تعيش بريطانيا أزمة كبيرة وانقسام داخلي خطير بسبب قرار الخروج من الاتحاد الاوربي بعد عضوية استمرت 43 عاما، فهذا القرار الذي اثارت حالة من الذعر والقلق في الأوساط المالية والسياسية الأوروبية والعالمية، مايزل وبحسب بعض المراقبين يهدد وحدة واستقرار بريطانيا خصوصا وان القادة الأوروبيون توعدوا لندن بمفاوضات قاسية وصعبة، لتكون بريطانيا التي اصبحت اليوم تعاني من انقسامات داخلية عميقة، عبرة لكل دولة تفكر بالخروج من الاتحاد، كما ان خروج بريطانيا من مظلة الاتحاد الأوروبي، عده بعض الخبراء بداية لتقسيم هذا البلد، خصوصا بعد ان وقع أكثر من 40 ألف شخص في وقت سابق، عريضة تطالب ببقاء لندن في الاتحاد الأوروبي مع إعلان رئيس بلدية لندن صادق خان أن المدينة يجب أن تكون لها كلمة في مفاوضات الانفصال.
كما تجاوزت عريضة ثانية على الإنترنت موجهة إلى البرلمان البريطاني للمطالبة بإجراء استفتاء ثان حول الاتحاد الاوروبي عتبة المليون توقيع. وتطالب العريضة بإجراء استفتاء جديد. وهو ما يعكس الانقسامات العميقة التي ظهرت في بريطانيا بعد استفتاء الخروج.
وفي 23 يونيو/حزيران الماضي، صوّت البريطانيون بنسبة 52%، في استفتاء لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتبع ذلك إعلان رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، استقالته. وتولت "تيريزا ماي" (59 عاماً)، رئاسة الوزراء خلفاً لديفيد كاميرون، في 13 يوليو/تموز الماضي، لتصبح بذلك رئيسة الحكومة الـ 76 للمملكة المتحدة، وثاني امرأة تتولى هذا المنصب.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف رأى رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير ان لا شيء يمنع تنظيم استفتاء ثان حول بريكست معتبرا ان خروج بلاده من الاتحاد الاوروبي سيكون "صعبا جدا" امام قادة اوروبيين غير متساهلين اطلاقا.
وقال لا سبب بتاتا لاغلاق الباب امام كل الخيارات (...) يحق لنا بان نواصل التفكير واذا دعت الحاجة بان نغير رأينا". واضاف "اذا تبين خلال العملية ان الاتفاق غير مرض او يترتب عليه عواقب وخيمة لدرجة يرفض فيها البريطانيون الخروج من الاتحاد عندها علينا ايجاد حل ان من خلال البرلمان او ربما (...) من خلال استفتاء جديد".
وفي صحيفة "ذي نيو يوروبيان" وصف بلير، رئيس الوزراء بين عامي 1997 و2007، بريكست ب"الكارثة" ودعا مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الى "التعبئة" في وجه مؤيدي الخروج. وكتب في الصحيفة بعد اربعة اشهر على استفتاء "اصبحنا الان المتمردين". وقال الزعيم العمالي السابق انه بحث مؤخرا مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في التحديات التي ستواجهها بريطانيا خلال مفاوضات الخروج من الاتحاد الاوروبي.
واوضح "اقنعني ذلك بان الامور ستكون صعبة جدا (...) لن نجري هذه المفاوضات مع رجال اعمال اوروبيين يرغبون في دخول الاسواق البريطانية (...) الاشخاص الذين سنتفاوض معهم هم الزعماء السياسيون للاتحاد الاوروبي وبرلماناته بالتالي سيكون الامر من وجهة نظري مفاوضات معقدة للغاية". وقال ان على بريطانيا تقديم تنازلات كبيرة حفاظا على وصولها الى السوق الواحدة اذا لم ترغب في التعرض لنتائج اقتصادية "خطرة". ومطلع تشرين الاول/اكتوبر كان بلير اشار الى احتمال العودة الى الحياة السياسية لاعطاء دفع لليسار الوسط ومواجهة المحافظين "الذين يتوجهون نحو بريكست في غاية الصعوبة".
