قضية عميل الاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودن الذي فر من بلاده في عام 2013، وقام بنشر وثائق مهمة ومصنفة على أنها سرية للغاية تخص بعض عمليات التجسس وغيرها من الامور الحساسة لوكالة الأمن القومي، تعود للأضواء مجددا بعد ان سعت اطراف عديدة داخل الولايات المتحدة الامريكية وكما نقلت بعض المصادر، الى اثارة هذا الموضوع من جديد بهدف الحصول على عفو خاص لسنودن، الهارب من السلطات الأمريكية بتهمه التجسس وسرقة ممتلكات حكومية، وفي بداية عام 2014 دعت عدة كيانات إعلامية وسياسيين إلى التسامح مع سنودن، في حين دعى آخرون إلى سجنه أو قتله، ويرى بعض المراقبين ان هذه التحركات في هذا الوقت بذات ربما ربما قد تتسبب باثارة العديد من المشكلات والازمات الداخلية، خصوصا وان البلاد تعيش اجواء معركة انتخابية شرسة، يمكن ان تكون هذه القضية احدى صفحاتها خصوصا وان البعض يرى ان سنودن اصبح اليوم شخصية استقطابية، حيث يعتبرة البعض شخص خائن وعميل أضر بسمعة وامن البلاد، فيما اعتبره البعض الاخر من اهم الشخصيات المدافعة خصوصية المواطن الامريكي ورمز من رموز الحرية، بعد ان سعى الى فضح اكبر عملية تجسس داخلية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية ضد مواطنيها.
من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان هذه اثارة مثل هكذا امور بشكل مستمر، هو امر طبيعي ومخطط له من قبل دول اخرى منافسة للولايات المتحدة الامريكية، بهدف اثارة الرأي العام وتأجيج الصراعات الداخلية، خصوصا وان القضية تتعلق بفضائح التجسس الكبيرة وهو ما يحرج الحكومة الامريكية ويفقد ثقة الناس والحلفاء بها. وأطلقت جماعات هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية واتحاد الحريات المدنية الأمريكى حملة تهدف إلى إصدار عفو عن إدوارد سنودن. وفيما يخص اخر تطورات هذه القضية فقد ناشد عميل الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن الرئيس الأمريكي باراك أوباما العفو عنه، بعد ما كشفه للعالم من عمليات المراقبة الجماعية التي كانت تقوم بها بلاده، قائلا إنه لولا ذلك "لكان وضعنا أسوأ".
وقال في تصريحات أنه كان "من الضروري" أخلاقيا أن يكشف عمليات المراقبة الجماعية التي كان يقوم بها جهاز الاستخبارات الأمريكي. ويقيم سنودن في منفاه في روسيا منذ ثلاث سنوات بعد أن كشف أكبر قدر من التسريبات في تاريخ الولايات المتحدة ما تسبب بعاصفة من الغضب نتجت من المراقبة الجماعية لاتصالات المواطنين. وصرح لصحيفة غارديان البريطانية في مقابلة عبر الفيديو من موسكو "لولا هذه التسريبات، ولولا هذا الكشف، لكان وضعنا أسوأ". وتابع "نعم، هناك قوانين مكتوبة، ولكن ربما وجدت قوة العفو للاستثناءات، للأمور التي قد تبدو غير قانونية على الورق، ولكن عندما ننظر إليها من الناحية الأخلاقية (...) وعندما ننظر إلى نتائجها، فسيتضح أنها أمور ضرورية". وأكد سنودن (33 عاما) أنه يحظى بدعم واسع وقال "إن غالبية الناس يهتمون بهذه الأمور أكثر بكثير مما كنت أعتقد". واوضح سنودن الذي ينتهي تصريح إقامته في روسيا العام المقبل، أنه مستعد لقضاء فترة في السجن في الولايات المتحدة، مضيفا "أنا مستعد لتقديم كثير من التضحيات من أجل بلادي".
حملة من اجل العفو
الى جانب ذلك اطلقت منظمات عدة للدفاع عن الحريات حملة واسعة لدفع الرئيس الاميركي باراك اوباما الى العفو عن المستشار السابق في وكالة الامن القومي ادوارد سنودن الذي سرب وثائق سرية، لكن البيت الابيض اكد مجددا انه سيحاكمه اذا عاد الى الولايات المتحدة. والعنصر الرئيسي في هذه الحملة التي اطلقت في وقت سابق من اجل اصدار عفو رئاسي عريضة الكترونية وضعت على موقع "باردنسنودن.اورغ" ووقعها بالاحرف الاولى محامون كبار وشخصيات مثل الكاتب جويس كارول اوتس والممثل مارتن شين والمغني بيتر غابرييل.
