الخلافات بين إيران والسعودية خلافات مستمرة ولها جذور تاريخية قديمة، تفاقمت حدتها في السنوات الاخيرة بشكل كبير، بسبب اتساع رقعة الخلافات والصراعات السياسية والامنية في منطقة الشرق الأوسط. حيث تقف إيران والسعودية على طرفي نقيض في العديد من القضايا الامور المهمة، وسعى كل طرف الى تشكيل تحالفات جديدة بهدف اضعاف الطرف الاخر منعه من كسب نفوذ وقوة اضافية في المنطقة، وكانت السعودية ودول الخليج الأخرى كما نقلت بعض المصادر، بدأت في القلق على استقرارها وأمنها الاجتماعي منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران على أنقاض نظام الشاه عام 1979. منذ ذلك الحين استشعرت هذه الدول أن أمنها بات في خطر من تنامي النفوذ الايراني، وهو ما حول الصراع إلى ما يشبه الحرب الباردة بين القوتين الاقليميتين. وفي الآونة الأخيرة تدهورت علاقات الرياض وطهران بصورة لا سابق لها، ووجد ذلك انعكاسه في أكثر من جبهة مشتعلة في سوريا والعراق وفي اليمن ودول اخرى. واتخذ العداء بين الجانبين منحى متفجرا بامتدادات تاريخية وبتناقضات مذهبية وطائفية انبعثت من جديد، وباتت مواقف الجانبين أسيرة لها بصورة أو بأخرى. واستخدم الجانبان أسلحة متنوعة في هذه المواجهة إعلاميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا. وكادت حدة التصعيد في أكثر من مناسبة أن تتحول إلى صدام عسكري مباشر.
وشرت نيويورك تايمز في وقت سابق، تقريرًا خاص استعرضت فيه، خطًا زمنيًا للصراع السعودي الإيراني الذي حول أغلب مناطق الشرق الأوسط إلى ساحة حرب من أجل الهيمنة، فالمملكة العربية السعودية بلد حديث العهد، لم تتجمع أجزاؤه، إلا في الثلاثينيات من القرن الماضي، ونجح في بناء شرعيته في المنطقة على أساسِ ديني. فمن خلال تعزيز إدارتها وقوامتها على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، تبرر العائلة الحاكمة قبضتها على السلطة. ويقول كينيث بولاك – زميل بارز في معهد بروكينجز- إن الثورة الإيرانية في عام 1979، هددت تلك الشرعية بعد أن أطاح الإيرانيون بحكومتهم الاستبدادية السلطوية، فتمكن الإسلاميون الذين يدعون تمثيل الثورة للعالم الإسلامي كله. وشجعت الثورة المسلمين جميعًا خاصة السعوديين على الإطاحة بحكامهم بالمثل.
لكن بسبب أن إيران أغلبها من الشيعة، فقد حاولت الوصول للمجموعات الشيعية، وهي موطن أثرها الأعظم. يقول «د. بولاك» إن تظاهر بعض الشيعة السعوديين، الذين يشكلون حوالي 10% من السكان، تضامنًا أو حتى لبناء وكالات مع طهران، كان سببًا لإذكاء المخاوف السعودية من الاضطرابات الداخلية، وكذلك مخاوفها الانفصالية. فكانت تلك الطلقة الأولى في التحزب في تاريخ عداوتهما، والتي ستطوق المنطقة كلها. وأضاف «د. غوز» أن نظر السعوديين لإيران على أنها تهديدًا داخليًا بدأ منذ 1979، ولأنهم يرون ذلك التهديد لا يحتمل، بدأوا يبحثون عن سبل للرد.
وكتب «توبي ماثيسيان» عالم بجامعة أكسفورد في طرح مختصر لمؤسسة كارنيغي أن المملكة العربية السعودية برغبتها في احتواء الوصول الإيراني للأقليات الشيعية في المنطقة، سعت إلى تقوية الخلافات بين السنة والشيعة؛ فروجت البرامج الحكومية «للتحريض المعادي للشيعة في المدارس والجامعات الإسلامية ووسائل الإعلام». هذه التحركات وكما يرى بعض المراقبين دفعت ايران الى اعلان حرب مضادة ضد السعودية من خلال دعم القوى والجماعات الشيعية والدفاع عنها.