خطة الحكومة
من جانب اخر اعلنت الحكومة البريطانية ان لديها بالفعل خطة لتطبيق خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، بخلاف تقرير نشرته التايمز واكد العكس. وقالت المتحدثة باسم رئيسة الحكومة تيريزا ماي "لدينا خطة، اقول ذلك من دون تحفظ"، مضيفة ان هذه الخطة تقضي خصوصا بانشاء دائرة مكلفة "اجراء وتنسيق المفاوضات".
وكانت المتحدثة اعلنت رفضها ما تضمنه التقرير الذي اكدت الحكومة انها لم تطلب اعداده. واضافت "لا علاقة لنا باي معلومة وردت في هذا التقرير الذي لم نطلب اعداده، واعده مكتب محاسبة يسعى للعمل مع الحكومة" مشيرة بالاسم الى مكتب ديلويت. من جهته قال مكتب ديلويت ان الحكومة بالفعل لم تطلب منه اعداد التقرير. واضاف بيان ديلويت "انها مذكرة موجهة بشكل اساسي الى عاملين في الداخل. ولم يطلبها مكتب رئيسة الحكومة ولا اي دائرة اخرى تابعة للحكومة، وهي تلقي الضوء على المهمة التي تنتظر الحكومة".
ويحمل التقرير تاريخ السابع من تشرين الثاني/نوفمبر وهو يشرح "كيف ان الحكومة البريطانية تنوء تحت ثقل اكثر من 500 مشروع" لها علاقة بالبريكست الامر الذي "يتجاوز قدراتها على دراستها سريعا". ويقول التقرير ان الحكومة البريطانية قد تكون بحاجة لتوظيف ما بين عشرة الاف وثلاثين الف شخص اضافي لمواجهة هذا الوضع المستجد. كما يوضح انه رغم النقاشات الكثيرة التي اعقبت استفتاء الثالث والعشرين من حزيران/يونيو، فان الحكومة قد تكون بحاجة لستة اشهر اضافية للاتفاق على استراتيجية الخروج من الاتحاد الاوروبي. بحسب فرانس برس.
وتعود هذه المهلة الى ملف البريكست الشديد التعقيد، والى الخلافات داخل الحكومة حول مسار البريكست، والى طريقة عمل تيريزا ماي التي تفضل الامساك بكل الامور بدلا من توزيع المسؤوليات. وكانت ماي وعدت ببدء عملية الخروج من الاتحاد الاوروبي بحلول نهاية اذار/مارس المقبل، الا انها لم تقدم اي معلومات حول خطتها للخروج. وقال زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي (وسط) تيم فارون "ان هذه الفوضى على راس الحكومة تؤكد ان السبب الوحيد لعدم تقديم تيريزا ماي اي شرح لنا عن خطتها للبريكست، هو ان لا خطة لديها".
شرعية الخروج
على صعيد متصل قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إنه يجب على البرلمان أن يقبل بشرعية التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي وأن يترك الحكومة تمضي قدما في تنفيذ القرار بالكامل. وقالت ماي إنها على ثقة من إلغاء حكم المحكمة البريطانية العليا بأن الحكومة تحتاج لموافقة البرلمان لبدء عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكان الحكم قد أثار غضب المؤيدين للانفصال الذين يخشون أن يحاول المشرعون الذين كانوا يؤيدون البقاء داخل التكتل التخفيف من شروط الخروج. واستبعد وزير الصحة البريطاني جيرمي هانت أن يعطل البرلمان قرار تفعيل المادة 50 المتعلقة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "أعتقد أن من المستبعد بدرجة كبيرة ألا يدعم البرلمان في نهاية الأمر قرار تفعيل المادة 50." وأضاف أنه سيكون "من الصعب وغير المسبوق" أن يعطل المجلس الأعلى غير المنتخب بالبرلمان مثل هذا القرار.
وقالت الحكومة إنها ستطعن على حكم المحكمة العليا. وكتبت ماي في صحيفة صنداي تليجراف تقول إنها ستقاوم محاولة تعطيل قرار الانسحاب. وأضافت "الشعب اختار وفعل ذلك بشكل حاسم. وعلى الحكومة مسؤولية القيام بالمهمة وتنفيذ توجيهاته بالكامل." وقال زعيم حزب العمال المعارض إنه سيحاول تعطيل محادثات الخروج مع الاتحاد الأوروبي إذا لم توافق الحكومة على مطالبه المتعلقة بذلك.
