q

على الرغم من مرور اربع سنوات على ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر والتي أطاحت بنظام الرئيس المصري المخلوع حسنى مبارك وما تلاها من أحداث ومتغيرات، لا يزال المجتمع المصري متخوفا من مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، خصوصا مع استمرار و تزايد الصراع بين جماعة الإخوان والعسكر الذين تمكنوا من عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بعد احتجاجات ومظاهرات شعبية رافضة لحكم واستبداد الجماعة التي سعت الى تعزيز سيطرتها على مقدرات البلاد والعباد والتي اعتبرت فيما بعد منظمة إرهابية محظورة وهو ما أيده الكثير من أبناء مصر الذين وقفوا مع قرارات الجيش كما يقول بعض المراقبين.

فيما رأى خبراء آخرون ان الثورة في مصر قد خرجت عن مسارها وأهدافها المعلنة، خصوصا وان الحكومة الجديدة قد سعت الى فرض هيمنتها، من خلال إتباع أنظمة وقوانين خاصة تمكنها من البقاء والاستمرار، كم ان بعض تلك الحكومات ومنها الحكومة الحالية برئاسة عبد الفتاح السيسي، قد سعت الى الاستفادة من المؤسسة العسكرية في تثبيت ركائز الحكم، والتمهيد لعودة الدولة القمعية، إذ ازدادت الممارسات القمعية والإجرامية التي تعتمدها السلطات الأمنية والعسكرية بحق الخصوم والمعارضين من مختلف الاتجاهات الفكرية، هذا بالإضافة الى السلطات الحالية وكما فعلت حكومة الإخوان، فقد سعت أيضا الى تغير انجازات ومكاسب ثورة الشعب خصوصا وإنها ومن خلال تدخلها المباشر في قرارات وأحكام القضاء قد ضيقت الخناق على المعارضين ومهدت الطريق لإنقاذ رموز النظام السابق بما فيهم الرئيس المخلوع حسنى مبارك.

بعض المراقبين أكد ان ما تقوم به الحكومة المصرية الحالية في ظل وجود هذا الكم الهائل من التحديات والمشكلات والأزمات المتفاقمة، هو أمر طبيعي يهدف الى فرض الأمن والاستقرار في مصر التي تمر بمرحلة تاريخية صعبة. خصوصا مع وجود أطراف وجهات خارجية تسعى بشكل دائم الى خلق فوضى داخلية من خلال دعم وتحريك بعض الجهات والجماعات الإرهابية في سبيل قلب الحقائق وإثارة الرأي العام الداخلي والعالمي.

عنف.. قتلى وجرحى

في السياق ذاته قتل 11 شخصا وأصيب 30 آخرون في أعمال عنف وقعت في مصر في الذكرى الرابعة لاندلاع ثورة العام 2011 التي أطاحت بحسني مبارك، بحسب وسائل الإعلام الرسمية. وأوردت صحيفة الأهرام على موقعها الإلكتروني، نقلا عن غرفة الأزمات بوزارة الصحة، أن "11 شخصا قتلوا وأصيب 30" في أعمال العنف التي شهدتها عدة مناطق في مصر. وكان مئات من المتظاهرين المعارضين للسلطة ومعظمهم من الشباب صغيري السن يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام" و"الداخلية بلطجية" وعددا آخر من الهتافات المعارضة للجيش والشرطة وجماعة الإخوان المسلمين قبل أن يهاجمهم متظاهرون مؤيدون للسلطة بالحجارة.

وتبع ذلك إطلاق مدرعات للأمن المركزي (قوات مكافحة الشغب) لقنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش على المتظاهرين المعارضين الذين تفرقوا في الشوارع الجانبية. وألقى رجال بزي مدني القبض على عدد من المتظاهرين الذين كان يتم وضعهم في باصات صغيرة (ميكروباص).

وقتلت متظاهرة ايضا في وسط القاهرة أثناء صدامات مع الشرطة بسبب مسيرة نظمها حزب التحالف الاشتراكي (يسار) لإحياء ذكرى ضحايا الثورة ووضع إكليل من الزهور على نصب "شهداء الثورة" في ميدان التحرير. وقال متحدث باسم وزارة الصحة إن شيماء الصباغ (34 عاما)، وهي أم لطفل عمره 5 سنوات ماتت إثر إصابتها بطلقات خرطوش من بندقية صيد. وقال متظاهرون إنها أصيبت بطلقات الشرطة التي كانت تفرق التظاهرة.

ولكن مساعد وزير الداخلية اللواء عبد الفتاح عثمان نفى استخدام الشرطة طلقات الخرطوش أثناء تفريق التظاهرة. وفي مؤتمر صحافي عقده ممثلو عدة أحزاب سياسية، اتهم مدحت الزاهد القيادي في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الشرطة بقتل شيماء قائلا "كنا في مسيرة سلمية استُهدفت من طرف واحد هو الأمن".