حرب جديدة
وفي هذا الشأن تتجه مناطق شمال نيجيريا المسلم الذي يعاني من تمرد حركة بوكو حرام الاسلامية السنية المتطرفة، الى حرب اخرى بالوكالة بين ايران والسعودية وذلك بعد مواجهات عنيفة بين مجموعات متنافسة سنية وشيعية. ففي سابق هاجم عناصر حركة "ازالة البدعة واقامة السنة" السلفية المدعومة من السعودية، عناصر الحركة الاسلامية النيجيرية الشيعية المتشددة المقربة من ايران.
وشهد شمال نيجيريا ذو الغالبية السنية في ذكرى عاشوراء، موجة عنف في عدة ولايات. وهاجم سكان تجمعات شيعية في العديد من المدن حيث منعت السلطات الشيعة من تنظيم مواكب احياء عاشوراء. وبحسب الحركة الاسلامية النيجيرية فقد قتل عشرة من عناصرها واصيب خمسون آخرون بيد قوات الامن في ولاية كاتسينا (شمال). وفي كادونا حيث حظر نشاط الحركة منذ تشرين الاول/اكتوبر، قتل عنصران من الحركة الشيعية. وبحسب شهود فان مجموعات نهبت واحرقت منازل على مدى يومين وسط هتافات "لا نريد شيعة".
وزادت حدة رفض الشيعة في الاونة الاخيرة في شمال نيجيريا وخصوصا في كادونا التي يهيمن عليها السلفيون. ويقول سكان ان ائمة المساجد لم يعودوا يتورعون عن القاء خطب مشحونة بالكراهية ضد الاقلية الشيعية. ولا تعترف الحركة الاسلامية النيجيرية بسلطة ابوجا وهي تؤيد اقامة نظام على الطريقة الايرانية خصوصا في ولاية كادونا. واتهمت منظمة العفو الدولية الجيش باغتيال اكثر من 350 شيعيا بين 12 و14 كانون الاول/ديسمبر 2015 في زاريا (بولاية كادونا) ودفن جثثهم في مقبرة جماعية. وسارعت حكومة كادونا الى اجراء تحقيق مستقل خلص في آب/اغسطس الى انه تم قتل 347 شيعيا. لكن لم تتم حتى اليوم محاكمة او ادانة اي كان داخل الجيش بشان هذه المجرزة.
وتم توقيف قائد الحركة الاسلامية النيجيرية ابراهيم الزكزكي في كانون الاول/ديسمبر 2015، لكن دون توجيه اي اتهام اليه. ولا يعرف احد مكان اعتقاله. كما ان هناك مئة من عناصر حركته قيد الحبس في كادونا في انتظار المحاكمة. وتشير المواجهات والتصعيد الاخير للتوتر الى حرب بالوكالة بين السعودية وايران. ويقول خبراء ان هذه الحرب بالوكالة القائمة في لبنان وسوريا واليمن وباكستان بصدد الانتقال الى نيجيريا.
وبحسب المحلل السياسي ابوبكر الصديق محمد فان "السعودية مولت في الواقع الحملات ضد الشيعة في العديد من مناطق العالم". واضاف "اذا تكثفت الهجمات على الشيعة، فمن البديهي ان تهب ايران لمساعدتهم وان تدعم السعودية الهجمات عليهم". واتهم قائد تنظيم "ازالة" عبد الله بالا لو بالتحريض على الشيعة بتصريحه بان الدستور النيجيري لا يعترف الا بالمذهب السني. وتقيم مجموعته علاقات وثيقة مع السعودية وتبث قناته الفضائية خطابا عنيفا ضد الشيعة. واتصل قادة ايران والسعودية بالرئيس النيجيري محمد بخاري بعد هجمات زاريا. ودعا الرئيس الايراني حسن روحاني الى ضبط النفس وقال ان هناك "جماعة" تعمل على "زرع بذور الشقاق بين المسلمين في بلدان اسلامية" في اشارة واضحة الى السعودية.
وقالت وسائل اعلام نيجيرية ان العاهل السعودي الملك سلمان دعم العملية التي نفذتها سلطات ابوجا ضد عناصر الحركة الاسلامية النيجيرية الشيعية ووصفها بانها "معركة ضد الارهاب". واكد المحلل ابوبكر الصديق محمد ان "رد فعل ايران والسعودية على المواجهات في زاريا، يعكس تيارات طائفية". وفي آذار/مارس الماضي شارك رجال دين سعوديون في مؤتمر لحركة "ازالة" خصص لبحث "الايديولوجيات الاسلامية المنحرفة" في نيجيريا. ومنذ ذلك الحين كثفوا خطبهم في نيجيريا. وظهرت الحركة الاسلامية النيجيرية في 1978 كحركة طلابية قبل ان تتحول الى مجموعة ثورية تستلهم الثورة الاسلامية في ايران في 1979. ثم اصبحت الحركة شيعية في 1996 بسبب التعاون الوثيق بين الزكزكي وايران، ما فاقم الضغينة المتبادلة مع الوهابيين السلفيين بمن فيهم جماعة "ازالة" التي تاسست في 1978 على يد رجل دين سعودي.