ومن المتوقع أن تنضم اسكتلندا إلى إجراء قانوني ضد خطط الحكومة البريطانية لتفعيل المادة 50. وقالت جينا ميلر وهي مديرة استثمار اسكتلندية تقود الدعوى المرفوعة ضد الحكومة لهيئة الإذاعة البريطانية "نتوقع أن تنضم إلينا عدة حكومات. لكن قضاياها ستكون مختلفة عن قضيتنا. ستتحدث كل منها عن مصالحها الخاصة." وقالت الحكومة التي لم تفصح عن الكثير من خططها بشأن علاقة بريطانيا المستقبلية مع التكتل إن اضطرار الحكومة لعرض استراتيجية تفاوض مفصلة على البرلمان سيضعف موقفها في المحادثات مع الاتحاد. بحسب رويترز.
وقالت ماي في تصريح سابق "كان أعضاء البرلمان هم من قرروا بأغلبية ساحقة ترك الأمر للناخبين. والنتيجة جاءت واضحة وشرعية." وتابعت "أعضاء البرلمان وأقرانهم الذين يشعرون بالأسف إزاء نتيجة الاستفتاء يتعين عليهم قبول ما قرره الشعب." وستستغل ماي أول رحلة تجارية تقوم بها منذ توليها السلطة في محاولة تعزيز العلاقات مع الهند قبل أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفي تمهيد الطريق أمام إبرام اتفاق للتجارة الحرة في أقرب وقت بمجرد إتمام الانفصال عن الاتحاد.
استقلال القضاء
الى جانب ذلك اعربت وزيرة العدل البريطانية ليز تروس عن تاييدها استقلال القضاء بعدما تعرضت محكمة لندن لهجمات سياسية بسبب حكمها المثير للجدل بشان عملية بريكست. وواجهت تروس انتقادات لصمتها عن الحملة على محكمة لندن العليا بسبب قرارها وجوب الحصول على موافقة البرلمان البريطاني لبدء اجراءات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي ما قد يبطئ عملية الخروج ويؤثر على المفاوضات.
ووصفت احدى الصحف قضاة المحكمة الثلاثة بانهم "أعداء الشعب" بينما اتهم عدد من اعضاء حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي بالسعي لتقويض نتيجة استفتاء حزيران/يونيو المؤيدة للخروج من الاتحاد الاوروبي. وقالت تروس في بيان مقتضب "ان استقلال السلطة القضائية هو الاساس الذي نبني عليه حكم القانون وقضاؤنا يحظى بالاحترام على مستوى العالم بفضل استقلاله وحياده". واضافت "في ما يتعلق بالقضية التي نظرت فيها المحكمة العليا، فقد اوضحت الحكومة انها ستطعن بالحكم. يجب اتباع الاجراءات القانونية". بحسب فرانس برس.
وقبل ذلك بساعات اصدر مجلس المحامين في انكلترا وويلز بيانا اعرب فيه عن اسفه لصمت الوزيرة عن "الهجمات الخطيرة وغير المبررة" على القضاء. ووجهت محكمة لندن العليا ضربة الى حكومة ماي المحافظة بعدما قررت انه يتعين الحصول على موافقة البرلمان البريطاني لبدء اجراءات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي. وعلى الفور اعلنت الحكومة البريطانية انها ستستأنف القرار على ان يتم ذلك مطلع كانون الاول/ديسمبر. واعلنت ماي ان لحكومتها "حججا قانونية متينة" تقدمها للمحكمة. واذا ثبتت محكمة الاستئناف قرار محكمة لندن فسيؤدي ذلك الى ابطاء عملية بريكست والتأثير على المفاوضات بين بريطانيا وبروكسل.
جنسيات اخرى
في السياق ذاته يسعى العديد من البريطانيين يائسين لنيل جواز سفر اوروبي يسمح لهم بالبقاء في الاتحاد الاوروبي بعد خروج بلادهم منه، سواء من خلال الحب، او في اغلب الاحيان من خلال البحث عن جدود متحدرين من احدى الدول الاعضاء الـ27 الاخرى. وازاء الشكوك المحيطة في امكانية الاستمرار في العيش في الاتحاد الاوروبي او العمل فيه بعد انفصال بريطانيا عنه، بادر بعض البريطانيين الى طلب جنسية دولة اوروبية اخرى.