داخل السجون وخارجها

من جانب اخر قبل اربع سنوات، كان زياد العليمي يهتف في ميدان التحرير "الشعب يريد اسقاط النظام". اما اليوم، بعد اربع سنوات على الثورة، فانه يتألم عندما يزور قادتها القابعين في السجون في حين برأ القضاء الرئيس الاسبق حسني مبارك. مثل كثير من الشباب، حلم زياد العليمي الذي كان قياديا في ائتلاف لشباب الثورة تشكل داخل ميدان التحرير بعد اندلاع التظاهرات ضد مبارك، بتحقيق اهداف ثورتهم التي طالبت ب"عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة انسانية".

ولكنه اليوم يرى في تبرئة مبارك من تهمة التواطؤ في قتل المتظاهرين اثناء الثورة ومن اتهامات اخرى بالفساد المالي "رسالة موجهة الينا مفادها انه مهما ارتكبت السلطة من فساد ومهما قمعت ستفلت من العقاب. وهذا كان مؤلما للغاية". و برأت محكمة جنايات في القاهرة مبارك وسبعة من كبار المسؤولين الامنيين في عهده من اتهامات بالتورط في قتل نحو 800 متظاهر ابان الثورة. كما الغت محكمة النقض حكما اخر بحبسه ثلاث سنوات وحبس نجليه اربع سنوات في قضية استيلاء على اموال عامة وامرت بإعادة محاكمتهم.

وقبل ايام من ذكرى الثورة الرابعة، اُطلق سراح علاء وجمال نجلي مبارك الذي قال محاميه فريد الديب انه اصبح حرا طليقا ولكنه سيبقى في مستشفى عسكري في القاهرة لانه يعاني من بعض المتاعب الصحية. ويقول العليمي وهو محام اصبح بعد الثورة قياديا في الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي (يسار وسط) "عندما كنا نجتمع لنخطط لتظاهرات 25 يناير (كانون الثاني) في العام 2011 كنا نتوقع ان نعدم لو فشلت الثورة .. ونحن اليوم ندفع ثمن مواقفنا السياسية" في اشارة الى احكام بالسجن صدرت بحق نشطاء من ابرز قادة ثورة 2011.

من بين هؤلاء علاء عبد الفتاح الذي صدر بحقه حكم بالسجن 15 عاما طعن به امام محكمة الاستئناف التي ما زالت تنظر في القضية. كما صدرت احكام بالسجن ثلاث سنوات على احمد ماهر ومحمد عادل القياديين في حركة 6 ابريل، ابرز حركة معارضة لمبارك والتي حظرها القضاء في نيسان/ابريل الماضي. وصدرت احكام بالسجن على عشرات الشباب غير الاسلاميين بتهم التظاهر غير المشروع تطبيقا لقانون مثير للجدل صدر في نهاية 2013.

ويرى احمد عبد ربه استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، ان مصر تشهد "تصفية حسابات سياسية ضد كل من عبر عن ثورة يناير.. ما يحدث يعكس وجهة نظر الدولة في الثورة". ويعتبر عبد ربه ان الهدف من الملاحقات القضائية لشباب الثورة هو "اخافة كل من يريد ان يقوم بالتغيير في الشارع". ومن حين لاخر، يزور العليمي رفاق الثورة في سجن طرة جنوب القاهرة، الذي غادره تباعا عدد من رموز حكومة وحزب مبارك مبرئين من تهم الفساد.

ويقول الباحث بمركز سياسات الشرق الاوسط في معهد بروكنغز اتش اية هيللر "من المثير ان نرى الامور تدور دورة كاملة" في اشارة الى ما يعتبره عودة لنظام مبارك. ويضيف انه رغم "وجود اختلافات" في تركيبة النظامين وفي طريقة ادائهما الا ان "العديدين في (مؤسسات) الدولة كانوا يعارضون بقوة الانتفاضة الثورية في 2011 " وبالتالي فمن المتوقع ان "نرى الان نوعا من الثأر ممن كانوا بارزين فيها".

وبينما يواجه النشطاء محاكمات واحكاما بالسجن لمجرد التظاهر، برأ القضاء جميع افراد الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين في 2011. وقالت المفوضية العليا لحقوق الانسان في بيان ان "القضاء المصري اظهر معايير قضائية مزدوجة بتبرئة مسؤولين بالدولة من ارتكاب انتهاكات حقوق انسان في الوقت الذي انزل عقوبات قاسية على المدافعين عن حقوق الانسان والنشطاء المدافعين عن الديموقراطية".

