تصاعدت حدة التصريحات والحرب الكلامية المتبادلة بين السعودية وإيران، بشكل كبير في الفترة الاخيرة وهو ما قد يسهم وبحسب بعض المراقبين، بتعقيد الامور في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش في الوقت الراهن حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، بسبب اتساع رقعة الصراع المسلح وانتشار الجماعات المسلحة في العديد من دول المنطقة، والازمة بين السعودية وإيران شهدت متغيرات كبيرة، وصلت الى حالة قطع العلاقات الدبلماسية بين بين البلدين لتمتد ايضا لقطع العلاقات بين ايران جميع دول مجلس التعاون الخليجي وباقي حلفاء المملكة العربية السعودية، التي تتهم ايران بالتدخل في الشؤون العربية وتقويض الأمن الإقليمي، وهو ما تنفيه ايران التي ترى ان السعودية تتخذ وبشكل دائم، مواقف عدائية وتسعى الى إثارة الفتن الطائفية والمذهبية والعمل على دعم الجماعات الارهابية في المنطقة من اجل تحقيق مصالحها الخاصة، ويرى بعض الخبراء ان صراع نفوذ بين ايران والسعودية الذي تفاقم بشكل كبير منذ العام 1979 اي منذ قيام الجمهورية الاسلامية وسقوط الشاه، ربما سيستمر ويتصاعد بسبب وجود بعض الاطراف المتشددة وغياب الثقة اختلاف المصالح.
ومع بدأ الربيع العربي في عدد من البلدان في المنطقة وكما تنقل بعض المصادر، تحول المشهد إلى صراع إيراني سعودي ولكن خارج أراضي البلدين، فتباينت المواقف السعودية الايرانية في سورية والبحرين واليمن والعراق وفلسطين. وجاءت حادثة منى ومقتل عدد من الحجاج الإيرانيين لكي تصب الزيت على النار في العلاقة المتوترة ما بين السعودية إيران، ولكي تضيف مزيداً من التوتر والصراع بين البلدين الكبيرين في المنطقة. حيث شكلت حادثة منى اثناء موسم الحج2015م، والتي راح ضحيتها الكثير من الحجاج الإيرانية حدثاً سياسياً ودينياً القي بظلاله علي العلاقات الايرانية السعودية المتوترة أصلاً، فقد أدت الحادثة الي مزيدا من التصريحات والانتقادات الإيرانية الغاضبة التي تتهم الحكومة السعودية بالتقصير في خدمة الحجاج، الأمر الذي انعكس بشكل عام مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية. فقد طالب المرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، المملكة العربية السعودية بإصدار اعتذار رسمي عن الوفيات الحاصلة في حادثة التدافع، وذلك إبان خطاب الرئيس حسن روحاني في الأمم المتحدة الذي دعا فيه لإجراء تحقيق واسع النطاق بالحادثة، ونتيجة لهذه التصريحات والتهديدات أخذ الصراع السعودي الايراني يتأجج بشكل خطير جداً.
اتهامات متبادلة
وفي هذا الشأن دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني العالم الإسلامي إلى "معاقبة" السعودية عن "جرائمها"، في تصعيد غير مسبوق للحرب الكلامية منذ عشرين عاما تجاه السعودية، في وقت يتغيب فيه الإيرانيون هذه السنة عن مناسك الحج. وقال روحاني - خلال اجتماع لمجلس الوزراء إن "على دول المنطقة والعالم الإسلامي أن ينسق إجراءاته لمعالجة المشاكل ومعاقبة الحكومة السعودية". وأضاف "لو أن المشكلة مع الحكومة السعودية اقتصرت على الحج، لربما توصلنا إلى حل، لكن هذه الحكومة - للأسف - ومع الجرائم التي ترتكبها في المنطقة ... تسفك دماء المسلمين في العراق وسوريا واليمن". وأشار في التصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية إلى أن بلاده لن تغفر أبدا "لمن أراقوا دماء شهداء منى".
