منذ اعلان نتائج الاستفتاء الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تعيش دول الاتحاد الاوروبي بشكل عام حالة من الخوف والقلق، بسبب هذا القرار الخطير الذي سيدخل اوروبا في مشكلات وازمات كبيرة قد تكون سببا في تفكيك الاتحاد، كما ان قضية الانفصال ستخلق مشكلات جديدة لبريطانيا التي اصبحت تعاني من انقسامات داخلية عميقة، خصوصا مع مطالبة شركائها الأوروبيين السابقين وكما تنقل بعض المصادر، بتحديد جدول زمني سريع لانفصالها عن الاتحاد الأوروبي بعد أن أحدث تأييد الناخبين البريطانيين لانسحاب بلادهم صدمة في أوروبا وسط مخاوف من أن تنتشر عدوى الانفصال في الجسد الأوروبي.
يأتي هذا فيما يسيطر عامل المفاجأة والارتباك على السياسيين البريطانيين دعاة الخروج، فهم فيما يبدو عاجزون عن الإتيان بخطة تستجيب للتحديات التي ظهرت أمامهم خلال الساعات الأولى لهذا الفوز، وفي أول ردّة فعل رسمية على نتيجة التصويت لصالح الخروج أعلنت نيكولا ستورجيون، رئيس حكومة أسكتلندا بعد اجتماع لمجلس الوزراء، عن الاستعداد لإجراء استفتاء ثان للاستقلال عن بريطانيا وفتح محادثات مع الاتحاد الأوروبي. وأوضحت ستورجيون أنه قد تم تجهيز كل الخطوات القانونية اللازمة لإجراء استفتاء ثان للاستقلال بعد ذاك الذي أجري في 2014.
وقال أستاذ العلوم السياسية مالكولم هارفي “إذا انضمت أسكتلندا مستقلة إلى الاتحاد الأوروبي الذي خرجت منه إنكلترا، فستقام حدود بين الأمتين مع كل التبعات التي يمكن أن تنجم عن ذلك. كما وقّع أكثر من 40 ألف شخص عريضة تطالب ببقاء لندن في الاتحاد الأوروبي مع إعلان رئيس بلدية لندن صادق خان أن المدينة يجب أن تكون لها كلمة في مفاوضات الانفصال. وفي المقابل، تجاوزت عريضة ثانية على الإنترنت موجهة إلى البرلمان البريطاني للمطالبة بإجراء استفتاء ثان حول الاتحاد الاوروبي عتبة المليون توقيع. وتطالب العريضة بإجراء استفتاء جديد بعد استفتاء الخميس. وتعكس الانقسامات العميقة التي ظهرت في بريطانيا على ضوء الاستفتاء ولا سيما بين الشباب والمسنّين.
وازدادت حدة القلق في بريطانيا بعد ان طالب مسؤولون اوروبيون بريطانيا بالخروج على الفور، ما يزيد من حيرة البريطانيين، وخصوصا دعاة الخروج الذين يبدون متفاجئين بما حققوه. ففوزهم اعتمد أكثر على الشعارات العاطفية ودون خطط. وقال رؤساء المجلس الأوروبي دونالد توسك والمفوضية الأوروبية جان كلود يونكر والبرلمان الأوروبي مارتن شولتز، في بيان مشترك شديد اللهجة يعكس وفق المراقبين قلقا أوروبيا من حالة التشويش التي أتت بها نتيجة الاستفتاء، على حكومة المملكة المتحدة أن تنفذ قرار الشعب البريطاني وتسرّع في مفاوضات الخروج.
ولفت البيان إلى أن التسويات التي تم الاتفاق عليها بعد مفاوضات شاقة أجراها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون من أجل أن يدعم بقاء بلاده في الاتحاد باتت لاغية. وتريد بروكسل تفادي إطالة فترة عدم الاستقرار التي ستنجم عن المفاوضات حول اتفاق انسحاب بريطانيا. ولا تقدم المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي التي تحدد كيف يمكن أن تترك إحدى الدول التكتل تفاصيل تذكر. وعلى الرغم من أنها تقدم إطارا قانونيا عاما للانسحاب في فترة تبلغ عامين فإن كثيرين يعتقدون أن إقامة علاقات تجارية جديدة بين بريطانيا والاتحاد ستستغرق وقتا أطول ويخشى البعض من أن تشوب المرارة العملية مما سيعطل الاقتصاد والشؤون الأوروبية على مختلف الأصعدة.