ومن اهم الشخصيات الموقعة ايضا بيرني ساندرز المرشح الديموقراطي السابق للرئاسة الاميركية الذي طالب في تغريدة "بشكل من اشكال الرأفة" بسنودن (33 عاما). الا ان الناطق باسم البيت الابيض جوش ارنست رأى ان "موقفه عرض حياة الاميركيين للخطر وعليه ان يعود الى الولايات المتحدة ليواجه ملاحقات خطيرة جدا ضده"، مؤكدا بذلك من جديد موقف ادارة اوباما منذ بداية هذه القضية. ويعول المنظمون على فكرة ان "الرئيس يفكر حاليا في الاثر الذي سيتركه في التاريخ" ويمكن ان "يتخذ قرارات صعبة".
وسنودن الذي كان مستشارا في وكالة الامن القومي الاميركية، كشف للصحافيين في 2013 حجم شبكة المراقبة الالكترونية الاميركية التي اقيمت بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001. وقد يحكم عليه بالسجن 30 عاما في الولايات اذا ادين بالتجسس. وقال الناطق باسم البيت الابيض ان سنودن ليس شخصا حذر من خطر ما، مؤكدا ان هناك اجراءات محددة تسمح لهذا النوع من الاشخاص "بالتعبير عن مخاوفهم" مع حماية "اسرار الامن القومي للولايات المتحدة". وكان البيت الابيض رفض في تموز/يوليو عريضة اولى جمعت تواقيع 160 الف شخص في هذا الشأن.
لكن انطوني روميرو المدير التنفيذي لمنظمة "الاتحاد الاميركي للدفاع عن الحريات المدنية" التي تتمتع بنفوذ كبير، قال انه مقتنع بان هذا الموقف "يمكن ان يتغير مع رد فعل الجمهور" وعدد كبير من التواقيع على العريضة. وحجزت المنظمة صفحة اعلان في صحيفة "واشنطن بوست" للدعوة الى الصفح عن ادوارد سنودن ونشرت خصوصا صورة كبيرة للشاب وهو يمسك بعلم اميركي. وكتب على الاعلان ان "ادوارد سنودن كافح من اجل حريتنا وحان الوقت ليحصل على حريته".بحسب فرانس برس.
ويطرح المدافعون عن سنودن حججا من بينها ان ما كشفه كان مفيدا وانه اعترف بانه خالف القانون عبر نشر اسرار دولة، وادى الى تعديل قوانين مخالفة للدستور والى حماية افضل للحياة الخاصة لمستخدمي الانترنت في عدد من الدول. ويتزامن اطلاق هذه الحملة مع عرض فيلم "سنودن" للمخرج الاميركي اوليفر ستون الذي يدعو ايضا الى العفو عنه. واكد سنودن خلال مؤتمر بالدائرة المغلقة انه يشعر بالاسف لانه لا يستطيع الحصول على محاكمة سليمة وعادلة في الولايات المتحدة. وقال ان قانون التجسس في الولايات المتحدة "لا يسمح بالدفاع" عن من يطلق تحذيرا. واضاف ان هذا النص "لا يميز بين الذين يقدمون معلومات مجانا للصحافيين والجواسيس الذين يبيعونها لحكومات اجنبية". وفي تسجيل فيديو بثته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية على موقعها الالكتروني، قال سنودن "هناك قوانين تنص على بعض الامور، لكن قد يكون هذا السبب في وجود عفو واستثناءات للامور التي تبدو غير قانونية عند قراءتها، لكن عند النظر اليها من الزاوية الاخلاقية (...) تبدو ضرورة وحتى حيوية".
من جانب اخر قال مسؤولون أمريكيون إن الحكومة الأمريكية لن تتزحزح عن مطلبها بعودة المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن لمقاضاته بشأن سرقة الآلاف من الوثائق السرية للمخابرات رغم دعوات جديدة للرئيس باراك أوباما بالعفو عنه. وقال المسؤولون إنهم يتوقعون أن يستغل مؤيدو سنودن طرح فيلم (سنودن) للمخرج المخضرم أوليفر ستون للحشد لحملة عامة تطالب بإصدار عفو عنه قبل أن يترك أوباما منصبه في يناير كانون الثاني.