ويلتقي المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، بعائلات بعض ضحايا التدافع، بعد أن نشر رسالة غاضبة اتهم فيها السعودية بالتقصير في حماية الحجاج. وطالب خامنئي في رسالته التي نشرت على موقعه الإلكتروني العالم الإسلامي بإعادة التفكير بطريقة جوهرية في طريقة إدارة الحج، معللا ذلك بسبب "السلوك القمعي لحكام السعودية تجاه ضيوف الرحمن."، مضيفا أنهم لا ينبغي أن "يفلتوا من المسؤولية" عما تسببوا فيه في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.
ولن يتمكن الإيرانيون لأول مرة منذ ثلاثة عقود من أداء الحج هذا العام لعدم اتفاق البلدين على مجريات تنظيم الحج. كما اتهمت دول الخليج إيران بمحاولة تسييس الحج، وقال رئيس مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، إن تعليقات خامنئي - التي اتهم فيها الرياض "بالقتل" بعد مقتل ما يقرب من 2300 حاج العام الماضي - كانت "هجومية وغير مناسبة". وأضاف الزياني أن في تلك التعليقات "تحريضا واضحا ، ومحاولة يائسة لتسييس" الحج. وقال الزياني إن دول الخليج "ترفض حملة وسائل الإعلام غير العادلة، والإعلانات المتتابعة لقادة إيران الكبار ضد السعودية." وكتب وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في تغريدة، ردا على مفتي السعودية، قائلا: "لا تماثل بين إسلام الإيرانيين ومعظم المسلمين من جهة، والتطرف والتعصب الذي يدعو له كبير علماء الوهابية".
من جانب اخرانتقد مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، إيران، والمرشد، علي خامنئي، واتهمه بأنه "مجوسي معاد للإسلام والمسلمين". ورد آل الشيخ على طعن خامنئي في تنظيم موسم الحج من قبل السعودية، قائلا: "أمر غير مستغرب على هؤلاء، يجب أن نفهم أن هؤلاء ليسوا مسلمين، فهم أبناء المجوس، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم وتحديدا مع أهل السنة والجماعة". وكتب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، على صفحته الرسمية في موقع تويتر: "في الحقيقة، لايوجد تشابه بين الإسلام الذي يتبعه الإيرانيون وغالبية المسلمين، والتطرف المتعصب الذي يدعو له كبير علماء الوهابية، وأسياد الإرهاب السعودي".
وتقول السعودية إن عدد القتلى هو 769 حاجا، ولكنها لم تقدم تفاصيل أكثر عن التحقيق الذي قامت به، ورفضت الانتقادات التي وجهت لها، أما إيران فترى أن عدد القتلى فاق الألفين. ويأتي تبادل الاتهامات والانتقادات بين السعودية وإيران بعد 9 أشهر من قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، ردا على الهجوم التي تعرضت له سفارتها في طهران، من قبل محتجين على إعدام زعيم شيعي في السعودية. وتتهم الرياض طهران بزعزعة استقرار الدول العربية ونشر التوتر الطائفي عن طريق دعم مقاتلين في سوريا ولبنان والعراق واليمن وإثارة الاضطرابات في البحرين والسعودية. وتنفي إيران هذه الاتهامات.
اجراءات جديدة
من جانب اخر وبعد مرور عام على أسوأ كارثة يشهدها موسم الحج في نحو ثلاثين عاما تصدر السعودية أساور إلكترونية للحجاج وتستخدم المزيد من كاميرات المراقبة لتجنب تكرار تدافع قتل المئات وزاد من توتر العلاقات المتوترة بالفعل مع إيران. ويجتذب موسم الحج نحو مليوني مسلم لأداء الشعائر في مكة كل عام وسيكون هذا العام مصدر قلق من عنف الإسلاميين المتشددين بعد أن قتل مهاجم انتحاري أربعة جنود في أوائل يوليو تموز عند الحرم النبوي في المدينة.
وتعرض الحج لكارثة عام 2015 تقول الرياض أن 769 شخصا توفوا فيها وهو أعلى معدل وفيات في الحج منذ أزمة تدافع في عام 1990. لكن عدد القتلى المجمع من الدول التي تسلمت جثث ضحاياها زاد على ألفي قتيل في حادث العام الماضي بينهم أكثر من 400 إيراني. وألقت إيران المنافس الإقليمي للسعودية باللوم في حادث العام الماضي على سوء التنظيم. ولم تنشر بعد نتائج تحقيق سعودي لكن السلطات قالت وقت الحادث إن بعض الحجاج تجاهلوا قواعد لمنع التكدس.
