q

لا تزال حركة حماس الفلسطينية، تواجه الكثير من التحديات والمشكلات المتعلقة بطبيعة عملها العسكري والسياسي وعلاقتها الأخرى على المستوى الداخلي أو الخارجي، يضاف الى ذلك الحصار الخانق والانقسامات والخلافات الداخلية بين قيادات حماس وباقي الحركات والفصائل الفلسطينية الأخرى، تلك التحديات والمشاكل وكما يقول بعض المراقبين، تفاقمت بشكل كبير بسبب المتغيرات السياسية والأمنية في المنطقة، والتي أسهمت بصعود بعض جماعات الإسلام السياسي في العديد من الدول، وهو ما دفع قادة الحركة الى اتخاذ بعض المواقف والقرارات المتسرعة، التي أثرت على علاقتها بالفصائل الفلسطينية المسلحة وباقي الدول الحليفة التي دعمت حماس وساندتها الأمر الذي انعكس سلبا على خطط وأهداف الحركة ومشروعها الجهادي ضد اسرائيل التي سعت الى الاستفادة من العزلة الحالية لحماس وشل قدراتها، من خلال القيام بعمليات عسكرية واسعة كان آخرها الحرب المدمرة على قطاع غزة والتي تسببت بخسائر بشرية ومادية كبيرة، يضاف الى ذلك تحركاتها الخارجية المنظمة وحربها الإعلامية المتواصلة ضد الحركة وسعي لجعلها مجموعة "إرهابية".

وبحسب بعض المراقبين فإن حركة حماس بعد نهاية حكم الإخوان المسلمين في مصر، قد أدركت العزلة الكبيرة التي باتت تعاني منها في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وهو ما سيجبرها على تصحيح الأخطاء السابقة ورسم سياسة جديدة، فيما يخص علاقتها الداخلية والخارجية من اجل دعم القضية الفلسطينية وإفشال المخططات الصهيونية.

مصر والاتحاد الأوروبي

وفي هذا الشأن فقد أصدر قاض مصري في محكمة الأمور المستعجلة قرارا يعتبر كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس مجموعة "إرهابية"، بحسب مصدر قضائي في المحكمة. واعتبرت حماس أن "القرار مسيّس وخطير لا يخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي". ومنذ الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، تتهم السلطات المصرية الجديدة ناشطين في حركة حماس التي تحكم قطاع غزة المجاور بتقديم دعم قوي للجهاديين الذين ضاعفوا هجماتهم ضد قوات الأمن في شبه جزيرة سيناء.

وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس إن حركته "ترفض قرار المحكمة المصرية بإدراج كتائب القسام كمنظمة إرهابية وتعتبره قرارا مسيّسا وخطيرا ولا يخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي". وأضاف أبو زهري "نرفض الزج باسم كتائب القسام في الشأن المصري الداخلي" مشددا على أن القسام "هي عنوان المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، رغم كل محاولات التشويه التي تتعرض لها".

الى جانب ذلك قرر وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، استئناف قرار القضاء الاوروبي بشطب حركة حماس عن قائمة الارهاب الاوروبية. وهذا القرار الذي نددت به حماس معتبرة اياه "غير اخلاقي" اعتمد في مستهل اجتماع في بروكسل يبحث خلاله وزراء الخارجية تعزيز حملة مكافحة الارهاب. من جهتها، رحبت اسرائيل بالقرار مؤكدة انه "ليس مفاجأة لكنه يسرنا". وكان القضاء الاوروبي الغى في 17 كانون الاول/ديسمبر قرار ادراج حركة حماس على لائحة المنظمات الارهابية بسبب خلل اجرائي بعد ان كان اضيف في كانون الاول/ديسمبر 2001 في اعقاب اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.

وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني في بيان ان "هذا القرار كان يستند بشكل واضح على اسس اجرائية ولم يشمل اي تقييم من جانب المحكمة حول ملائمة اعتبار حماس منظمة ارهابية". واضافت ان "المعركة ضد الارهاب تبقى اولوية بالنسبة للاتحاد الاوروبي المصمم على وقف تمويل" هذه الانشطة لا سيما عبر تجميد اموال مجموعات محظورة. وفي غزة وقال سامي ابو زهري الناطق باسم حماس ان "اصرار الاتحاد الاوروبي على ابقاء حركة حماس على قائمة المنظمات الارهابية هو خطوة غير اخلاقية وتعكس انحياز الاتحاد الاوروبي الكامل للاحتلال الاسرائيلي". واكد ناطق باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ان قرار الاتحاد الاوروبي "ليس مفاجأة لكنه يسرنا". وصرح هذا الناطق "قلنا (عند صدور قرار القضاء الاوروبي) ولم نبدل موقفنا: ننتظر منهم تصحيح الخطأ الاجرائي الذي حدد".

واعتبرت محكمة العدل الاوروبية انذاك ان ادراج حماس على هذه اللائحة عام 2001 لم يستند الى اسس قانونية "وانما تم على اساس معلومات من الصحافة والانترنت". وهذا القرار وضع الاتحاد الاوروبي في موقف محرج واثار رد فعل عنيفا من اسرائيل. وامام الاتحاد الاوروبي مهلة حتى 17 شباط/فبراير لتقديم طعن على ان يصدر الحكم لاحقا في فترة 16 شهرا بحسب خبير. وسيتم الابقاء مؤقتا على تجميد اصول الحركة في اوروبا بانتظار صدور القرار في الاستئناف وهو ليس متوقعا قبل عام.

وفي هذه الفترة سيكون على الاتحاد الاوروبي مواصلة تحديث هذا الاجراء كل ستة اشهر كما ينص عليه قانون الاتحاد. وقال مصدر اوروبي ان الطعن يجب ان يتناول "نقطتين في القانون" مضيفا "بعض المجموعات الارهابية تتبنى اعتداءات على الانترنت، نريد التمكن من استخدام هذا الامر كدليل" وهو ما لا يقبله القضاء بحاله الانية. واضاف ان "المحكمة تطلب منا ايضا تقديم ادلة جديدة بان المجموعات لا تزال ارهابية" من اجل ابقائها على اللائحة. وتابع "نحن لسنا موافقين، لأنه حين تنفذ مجموعة عملا ارهابيا، تبقى ارهابية". بحسب فرانس برس.

وعلقت موغيريني بالقول ان "المؤسسات الاوروبية تدرس بانتباه الاعمال التصحيحية المناسبة لتجنب عمليات شطب اخرى في المستقبل". وقال الخبير القانوني ان "الغاء القضاء الاوروبي قرارات صادرة عن المجلس بسبب نقص الادلة او عيب في الاجراء امر متكرر" وهو ما يدل بحسب رأيه على الصعوبات التي يواجهها الاتحاد الاوروبي في "اعطاء بعد قانوني لقرارات سياسية". واضاف "المشكلة هي ان المجلس ليس لديه اجهزة استخبارات ويتبع بالتالي حسن نية الدول الاعضاء". وفي حالة حماس التي احتجت منذ 2010 على تجديد ابقائها على اللائحة السوداء فان "الملف فارغ، مع ادلة قديمة جدا" كما اضاف.

حماس وإيران

على صعيد متصل قال موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إن حماس وإيران أصلحتا العلاقات السياسية والعسكرية التي كانت وثيقة بينهما قبل أن تتأثر بسبب الحرب الأهلية السورية. وقد يؤدي إصلاح العلاقات مع طهران إلى التخفيف من العزلة الاقتصادية والسياسية لحماس. وتحاصر إسرائيل قطاع غزة بينما تغلق مصر التي تحارب متشددين إسلاميين في شبه جزيرة سيناء حدودها مع غزة معظم الوقت.

وقال أبو مرزوق "أعتقد أنه في الفترة الأخيرة تم وضع القطار على السكة في العلاقات الثنائية بيننا وبين جمهورية إيران الاسلامية." وأضاف أن حماس التي تهيمن على قطاع غزة لا تسعى لحرب جديدة مع إسرائيل وتريد إعادة إعمار القطاع بعد صراع مدمر استمر 50 يوما في يوليو تموز وأغسطس آب. وزار وفد من حماس إيران وهي آخر مصدر أساسي للمساعدات العسكرية والمالية للحركة. وتتبنى حماس موقفا عدائيا تجاه الرئيس السوري بشار الأسد الذي تدعمه طهران في الحرب الأهلية السورية المستمرة.

