q

مع اقتراب موعد انطلاق الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو، تعيش البرازيل جملة من التحديات الكبيرة التي قد تؤثر سلبا على هذا الحدث العالمي المهم، الذي سيشارك فيه اكثر من 100 ألف رياضي من أكثر من 200 دولة حول العالم، كما ستجذب الألعاب اكثر 450 ألف سائح لمتابعة منافساتها، هذه التحديات تتمثل وبحسب بعض المراقبين بتفاقم الازمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تعاني منها البلاد جراء الاهمال وتفشي والفساد، يضاف الى ذلك التحديات الامنية والتهديدات الارهابية والصحية التي اثارت قلق ومخاوف الكثير، وقد أعلنت ولاية ريو دي جانيرو البرازيلية حالة الطوارئ المالية قبل انطلاق الألعاب الأولمبية. وقال فرانشيسكو دورنيليز الحاكم المؤقت للولاية إن "أزمة اقتصادية خطيرة" تهدد التزام الولاية بتعهداتها لدورة الألعاب. وقال دورنيليز، في مرسوم أصدره بهذا الشأن، إن الولاية تواجه "كارثة عامة" قد تؤدي إلى "انهيار شامل" في الخدمات العامة مثل الأمن والصحة والتعليم.

وأصدر تفويضا بـ "إجراءات استثنائية" قبل دورة الألعاب يمكن أن تؤثر على "كل الخدمات العامة الضرورية"، ولكن لم تتوفر المزيد من التفاصيل بشأن هذا التفويض. ويأتي معظم التمويل للأولمبياد من حكومة مدينة ريو، ولكن الولاية مسؤولة عن مجالات مثل النقل والأمن. وتعهد الرئيس المؤقت ميشيل تيمر بتقديم مساعدات مالية مهمة. وألقى الحاكم باللوم في هذه الأزمة على تراجع عائدات الضرائب وخاصة من القطاع النفطي، فيما تواجه البرازيل بصفة عامة حالة كساد عامة.

وقد يؤدي هذا الإجراء من جانب الولاية إلى إطلاق تمويلات فيدرالية طارئة. ويعاني موظفو الولاية وأصحاب المعاشات بها من تأخر مستحقاتهم المالية. وقد تأثرت المستشفيات ومراكز الشرطة كثيرا من ذلك. وتوقعت الولاية عجزا في الميزانية قدره 5.5 مليار دولار (3.9 مليار جنيه إسترليني) لهذا العام. وغرد إدواردو بياس عمدة ريو على تويتر قائلا إن قرار الولاية "سيؤدي دون شك إلى تأخير تسليم المشروعات الأولمبية وتأخير الوفاء بتعهدات مدينة ريو." كما أن هناك أيضا مخاوف من تفشي فيروس زيكا، الذي يرتبط بعيوب خلقية لدى المواليد، وتأثير ذلك على السياحة في المدينة.وتتوقع ريو نحو نصف مليون زائر أجنبي خلال الأولمبياد.

الاعمال الارهابية

من جانب اخر رفعت البرازيل حالة التأهب وكثفت إجراءات الأمن قبل دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو بعد الهجمات التي وقعت في الآونة الأخيرة في باريس وبروكسل وتهديد من شخص يزعم أنه من تنظيم داعش. وقال الأميرال أديمير سوبرينو رئيس هيئة الأركان البرازيلية "دق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالإرهاب" مضيفا أن البرازيل كثفت التعاون مع الحكومات الأجنبية لمنع هجمات محتملة من جماعات متطرفة مثل الدولة الإسلامية أو من أفراد.

ومن المقرر أن تنطلق دورة الألعاب الأولمبية في الخامس من أغسطس آب وتتوقع مدينة ريو دي جانيرو وصول زهاء 600 ألف زائر أجنبي. وتتبادل البرازيل المعلومات وتجري تدريبات أمنية وتقيم منشآت مشتركة. وإلى جانب مقر للشرطة سيقوم فيه ضباط من أكثر من 50 دولة بالمساعدة في مراقبة الوضع الأمني خلال الدورة ستدير البرازيل أيضا مركزا لمكافحة الإرهاب مع خبراء من دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسبانيا.