صدمة مدوية
وفيما يخص بعض التطورات فقد أيد البريطانيون انسحاب بلادهم من عضوية الاتحاد الأوروبي الأمر الذي دفع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للاستقالة ووجه أكبر ضربة منذ الحرب العالمية الثانية للمشروع الأوروبي لوحدة أوسع. وتراجعت الأسواق المالية بعد أن أظهرت نتائج الاستفتاء أن البريطانيين أيدوا الخروج بنسبة 52 في المئة مقابل 48 في المئة أيدوا البقاء في التكتل الذي انضمت إليه بريطانيا منذ أكثر من 40 عاما.
وتراجعت قيمة الجنيه الإسترليني لما يصل إلى عشرة في المئة أمام الدولار مسجلا مستويات لم يشهدها منذ 1985 وسط مخاوف من أن يضر القرار بالاستثمار في خامس أكبر اقتصاد في العالم وأن يهدد دور لندن كعاصمة مالية عالمية ويغلف المشهد السياسي بالضباب لشهور. وتراجعت قيمة اليورو بنسبة ثلاثة بالمئة. وشهدت الأسهم العالمية انخفاضا فاق تريليوني دولار في قيمتها على الرغم من أن مؤشر فايننشيال تايمز البريطاني عوض الكثير من خسائره المبكرة. وشهدت الأسهم الأمريكية انخفاضات حادة مع هبوط مؤشر داو جونز الصناعي بما يزيد عن 500 نقطة.
وقد تتفكك المملكة المتحدة ذاتها بعد أن قالت زعيمة اسكتلندا - حيث أيد ثلثا الناخبين البقاء في الاتحاد الأوروبي - إن إجراء استفتاء جديد على الاستقلال عن باقي بريطانيا أمر مرجح جدا. وقال كاميرون -الذي قاد حملة البقاء لكنه خسر مقامرته عندما دعا للاستفتاء قبل ثلاثة أعوام- وهو يغالب انفعاله إنه سيستقيل من منصبه بحلول أكتوبر تشرين الأول. وأضاف في كلمة بثها التلفزيون من أمام مقره في 10 داونينج ستريت "الشعب البريطاني اتخذ القرار الواضح جدا بالتحرك في مسار مختلف ومن ثم أعتقد أن البلاد تحتاج قيادة جديدة تأخذها في هذا الاتجاه." وتابع "لا أعتقد أنه سيكون من المناسب لي أن أكون القبطان الذي يقود بلادنا إلى وجهتها المقبلة." وبدا كاميرون يغالب الدمع قبل أن يمسك بيد زوجته ويستدير عائدا إلى مقره في 10 داونينج ستريت.
وقد يحرم الخروج بريطانيا من تجارة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي وسيتطلب منها أن تبرم اتفاقات تجارية جديدة مع بلدان العالم. وتوقع استطلاع لرأي اقتصاديين أن احتمال دخول بريطانيا في كساد خلال عام زادت عن ذي قبل. ومن جانبه سيتضرر الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وسياسيا مع رحيل دولة لم تكن فقط أقوى مناصر لاقتصاد السوق الحر لكنها أيضا تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي وبجيش قوي وأسلحة نووية. وسيخسر الاتحاد نحو سدس ناتجه الاقتصادي دفعة واحدة.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس "إنها صدمة مدوية. تفكك الاتحاد بمنتهى البساطة هو ما على المحك... الآن حان وقت ابتكار أوروبا أخرى." ووصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل - التي دعت الزعيمين الفرنسي والإيطالي لبرلين لمناقشة التحركات في المستقبل - نتيجة الاستفتاء بأنها نقطة فاصلة للوحدة الأوروبية. وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير "يبدو أن هذا يوم حزين على أوروبا وبريطانيا." وشجعت النتيجة المتشككين في البقاء في الاتحاد الأوروبي بدول أخرى. وطالب زعماء شعبويون في فرنسا وهولندا بإجراء استفتاءات للانسحاب من التكتل.