ويقول ضاهر حمزة الخبير في تاريخ الاسلام "لقد حولوا انتباهم الى الشيعة الذين بدأوا ينظمون صفوفهم بشكل افضل ويتحدون النفوذ السلفي مع تزايد عدد انصارهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلفيين". وتلقت حركة "ازالة" تمويلات من السعودية وهي تضم اعضاء اثرياء ما اتاح لها بناء مساجد ومدارس. وتكثفت خطب "ازالة" ضد الحركة الاسلامية النيجيرية والمذهب الشيعي منذ كانون الاول/ديسمبر 2015. وايدت "ازالة" علنا قمع الجيش لعناصر الحركة الاسلامية بل انها دعت الى مزيد من العنف ضدهم. بحسب رويترز.
ونسجت خمس ولايات على الاقل في شمال البلاد على منوال ولاية كادونا، وحظرت على الحركة الاسلامية تنظيم مواكب. وكتب محمد ابراهيم في صحيفة "اهل البيت" الشيعية "راى الناس في المنع الذي استهدف الحركة الاسلامية النيجيرية استهدافا للشيعة لان هذه الحركة هي الاكثر تمثيلا لهم بسبب انشطتها العامة مثل مواكب الشارع". واضاف "هذا يثير قلقنا لاننا نرى كيف ان المتعاطفين مع (ازالة) يبثون اخبارا تقول ان الحكومة تريد حظر التشيع والناس بدات تصدق ذلك".
قواعد ايرانية
الى جانب ذلك صرح رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري أن إيران قد تسعى لإقامة قواعد بحرية في اليمن أو سوريا مستقبلا. تصريحات قد تثير قلق السعودية التي ترى في هذه التصريحات تهديدا لأمنها القومي. وبالرغم من أن إيران حليف قوي لجماعة الحوثيين في اليمن، إلا أن صالح الصماد رئيس المجلس الأعلى للحوثيين قد رفض بشدة "استباحة" سيادة اليمن. قال محمد حسين باقري رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية في تصريحات نشرت إن إيران قد تسعى لإقامة قواعد بحرية في اليمن أو سوريا مستقبلا.
ومن المرجح أن تثير تصريحات باقري قلق السعودية وحلفائها لأنها تثير احتمالات ترسيخ موطئ قدم بعيد لإيران قد يكون أكثر قيمة من الناحية العسكرية من التكنولوجيا النووية. ونقلت صحيفة شرق الإيرانية اليومية عن باقري قوله "نحتاج لقواعد بعيدة ومن الممكن في يوم ما أن يكون لنا قواعد على سواحل اليمن أو سوريا أو قواعد على جزر أو قواعد عائمة." وأضاف في حديثه أثناء اجتماع لقادة البحرية "هل امتلاك قواعد بعيدة أقل من التكنولوجيا النووية؟ أقول إنه أهم بعشرات المرات." بحسب فرانس برس.
من جانب اخر قال الرئيس السوري، بشار الأسد، إن المملكة العربية السعودية كانت تسعى عن طريقة لتدمير إيران منذ سنوات على حد تعبيره، لافتا إلى أن سوريا قد تكون إحدى هذه الوسائل الساعية لتحقيق ذلك. جاء ذلك في مقابلة للأسد مع صحيفة بوليتكا الصربية، ونقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية، حيث رد على سؤال "متى ستنتهي الحرب في سورية برأيكم؟" بالقول: "متى.. أقول دائماً إن أقل من عام مدة كافية لحل المشاكل الداخلية.. لأنها ليست معقدة جداً من الداخل, تصبح المشكلة أكثر تعقيداً فقط عندما يحدث المزيد من التدخل من قبل القوى الأجنبية، عندما تترك تلك القوى الأجنبية سورية وشأنها.. يمكننا حل المشكلة كسوريين خلال بضعة أشهر، خلال أقل من سنة، ذلك أمر بسيط جداً، ونستطيع فعله، لكن شريطة عدم وجود تدخل خارجي، هذا لا يبدو واقعياً، بالطبع لأن الجميع يعرفون أن الولايات المتحدة أرادت تقويض موقع روسيا كقوة عظمى في العالم بما في ذلك في سورية.."