وهذا العام تُبذل الجهود لتعزيز إدارة حركة الحشود. وأجرى ألوف من الموظفين الحكوميين وأفراد الأمن والمسعفين تدريبات في الإعداد للحج ووقفة عرفات. وتقول المملكة إنها تنشر المزيد من العاملين وزادت التنسيق مع الدول التي ترسل بعثات حج لضمان التزام الحجاج بالمواعيد المتفق عليها لأداء المناسك. وتم تركيب مئات من كاميرات المراقبة الجديدة في الحرام المكي. بحسب رويترز.
وقال منصور تركي المتحدث باسم وزارة الداخلية إن تنظيم المواعيد هو الجزء الأهم في برنامج الحج. وأضاف إن هذا هو الأمر الذي انصب عليه التركيز لضمان التزام الحجاج بالمواعيد فور وصولهم. وقالت صحيفة الشرق الأوسط الشهر الماضي إن هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة حددت مسارات وبوابات إلكترونية لإدارة الحشود المتجهة إلى رمي الجمرات حيث وقعت العديد من الكوارث من قبل. وتوزع المملكة كذلك أساور إلكترونية على الحجاج لتتمكن من تتبع حركة الحشود والحصول على إنذار مبكر ببدء التكدس.
اكراد ايران
في السياق ذاته دفع قرار جماعة كردية معارضة حمل السلاح في مواجهة السلطات الإيرانية المسؤولين في طهران للقلق من أن تكون السعودية تسعى لتقويض استقرار البلاد مما يعمق التناحر الإقليمي بين البلدين. وتنفي الرياض هذا الاتهام. لكن التوترات تتصاعد بين البلدين فتدعم السعودية وإيران أطرافا مختلفة في الحروب الدائرة في سوريا واليمن وتؤيدان أيضا أحزابا سياسية مختلفة في العراق ولبنان. وكثيرا ما يتقاطع التنافس بينهما مع خطوط طائفية إذ تتنافس إيران ذات الأغلبية الشيعية والسعودية التي يهيمن عليها السنة على النفوذ في المنطقة.
ويشعر المسؤولون في إيران بالقلق من أن يكون هذا التنافس قد امتد الآن إلى داخل حدودهم نتيجة لما يخشون أن يكون استغلال السعودية للخلافات الطائفية داخل البلاد. فهم يشيرون إلى اشتباكات -هي الأولى من نوعها منذ نحو 20 عاما- بين مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني والحرس الثوري في شمال غرب البلاد في يونيو حزيران ويوليو تموز والتي خلفت عددا من القتلى على الجانبين. ومع تصاعد القتال قصفت القوات الإيرانية ما يشتبه أنه قواعد عسكرية كردية في شمال العراق مما يثير احتمالات أن يمتد الصراع عبر الحدود.
ونقل موقع تابناك الإخباري عن محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري بعد جولة من الاشتباكات قوله إن السعودية "تعطي المال لأي مناهض للثورة يقترب من الحدود وتقول له... اذهب ونفذ عمليات." وأضاف "وعندما يسألون... وأين ننفذ هذه العمليات؟ .. يقولون لهم ليس مهما. نريد أن يغيب الأمن عن إيران." وأكراد إيران الذين يتراوح عددهم بين ثمانية وعشرة ملايين أغلبهم من السنة. وإضافة إلى المزاعم بشأن تمويل السعودية لجماعات كردية مسلحة اتهم مسؤولون إيرانيون الرياض كذلك بإثارة المشكلات بين أقليات إيرانية سنية أخرى مثل البلوخ في جنوب شرق البلاد والعرب في جنوب غرب إيران.