ودعت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي إلى إجراء استفتاء مشابه في فرنسا واستبدلت الصورة التي كانت تضعها على حسابها على تويتر بصورة العلم البريطاني وكتبت قائلة "النصر للحرية". وقال زعيم اليمين المتطرف في هولندا خيرت فيلدرز الذي طالب أيضا بإجراء استفتاء "نريد أن نكون نحن من يتولى إدارة بلدنا ومالنا وحدودنا وسياسة الهجرة عندنا."
وتفتح نتيجة التصويت الباب أمام إجراءات انفصال عن الاتحاد الأوروبي تستغرق عامين على الأقل في خطوة لم يسبق لعضو آخر أن اتخذها. وقال كاميرون الذي تولى رئاسة الحكومة قبل ستة أعوام إن بدء عملية الخروج بشكل رسمي أمر يرجع لمن سيخلفه في المنصب. ويتردد الآن على نطاق واسع أن بوريس جونسون منافسه في حزب المحافظين ورئيس بلدية لندن السابق سيسعى لتولي المنصب. وأصبح جونسون أبرز وجه بين الأصوات الداعية لخروج بريطانيا من الاتحاد.
وغادر جونسون منزله وسط تهليل من الحشود في العاصمة التي صوت غالبية سكانها للبقاء في الاتحاد الأوروبي. وتحدث للصحفيين قبل أن يغادر مقر الحملة ولم يتلق أي أسئلة بشأن طموحاته الشخصية. وقال "يمكن أن نجد صوتنا في العالم مرة أخرى وهو صوت يتناسب مع خامس أكبر اقتصاد على وجه الأرض." ودشن نواب من حزب العمال البريطاني المعارض أيضا تصويتا بنزع الثقة عن زعيم الحزب اليساري جيرمي كوربين الذي اتهمه معارضوه في الحزب بقيادة حملة فاترة للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
وكان هناك شعور بالسعادة بين القوى المشككة في الاتحاد الأوروبي والتي أعلنت النصر على المؤسسة السياسية والشركات الكبرى والزعماء الأجانب بمن فيهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي حث بريطانيا على البقاء في الاتحاد. ووصف نايجل فيراج زعيم حزب الاستقلال البريطاني المشكك في الاتحاد الأوروبي التكتل بأنه "محكوم عليه بالفشل" و"يحتضر" وقال "احلموا ببزوغ فجر مملكة متحدة مستقلة." وتابع بقوله "سيكون هذا انتصار للشعب الحقيقي... انتصار للناس العاديين وانتصار للجديرين بالاحترام. فليكتب التاريخ أن 23 يونيو هو يوم استقلالنا."
وأصابت الصدمة تكتلا أوروبيا يعاني بالفعل من أزمة دين في منطقة اليورو وهجرة جماعية لم يسبق لها مثيل ومواجهة مع روسيا بسبب أوكرانيا. وتشهد الأحزاب المعادية للهجرة وللاتحاد الأوروبي صعودا في جميع أنحاء القارة الأمر الذي شكل ضغطا لم يسبق له مثيل على مؤسسة يسار ويمين الوسط التي تحكم أوروبا منذ عقود.
