قضية إعادة نشر الرسوم المسيئة لا تزال تتفاعل بقوة، في وسائل الإعلام التي تقوم بها بعض الجهات والمؤسسات الإعلامية، في سبيل استهداف بعض الديانات والشخصيات والمقدسات ومنها استهداف شخصية الرسول العظيم محمد (ص)، التي أثارت موجة من انتقادات وردود أفعال غاضبة، تباينت مابين العنف المفرط والاستنكارات الخجولة في مختلف دول العالم كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على أن هذه القضية الحساسة قد خلقت جدلا واسعاً بخصوص حقوق حرية الرأي والتعبير وواجب احترام المعتقدات الدينية التي كفلتها القوانين الدولية.
وهو ما انتقده الكثير من المراقبين الذين أكدوا على أن السلطات الفرنسية تتبع سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع مسألة حرية التعبير ففي الوقت الذي تدعم فيه تجاوزات" شارلي إيبدو" ضد المسلمين ورموزهم تقف بشكل حازم ضد استخدام من ينتقد مثل هكذا سياسة استفزازية واتهامه بالتحريض على خلق الفتن ودعم الإرهاب، ومن الجدير بالذكر أن القانون الفرنسي يمنع أي كتابة أو حديث علني، يؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية.
ويمنع أيضا تكذيب (جرائم الإبادة الجماعية ضد اليهود من قبل النازيين)، ويمنع أيضا نشر أفكار الكراهية بسبب الميول الجنسية لفرد. وقد أتهم القضاء الفرنسي المفكر الفرنسي رجاء جارودي وكذلك الكاتب الصحفي إبراهيم نافع بتهمة معاداة السامية حسب قانون جيسو. وفي 10 مارس 2005 منع قاضي فرنسي لوحة دعائية مأخوذة من فكرة لوحة العشاء الأخير للرسام ليوناردو دافينشي.
حيث تم تصميم اللوحات الدعائية لبيت فيغباود لتصميم الملابس وأمر بإزالة جميع اللوحات الإعلانية خلال 3 أيام. حيث أعلن القاضي بأن اللوحات الدعائية مسيئة للرومان الكاثوليك. وعلى الرغم من تمسك محامي قيغبادو بأن منع الإعلانات هو نوع من الرقابة وقمع لحرية التعبير، إلا أن القاضي اقر بأن الإعلان كان تدخل مشين وعدواني بمعتقدات الناس الخاصة. وحكم بأن محتوى الإساءة إلى الكاثوليك أكثر من الهدف التجاري المقدم، وهو ما سعت إليه" شارلي إيبدو" بعد الهجوم عليها خصوصا وإنها قد استغلت تعاطف الكثير معها، في سبيل تحقيق أضخم صفقة مالية في تاريخ الصحيفة مكنتها من العودة الى الحياة بعد ان كانت على وشك الإفلاس.
هذا التوجه العدائي تجاه المسلمين ورموزهم وكما يقول بعض المراقبين، سوف يستمر خصوصا مع تنامي التطرف في معسكر اليمين المتطرف، يضاف ذلك الصمت الحكومي والدولي الكبير والاستنكار الخجول للحكومات العربية والإسلامية المجاملة، عن مثل هكذا تجاوزات خطيرة ضد الإسلام والمسلمين، حيث يرى البعض ان على هذه الحكومات ان تتخذ قرارات وتحركات ودبلوماسية حازمة ضد فرنسا وغيرها من الدول الأخرى التي تشجع على الإرهاب الفكري بأشكاله المتعددة، والذي يعد احد الأسلحة الخطيرة ، التي قد تقود الى استخدام العنف وإلحاق الضرر بالأخر، خصوصا مع وجود أطراف وجماعات عالمية مشددة مدعومة تسعى إلى تحقيق أجندات إجرامية خاصة.
