. وفي اجتماع مع رئيس قازاخستان نور سلطان نزارباييف في استانة سئل نتنياهو إن كان لديه رسالة يود أن يوجهها للرئيس الإيراني حسن روحاني الذي سيزور قازاخستان.
ونقلت صحيفة جيروزالم بوست عن نتنياهو قوله وهو ينظر إلى رئيس قازاخستان "لا تهددنا. لسنا أرنبا ولكننا نمر. إن هددتنا فإنك تعرض نفسك للخطر." وعندما سأله نزارباييف إن كان يعتقد حقا أن إيران تريد تدمير إسرائيل رد نتنياهو قائلا "نعم أعتقد". ومنحت الحرب السورية المستعرة منذ أكثر من خمسة أعوام إيران التي دعا زعيمها الأعلى إلى القضاء على إسرائيل المزيد من النفوذ في المنطقة.
ويمتد نفوذ طهران من أفغانستان وحتى البحر المتوسط سواء عبر الحرس الثوري الإيراني أو الفصائل الشيعية الموالية لها خاصة حزب الله اللبناني. وبجانب المخاوف من زيادة تدفق الأسلحة تملك إيران حاليا منفذا على البحر المتوسط عبر ميناء طرطوس على الساحل الجنوبي السوري وتشعر إسرائيل بقلق من أن حزب الله الذي يحظى برعاية إيرانية قد يشن هجمات جديدة على أراضيها.
ووقعت حوادث حدودية معزولة في الأشهر الأخيرة وخاضت إسرائيل حربا ضد حزب الله في عام 2006 قتل فيها أكثر من ألف لبناني و160 إسرائيليا. وتسببت الحرب في نزوح أعداد كبيرة من السكان في إسرائيل ولبنان ودمرت البنية التحتية في جنوب لبنان ومناطق من بيروت. وفي الأسابيع الأخيرة استهدفت ضربات جوية لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها جنوب سوريا ومناطق قرب دمشق. وأشارت سوريا بأصابع الاتهام إلى إسرائيل التي لاذت بالصمت.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان إن إسرائيل تعمل على "منع تهريب أسلحة متقدمة وعتاد عسكري وأسلحة دمار شامل من سوريا إلى حزب الله." وقال آفي ديختر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالبرلمان والرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي إن إيران حاولت مرارا نقل قوات إلى مرتفعات الجولان السورية إلى جوار المنطقة التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وأضاف أن هذه المحاولات أجهضت لكنه قال إنه مع تدفق الأموال وزيادة إحساسها بالثقة بعد اتفاق العام الماضي مع القوى العالمية لكبح برنامجها النووي فإن إيران قد تقوم بمحاولات أخرى لاختبار رد إسرائيل.
وقال ديختر "إيران لديها خطة إستراتيجية. ربما تحرك قوات إيرانية إلى قرب إسرائيل سواء الحرس الثوري وهم إيرانيون أو غيرهم من (جماعة) حزب الله أو ميليشيا الباسيج وهما غطاء جيد لهم (الإيرانيين)." وبجانب التهديد من إيران والجماعات التابعة لها حذر ديختر من أن تثق إسرائيل في روسيا أكثر من اللازم. ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل هي البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يملك قدرات نووية رغم انتهاجه سياسية قائمة على الغموض.
وتعتبر الحكومة الإسرائيلية موسكو حليفة لكن ديختر يقول إنها (روسيا) قد تغير موقفها إذا تعرضت مصالحها للتهديد. ويعتقد ديختر أن لروسيا طموحات بعيدة المدى في الشرق الأوسط قد تحدث تغييرات جذرية في حدود المنطقة استنادا على كيفية تعامل الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وقال ديختر "هذان الزعيمان لن يفكرا فقط على الأرجح بل سيتحركا من أجل صنع ما نصفه بالشرق الأوسط الجديد." بحسب رويترز.