وجاء قمع الناشطين غير الاسلاميين عقب حملة قمع شنتها السلطات على انصار الرئيس الاسلامي محمد مرسي الذي اطاحه الجيش في تموز/يوليو 2013 واسفرت عن مقتل اكثر من 1400 منهم وتوقيف اكثر من 15 الفا. ويتهم ناشطون غير اسلاميين نظام قائد الجيش السابق الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بانه امتداد لنظام مبارك. لكن السيسي ينفي هذه الاتهامات. وحرص بعد تبرئة مبارك من قبل القضاء على اصدار بيان اكد فيه ان مصر "لا يمكن ان تعود الى الوراء" وانها "ماضية في طريقها نحو تاسيس دولة ديموقراطية حديثة قائمة على العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد".

لكن العليمي الذي انتخب نائبا في اول برلمان بعد اسقاط مبارك يقول ان "شيئا لم يتغير.. نحن نواجه طريقة ادارة البلاد نفسها من استبداد وفساد وتضييق على الحق في التعبير والتنظيم وتقليص الحريات". ورغم ذلك فان العليمي يقول بتحد واضح انه "بالقياس على قدرتنا على الانجاز في 2011 فان هناك دوما املا". وميدان التحرير نفسه، ايقونة الثورة، اصبح التظاهر فيه حكرا على انصار السلطة الحالية، كما توجد بوابة حديدية خضراء كبيرة على احد مداخله تغلق عند اندلاع تظاهرات مناهضة للسلطة. بحسب فرانس برس.

وجماعة الاخوان المسلمين التي كانت اكثر القوى السياسية تنظيما والتي صنفها القضاء "جماعة ارهابية" عقب اطاحة مرسي باتت تواجه، اضافة الى قمع السلطة، غضبا شعبيا. عضو الاخوان الشاب عمار مطاوع الذي تم توقيف شقيقته لثلاثة اشهر ووالده لايام قبل اطلاق سراحهما يقول باسى "بعد اربع سنوات، اصبحنا نخوض معركة اصعب امام نظام اعنف في ظل راي عام يتقبل التنكيل بالمعارضة"، مشيرا الى التأييد الكبير الذي يحظى به السيسي في مصر وكذلك الى شعور فئة كبيرة من المصريين بالحنين الى الاستقرار الامني والاقتصادي المفقود منذ اطاحة مبارك.

القرضاوي يحث على الاحتجاج

وفي هذا الشأن دعا يوسف القرضاوي المقيم في قطر المصريين إلى الخروج في احتجاجات في ذكرى انتفاضة 25 يناير وقال إن محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين هو الرئيس "الشرعي" للبلاد وذلك في خطاب مسجل قد يزيد من توتر العلاقات بين قطر ومصر. وللقرضاوي المولود في مصر علاقات وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين ودائما ما ينتقد الحكومة المصرية ويتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي بخيانة مرسي الذي عزله في 2013.

وساهم دعم القرضاوي الصريح لجماعة الإخوان في تعميق خلاف دبلوماسي غير مسبوق بين قطر من جهة وجيرانها الخليجيين ومصر من جهة أخرى إذ يعتبرون الإخوان تهديدا أمنيا وأيدوا عزل مرسي. ومنذ ذلك الحين امتنع القرضاوي عن إلقاء خطب الجمعة في الدوحة لكن هذا لم يمنعه من مواصلة انتقاد حكام مصر خلال المؤتمرات أو البيانات التي ترسل عادة بالبريد الإلكتروني. بحسب رويترز.

وقال القرضاوي في تسجيل فيديو بث على حسابه على تويتر "إلى كل أبناء مصر كل القادرين أن يخرجوا من بيوتهم في هذه المناسبة العظيمة بمناسبة 25 يناير أرى أن يخرج المصريون ليعبروا عن أنهم لا يريدون إلا الثورة التي قاموا بها جميعا." وأضاف أنه بعد انتفاضة 2011 ضد حكم حسني مبارك جاءت انتخابات حرة نزيهة "لا شك فيها" بمرسي إلى السلطة. وتولى مرسي الحكم في يونيو 2012 بعد نحو عام ونصف من الإطاحة بمبارك. لكن اندلعت احتجاجات حاشدة على حكمه بعد عام من توليه السلطة وأعلن الجيش عزله. وانتخب السيسي وزير الدفاع وقائد الجيش السابق رئيسا للبلاد في مايو أيار العام الماضي. ونظمت احتجاجات متفرقة في مصر لكن قوات الأمن فرقتها سريعا. واعتقل عدد من أنصار مرسي. وقال مصدر مقرب من القرضاوي إنه لا يزال في الدوحة وإن التسجيل تم في قطر.

اضف تعليق