وفي مؤشر على أن إمدادات الأسلحة من إيران تراجعت استخدمت حماس في معظم الوقت صواريخ محلية طويلة المدى لمهاجمة مدن إسرائيلية في الصراع قبل أشهر. وكانت قد استخدمت صواريخ أنتجت في إيران في هجمات مماثلة في 2012. وأضاف أبو مرزوق دون الخوض في تفاصيل "كثير من الدلائل تقول أن الأمور عادت الى مجاريها وان العلاقات استؤنفت بطريقة صحيحة كما كانت." وفي سياق الحديث عن إعادة إعمار غزة حيث دمرت عشرات الالاف من المنازل أو تضررت خلال الصراع قال أبو مرزوق إن حماس ستظل ملتزمة بالهدنة التي توسطت فيها مصر والتي أنهت الحرب إذا التزمت إسرائيل بها. بحسب رويترز.

وقال "بلا شك نحن معنيون بإعادة الإعمار ومعنيون في أن تصل كل مواد الإعمار الى محتاجيه والى من تهدمت بيوتهم نحن معنيون ألا تعود الظروف التي أنتجت تلك الحرب السابقة." وقال أبو مرزوق إن القطاع لم يتلق سوى 150 مليون دولار من 2.7 مليار دولار تعهد مانحون دوليون بتقديمها لغزة لإعادة الأعمار.

حماس والسلطة الفلسطينية

في السياق ذاته عزى مبعوث الأمم المتحدة إلى فلسطين تعطل إعادة إعمار غزة إلى عدم التعاون بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس في القطاع ما أثار مشاعر "القلق" لدى المانحين.

وقال منسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط ومبعوث الأمين العام للمنظمة الدولية إلى فلسطين روبرت سيري "نحتاج حكومة... قادرة على تحمل المسؤولية." وأضاف سيري أنه من الضروري وجود إدارة مستقرة وفعالة في قطاع غزة حتى تثق الدول المانحة بأن أموالها ستستخدم بشكل جيد. وقال إن المانحين من جانبهم لم يقدموا سوى القليل جدا من التمويل.

وقال "لدينا آلية ناجحة لكن كل ما سوى ذلك غير موجود تقريبا وهذا يؤثر على قرارات المانحين، لكنني لا أعفي المانحين من مسؤولياتهم. مسألة عدم توفر سوى القليل من المال فضيحة." وعلق سيري على مسألة سحبه لمراقبي الأمم المتحدة من قطاع غزة، قائلا إن ذلك مؤقت، لكنه أضاف أن الوضع في غزة لن يتحسن الا اذا حلت السلطة الفلسطينية وحركة حماس خلافاتهما. مؤكدا على أن الحاجة الى جهاز للموظفين الحكوميين أصبحت ملحة، وبدونها... "سنظل نناقش قضية غزة فترة طويلة وبطريقة سلبية جدا". بحسب رويترز.

وفي وقت سابق صرح رئيس الوزراء الفلسطيني أن حكومة التوافق الفلسطينية لن تتمكن من الإشراف على إعادة إعمار غزة من دون حكم إداري وأمني كامل على القطاع، مشيرا إلى أن ذلك تمنعه حماس في الوقت الحالي. من جانبها حمّلت حركة حماس الرئيس الفلسطيني محمود عباس "جزءا كبيرا من المسؤولية" حول تعطل وصول المساعدات وأموال الإعمار إلى مستحقيها.

آلاف المراهقين متحفزون

من جانب اخر قال الفتى حاتم الدنف بعد انتهاء دورة تدريب عسكرية في مخيم تابع لكتائب القسام، الجناح المسلح في حركة حماس، في غزة "اريد ان اقتل الاسرائيليين، اريد ان اصبح مقاوما في القسام". واوضح الدنف (14 عاما) "اريد قتل الاسرائيليين لان ابنة اخي استشهدت في الحرب" في اشارة الى الهجوم الاسرائيلي الاخير في قطاع غزة الصيف الماضي. ورغم ان حركة حماس دأبت على تنظيم مخيمات صيفية للفتية في السنوات السابقة الا انها المرة الاولى التي يقوم فيها جناحها العسكري بإعداد مخيمات للشبيبة بين 15و21 عاما لتدريبهم على حمل السلاح داخل معسكراتها.