ووصف ديختر روسيا بأنها "صاحبة القرار الأعلى" في سوريا لكنه أكد أن القلق الحالي يتعلق بإيران وحزب الله. وقال "لا ننوي السماح لحزب الله باختبار أسلحته المتقدمة لأنه لا توجد أهداف أخرى في الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل عندما يفكر حزب الله وإيران في شن هجوم." وأضاف المسؤول الإسرائيلي قائلا "إسرائيل ستوقف هذا بكل الوسائل سوءا بالتأهب أو التحرك أو أي وسائل أخرى."
نتنياهو و ترامب
من جانب اخر استأنف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجومه على الاتفاق النووي مع إيران ساعيا للحصول على مساعدة ترامب في القضاء على أحد المعالم الرئيسية لإرث إدارة الرئيس باراك أوباما في مجال السياسة الخارجية. وفي متابعة لتصريحاته التي أدلى بها أمام مركز أبحاث في واشنطن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في برنامج (60 مينيتس)الذي تبثه شبكة (سي.بي.إس) "ثمة سبل ..سبل عديدة لإلغاء" اتفاق العام الماضي.
كما إن الرئيس الجمهوري المنتخب ليس من مؤيدي الاتفاق بين إيران والقوى العالمية الست الذي وافقت طهران بموجبه على تعليق ما يشتبه بأنه مسعى لإنتاج أسلحة نووية مقابل رفع لمعظم العقوبات المفروضة عليها. وخلال حملته لانتخابات الرئاسة الأمريكية وصف ترامب الاتفاق - الذي ضغط نتنياهو طويلا وبشدة لعرقلته - بأنه "كارثة" و "أسوأ اتفاق جرى التفاوض بشأنه على الإطلاق." لكنه قال أيضا إنه سيكون من الصعب إلغاء اتفاق منصوص عليه في قرار للأمم المتحدة.
وسُئل نتنياهو عما إذا كانت لديه أي أفكار بشأن كيفية إلغاء الاتفاق فأجاب في البرنامج التلفزيوني "نعم ..لدى خمسة أشياء في رأسي." وبعد إلحاح للتوضيح قال "سأتحدث بشأنها مع الرئيس." وستجرى هذه المحادثات على الأرجح بعد قليل من تولي ترامب الرئاسة في 20 يناير كانون الثاني. وكان نتنياهو أعلن بعد قليل من الانتخابات إنه اتفق مع ترامب على الاجتماع في أول فرصة.
وسيكون إلغاء الاتفاق أمرا معقدا للغاية على أقل تقدير. وقال جاكوب باراكيلاس وهو خبير في السياسة الخارجية الأمريكية في مركز تشاتام هاوس للأبحاث ومقره لندن "من الصعب أن نرى ميزة للولايات المتحدة في إلغاء الاتفاق في هذه المرحلة. "سيكون من شبه المستحيل إقناع أوروبا وروسيا والصين بإعادة تطبيق عقوباتهما على إيران في ظل عدم وجود دليل واضح على انتهاك إيران للاتفاق. لذلك فإن أي عقوبات تعيد الولايات المتحدة فرضها لن يكون لها أي تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني." بحسب رويترز.
وقال يائير لبيد أحد زعماء المعارضة الإسرائيلية إنه يشك في إمكان إلغاء أي اتفاق بالنظر إلى أن "الصينيين والروس والأوروبيين يعقدون صفقات في إيران بالفعل" وأضاف أن أي نقاش بشأن ذلك سيحدث "خلف أبواب مغلقة". وقبيل تنصيب ترامب يضع نتنياهو الأساس لعلاقة أوثق معه. فقد التقى الرجلان في سبتمبر أيلول على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عندما عقد نتنياهو أيضا محادثات مع المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون. وبعد أسبوع من الانتخابات أرسل نتنياهو سفيره للولايات المتحدة رون ديرمر للاجتماع مع ترامب وفريقه الانتقالي. وأشاد ديرمر بترامب ووصفه بأنه "صديق حقيقي لإسرائيل".
