تواجه إيران تحديات صعبة على الصعيد الداخلي، بسبب تفاقم الخلافات السياسية بين الإصلاحيين والمتشددين، الساعين الى تحقيق مكاسب خاصة تمكنهم الوصول الى مركز القرار، حيث يسعى التيار المتشدد الذي يسطر على اهم المؤسسات في ايران، ومن خلال خطط وتحركات جديدة الى تقيد تحركات الخصوم، الذين اصبحوا اكثر تأثيرا بعد المكاسب المهمة التي حققها الرئيس الايراني الحالي حسن روحاني، بخصوص ملف ايران النووي وسياسته المبنية على الانفتاح والتقارب مع دول العالم. هذه الخلافات والصراعات وكما يرى بعض الخبراء، ربما تكون سببا في اضعاف دور ايران في المنطقة ويعيدها الى عزلتها السابقة، خصوصا مع وجود خصوم اقوياء سيعمدون الى تعميق مثل هكذا خلافات ومشاكلات.
من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان الخلافات بين القادة الإيرانيين المحافظين من جهة، والإصلاحيين من جهة ثانية، هي مجرد خلافات شكلية لا تؤثر على سياسة ايران وطموحاتها الخارجية.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد أعلن مجلس صيانة الدستور ان الانتخابات الرئاسية المقبلة في ايران ستجرى في 19 ايار/مايو 2017 ويفترض ان يترشح لها الرئيس حسن روحاني لولاية ثانية. وكان الرئيس روحاني، رجل الدين المعتدل، انتخب من الدورة الاولى للانتخابات في 2014 لولاية مدتها اربع سنوات. ويسمح له الدستور بالترشح لولاية ثانية. وبدعم من المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي، قاد المفاوضات التي افضت في تموز/يوليو 2015 الى الاتفاق النووي التاريخي بين ايران والقوى الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا).
وسمح الاتفاق برفع جزئي للعقوبات الدولية المفروضة على ايران مقابل التزام طهران ابقاء برنامجها النووي محصورا بالقطاع المدني وعدم امتلاكها سلاحا ذريا. لكن نتائج الاتفاق تأخرت خصوصا بسبب تحفظ المصارف الدولية الكبرى على العودة الى ايران خوفا من اجراءات انتقامية من قبل الولايات المتحدة التي ابقت على عقوبات اقتصادية غير مرتبطة بالبرنامج النووي.
وبسبب غياب هذه النتائج الملموسة لانعاش الاقتصاد الذي يعاني من الانكماش (نسبة النمو واحد بالمئة ومعدل البطالة 11 بالمئة) يواجه الرئيس روحاني انتقادات متزايدة من قبل المحافظين الذين سيتمثلون في الانتخابات المقبلة بمرشح لم يعرف بعد. ويملك مجلس صيانة الدستور الذي يعين خامنئي ستة من اعضائه ال12، حق الاعتراض على الترشيحات في جميع انحاء ايران. ومع انه ينتخب بالاقتراع العام ويمثل بلده على الساحة الدولية، لا يمكن لرئيس الجمهورية الاسلامية التحرك الا في اطار الخطوط السياسية الكبرى التي يحددها المرشد الاعلى.
خامنئي والرئيس القادم
في السياق ذاته ذكرت وسائل إعلام حكومية أن الزعيم الأعلى الإيراني طلب من الرئيس السابق المتشدد محمود أحمدي نجاد عدم الترشح في الانتخابات المقررة العام المقبل مما يزيل فعليا تحديا كبيرا كان الرئيس الحالي حسن روحاني سيواجهه. ولم يعلن أحمدي نجاد عن اعتزامه خوض الانتخابات المقررة في مايو أيار المقبل لكنه أدلى بعدة خطب في الأشهر الأخيرة مما أثار تكهنات بأنه يعتزم العودة للعمل السياسي.
وأشار معلقون إلى أن الزعيم الشعبوي الذي كثيرا ما أغضب الغرب بأحاديثه أثناء فترة توليه الرئاسة التي استمرت ثماني سنوات كان يمكن أن يعطي المحافظين الإيرانيين أفضل فرصة للعودة للحكم. لكن توجيهات الزعيم الأعلى أية الله علي خامنئي التي بثتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) قضت فعليا على فرصه في الحصول على تأييد واسع النطاق كان سيحتاجه لإدارة حملة انتخابية ناجحة.