ويقول هؤلاء النشطاء إن سنودن قدم خدمة عامة من خلال كشف التجسس الإلكتروني المفرط والفضولي لوكالة الأمن القومي وحلفائها المتحدثين بالإنجليزية ومن بينهم مقر هيئة الاتصالات الحكومية في بريطانيا. قال سنودن في مقابلة مع صحيفة الجارديان إن الكونجرس الأمريكي والمحاكم والرئيس جميعهم "غيروا سياساتهم" نتيجة ما قام بكشفه وإنه "لم يظهر أي دليل علني على أن أي شخص تضرر نتيجة" ما فعله. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست إن سنودن متهم "بجرائم خطيرة وإن سياسة الإدارة تقضي بعودة السيد سنودن إلى الولايات المتحدة ومواجهة تلك الاتهامات." وقال مسؤولان أمريكيان آخران إنه لا توجد مناقشات داخل وزارة العدل الأمريكية بشأن منح سنودن العفو.
ضررا هائل
على صعيد متصل أصدرت لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي تقريرا لاذعا يتهم إدوارد سنودن المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي بتسريب معلومات "ألحقت ضررا هائلا" بالأمن القومي للولايات المتحدة. وقالت اللجنة في تقريرها إن سنودن ليس "مبلغا عن المخالفات" كما زعم وإن معظم المواد التي سرقها من وكالة الأمن القومي تكشف عن برامج مخابراتية ودفاعية تحقق فائدة كبيرة جدا لخصوم الولايات المتحدة. وذكرت اللجنة أن في حين أن "النطاق الكامل" للضرر الذي سببه تسريب سنودن لهذه المعلومات لا يزال غير معروف فإن مراجعة المواد التي زعم الكشف عنها "توضح أنه سلم أسرارا تحمي القوات الأمريكية في الخارج وأسرارا توفر دفاعات أساسية للتصدي للإرهابيين."
واكتفت اللجنة بنشر ملخص من أربع صفحات فقط للتقرير الذي قالت إنه وقع في 36 صفحة ولا يزال سريا للغاية لكن الملخص احتوى على تعبيرات قوية عن أفعال سنودن وخلفيته. ويحتوي التقرير على مزاعم لم تعلن من قبل بشأن سنودن ودوافعه المحتملة للاستيلاء على أسرار حكومية. ويزعم أن سنودن الذي لجأ إلى موسكو بعد أن فر إلى هونج كونج "كان ولا يزال مبالغا وملفقا دأب على ذلك." وقال التقرير إن سنودن زعم حصوله على شهادة تعادل شهادة إتمام الدراسة الثانوية لكن هذا لم يحدث قط. وأضاف أنه زعم أنه كان "كبير مستشارين" لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) لكنه في الواقع عمل بوظيفة فني كمبيوتر. بحسب رويترز.
وبينما يشير التقرير إلى أن سنودن "سرق 1.5 مليون وثيقة ذات حساسية" تقول مصادر أخرى فحصت مواد سلمها لوسائل إعلام إن الإجمالي يتراوح بين 200 و300 ألف وثيقة. واعترف بعض المسؤولين الأمريكيين المشاركين في تحقيقات تتصل بقضية سنودن بأن الحكومة الأمريكية لا تعلم عدد الوثائق التي حملها سنودن وأن رقم 1.5 مليون تقديري. كما يشكك التقرير في دوافع سنودن للاستيلاء على معلومات سرية وتسريبها قائلا إنه تشاجر مع مديرين في وكالة الأمن القومي في يونيو حزيران 2012 بشأن كيفية إجراء عمليات تحديث لأنظمة الكمبيوتر. وقال إن موظفا مسؤولا عن التعاقدات وبخه لأنه لم يتبع الإجراءات السليمة لتقديم شكوى وإنه بدأ تحميل المعلومات السرية بعد ذلك بأسبوعين. ويتزامن صدور تقرير اللجنة مع بدء عرض فيلم (سنودن) من إخراج أوليفر ستون الذي يصوره على أنه بطل.