ويقول أندريه رودريجيز وهو مفتش في الشرطة يقود أمانة خاصة شكلتها الحكومة الاتحادية لتولي الأمن خلال الأحداث الكبيرة "سيكون لدينا هنا أشخاص من جميع أنحاء العالم لتبادل المعلومات بشكل أفضل وتقديم النصائح لبعضنا البعض في مجالات خبراتنا." وفي ظل عدم وجود أعداء سياسيين وعدم وقوع حرب في الفترة الأخيرة وعدم وجود أدلة على وجود متشددين في الداخل فإن تركيز البرازيل ينصب على الجرائم وعنف الشوارع وهي المشاكل اليومية التي يعاني منها الناس هناك.

وحتى خلال كأس العالم والذي أقيم بنجاح في 12 مدينة مختلفة في البرازيل عام 2014 كان الخوف الأكبر يتمثل في تجدد الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البرازيل قبلها بعام بسبب الفساد وتباطؤ الاقتصاد. لكن الهجمات التي قتلت 130 شخصا في باريس في نوفمبر تشرين الثاني الماضي و32 شخصا في بروكسل في مارس آذار أجبرت قوات الأمن البرازيلية على إعادة تقييم الوضع. وأصبحت مساعي مكافحة الإرهاب هي محور التخطيط الأمني لدورة الألعاب الأولمبية.

ويبحث خبراء الأمن في مواقع التواصل الاجتماعي وتقارير المخابرات الأجنبية وسجلات الهجرة عن أي مؤشرات لأشخاص يشتبه في أنهم متشددون وشبكاتهم وتحركاتهم في جميع أنحاء العالم. ويعكف هؤلاء بالتعاون مع حكومات أجنبية على تدريبات للاستعداد للتعامل مع كل الاحتمالات التي تتراوح بين هجمات على مطاعم وملاهي ليلية على غرار ما حدث في باريس وحتى شن هجوم بيولوجي. وحتى الآن يقول مسؤولو أمن مطلعون على تقارير المخابرات بشأن الأولمبياد إنه لم يتم رصد أي تهديد إرهابي مؤكد حتى الآن.

وجاء تحذير صريح في نوفمبر تشرين الثاني عندما زعم شخص قال إنه من تنظيم داعش أن أحد منفذي الهجمات الفردية التابعين للتنظيم موجود بالفعل في البرازيل. ورغم أن ذلك أثار قلقا بين الدوائر الأمنية ولم تعترف به قوات الأمن البرازيلية سوى بعدها بشهور فإن التحقيقات دفعت المسؤولين للاعتقاد بأن الأمر في أغلبه مجرد ثرثرة. وقال ساولو مورا دي كونا وهو مدير في وكالة المخابرات الوطنية البرازيلية "ليس مفاجئا مع حدث بهذا الحجم أن يتحدث شخص ما بمثل هذا التبجح."

ويقول مسؤولون إن الخطر الأصعب في الرصد هو خطر الأفراد أو حتى المجموعات الصغيرة التي تستلهم فكر الجماعات المنظمة المعروفة لدى المخابرات حتى لو لم تكن بالضرورة مرتبطة بها. ويقول جوزيه ماريانو بلترامي وزير الأمن في ولاية ريو "شخص واحد قد يسبب ضررا كبيرا وينبغي أن تعمل على أصغر المستويات لتفادي ذلك."

على صعيد متصل قال رئيس وكالة مخابرات فرنسية إن متشددا إسلاميا برازيليا كان يدبر لهجوم على البعثة الفرنسية في دورة الألعاب الأولمبية بمدينة ريو دي جانيرو. وأدلى الجنرال كريستوف جومار الذي يشرف على إدارة المخابرات العسكرية (دي.ار.إم) بالتصريحات في وقت سابق خلال جلسة للجنة برلمانية بشأن هجمات المتشددين الإسلاميين في فرنسا العام الماضي نشر نصها للتو. وأبلغ جومار النواب أن وكالته حصلت على معلومات من "وكالة شريكة" بشأن المؤامرة. ولم يقدم المسؤول الفرنسي تفاصيل أخرى.

وقال ويلسون روبرتو تريزا مدير وكالة المخابرات البرازيلية للصحفيين إن الوكالة لم تتلق اتصالا من فرنسا أو أي دولة أجنبية أخرى بشأن المؤامرة المزعومة. ورفض متحدث باسم أمانة خاصة تابعة لوزارة العدل البرازيلية وتقود الجهود الأمنية الخاصة بالأولمبياد التعليق. وقال إن المسؤولين البرازيليين على اتصال وثيق بالدول الشريكة بشأن أي تهديدات محتملة لدورة الألعاب التي تقام في الفترة من الخامس وحتى 21 أغسطس آب. ويراقب مسؤولو الأمن في البرازيل والشركاء الأجانب غرف الدردشة وغيرها من قنوات التواصل بين المشتبه بتعاطفهم مع الجماعات المتشددة. بحسب رويترز.