ونقل عن خامنئي قوله "إنه (أحمدي نجاد) جاء إلى وأنا قلت له ألا يترشح لأنني أعتقد أن ذلك ليس في مصلحته وليس في مصلحة البلاد." وأضاف "من شأن ذلك خلق قطبين متضادين وانقسامات في البلاد وهو ما أظنه مضرا." وارتفعت شعبية روحاني بعد إبرامه اتفاقا العام الماضي مع قوى غربية أدى إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران مقابل تقليص برنامجها النووي. بحسب رويترز.
وقال منافس محتمل آخر هو قاسم سليماني قائد الحرس الثوري وأبرز شخصية في قتال تنظيم داعش في العراق وسوريا إنه لن يخوض الانتخابات. وانتخب أحمدي نجاد لأول مرة في عام 2005. وأثار الخلاف على فوزه في انتخابات 2009 أكبر احتجاجات تشهدها الجمهورية الإسلامية وحملة أمنية قتل فيها عدة أشخاص واعتقل المئات. ويمنع القانون الإيراني الرئيس من السعي لفترة ولاية ثالثة دون انقطاع لكن أحمدي نجاد كان يمكنه الترشح بعد الانقطاع الذي تمثل في فترة ولاية روحاني.
من جانب اخر اعلن الرئيس الايراني المحافظ السابق محمود احمدي نجاد انه لن يترشح للانتخابات الرئاسية. وكتب احمدي نجاد الذي شغل منصب الرئاسة الايرانية من 2005 الى 2013، في رسالة موجهة الى آية الله خامنئي نشرتها وسائل الاعلام الايرانية "مع كل الشكر لتصريحاتكم المهمة (...) وتلبية لرغبتكم ابلغكم انني لا انوي المشاركة في الانتخابات الرئاسية العام المقبل".
اضعاف روحاني
من جانب اخر وبعد انقضاء فترة طويلة على الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الغرب بدأ المتشددون يحققون مكاسب فيما يمثل رد فعل معاكسا ضد الرئيس حسن روحاني يقول حلفاؤه إنه قد يضعف مركزه أو يخرجه من دائرة السلطة في الانتخابات التي تجري العام المقبل. ففي عام 2013 حقق روحاني نصرا كاسحا في الانتخابات بفضل ما وعد به من تخفيف عزلة إيران الدبلوماسية وأبرم العام الماضي الاتفاق الذي أسفر عن رفع عقوبات مالية مفروضة على بلاده مقابل تقييد برنامجها النووي.
والآن بعد أن انتهت المفاوضات يقول أنصار روحاني إن خامنئي وأنصاره يحاولون تقليص صلاحيات الرئيس أو إبداله. وفي مواجهة هذه الضغوط ربما يقرر روحاني عدم ترشيح نفسه مرة أخرى. وقد بدأ المتشددون بالفعل يحملون فصيل الرئيس مسؤولية إخفاق الاتفاق في تحقيق تحسن سريع في مستويات المعيشة في وقت انخفضت فيه أسعار الصادرات النفطية دون أن تصل إلى البلاد الاستثمارات الأجنبية الموعودة.
وقال مسؤول رفيع طلب عدم نشر اسمه "التشاحن السياسي ازداد حدة في إيران. وأصبحت شرعية المؤسسة في خطر." وقال "وهذا الأمر سيتزايد حتى الانتخابات الرئاسية العام المقبل." مضيفا أن روحاني نفسه لديه الآن "شكوك خطيرة في ترشيح نفسه لفترة ولاية ثانية." ويعتقد حلفاء روحاني أن شعبيته الشخصية وإمكانية خروج إيران من عزلتها السياسية والاقتصادية أفزعت المتشددين من حلفاء خامنئي الذين يخشون فقد السلطة ويستهدفون تركيع مؤسسة الرئاسة. وقال مسؤول إصلاحي سابق تحدث بشرط إخفاء هويته مثل بقية الشخصيات التي تم الاتصال بها في إيران لإعداد هذا التقرير "المتشددون يريدون أن يكون الرئيس أقرب إلى معسكرهم ويحصل على توجيهاته من حلفاء خامنئي." وأضاف "إذا فشلوا في إيجاد مرشح فسيفرضون مزيدا من القيود على روحاني في فترته الثانية."