ولطالما كان موقف بريطانيا إزاء علاقاتها مع باقي أوروبا متناقضا. فهي تؤيد بقوة اقتصاد السوق الحر وهدم الحدود الاقتصادية الداخلية وتوسيع الاتحاد الأوروبي ليتضمن الجمهوريات الشيوعية السابقة في شرق أوروبا لكنها اختارت أن تبقى خارج منطقة اليورو للعملة الموحدة ومنطقة شينجن حيث يمكن السفر بين الدول الموقعة في الاتحاد الأوروبي دون الحاجة لجواز سفر. وعلى مدى عقود ظل بحزب المحافظين الحاكم بقيادة كاميرون جناح قوي معاد للاتحاد الأوروبي. ومع هذا كان إسكات هذا الجناح أحد الأسباب التي دفعت كاميرون في 2013 للدعوة لإجراء هذا الاستفتاء. وحتى اللحظة الأخيرة توقع وكلاء المراهنات والأسواق المالية أن يكون التصويت بالأغلبية لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وحث زعماء على الساحة العالمية مثل أوباما والرئيس الصيني شي جين بينغ وميركل وحكومات حلف شمال الأطلسي ودول الكومنولث بريطانيا على البقاء في الاتحاد الأوروبي قائلين إنها ستنعم داخله بقوة ونفوذ أكبر. وكانت الحملة التي استمرت أربعة أشهر من بين أكثر الحملات إثارة للانقسام في بريطانيا في ظل تبادل الجانبين الاتهامات بالكذب والترهيب واندلاع خلافات بسبب الهجرة يقول البعض إنها كشفت في بعض الأحيان عن عنصرية علنية. وبلغ الأمر أسوأ ذروة له بطعن نائبة في مجلس العموم مؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي وإطلاق النار عليها إلى أن لقيت حتفها في الشارع. وقال المتهم أمام المحكمة في وقت لاحق إن اسمه "الموت للخونة. الحرية لبريطانيا". بحسب رويترز.
كما كشفت الحملة انقسامات عميقة في المجتمع البريطاني واستمد مؤيدو الخروج من الاتحاد الأوروبي دعما من ملايين الناخبين ممن شعروا بأن العولمة أثرت سلبا عليهم ولا يرون أي منافع من التعددية العرقية واقتصاد السوق الحر في بريطانيا. وأيد الناخبون الأكبر سنا الخروج من الاتحاد الأوروبي بينما كان مؤيدو البقاء فيه من الشبان في الأساس. وأيدت لندن واسكتلندا البقاء في التكتل لكن مناطق واسعة من انجلترا التي لم تقتسم الرخاء مع العاصمة اختارت الخروج.
انعكاسات سلبية
من جانب اخر أدى تصويت البريطانيين لصالح انسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي لحالة ارتباك بين الكثير من الأوروبيين الذين اتخذوا من بريطانيا موطنا لهم ويبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين وأثار التصويت أيضا تساؤلات عن مستقبلهم في البلاد. وقالت إيلا فاين وهي بولندية تبلغ من العمر 31 عاما وتعمل رئيسة تنفيذية لجمعية خيرية في مجال الرعاية الصحية وتعيش في بريطانيا منذ تسع سنوات "أنا خائفة". وأضافت "لا أخطط لأي تغييرات لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟... لا يمكنني فعل شيء. لا أعرف ما سيكون موقف الناس مثلي- إنها كارثة."
وكانت الهجرة قضية محورية في النقاش الذي دار قبل الاستفتاء مع قول المؤيدين لحملة "الخروج" إن ترك الاتحاد هو الوسيلة الوحيدة التي ستمكن بريطانيا من التحكم في عدد الوافدين الجدد إليها. وعلى المواطنين القادمين من دول الاتحاد والمستقرين في بريطانيا وكذلك على البريطانيين الذين يعيشون في أوروبا الانتظار الآن لمعرفة ما سيحدث خلال عامين على الأقل ستستغرقها إجراءات الانسحاب الفعلية لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومن بين كل المواطنين من دول الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في بريطانيا لم يسمح إلا للأيرلنديين بالتصويت في الاستفتاء مما أعطى الأوروبيين إحساسا بالعجز. وقال كارلوس ارديد كاندل (32 عاما) وهو محلل بيانات من إسبانيا ويعيش في بريطانيا منذ 2001 "أشعر أني أجنبي أكثر الآن مما شعرت بالأمس... إنه مثل اكتشاف حقيقة ما يظنه أحدهم عنك عندما لم تكن متوقعا لذلك." وسعى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لطمأنة العاملين في بلاده من دول الاتحاد الأوروبي بأن أوضاعهم لن تشهد تغييرا فوريا. لكن كلماته لم تهدئ من روع البعض الذين شعروا بالرفض.
