بعد الانتصارات المهمة التي حققها الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي وابناء العشائر في معارك تحرير مدينة الفلوجة من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، باشرت هذه القوات بمعركة تحرير مدينة الموصل أكبر معقل لتنظيم داعش في العراق، هذه المعركة المهمة لها اهمية خاصة ليس للحكومة العراقية فقط وانما لجميع دول العالم، كونها ستكون معركة الحسم لكسر شوكة تنظيم داعش في هذا البلد المهم.
ويرى بعض الخبراء أن تكون معركة تحرير الموصل ربما ستكون مختلفة عن باقي المعارك نظرا لأهمية هذه المدينة بالنسبة لتنظيم داعش، الذي قد يستخدم اساليب وخطط مختلفة كحفر الأنفاق وتفخيخ مناطق واستخدام المدنيين كدروع بشرية في سبيل عرقلة وتأخير تقدم القوات العراقية. ويرى مبعوث الرئيس الأميركي للتحالف الدولي لمحاربة داعش بريت ماكغيرك أن تحرير الموصل سيكون تحديا عسكريا محوريا، لكنه سيكون أيضا تحديا سياسيا ودبلوماسيا وإنسانيا. وتوقع الرئيس باراك أوباما، في نيسان/ أبريل الماضي، أن تُحرر المدينة قبل نهاية العام الجاري، في حين أكد وزيره في الخارجية جون كيري، قبل ذلك بأيام قليلة من بغداد، أن تحرير الموصل على رأس الأولويات، مضيفا أن المدينة ستتحرر بنهاية المطاف.
وقد بدأت القوات العراقية بحسب بعض التقارير تسيطر على عدد من القرى جنوب الموصل كما انها تعمل ايضا تأمين ممرات للمدنيين. و اكد الفريق الركن مزهر العزاوي قائد عمليات دجلة بحسب تصريحات اعلامية، فان القوات العراقية جاهزة لتحرير محافظة نينوى بشكل كامل، وقد تمكنت من تحرير ديالى وصلاح الدين والأنبار والفلوجة، وبالتالي فهي قادرة على أن تحرر الموصل وتتجاوز العقبات، ويضيف بالنسبة للمدنيين فستقام معسكرات آمنة لخروجهم وسيهرب المتشددون كما هربوا من الفلوجة والرمادي. ويرى ماكغيرك أن أيام داعش في الموصل باتت محدودة، لكنه استدرك قائلا: لن نقدم جدولا زمنيا محددا لتحرير الموصل. المخطط الآن هو قيد التنفيذ. من جانب اخر اكد بعض الخبراء ان هناك عوامل اخرى ربما ستكون سببا في عرقلة سير المعركة ومنها استمرار الخلافات والصراعات السياسية، يضاف الى ذلك التدخلات الخارجية.
وقد اعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ونقلت بعض المصادر، تحرير قاعدة القيارة الجوية جنوب الموصل مركز محافظة نينوي شمالي العراق، والتي تعد قاعدة مهمة في عملية تحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. وقال إن أهالي نينوى عليهم الاستعداد لتحرير مدنهم من قبضة داعش كما حدث في الفلوجة بالأنبار سنقضي على التنظيم في الموصل. وأضاف أن قواتنا تلاحق مسلحي داعش دون ضجيج إعلامي، وخلال الأيام الماضية كان هناك تخطيط وقتال وتحرير، وتقدمنا 100 كيلو متر خلال أيام، وهذا انتقام مهم من عصابات الإرهاب التي سنسحقها ونطهر جميع أراضينا قريبا جدا منها.
وصرح المتحدث باسم جهاز مكافحة الارهاب العراقية بأن القوات العراقية تمكنت من قتل 38 من عناصر داعش خلال عملية تحرير قاعدة القيارة الجوية. وقال صباح النعمان في تصريح صحفي ان قوات مكافحة الارهاب العراقية دخلت ا قاعدة القيارة الجوية بعد عملية نوعية شارك فيها طيران القوة الجوية وطيران الجيش وطيران التحالف الدولي اسفرت عن قتل 38 من داعش وازالة اكثر من 100عبوة ناسفة.
