انتهت فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأصبح من الملائم طرح سؤال حول حدود التغيير والاستمرارية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد أوباما وقدوم ترامب.
حيث شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، خلال السنوات الأخيرة، متغيرات جديدة شكلت إطارا حاكما لتلك السياسة في التعامل مع قضايا وأزمات المنطقة. وبدأ هذا الإطار الجديد خلال الفترة الثانية للرئيس أوباما، وتحديدا بعد ثورات الربيع العربي. ومن المتوقع أن يشكل هذا الإطار الجديد حاكما لحدود التغير، أو لطبيعة ومضمون السياسة الأمريكية، لأي رئيس أمريكي جديد.
واتسمت السياسة الخارجية الأمريكية بالتغيير في الآليات ما بين التدخل العسكري، كما حدث في عهد الجمهوريين في إدارتي بوش الأب وبوش الابن، وتبني الآليات الدبلوماسية في عهد الديمقراطيين في إدارتي كلينتون وأوباما. كما أن السياسة الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية، تسعى دائما للتوازن بين حسابات المصالح الأمريكية الواقعية، وحسابات القيم والديمقراطية المثالية.
الامن المتغلب على الاخلاق
أن أمريكا لم تخضع لوازع الأخلاق الذي تعتمده لدعم الحريات والديمقراطيات ومحاربة الأنظمة المستبدة والمتطرفة، ولو مرة واحدة في سياستها في الشرق الأوسط بل ظل هاجس الأمن الذي يقتضي عدم السماح بصعود من تعتبره أمريكا عدوا للنظام الدولي في المنطوق وعدوا لها في المفهوم مسيطرا في كل المواقف والاستحقاقات.
أن الساسة وصناع الرأي في الغرب كانوا يريدون إيجاد بديل عن الاستبداد في الدول العربية، ولكن بديل من النوع الذي لا يهدد أمن إسرائيل ولا يتأفف من التبعية للبيت الأبيض، وهذا واضح من اتجاه سياسات إجهاض الربيع العربي الذي تَغلب موجة الأمن فيه على موجة الأخلاق في سياسة الولايات المتحدة، مما فسر كثيرون في الغرب انتفاضة ساحة التحرير في مصر تسويقا للرأي القائل بأن بديل الاستبداد كان يجب اجتراحه في موعد أبكر بكثير، إلا أن المشكلة الفعلية تمثلت في أن الولايات المتحدة وجدت صعوبة في الاهتداء إلى عناصر يمكن تأليف مؤسسات تعددية منهم، أو إلى قادة ملتزمين بممارستها.
نفس الهاجس الأمني تغلب في الموقف من الأحداث السورية، لرغبة أمريكا في رحيل الأسد ولكنها مترددة في حسم موضوع إسقاطه لأنها ترى أن البديل عن الأسد هو أعداؤها وأعداء إسرائيل، لذلك ظلت تتفرج بسادية على أنهار الدم السوري وعلى آلام الشعب السوري لأن الأمن يتغلب دائما في سياستها على الأخلاق.
الامر الذي فتح جبهة قتال في العراق ودخول داعش الى المنطقة مما اثار حالة من الرعب والفزع عند الشعب العراقي وسط صمت من قبل الولايات المتحدة في الوقت الذي يرضخ العراق الى حماية الاخير وفق الاتفاقية الامنية لعام 2008، وتشكيلها التحالف الدولي الصوري لقتال داعش الذي تسبب بخسائر بشرية بين صفوف الجيش العراقي بدلا عن ضرب داعش، فأختاروا بذلك تغليب امنهم على اخلاقهم.
آفاق استسلام لا سلام
أن مصير القضية العربية في الشرق الاوسط ستحدده طبيعة الدول العربية التي ستنتج عن ما بعد الربيع العربي، وأيها ستكون أكثر أهلية للقبول بإسرائيل كواقع، أي بلد عربي مخضوض بضغوط أطلقها الربيع العربي، سيكون مستعدا وقادرا علنا على تصديق وضمان سلام يقبل بوجود إسرائيل عبر حزمة محددة من الالتزامات العملياتية؟ ذلك هو ما سيقرر مصير آفاق السلام، لا العنوان الذي سيعطى لدولة إسرائيل، وسيكون المصير اما بضغوط الارهاب الفوضوي او القبول بأسرائيل كدولة مستقلة في منطقة الشرق الاوسط فضلا عن ادارتها القيادة في المنطقة.
محددات السياسة الأمريكية
هناك عددا من المحددات التي تحكم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتجعل هناك استمرارية لتلك السياسة، بغض النظر عن كون الإدارة ديمقراطية أو جمهورية ومنها:
حماية أمن إسرائيل
استمر الدعم الأمريكي لإسرائيل على مدى سنوات مختلفة، ومنذ إنشائها عام 1948، وإبان حرب أكتوبر 1973، ثم الدخول كطرف أساسي في مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل كراع للسلام في المنطقة، بل كانت الصراعات العراقية – الأمريكية في جزء منها بسبب الرغبة الأمريكية في الحفاظ على التفوق الإسرائيلي على جميع الدول العربية.
المحافظة على إمدادات وأسعار نفط مستقرة
تمثل منطقة الخليج أهمية كبيرة للولايات المتحدة، حيث تمد السوق العالمية بالنفط، وستظل دول الخليج المصدر الرئيسي للنفط في العقود القادمة، ومن شأن الولايات المتحدة المحافظة على استقرار هذه الدول استقرارا لأسعار النفط.
مواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل
هناك مصلحة للولايات المتحدة في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، لما في ذلك من تهديد لحليفتها إسرائيل، ولشركائها في منطقة الخليج العربي، والقوات الأمريكية هناك، وتحت هذه الذريعة، قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، وتعمل على احتواء البرنامج النووي الإيراني، ومنع إيران من امتلاك السلاح النووي.
الحفاظ على استقرار الدول الصديقة في المنطقة
طورت الولايات المتحدة علاقة صداقة وثيقة مع عدد من دول المنطقة المعتدلة، ومنها مصر ودول الخليج، والتي تتوافق مع المصالح والأهداف الأمريكية.
الحرب على الإرهاب
كانت الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، ومنها النفط، وحماية أمن إسرائيل، حتى لو تم ذلك بالتعامل مع الأنظمة السلطوية في المنطقة، أي تغليب الواقعية على المثالية، وترجيح المصالح على القيم، ودعم الديمقراطية والإصلاح.
وتبقى المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها تأمين وصول النفط، ومحاربة الإرهاب، ستفرض على الرئيس الأمريكي القادم استمرار الانخراط في قضايا المنطقة، وضرورة التعامل معها. اضف الى نمط السياسة لن يختلف كثيرا عن استراتيجية أوباما، وهي الانخراط والحرب بالوكالة، لكن دون التورط العسكري المباشر في تلك الازمات.
مما سيبقي منطقة الشرق الأوسط مضطربة خلال فترة ولاية الرئيس الجديد ترامب، وستظل أحد تشابكات السياسة الخارجية الأمريكية، والانخراط في قضاياها وأزماتها، مع الاختلاف في الآليات، وليس في التوجهات، أو الاهداف تبقى السياسية الامريكية ذات توجه واحد وهي سياسة المصلحة العليا للأمريكان وضمان امن اصدقائهم الخاصين وفق اطر محددة، اما تغيير الوجوه فهو لا يعدو ترتيب في مكياج البيت الابيض.
اضف تعليق