من جانب اخر اكدت وثائق لم تنشر في السابق وسربها موظف جهاز الامن القومي الاميركي السابق ادوارد سنودن ان شيفرة الجهاز السرية للغاية سربت او تعرضت للقرصنة، بحسب ما افاد موقع "انترسبت". وهناك صحافيون بين محرري موقع "انترسبت" عملوا مع سنودن على نشر تسريباته لملفات جهاز الامن القومي الاميركي في 2013 التي كشفت عن مدى تجسس الحكومة على البيانات الشخصية.
وقال الموقع ان سنودن قدم له مسودة دليل سري للجهاز حول كيفية زرع فيروسات او شيفرات خبيثة تستخدم لرصد او التحكم باجهزة كمبيوتر اشخاص اخرين. وكان الجدل قد دار مؤخرا حول ما اذا كانت الشيفرة التي نشرتها مجموعة غامضة تطلق على نفسها "شادو هاكرز" حقيقية. ورفض جهاز الامن القومي بشدة التعليق على ما اذا كان قد تعرض لقرصنة. ونشرت مجموعة "شادو هاكرز" مجموعتين من الملفات، احداهما يمكن الدخول اليه بسهولة، والاخرى لا تزال مشفرة.
وطبقا لموقع انترسبت، فان مسودة دليل الجهاز تحتوي على تعليمات للعاملين فيه بان يستخدموا مجموعة من الرموز المتعلقة ببرنامج "سيكونديت" للقرصنة. وتظهر نفس الرموز في اجزاء من تسريبات مجموعة "شادو هاكرز"، بحسب انترسبت. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فان الشيفرة صممت في معظمها لاختراق حمايات اجهزة الكمبيوتر في دول من بينها الصين وايران وروسيا. ويمكن ذلك جهاز الامن القومي من زرع فيروسات في انظمة المنافسين ومراقبة او حتى مهاجمة شبكاتهم. واضافت ان اي شخص يمتلك الشيفرة تمكن من ذلك من خلال اختراق خوادم جهاز الامن القومي التي تخزن هذه الملفات.
دعوى ضد النروج
في السياق ذاته رفضت محكمة في النروج تقديم ضمانات للمستشار السابق في الاستخبارات الاميركية ادوارد سنودن بعدم تسليمه في حال دخل اراضيها لتسلم جائزة في تشرين الثاني/نوفمبر. وسنودن المقيم في المنفى في روسيا منذ الكشف عن برنامج تجسس اميركي واسع، رفع دعوى مدنية ضد وزارة العدل النروجية في نيسان/ابريل الماضي، لمنعها مسبقا من الاستجابة لاي طلب بتسليمه للولايات المتحدة.
وكان الفرع النروجي لنادي القلم دعا سنودن لتسلم جائزة اوسيتزكي لحرية التعبير في 18 تشرين الثاني/نوفمبر. غير ان سنودن يخشى تسليمه للولايات المتحدة في حال سفره الى النروج. ورفضت محكمة اوسلو طلبه وأيدت حجة وزارة العدل التي رأت أن الاساس لأي تسليم لا يمكن دراسته قبل تقديم طلب التسليم. عمليا، هذا يعني ان النروج لا يمكنها اتخاذ قرار بشأن تسليم سنودن الى الولايات المتحدة قبل أن تطلب الولايات المتحدة من اوسلو تسليمه. والاميركي البالغ من العمر 33 عاما متهم من السلطات الاميركية بالتجسس وسرقة اسرار الدولة بعد الكشف عن برامج مراقبة تديرها وكالة الامن القومي. بحسب فرانس برس.
والنروج هي احدى الدول التي سعى سنودن للجوء فيها عندما فر من الولايات المتحدة. لكن رد اوسلو كان ان طالبي اللجوء يجب ان يكونوا موجودين شخصيا على اراضيها لتقديم طلب. وسنودن الذي يعتبر البعض انه افشى اسرارا، وآخرون يرون انه خائن، حصل على جائزة نروجية مماثلة في 2015 لكن لم يتمكن من تسلمها شخصيا لنفس الاسباب. ورشح سنودن لجائزة نوبل للسلام التي تمنح ايضا في النروج، للعام الثالث على التوالي. ويعلن الفائز بجائزة هذا العام في السابع من تشرين الاول/اكتوبر.
اضف تعليق