تقدم مستمر
وفي هذا الشان احرزت القوات العراقية تقدما في المحور الجنوبي لمدينة الموصل التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش، وذلك ضمن اطار عملية استعادة السيطرة عليها. وبدأت القوات العراقية نهاية اذار/مارس، اولى تحركاتها لاستعادة السيطرة على محافظة نينوى، كبرى مدنها الموصل (370 كلم شمال بغداد) التي تعتبر عاصمة تنظيم داعش في العراق.
وتتولى قيادة عمليات نينوى تنفيذ العملية التي تهدف الى استعادة قرى تقع الى الشرق من القيارة التي تبعد مسافة 50 كلم جنوب الموصل. وقال ضابط برتبة مقدم في الجيش ان "قواتنا بدأت تنفيذ هجوم بمساندة طيران التحالف الدولي، لتحرير القرى الواقعة الى الجانب الشرقي لناحية القيارة". واضاف "تمكنت قواتنا من تحرير قرية خرائب جبر ومحاصرة قرية الحاج علي، وتواصل تقدمها باتجاه القيارة".
وفتحت القوات العراقية جبهة ثانية في إطار إعدادها للهجوم على الموصل معقل تنظيم داعش بعد يوم من إعلان القوات الحكومية النصر على المتشددين في الفلوجة. وقال مسؤولون أمنيون إن قوات مكافحة الإرهاب وهي قوات النخبة وفرقتين عسكريتين تدعمها ضربات جوية من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تقدمت من منشأة لتكرير النفط في شمال البلاد باتجاه مطار ينظر له باعتباره موقعا مهما في الزحف لاستعادة الموصل.
والموصل أكبر مدن شمال العراق ومعقل تنظيم داعش في العراق. وقال المسؤولون الأمنيون إن القوات الحكومية طهرت قريتين وتقدمت نحو 20 كيلومترا على طول طريق صحراوي غربي بيجي في أول تقدم بعد المدينة منذ استعادتها في أكتوبر تشرين الأول. وقال وزير الدفاع خالد العبيدي إن الهجوم يمثل بداية العمليات لطرد مسلحي داعش من القيارة الواقعة على بعد 115 كيلومترا إلى الشمال من بيجي حيث يمكن استخدام المطار الموجود بالمنطقة كنقطة تجمع للقوات لشن هجوم بعد ذلك على الموصل التي تبعد 60 كيلومترا أخرى إلى الشمال.
وعلى جبهة منفصلة غربي مخمور على الجانب الآخر من نهر دجلة أحرزت القوات الحكومية تقدما خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. وقال العبيدي على تويتر بجوار صورة لمركبات همفي وهي تنطلق على طريق صحراوي "بدأت القطاعات الآن بالتحرك لعمليات تحرير القيارة وإن شاء الله النصر باليد والنصر المبين وقواتنا ستحقق خلال ساعات قليلة النصر على منطقة القيارة."
وقال العقيد بالجيش محمد عبد الله من قيادة عمليات صلاح الدين إن المتشددين حاولوا إبطاء تقدم القوات شمالي بيجي بهجمات بقذائف الهاون. وقالت مصادر عسكرية إنه تم إحباط هجوم بسيارتين ملغومتين من خلال تنفيذ ضربات جوية قبل وصول السيارتين لأهدافهما على الرغم من سحب الغبار التي جعلت من الصعب استهداف المتشددين وأبطأ تقدم القوات. وقال متحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إن طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي نفذت عمليات دعما للقوات العراقية في وادي نهر دجلة وهي منطقة تقدم القوات. بحسب رويترز.
وقال العقيد محمد الأسدي المتحدث باسم الجيش العراقي إن القوات الحكومية تتقدم عبر طريق صحراوي إلى الغرب من الطريق الرئيسي السريع الذي يربط بغداد بالموصل والمزروع بالألغام ويمر بقرى بها وجود مكثف لمقاتلي داعش. وكان ضباط بارزون في وحدة مكافحة الإرهاب قد قالوا إن القوات لن تدخل معاقل داعش في المنطقة مثل الشرقاط والحويجة لتجنب دخول معارك جانبية.