وقال ألكيس فوليوتيس (36 عاما) وهو مهندس من اليونان عاش في بريطانيا منذ أكثر من خمس سنوات "(أشعر) بالارتباك والغضب والاشمئزاز... أشعر بالغثيان لأن مشروعا آمنت به طوال حياتي قد يبدأ في التحلل." وصوتت لندن لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي وقال صادق خان رئيس بلدية العاصمة لنحو مليون أوروبي يعيشون فيها إن عليهم أن يستمروا في الشعور بأنهم مرحب بهم. وقال "نقدر المساهمة الضخمة التي تقدمونها لمدينتنا ولن يتغير ذلك."
الى جانب ذلك سيتأثر البريطانيون سلبا بانسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي في الكثير من مظاهر حياتهم التي لها علاقة بالاتحاد ومجموع الدولة المشكلة له، إذ سيعرقل الوضع الجديد تنقلهم داخل الاتحاد، كما سيفقدون الآلاف من مناصب الشغل. سواء كانوا مقيمين داخل المملكة المتحدة أو في بلد آخر من بلدان الاتحاد الأوروبي، سيشعر الرعايا البريطانيون سريعا بالانعكاسات السلبية لخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. وفي ما يلي أبرز هذه الانعكاسات: البريطانيون الذين يعيشون داخل المملكة المتحدة
التأشيرة : الأثر الأقرب زمنيا سيكون في مجال حرية التنقل للرعايا البريطانيين داخل باقي دول الاتحاد الأوروبي. ويستطيع البريطاني اليوم ببطاقة هويته وحدها التحرك داخل فضاء شنغن (حتى إن لم تكن بريطانيا عضوا فيه)، وبعد الخروج من الاتحاد الأوروبي سيتوجب على البريطانيين الحصول على تأشيرة دخول لزيارة دول الاتحاد ال 27. وفي الوقت الحالي تفرض 44 دولة من 219 تأشيرة على البريطانيين.
السفر : سيتعين على الأسر البريطانية إنفاق مال أكثر من السابق لقضاء عطلهم في القارة العجوز. ليس فقط بسبب تدهور قيمة الجنيه الإسترليني أمام اليورو ما سيقلص من مقدرتهم الشرائية، بل أيضا لأن الاتفاقات الأوروبية تتيح لأية شركة طيران أوروبية العمل في المجال الجوي الأوروبي دون قيود على مستوى الوتيرة أو الاسعار. وكان مايكل أوليري المدير العام لشركة الطيران المنخفضة الأسعار "ريان إير" قال في أيار/مايو "أن السوق الموحدة أتاحت لـ"ريان إير" النهوض بثورة السفر القليل الكلفة في أوروبا". هذا دون الحديث عن نفقات المكالمات عبر الهواتف النقالة التي تم توحيدها على المستوى الأوروبي أو القوانين الأوروبية التي تتيح تعويضا ماليا في حال تأخير رحلة أو إلغائها.
الوظائف : وإذا كان أنصار مغادرة بريطانيا الاتحاد قد جعلوا من الحفاظ على وظائف البريطانيين أحد حجج حملتهم، فإنه من المرجح أن يترافق الخروج من الاتحاد مع تغيير مقار الكثير من الوظائف خصوصا في البنوك الكبرى. ومن المحتمل أن تفقد البلاد الآلاف من مناصب الشغل. وكان جيمي ديمون رئيس مجلس إدارة "جي بي مورغن" حذر في مستهل حزيران/يونيو من أن هذا البنك الأمريكي الذي يعمل لديه أكثر من 16 ألف شخص في المملكة المتحدة، يمكن أن يلغي ما بين ألف وأربعة آلاف وظيفة.
البريطانيون المقيمون في دول الاتحاد فمغادرة الاتحاد الأوروبي ستتسبب بمشاكل كثيرة أيضا ل 1,3 مليون بريطاني يعيشون في دول أوروبية أخرى بينها إسبانيا (319 الفا) وإيرلندا (249 الفا) وفرنسا (171 الفا) وألمانيا (100 الف).