وتابع قائلا: "السعودية كانت تبحث عن طريقة لتدمير إيران منذ سنوات، وقد تكون سورية أحد تلك الأماكن التي يمكن تحقيق ذلك فيها، طبقاً لطريقتهم في التفكير لكن إذا قلنا إن بوسعنا الوصول إلى ذلك الوضع بحيث تترك كل تلك القوى الأجنبية سورية وشأنها فلن يكون من الصعب حل مشكلتنا. أما كيف فأولاً وقبل كل شيء بوقف الدعم الذي تقدمه الدول الخارجية للإرهابيين، دول إقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر والغرب بالطبع، وخصوصاً الولايات المتحدة عندما يتوقف دعم الإرهابيين في سورية لن يكون من الصعب حل مشكلتنا."
الاتفاق النووي
على صعيد متصل أعرب مسؤول سعودي كبير سابق عن اعتقاده بأنه لا ينبغي للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أن يلغي اتفاقا نوويا بين إيران والقوى العالمية لكن يجب عليه أن يوبخ الجمهورية الإسلامية بسبب "أنشطتها المزعزعة للاستقرار" في الشرق الأوسط. وراقبت الدول العربية الخليجية بإنزعاج عندما توصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى اتفاق مع أكبر خصم لهم في المنطقة بشأن البرنامج النووي الإيراني العام الماضي وحذرت من أن ذلك قد يشجع طهران في مسعاها للهيمنة الإقليمية من خلال وسائل من بينها جماعات تعمل بالوكالة عنها لإذكاء صراعات إقليمية.
وقال ترامب الذي فاز في الانتخابات الأمريكية إنه سيلغي الاتفاق النووي الذي جرى التوصل إليه العام الماضي بيد أنه أدلى ببيانات أخرى متناقضة بشأن الاتفاق. وتنفي إيران أن تكون فكرت على الإطلاق في تطوير أسلحة ذرية. وقال الأمير تركي الفيصل وهو رئيس سابق للمخابرات السعودية وسفير سابق للمملكة لدى كل من واشنطن ولندن "لا أعتقد أنه يجب عليه أن يلغيه. لقد جرى العمل عليه (الاتفاق النووي) لسنوات عديدة والإجماع العام في العالم وليس في الولايات المتحدة فقط هو أنه حقق هدفا وهو فجوة لمدة 15 عاما في البرنامج الذي شرعت فيه إيران لتطوير أسلحة نووية." وأضاف قائلا في كلمة ألقاها في مركز أبحاث في واشنطن "إلغاء ذلك شئنا أم أبينا ... سيكون له تداعيات ولا أعرف ما إذا كان من الممكن وضع شيء مكانه لضمان أن إيران لن تسير في هذا الطريق إذا ألغي الاتفاق."
وقال تركي إنه كان يود أن يصبح الاتفاق "نقطة انطلاق" نحو برنامج أكثر استدامة "لمنع الانتشار النووي من خلال إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط." ولا يشغل الأمير تركي في الوقت الحالي أي منصب رسمي في القيادة السعودية وأكد على أنه يتحدث بصفة شخصية. ووصف مصادر مطلعة آراءه بأنها كثيرا ما تعكس آراء كبار أمراء المملكة وأنها مؤثرة في دوائر السياسية الخارجية للرياض. وقال الأمير تركي أيضا إن على ترامب أن يعاتب إيران على "أنشطتها التي تنطوي على قدر كبير من المغامرة وزعزعة الاستقرار" في الشرق الأوسط. بحسب رويترز.
وتدعم إيران الشيعية الرئيس السوري بشار الأسد وأرسلت فرقا إلى سوريا لجمع المعلومات وتدريب القوات السورية. وتخوض إيران شأنها شأن منافستها السنية السعودية حروبا بالوكالة في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وقال الفيصل "أود أن أرى الرئيس ترامب يوجه الرأي العام الأمريكي ونشاط الحكومة الأمريكية لتحدي رأي إيران أنها يمكنها أن تعطي نفسها رخصة للتدخل".
اضف تعليق