انتفاضة في الموصل
من جانب اخر قال ضابط عراقي كبير إن تنظيم داعش يمكن ان يواجه انتفاضة داخلية في مدينة الموصل الواقعة في شمال العراق بعد استعادت قوات الجيش العراقي مدينة الفلوجة. وقال الفريق الركن طالب شغاتي مشاري الكناني إن لدى الجيش معلومات بأن السكان داخل الموصل والذين يقدر عددهم بأكثر من مليون نسمة يستعدون للانتفاضة ضد تنظيم داعش وإنه على اتصال بهم كي يتزامن مثل هذا العمل مع هجوم عسكري خارجي.
وأضاف دون أن يقدم تفاصيل "التعاون والتنسيق مع أبناء مدينة الموصل سوف يساهم وبشكل كبير لدعم القوات المسلحة والإسراع بتحرير المدينة من عصابات داعش." وقالت تقارير إن جماعات داخل الموصل تكتب على الجدران شعارات مناهضة لتنظيم داعش في أماكن عامة كما هاجمت مقاتلي التنظيم عند نقاط تفتيش ولكن لا توجد مقاومة على نطاق واسع. وقال الكناني إنه يتوقع بقاء القوات الخاصة في الطليعة ضد جيوب تنظيم داعش عند استعادة الحكومة السيطرة. ويتولى الكناني أيضا قيادة جهاز مكافحة الإرهاب في العراق. بحسب رويترز.
وقال "مثل هذه العمليات والتي تجري في مناطق مكتظة بالسكان لا تحتاج إلى قوات نظامية مدرعة مسلحة بتجهيزات غير تجهيزات ومعدات القتال في وحدات العمليات الخاصة التي تكون صغيرة لها قابلية نشطة في الحركة والتغير المستمر." وتُعتبر قوة مكافحة الإرهاب العراقية المؤلفة من نحو عشرة آلاف فرد وأنشئت قبل عشر سنوات بدعم من القوات الأمريكية أفضل قوة قتالية مدربة ومجهزة في العراق. وقال الكناني إنه ستكون هناك حاجة للقوات الخاصة خلال المستقبل المنظور.
قوات إضافية
على صعيد متصل تكثف الولايات المتحدة حملتها العسكرية ضد تنظيم داعش بإرسال مئات الجنود الإضافيين لمساعدة القوات العراقية في هجوم متوقع على مدينة الموصل أكبر معاقل التنظيم في وقت لاحق هذا العام. أعلن ذلك وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر خلال زيارة إلى بغداد حيث التقى مع قادة عسكريين أمريكيين ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير الدفاع خالد العبيدي. وسيعمل غالبية الجنود الإضافيين البالغ عددهم 560 انطلاقا من قاعدة القيارة الجوية التي استعادتها القوات العراقية من التنظيم وتعتزم استخدامها للتحضير لهجوم لاستعادة الموصل ثاني أكبر مدن العراق.
وقالت القوات العراقية إنها استعادت السيطرة على قاعدة القيارة الجوية على بعد نحو 60 كيلومترا جنوبي الموصل مدعومة بغطاء جوي من التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة. وقال كارتر أمام جمع من القوات الأمريكية في بغداد "بهذه القوات الأمريكية الإضافية التي أتحدث عنها اليوم .. سنجلب قدرات فريدة للحملة ونقدم دعما حيويا للقوات العراقية في توقيت مهم في المعركة." وأضاف أن القوات الإضافية "مستعدة للمجيء" وإنها مسألة "أيام وأسابيع وليس شهورا".
وكان العبادي قد تعهد باستعادة الموصل بنهاية العام. غير أن النقاش لا يزال جاريا في واشنطن بشأن توقيت الهجوم لاستعادة الموصل. ويحذر بعض المسؤولين العسكريين ومسؤولي المخابرات من الولايات المتحدة والحلفاء من أنه بخلاف قوات النخبة العراقية المختصة بمكافحة الإرهاب فإن الجيش العراقي غير مستعد لمهاجمة متشددي داعش في الموصل دون دعم كبير من قوات البشمركة الكردية والجماعات الشيعية المسلحة.