ويمكن لبعضهم في سبيل ذلك الافادة من اصول ايرلندية، حيث ان حوالى 10% من البريطانيين مخولين طلب جنسية هذا البلد الذي يجيز تجنيس اولاد واحفاد رعاياه. وقالت جوانا ديري الصحافية لوكالة فرانس برس "ان فكرة طلب الجنسية الايرلندية خطرت لي قبل الاستفتاء، لكنني لما كنت اقدمت على ذلك لو لم نصوت من اجل الخروج من الاتحاد الاوروبي، لكنت وجدت الامر غير نزيه".
وقامت المرأة الشابة منذ الاستفتاء بجمع الوثائق الضرورية لتسجيل نفسها في "سجل الولادات في الخارج" الذي تدون فيه اسماء الذين يولدون خارج ايرلندا، في خطوة ضرورية قبل طلب جنسية البلد. واوضحت "اشعر انني اوروبية، وبالتالي اجد مغزى في ان اقدم على ذلك من اجل ان ابقى اوروبية" مضيفة "اتهمني البعض بخيانة جذوري الانكليزية (...) لكن الثقافة الايرلندية حاضرة جدا في عائلتي، وبالتالي فان هذه الانتقادات لا تطالني".
وسجل اقبال على طلب جوازات سفر ايرلندية غداة استفتاء 23 حزيران/يونيو، الى حد دفع وزير الخارجية الايرلندي تشارلي فلاناغان الى الدعوة للتريث، مشيرا الى ان المكاتب القنصلية تخضع لـ"ضغط شديد". كذلك شهدت السفارة الالمانية في لندن في الفترة ذاتها "فورة في طلبات الاستعلام". والظاهرة المدهشة ان حوالى 400 بريطاني يتحدرون من يهود شرقيين (سفرديم) تعرضوا للاضطهاد وطردوا من البرتغال قبل خمسة قرون، طلبوا جنسية هذه الدولة الصغيرة في جنوب اوروبا.
وقال مايكل روثويل المتحدث باسم الجالية اليهودية في بورتو، المدينة الكبيرة في شمال البرتغال، "اننا نتلقى حوالى عشرة طلبات استعلام يوميا". وقبل الاستفتاء، كان خمسة بريطانيين فقط طلبوا الاستفادة من قانون يعود الى اذار/مارس 2015 ينص على منح هؤلاء اليهود الجنسية البرتغالية تعويضا عن الاضطهاد الذي لحق بجدودهم في نهاية القرن الخامس عشر.
من جانبه، افاد موقع "انسيستري.كو.يو كاي" للسلالات العائلية عن "زيادة كبيرة" في حركة الدخول اليه على الانترنت بعد الاستفتاء. واوضحت سو مونكور المسؤولة في الموقع "شهدنا عدد رواد الانترنت الذين يكتتبون لمرحلة اختبارية في الموقع يزداد بنسبة 40%. وبموازاة ذلك، ازدادت عمليات البحث عن جدود ايرلنديين خلال اسبوع بـ20%".
اما الذين ليس لهم جدود من دول اخرى، فيبقى خيار الزواج متاحا لهم اذ يسمح لهم الاحتفاظ بالحق في العيش في القارة والعمل فيها. ولتسهيل الامور، انشأت الطالبتان كايتي ايدلستن وكلوي كوردون موقع "آي دي بي نوثينغ ويذاوت اي يو.كو.يو كاي" (الجنسية لا قيمة لها بدون الاتحاد الاوروبي) بهدف وضع البريطانيين الراغبين بذلك في تواصل مع "مواطنين اوروبيين مقيمين في المملكة المتحدة". ويعد الموقع حتى الان الاف الاعضاء. بحسب فرانس برس.
واوضحت كايلي ايدلستن "لا احد يود الزواج لمجرد الحصول على جواز سفر. انها مجرد وسيلة مسلية للقاء اشخاص. ثمة وسائل كثيرة لمصادفة الحب، فلم لا يتم ذلك بفضل بريكست؟". وهي تسعى الان لبسط مفهومها الى البريطانيين المقيمين في القارة. واضافت "هدفنا الاخير هو ان يجد البعض الحب الحقيقي وان نقيم زفافا جماعيا مع تبادل محابس وتوزيع حلوى تحمل شعار الاتحاد الاوروبي".
اضف تعليق