أسلحة حزب الله
على صعيد متصل اتهمت إسرائيل الحرس الثوري الإيراني بنقل أسلحة إلى جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية بواسطة رحلات جوية تجارية. وفي رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتهم سفير إسرائيل لدى المنظمة الدولية داني دانون إيران باستخدام شركات طيران مثل ماهان إير. وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على شركة الطيران الإيرانية لاتهامها بتقديم خدمات لفيلق القدس التابع للحرس الثوري وإلى حزب الله.
وقال دانون في الرسالة إن الضباط بفيلق القدس يحزمون الأسلحة والعتاد في حقائب سفر تنقل إلى حزب الله إما بواسطة رحلات تجارية إلى بيروت أو رحلات تجارية إلى دمشق في سوريا ثم يتم نقلها برا إلى لبنان. وقال دانون "من الواضح أن إيران لا تزال المورد الرئيسي للأسلحة والمواد ذات الصلة لحزب الله في انتهاك صارخ للعديد من قرارات مجلس الأمن... يجب على مجلس الأمن التنديد بإيران وحزب الله لانتهاك قراراته." بحسب رويترز.
ولم تتضمن رسالة دانون إلى مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوا أي أدلة تدعم اتهاماته. وقد يزيد الاتهام الجدال بشأن الاتفاق المبرم بين إيران من جهة والولايات المتحدة وخمس دول أخرى من جهة أخرى لرفع بعض العقوبات الاقتصادية عن طهران مقابل وضع قيود على برنامج أسلحتها النووية المزعوم. ولا تعد القيود التي يفرضها مجلس الأمن على الصواريخ وكذلك حظر مبيعات الأسلحة لإيران جزءا من الاتفاق النووي.
عقد الغواصات الجديد
في السياق ذاته اكد وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان ان اسرائيل كانت على علم بان عدوتها اللدودة ايران من المساهمين في المجموعة الالمانية التي ستسلم الدولة العبرية ثلاث غواصات اضافية. ويدور جدل منذ ايام في اسرائيل بعدما كشفت وسائل الاعلام ان شركة الاستثمارات الخارجية الايرانية العامة التي تدير رؤوس الاموال الموظفة في شركات اجنبية، تملك 4,5 بالمئة من مجموعة "تيسنكروب مارين سيستمز" الالمانية.
وذكر خبراء عسكريون ان الغواصات التي طلبت اسرائيل شراءها ويمكن تزويدها بصواريخ نووية، تهدف قبل كل شىء الى القيام بمهام تجسسية قبالة سواحل ايران او شن هجمات في حال نشوب حرب نووية بين البلدين. وقال ليبرمان الذي نقل التلفزيون العام تصريحاته "كنا نعرف ان ايران مساهمة في المجموعة الالمانية منذ 2004". وبحديثه عن العام 2004، يشير الوزير الاسرائيلي الى ثلاث غواصات تم طلبها مؤخرا، وكذلك خمس غواصات المانية حصلت عليها الدولة العبرية وخامسة سيتم تسليمها قريبا. وقال ليبرمان ان اسرائيل "لم يكن لديها خيارات اخرى" غير المجموعة الالمانية للحصول على غواصات.
ونقلت وسائل الاعلام عن مسؤولين في وزارة الدفاع الاسرائيلية ان اسرائيل حصلت من المجموعة الالمانية على ضمانات بعدم حصول الايرانيين على معلومات سرية عن الغواصات التي سلمت من قبل او التي ستتسلمها الدولة العبرية. واكدت المجموعة الالمانية ان شركة الاستثمارات الايرانية كانت تملك سبعة بالمئة من اسهمها قبل ان تنخفض هذه المساهمة الى اقل من خمسة بالمئة اعتبارا من ايار/مايو 2003، لكن بدون ان توضح نسبة المساهمة الدقيقة للهيئة الحكومية الايرانية. بحسب فرانس برس.
واثار عقد الغواصات هذا جدلا كبيرا حتى قبل الكشف عن مساهمة ايران. فقد امر المدعي العام الاسرائيلي باجراء تحقيق في تضارب مصالح محتمل يتعلق بالمحامي الشخصي لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. وكشفت وسائل الاعلام ان ديفيد شيمرون هو ممثل المجموعة الالمانية في اسرائيل.
اضف تعليق