وقال المسؤولون إن قلقهم الأكبر خلال دورة الألعاب ليس وقوع هجوم منسق من قبل متشددين معروفين وإنما احتمال أن يحاول منفذ منفرد أو مجموعة متعاطفة مع قضايا المتشددين استهداف الدورة. وسوف تنشر البرازيل نحو 85 ألف جندي وشرطي وأفراد أمن آخرين وهو أكثر من ضعف قوات التأمين التي نشرت في دورة ألعاب لندن عام 2012.

بكتيريا سوبر

الى جانب ذلك عثر علماء على "بكتيريا سوبر" مقاومة للعقاقير قبالة شواطئ في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية ستستضيف بطولات السباحة في الدورة الأولمبية وفي بحيرة ستشهد منافسات بطولة التجديف والقوارب الكانو عندما تبدأ الأولمبياد في الخامس من أغسطس آب. وتتعلق هذه النتائج التي جاءت من دراستين أكاديميتين بأكثر المواقع شعبية بالنسبة للسائحين في ريو دي جانيرو وتزيد بشكل كبير الأماكن المعروف أنها مصابة بميكروبات لا تتواجد عادة إلا في المستشفيات. وتزيد هذه النتائج أيضا من القلق من أن الطرق المائية الملوثة بمياه الصرف الصحي في ريو دي جانيرو غير آمنة.

وأظهرت دراسة نُشرت في أواخر 2014 وجود البكتيريا السوبر التي صنفتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها على أنها تهديد صحي عام عاجل قبالة أحد الشواطئ في خليج جوانابارا حيث تقام مسابقات التزلج وركوب الأمواج خلال الدورة الأولمبية. وأظهرت أول هاتين الدراستين والتي راجعها في سبتمبر أيلول علماء في مؤتمر العلوم بشأن العناصر المضادة للميكروبات والعلاج الكيماوي في سان دييجو وجود الميكروبات في خمسة من الشواطئ النموذجية في ريو دي جانيرو من بينها شاطئ كوباكابانا المطل على المحيط حيث تقام منافسات السباحة في المياه المفتوحة والسباحة ضمن منافسات الثلاثي. بحسب رويترز.

والشواطئ الأربعة الأخرى هي ايبانيما وليبلون وبوتاجوفو وفلامينجو. ويمكن أن تسبب البكتيريا السوبر تلك عدوى يصعب علاجها في الجهاز البولي والمعدة والرئتين ومجرى الدم إلى جانب التهاب السحايا. وتقول المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إن الدراسات تثبت أن هذه البكتيريا تسهم في وفاة ما يصل إلى نصف المرضى المصابين. ووجدت الدراسة الجديدة الثانية جينات البكتيريا السوبر في بجيرة رودريجو دي فريتاس في قلب ريو دي جانيرو وفي نهر يصب في خليج جوانابارا. وأعد هذه الدراسة مختبر مؤسسة أوزوالدو كرو التابع للحكومة الاتحادية البرازيلية وستنشرها الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء المجهرية. وتتدفق نفايات المستشفيات التي لا تحصى بالإضافة إلى مئات الآلاف من المنازل في مصارف المياه والأنهار والجداول المائية في ريو دي جانيرو مما سمح للبكتيريا السوبر بالانتشار خارج مستشفيات المدينة في السنوات الأخيرة.

فيروس زيكا

على صعيد متصل طلبت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية مارغريت تشان من لجنة خبراء اعطاء راي استشاري بشأن تنظيم الالعاب الاولمبية الصيفية في ريو دي جانيرو في موعدها في ظل مخاوف من انتشار فيروس زيكا. وكتبت تشان في رسالة ان المنظمة ارسلت فريقا من العلماء الى البرازيل اربع مرات لجمع معلومات بشكل مباشر حول الوضع الحالي وتقييم مستوى مخاطر تجمع عدد كبير من اللاعبين والمشاهدين المتوقع حضورهم للالعاب، نزولا عند طلب السناتور الاميركية جان شاهين لتقييم المخاطر الصحية لتنظيم الالعاب في اب/اغسطس.