ويسمح النظام السياسي المعمول به في إيران بإجراء انتخابات لاختيار الرئيس وأعضاء البرلمان لكنه يتيح لهيئة رقابية متشددة إمكانية استخدام حق النقض (الفيتو) لإسقاط القوانين وتحديد من يخوض الانتخابات من المرشحين. ومنذ تولى خامنئي (76 عاما) القيادة خلفا لآية الله روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية عمل على ضمان ألا تكسب فئة أو جماعة بمن فيها حلفاؤه من المتشددين من النفوذ ما يتيح لها تحدي سلطته. ويسيطر حلفاء خامنئي على الجانب الأكبر من الموارد المالية بالإضافة إلى القضاء وقوى الأمن والإذاعة والتلفزيون ومجلس صيانة الدستور الذي يراجع القوانين ويفحص المرشحين للانتخابات.
وقال كريم سجادبور المحلل المتخصص في شؤون إيران والباحث الزميل بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي "الترتيب المثالي بالنسبة لخامنئي هو أن يكون الرؤساء ضعافا يمكن محاسبتهم عن مشاعر الإحباط والمشاكل الاقتصادية التي يشعر بها كثير من الإيرانيين." وقال مسؤول رفيع طلب عدم نشر اسمه "بوسع خامنئي أن يعيش دون الإعجاب ومظاهر التأييد على وسائل التواصل الاجتماعي من جانب أبناء المدن من المثقفين في إيران. لكنه لا يستطيع العيش دون التأييد المخلص لرجال الحرس الثوري البالغ عددهم 150 ألفا وأنصارهم من الباسيج" في إشارة إلى قوة عسكرية خاصة وميليشيا تابعة لها.
ودفع حال الاقتصاد الإيراني الذي تكتنفه المخاطر كبار الزعماء الإيرانيين إلى قبول روحاني باعتباره أفضل خيار لتسوية النزاع النووي مع الغرب. لكن حلفاء روحاني يعتقدون أن المقربين من خامنئي لم يعودوا يرون أن روحاني مفيدا. وقال أحد حلفاء روحاني "الآن انتهت الأزمة النووية. ويريد المتشددون استعادة السيطرة من خلال إضعاف روحاني. وسيعمل تحقيق نصر انتخابي في العام المقبل على تعزيز قبضة المتشددين على السلطة. "فروحاني انتخب لتسوية القضية النووية في إيران." وفي الشهور الأخيرة تحدث خامنئي عن أهمية "العقيدة الثورية" وعن "اقتصاد المقاومة" فيما يعتبر انتقادا غير صريح لسياسات روحاني القائمة على التواصل السياسي والاقتصادي مع الغرب.
ولم تظهر حتى الآن شخصية تتحدى روحاني في الانتخابات لكن من الممكن أن يتوصل المتشددون إلى توافق على مرشح للانتخابات في الأشهر المقبلة. وقال مئير جاويدانفار الباحث الإسرائيلي الإيراني المولد في مركز هرتزيليا في إسرائيل "سياسة روحاني القائمة على التفاعل مع العالم ... تفزع المتشددين لأنهم يعتقدون أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تتوقف عن كونها دولة ثورية من دون المواجهة لاسيما مع الغرب." وأضاف أن المتشددين يخشون أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف "إلى انهيار المؤسسة".
وجه المتشددون انتقادات لروحاني على بطء وتيرة الانتعاش الاقتصادي وقالوا إن حكومته تعرضت للخديعة لقبول تقديم تنازلات في برنامج إيران النووي في الوقت الذي لم تحصل فيه على شيء يذكر في المقابل. وقال علي أنصاري مدير معهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت اندروز "التركيز في الوقت الحالي على الاقتصاد بالطبع وهذا سيكون ساحة المعركة في الانتخابات المقبلة." وأضاف "التوقعات التي أثارها روحاني حول الاتفاق كانت صعبة التحقق ومن المرجح أن يرتد عليه الشعور الشعبي بخيبة الأمل ولا شك في أن يحدث ذلك بتشجيع من المتشددين."
وما زالت بنوك أوروبية كبرى ومستثمرون كبار يحجمون عن إبرام صفقات مع إيران لأسباب من بينها عقوبات من جانب واحد فرضتها الولايات المتحدة على إيران وما زالت سارية. وحتى الآن أقامت إيران صلات مصرفية مع بعض المؤسسات المالية الصغيرة وما زالت البنوك الأمريكية ممنوعة من التعامل مع إيران سواء مباشرة أو بالطرق غير المباشرة. كما يواجه المستثمرون الأجانب مخاطر أخرى مثل اللوائح المعقدة وغياب الشفافية في النظام المصرفي الإيراني وعدم وضوح آليات فض المنازعات والمشاكل العمالية والفساد. بحسب رويترز.