واقامت الكتائب الاحتفالا في مدينة غزة واخر في خان يونس جنوب قطاع غزة لتخريج 17 الف طالب من مخيماتها التي اطلقت عليها اسم "طلائع التحرير" بينما حمل تخريج هذا الفوج اسم "نواة مشروع التحرير القادم". واوضحت القسام على موقعها الالكتروني ان الملتحقين "بمخيم الطلائع العسكري خاضوا تدريبات مكثفة على مدار اسبوع للالتحاق بمعركة التحرير القادمة"، مشيرة الى انهم تلقوا "تدريبات على كافة انواع الاسلحة الثقيلة والخفيفة والكمائن".

ويتابع حاتم الذي يقول انه تدرب على حمل السلاح وتفكيكه في المخيم "لم اشعر بالخوف خلال التدريب على السلاح، شعرت اني اطلق النار على اليهود الذين قتلونا في الحرب". ويصطف عشرات الطلاب في عرض عسكري حاملين اسلحة من نوع كلاشينكوف بينما حمل اخرون قذائف ار بي جي، وانصاعوا بحزم لأوامر مدربهم الملثم الذي يرتدي زيا عسكريا واضعا على راسه شارة كتائب القسام.

وبينما يقوم الشبان بتفكيك السلاح واعادة تركيبه، تصفق لهم عائلاتهم التي اصطفت على مدرج الملعب حيث اقيم الاحتفال الذي حضره عدد كبير من قادة حماس يتقدمهم اسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي. واعتلى عدد من مسلحي كتائب عز الدين القسام بأسلحتهم الثقيلة المباني المحيطة بالملعب بينما علقت رايات حماس على الاعمدة. اما الفتى محمد ابو هربيد (15 عاما)، فيقول بينما كان ينظر الى مجموعة من زملائه وهم يقفزون عبر حواجز تشتعل فيها النيران "كنت اخاف في الحرب، لذلك قررت ان اصبح مقاوما، المقاومون لا يخافون". ويتابع محمد الذي يسكن في بيت حانون شمال قطاع غزة وقد غادرها خلال الحرب الاخيرة الصيف الماضي "اريد ان ادرس، اريد ان اكون قساميا، فكتائب القسام هم الاقوى في غزة ونريد ان نحرر فلسطين".

من جهته، قال القيادي في حماس خليل الحية في كلمة خلال الاحتفال "اطفالنا ورجولة ابناءنا تبدأ في سن 15 عاما، هذا الجيل الذي استهدف بالتدريب والرعاية واحتضنهم القسام في مواقعه نعده في المستقبل لمواجهة العدو". وخاطب الطلاب قائلا "انتم اليوم تتدربون على يد من صنع الانتصار في معركة العصف المأكول (الحرب الاخيرة)، اليوم نقول للعالم هذا جيلنا الذي نعده للانتصار، للقدس والضفة وتحرير كل فلسطين".

وقتل 2038 فلسطينيا على الاقل واصيب اكثر من 10300 بجروح منذ 8 تموز/يوليو عندما بدأت اسرائيل غاراتها على قطاع غزة. في حين قتل 64 جنديا اسرائيليا بعد التدخل البري في القطاع وثلاثة مدنيين في انفجار صواريخ وقذائف اطلقت من غزة، بينهم اجنبي. وفي 26 اب/اغسطس توصلت اسرائيل الى وقف لإطلاق النار مع وفد فلسطيني يضم ممثلين عن حركة حماس والجهاد الاسلامي ومنظمة التحرير الفلسطينية. بحسب فرانس برس.

وأعلن فقط عن وقف المعارك وبات على الوفدين الانكباب على بحث المسائل الشائكة وخصوصا مسالة المرفأ والمطار اللذين يطالب بهما الفلسطينيون لقطاع غزة وهو مطلب ترفضه اسرائيل بقوة. ولم تعقد بعد جلسات مفاوضات لبحث هذه القضايا بين الفلسطينيين واسرائيل، ما دفع كتائب القسام للتحذير من "لحظة الانفجار" اذا لم تتم أعاداه اعمار ما دمرته اسرائيل خلال حربها.

اضف تعليق