وقالت تشان في رسالتها التي نشرتها شاهين على الانترنت "نظرا لمستوى القلق الدولي الراهن، قررت ان اطلب من لجنة طوارىء زيكا دراسة مخاطر تنظيم الالعاب الاولمبية الصيفية وفق البرنامج الحالي". واضافت ان خبراء الامم المتحدة سيلتقون قريبا وينشرون رأيهم على الفور. وقالت شاهين في بيان ان الالعاب الاولمبية تجتذب جمهورا من كل انحاء العالم و"من المهم ان نفهم التبعات الصحية على المستوى العالمي". والقى خبراء اللوم على زيكا في زيادة حالات صغر رأس المواليد في اميركا اللاتينية، وهو تشوه خلقي يؤدي الى صغر الرأس والدماغ.

ورفضت المنظمة تلبية نداء وجهه اكثر من 200 طبيب دولي لطلب تغيير موعد او مكان الالعاب معتبرة ان التغيير لن يغير مخاطر انتشار زيكا. ولكن المخاوف ازدادت نظرا لأن البرازيل هي الاكثر تضررا من زيكا منذ بدء انتشاره في اميركا الجنوبية السنة الماضية مع تسجيل 1300 حالة تلف في الدماغ لدى المواليد فيها منذ ذلك الحين. ويتم ربط الفيروس الذي ينشره نوعان من البعوض وينتقل كذلك عن طريق الاتصال الجنسي بمتلازمة غيلان-باري العصبية النادرة ولكن المميتة.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية طارق جاساريفيتش ان لجنة الخبراء ستدرس تقارير من ستين بلدا ينتشر فيها فيروس زيكا وستبحث كيفية انتشار الفيروس ومكافحته. واوصت منظمة الصحة الحوامل بتجنب السفر الى بلدان انتشار زيكا ومن بينها البرازيل. ونصحت النساء اللواتي يعشن في مناطق انتشار الفيروس بتاخير الحمل واستخدام موانع الحمل والحصول على الاستشارة اللازمة.

من جانب اخر قال رئيس لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية إن تأجيل أولمبياد ريو بسبب مخاوف من أن يؤدي هذا الحدث لتسريع وتيرة انتشار عدوى فيروس زيكا سيعطي شعورا "زائفا" بالأمان لأن المسافرين يذهبون إلى البرازيل ويعودون منها باستمرار. وقال ديفيد هيمان رئيس هيئة حماية الصحة في بريطانيا والذي يرأس لجنة خبراء مستقلين بشأن فيروس زيكا شكلتها منظمة الصحة العالمية إن كثرة السفر في عالم ما بعد العولمة هي المشكلة وليست الأولمبياد.

وأضاف "إذا كانت هناك مشكلة فهي ليست الأولمبياد بل المشكلة هي السفر (لأغراض أخرى) بخلاف الأولمبياد." ومضى يقول "الناس يسافرون من البرازيل وإليها طوال الوقت لقضاء العطلات أو لأغراض العمل أو أغراض أخرى. وسيكون السفر للأولمبياد سفرا لمرة واحدة." وأضاف "بالتالي فإن القول بتأجيل الأولمبياد وتأجيل عولمة هذا المرض ليس من شأنه سوى أن يعطي شعورا زائفا بالأمان."

ودعا هيمان الدول إلى متابعة رياضييها العائدين من البرازيل بعناية لكنه أضاف أن التحاليل الخاصة بتشخيص فيروس زيكا "يصعب جدا الحصول عليها في الوقت الحالي". وقال إن على السلطات الصحية الوطنية أن تنصح الرياضيين والمواطنين في سن الإنجاب بحماية أنفسهم من لدغات البعوض باستخدام طارد لهذه الحشرة أثناء وجودهم في البرازيل وكذلك ممارسة الجنس الآمن بعد عودتهم لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل. بحسب رويترز.

وهذا إجراء احترازي لتفادي إصابة النساء بالفيروس الذي ينقله البعوض ويمكن أن يسبب صغر حجم الجمجمة وعيوبا خلقية أخرى خطيرة للمواليد. وجرى الربط بين زيكا وصغر حجم الجمجمة العام الماضي في البرازيل التي أكدت وجود أكثر من 1400 إصابة بهذا العيب الخلقي. وقال هيمان "هذه الإصابة مشكلة لكل من هم في سن الإنجاب الذين يعيشون في البرازيل أو يسافرون إليها ويشمل هذا الرجال والنساء على حد سواء." ومضى يقول "يمكن أن تصاب النساء ويعدن ويحملن خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع ويمكن أن يحملن حين يصلن هناك. ويمكن أن يذهب الرجال إلى هناك ويعودوا مصابين وينقلوا العدوى لشركائهم في العلاقات الجنسية ببلادهم."

اضف تعليق