وبالنسبة لكثير من المواطنين العاديين في إيران ترسخ إحساس بالتحرر من الوهم إذ لم تتحقق الوعود الاقتصادية ولم تنجز حكومة روحاني ما كان مأمولا من تخفيف للقيود الاجتماعية. ومن المشاكل التي واجهتها الحكومة أيضا تسريب تفاصيل ما يتقاضاه بعض كبار المسؤولين التنفيذيين والذي يزيد عشرات المرات على متوسط الدخل الشهري لأسرة تعيش في المدن الإيرانية. ولم يعرف بعد شيء عن مصدر التسريب. وقال موظف حكومة يدعى رضا عمره 32 سنة وصوت لصالح روحاني في الانتخابات السابقة "أنا أكافح لدفع إيجار بيتي وأنظر إلى المرتبات التي يحصل عليها هؤلاء الناس. إنهم لا يهتمون بالشعب إلا عندما يكونون بحاجة إلى أصواتنا."
فضيحة الرواتب الكبيرة
الى جانب ذلك ذكرت وكالة الانباء الايرانية الطالبية ان مدير صندوق التنمية الوطنية الايراني سيد صفدر حسيني وجميع معاونيه اضطروا الى الاستقالة بسبب فضيحة الرواتب الكبيرة التي يتقاضاها مسؤولون كبار ما اثار غضبا في ايران. وساهم كشف رواتب مسؤولين كبار قد تزيد حتى 100 مرة على الحد الادنى للاجور (400 دولار او 395 يورو)، في اضعاف حكومة الرئيس حسن روحاني قبل الانتخابات الرئاسية. وحسيني الذي عينه روحاني كان مستهدفا بشكل خاص، لان وسائل الاعلام نشرت راتبه الشهري المقدر بنحو 580 مليون ريال (17 الف دولار او 15200 يورو). وبحسب الاعلام قد يكون وافق على تسديد 140 الف دولار للدولة.
وكان حسيني وزيرا للعمل ثم للاقتصاد في عهد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي (1997-2005) وانتخبت ابنته نائبة عن طهران على لائحة الاصلاحيين في الانتخابات التشريعية الاخيرة. وتاتي هذه الاستقالات الجديدة بعدما اقال وزير الاقتصاد علي طيب نيا مديري مصارف كبرى "لتقاضيهم رواتب وقروضا غير اعتيادية". وكان الاعلام المحافظ اتهم حسين فريدون شقيق روحاني ومستشاره الخاص بفرض تعيين مقرب منه على راس مصرف رفاه حيث كان يتقاضى 60 الف دولار (53800 يورو) كراتب شهري. واضطر الاخير للاستقالة لكن فريدون نفى اتهامات المحاباة الموجهة اليه.
وامر المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي مجددا الحكومة بالتحرك "بحزم لوقف اي خلل" مرتبط بالرواتب. من جهته، حدد وزير الاقتصاد سقفا لرواتب مديري المصارف والشركات العامة التي يجب الا تتخطى 5500 دولار (4900 يورو) شهريا وفقا لوسائل الاعلام. واعلن ان قرارا يتعلق بكل الرواتب في القطاع العام سيتخذ قريبا. وهدد القضاء بالتدخل في حال عدم تحرك الحكومة لتسوية المسألة. بحسب فرانس برس.
وبعد انتظار كثفت الحكومة التدابير لاحتواء الفضيحة، وخصوصا ان خصومها المحافظين استغلوا الامر. وقال المسؤول الاصلاحي عبدالله ناصري ان "اعداء الحكومة وضعوا اليد على ثلاثة الاف افادة برواتب (مسؤولين كبار) يريدون استخدامها بحلول الانتخابات الرئاسية" لأضعاف الرئيس روحاني وحكومته.
وينص القانون الإيراني على ألا يزيد أعلى راتب في الحكومة على سبعة أمثال أدنى أجر لمنظفي الحكومة. لكن القانون يشوبه الالتباس عندما يتعلق الأمر بالمكافآت والمزايا والحوافز الأخرى. وألقى روحاني باللوم على سلفه محمود أحمدي نجاد لإعطائه الضوء الأخضر لدفع رواتب مرتفعة للمسؤولين التنفيذيين وانتقد النظام القضائي لتغاضيه عن ذلك. وقال إنه رغم أن المبالغ التي كشفت عنها وسائل الإعلام "قانونية" إلا أنها تنتهك "القيم الأخلاقية للحكومة".
اضف تعليق