وينفي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني تلقي أي دعم من السعودية. وينفي المسؤولون السعوديون التدخل في الشؤون الإيرانية. وتتهم الرياض بدورها طهران بإثارة الاضطرابات بين الأقلية الشيعية في السعودية وهو اتهام ينفيه المسؤولون الإيرانيون. وتخشى الرياض من أن يمنح الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع قوى عالمية العام الماضي طهران فرصة أكبر لأن تعزز مصالحها على الساحة الدولية بعد رفع العقوبات التي كانت تكبل اقتصادها. ولم تعد المملكة القلقة مما تعتبره انتشارا خطرا للأنشطة الإيرانية في الخارج تعتمد بدرجة كبيرة على حلفائها الغربيين في احتواء النفوذ الإيراني بل تكثف من جهودها هي للسيطرة عليه.
حضر رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل تجمعا في باريس في يوليو تموز لمنظمة مجاهدي خلق الجماعة المعارضة الإيرانية الرئيسية في المنفي والتي تسعى للإطاحة بالحكم الديني في البلاد. ورغم أن الأمير تركي لا يتولى أي منصب رسمي يشير حضوره للتجمع إلى تجاوز لخط فيما يتعلق بالاستعداد لدعم الجماعات المعارضة الإيرانية علانية. ويقول عباس ميلاني مدير برنامج الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد "الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران أصبحت أكثر علانية وأكثر تصميما."
ويقول مراقبون إن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية والأقلية الكردية تتسم بالتوتر منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 مما يحتمل أن يجعل الأقلية الكردية حليفا لخصوم إيران. وحارب الحرس الثوري الانفصاليين الأكراد بعد الثورة مباشرة وشن حملات بين الحين والآخر على المعارضين منذ ذلك الوقت. ودفع التوتر المسؤولين الإيرانيين لاتهام أفراد من جماعات الأقلية السنية خاصة الأكراد بالتعاطف مع المتشددين ومنهم تنظيم داعش.
وأعلن وزير المخابرات الإيراني محمود علوي أن 1500 شاب إيراني تم منعهم من الانضمام لتنظيم داعش. وقال هادي غائمي مدير الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران "الوقت مناسب جدا للربط بين أي عمل يتعلق باضطهاد السنة وبين التنظيم." وفي أوائل أغسطس آب أعدمت إيران 20 سجينا كرديا يزعم أنهم إسلاميون في سجن رجائي شهر مما صعد التوترات بين الحكومة المركزية والمنطقة التي تقطنها أغلبية كردية في البلاد. وقال غائمي "توقيت (الإعدامات) يبدو بالتأكيد وكأنه يوجه رسالة للجماعات الكردية وللسكان الأكراد المحليين... إنه بالتأكيد عقاب لطائفة لبث الخوف وللترهيب."
وينفي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني من جانبه تلقي أي دعم من السعودية ويقول إن الأكراد أجبروا على حمل السلاح لأنهم لم يعد أمامهم بديل لضمان حقوقهم السياسية. وقال كريم برويزي عضو المكتب السياسي للحزب والمقيم في أربيل في شمال العراق "هدفنا الرئيسي ليس انتهاج الاشتباكات المسلحة... نريد أن تكون لنا أنشطة تنظيمية وسياسية ومدنية." وتأتي عمليات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في وقت يبدو فيه أن الأكراد في مختلف أرجاء المنطقة أصبحوا أكثر جرأة وتمكينا. فالجماعات الكردية المسلحة في سوريا حققت مكاسب على الأرض وحكومة إقليم كردستان في شمال العراق تنأى بنفسها بشكل متزايد عن الحكومة المركزية في بغداد. بحسب رويترز.
ويقول أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران إنهم لا تربطهم صلات رسمية ولا يشاركون في عمليات مع أي أحزاب كردية في العراق أو تركيا أو سوريا. وذكرت وكالة مهر الإيرانية للأنباء أن علي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني أبلغ وفدا أمنيا رفيع المستوى من حكومة كردستان العراق في منتصف أغسطس آب أن أمن الحدود "خط أحمر". وقالت حكومة كردستان العراق إنها لن تسمح لأي جماعة بأن تهدد أمن الحدود الإيرانية لكن برويزي من الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني قال إن حزبه لم يضطر حتى الآن لوقف الأنشطة المسلحة على الحدود مما يزيد احتمالات وقوع المزيد من الاشتباكات.
اضف تعليق