التقاعد: قد يرى المتقاعدون البريطانيون عائداتهم تنهار مثل الثلج تحت الشمس بسبب تدهور سعر صرف الجنيه الإسترليني. وقال براين هينشكليف المتقاعد من التعليم والمقيم منذ العام 2000 في بيريغورد (فرنسا) "أنا أقبض تقاعدي في المملكة المتحدة بالجنيه الإسترليني، وسأنظر عاجزا إلى دخلي وهو يتقلص (..) وسيكون علي أن أتساءل : بماذا يجب أن أضحي ؟ بالإجازات؟ بالسيارة؟ بالمنزل؟ أم أنه علي أن أعود؟" إلى إنكلترا.
التأمين على المرض: المشكلة الأخرى التي تطرح على البريطانيين المغتربين تتعلق بالتغطية الصحية للجاليات الإنكليزية في فرنسا مثلا حيث يتمتعون بالنظام الصحي الوطني وتدفع عنهم وزارة الصحة البريطانية بموجب اتفاق ثنائي. كما أنه قد يصبح مطلوبا الحصول على ترخيص للعمل للبريطانيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي. موظفو المؤسسات الأوروبية: مصير ألف كادر بريطاني يعملون في المؤسسات الأوروبية خصوصا في بروكسل يبدو غامضا. بعضهم بدأ التفكير في الحصول على جنسية أوروبية ثانية خصوصا البلجيكية. بحسب فرانس برس.
التنقل: خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يمكن أن يعقد العلاقات مع بعض جيرانها. فقد تفكر إسبانيا في غلق حدودها مع جبل طارق الصخرة الكبيرة التي تبلغ مساحتها 6 كيلومترات مربعة والملتصقة بالأندلس حيث يعيش 33 ألف بريطاني. وفي الشمال يمكن أن يؤدي خروج بريطاني إلى إقامة حدود بين إيرلندا الشمالية وإيرلندا ما سيؤثر على حركة آلاف الأشخاص يوميا.
الانفصال عن بريطانيا
في السياق ذاته وقع اكثر من اربعين الف شخص عريضة تطالب ببقاء لندن في الاتحاد الاوروبي مع اعلان رئيس بلدية العاصمة البريطانية ان المدينة يجب ان يكون لها كلمة في مفاوضات الانفصال. وتنص العريضة الموجودة على موقع "تشانج دوت اورغ": " اعلان لندن مستقلة عن المملكة المتحدة وطلب الانضمام للاتحاد الاوروبي". واكدت الوثيقة "لندن مدينة دولية ونريدها ان تبقى في قلب اوروبا. دعونا نكون واقعيين - سائر البلاد تختلف معنا. وبدلا من التصويت بشكل عدائي احدنا ضد الاخر في كل انتخابات، دعونا نجعل الانفصال رسميا وننتقل الى جانب اصدقائنا في القارة. هذه العريضة تدعو رئيس البلدية صادق خان الى اعلان لندن مستقلة وتقديم طلب للانضمام الى الاتحاد الاوروبي".
واصدر صادق خان بيانا حول مفاوضات الانفصال قال فيه انه "من المهم ان يكون للندن صوت خلال اعادة المفاوضات الى جانب اسكتلندا وشمال ايرلندا. رغم اننا سنكون خارج الاتحاد الاوروبي، من المهم ان نبقى جزءا من السوق الموحدة". واضاف خان "سيكون من الخطأ الخروج من السوق الموحدة التي تضم 500 مليون شخص مع مزايا التجارة الحرة التي توفرها. ساضغط على الحكومة من اجل ان يكون ذلك حجر الزاوية في المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي". بحسب فرانس برس.