وفضلا عن ذلك فلا يبدو أن بغداد وأربيل- عاصمة إقليم كردستان شبه المستقل- قد اتفقتا على خطة بشأن الموصل وقال مسؤول أمريكي إن أي مشاركة كبيرة لقوات كردية أو مسلحين شيعة في حملة الموصل "ستخلق مجموعة جديدة من المشكلات لن تقدر حكومة العبادي على إدارتها أو حتى التخفيف من حدتها". وبشكل منفصل قال الرئيس الجمهوري للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي إنه يجب على الرئيس باراك أوباما طلب موافقة الكونجرس على تمويل إضافي لتغطية تكاليف نشر مزيد من القوات في العراق وذلك في وقت يتجادل فيه الكونجرس والبيت الأبيض بشأن الإنفاق العسكري في ظل تخفيضات إلزامية في الميزانية.
وتأتي أحدث زيادة في عدد القوات الأمريكية بعد أقل من ثلاثة أشهر من إعلان واشنطن أنها سترسل قوات إضافية قوامها نحو 200 فرد لمرافقة القوات العراقية التي ستتقدم صوب الموصل. وأبلغ كارتر أن الولايات المتحدة ستساعد في تحويل القيارة إلى مركز للدعم اللوجستي. وقال كارتر إن القاعدة الجوية "هي أحد المراكز التي ... ستستخدمها قوات الأمن العراقية برفقتنا ومشورتنا كلما تطلب الأمر في استكمال تطويق الموصل من أقصى الجنوب."
وقال اللفتنانت جنرال شون ماكفارلاند قائد التحالف المناهض لداعش في سوريا والعراق إن القوات الإضافية ستنفذ أدوارا متنوعة. وقال إنها "قادمة للمساعدة في توسعة قاعدة غرب القيارة الجوية لتصبح مركزا قادرا على دعم قوات الأمن العراقية مع تقدمها في عملية الموصل وستكون قاعدة جوية للعمليات." وقال مسؤولون أمريكيون إن قوات أمريكية زارت القاعدة بالفعل لتفقد حالتها وإن المستشارين يمكن أن يقدموا دعما هندسيا متخصصا في الموصل حيث فجر تنظيم داعش جسورا على نهر دجلة.
وقال مسؤول أمريكي آخر في بغداد إن القوات العراقية تعزز بالفعل محيط القاعدة الجوية تحسبا لهجوم مضاد من بلدة القيارة القريبة التي مازال التنظيم يسيطر عليها. وستمثل استعادة الموصل دعما كبيرا لخطط الحكومة العراقية والولايات المتحدة لإضعاف التنظيم المتشدد. غير أن ثلاثة مسؤولين من الولايات المتحدة وبريطانيا قالوا إن استعادة السيطرة على الموصل دون وجود خطة لإعادة الأمن والخدمات الأساسية وتوفير التمويل والأفراد اللازمين لتنفيذها على الفور سيكرر الخطأ الذي وقعت فيه حكومة بوش في 2003 بإطاحتها بصدام حسين دون خطة لتنصيب حكومة جديدة. بحسب رويترز.
ويتحول التنظيم بشكل متزايد إلى الهجمات الانتحارية مع فقدانه لجزء من أراضيه في العراق وسوريا. وشمل ذلك تفجيرا في العاصمة العراقية أودى بحياة نحو 300 شخص وكان أشد التفجيرات فتكا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003. واعتبر المسؤولون الأمريكيون والعراقيون مثل هذه التفجيرات دليلا على أن الانتكاسات التي مني بها التنظيم في ساحة المعارك تضعف قدراته. لكن منتقدين يقولون إن زيادة الهجمات الانتحارية المنسوبة للتنظيم على المستوى العالمي تشير إلى العكس.
اضف تعليق