وحصدت عريضة ثانية بعنوان "لندن تبقى جزءا من الاتحاد الاوروبي" تسعة الاف توقيع على الموقع نفسه معلنة عدم تاييدها قرار المغادرة. وسرعان ما انشىء على تويتر وسم "لندن تبقى" عبر مستخدموه عن رغبتهم باستقلال لندن واسكتلندا وبتوحيد ايرلندا. وصوتت الغالبية في اسكتلندا وشمال ايرلندا من اجل البقاء في الاتحاد.
من جانب اخر أكد استطلاع للرأي، أن غالبية الإسكتلنديين يؤيدون الانفصال عن بريطانيا بنسبة 52 بالمئة. وجاءت نتيجة الاستطلاع على خلفية استفتاء بريطانيا الذي أسفر عن تأييد غالبية مواطنيها خيار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فيما أظهر الاستفتاء ذاته أن غالبية الإسكتلنديين يؤيدون البقاء ضمن الأسرة الأوروبية. وكان الناخبون الإسكتلنديون رفضوا في استفتاء أجري في 2014 الاستقلال عن بريطانيا، ولكن بعد الزلزال الذي أحدثه استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي تغيرت المعادلة، إذ قالت رئيسة وزراء إسكتلندا نيكولا سترجن إن تنظيم استفتاء جديد على استقلال المقاطعة بات "مرجحا جدا"، لأنها لا تريد أن يصبح الإسكتلنديون خارج الاتحاد الأوروبي رغما عنهم كون أكثريتهم صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وعقدت سترجن اجتماعا طارئا لحكومتها في إدنبره دعت في ختامه إلى الشروع في "محادثات فورية" مع بروكسل لـ"حماية مكانة" إسكتلندا في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه. وأكدت سترجن أن حكومتها ستدرس منذ الآن إطارا تشريعيا يسمح بتنظيم استفتاء ثان حول استقلال هذه المقاطعة التي تحظى بالحكم الذاتي. وقالت سترجن إن نتيجة الاستفتاء تضع "على الطاولة" استفتاء جديدا حول استقلال إسكتلندا، وأشارت إلى بند في البيان التأسيسي "للحزب القومي الإسكتلندي" الذي تتزعمه لتقول: إن هناك "تغيرا كبيرا وملموسا في الظروف" التي صوتت خلالها إسكتلندا ضد الاستقلال في 2014 عندما أيد 55% من سكانها البقاء ضمن المملكة المتحدة. وكررت سترجن القول بات تنظيم استقتاء ثان على الاستقلال خيارا واضحا ينبغي وضعه على الطاولة وهو فعلا على الطاولة". وأضافت "لضمان إمكانية تطبيق هذا الخيار ضمن الخطة الزمنية المطلوبة سيتم اتخاذ خطوات الآن... ووافقت الحكومة رسميا على المضي بذلك"
الى جانب ذلك وفي تصريح لإذاعة "أوندا سيرو" الإسبانية، اقترح وزير الخارجية الإسباني مانويل غارسيا مارغايو تقاسما للسيادة بين إسبانيا وبريطانيا على مضيق جبل طارق ليتاح له الدخول إلى الأسواق الداخلية للاتحاد الأوروبي عقب تصويت البريطانيين لصالح الخروج عن الاتحاد. وقال مارغايو "نحتاج إلى نوع من العلاقة التي تسمح لجبل طارق بدخول السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي". وأضاف أن "صيغتنا (...) هي سيادة مشتركة بريطانيا إسبانية تفضي إلى إعادة جبل طارق" الجيب البريطاني الواقع في جنوب إسبانيا.
وتعد منطقة جبل طارق التي تقع على مشارف أفريقيا غير المستقرة سياسيا وعلى طريق الشرق الأوسط وتسبب توترا بين مدريد ولندن، قاعدة استراتيجية مجهزة بمنشآت عسكرية واستخباراتية أساسية بالنسبة للبريطانيين. وتثير المنطقة التي حصل عليها البريطانيون سنة 1713 بناء على معاهدة أوتريشت ولا تتجاوز مساحتها سبعة كيلومترات مربعة ويسكنها ثلاثون ألف نسمة، توترا مزمنا بين المملكة المتحدة وإسبانيا التي تطالب بالسيادة عليها.
اضف تعليق