اصرار على الاستفزاز
وفي هذا الشأن فقد نفدت نسخ أول عدد لصحيفة شارلي إبدو منذ الهجوم الذي تعرضت له خلال دقائق من توزيعها على أكشاك الصحف وقد تصدر الغلاف رسم كاريكاتوري للنبي محمد وصفه المدافعون عن الصحيفة بأنه فن لكن المنتقدين اعتبروه استفزازا جديدا. واصطف القراء الفرنسيون منذ الفجر في طوابير لشراء النسخ رغم أن فرع تنظيم القاعدة في اليمن أعلن المسؤولية عن الهجوم قائلا انه رد على ما اعتبره اهانات من الصحيفة الاسبوعية للنبي محمد.
ودعا رجال دين مسلمون في الشرق الأوسط كانوا قد نددوا بالهجوم على شارلي إبدو الى الهدوء وإن كانوا انتقدوا قرار الصحيفة بنشر رسم جديد للنبي. وزار الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند حاملة الطائرات شارل ديجول في البحر المتوسط وقال انه مستعد لدعم العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق "بالتعاون الوثيق مع قوات التحالف".
وقالت وزارة الداخلية ان أكثر من 50 قضية لأشخاص يعبرون عن دعمهم للإرهاب سجلت منذ الهجوم على مكتب شارلي إبدو في باريس وما ترتب على ذلك من أعمال قتل سقطت فيها شرطية وأربعة أشخاص في متجر لبيع الاطعمة اليهودية. وطبعت الصحيفة ما يصل إلى ثلاثة ملايين نسخة من العدد الذي أطلق عليه "عدد الناجين" مقارنة بستين ألف نسخة عادة ومع ذلك نفدت النسخ سريعا من عدد كبير من أكشاك البيع.
ونشرت الصحيفة على غلافها رسما للنبي محمد تسيل دمعة على خده بينما يحمل لافتة كتب عليها (أنا شارلي). ونشر الرسم تحت عنوان (غُفر كل شيء). وداخل العدد يوجد رسم لجهاديين يقولون "يجب ألا نمس العاملين في شارلي ... وإلا فانهم سيبدون مثل شهداء وبمجرد ان يصبحوا في السماء فان هؤلاء الاوغاد سيسرقون العذارى منا." وأكد العدد الاخير المفارقة بشأن كيفية احياء ذكرى الضحايا في كاتدرائية نوتردام في باريس.
وجاء في مقال افتتاحي بالصحيفة التي ظهرت من حركة للثقافة المضادة في عام 1968 والتي تسخر منذ فترة طويلة من كل الاديان وأعمدة مؤسسة الدولة ان "أكثر ما يضحكنا هو أجراس كاتدرائية نوتردام التي دقت تكريما لنا". وقال ديفيد سولو وهو يقف بنهاية طابور من نحو 25 شخصا أمام كشك في وسط باريس "لم أشترها من قبل. فهي لا تعبر عن اتجاهي السياسي ولكن من المهم بالنسبة لي أن أشتريها اليوم لدعم حرية التعبير." وغادر رئيس الوزراء مانويل فالس الذي كان نفسه هدفا باستمرار لرسوم الكاريكاتير بالصحيفة اجتماعا للحكومة وهو يضع نسخة تحت ذراعه.
القاعدة تتبنى التفجير
وفي شريط فيديو وضع على يوتيوب قال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ان قيادته أمرت بهجوم على شارلي إبدو. وقال نصر بن علي الأنسي المقاتل بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في التسجيل "أما عن غزوة باريس المباركة فإننا في تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب نتبنى هذه العملية ثأرا لنبينا." وقال الأنسي "نوضح للأمة أن الذى اختار الهدف ورسم الخطة ومول العملية وانتدب قائدها هم قيادة تنظيم القاعدة استجابة لأمر الله ونصرة لرسول الله ثم تنفيذا لأمر أميرنا العام الشيخ أيمن بن محمد الظواهري وتنفيذا لوصية الشيخ أسامة بن لادن."
وقتلت الشرطة في مداهمات لاحقة الشقيقين اللذين هاجما شارلي ابدو ومسلحا ثالثا قتل الشرطية والرهائن في متجر للأطعمة اليهودية. واشاد المدافعون بغلاف الصحيفة لتمسكها بروح السخرية التي اشتهرت بها وأكدوا حقها في حرية التعبير مع تعبيرهم عن نبرة حزن ورسالة سلمية. ووصف جوناثان جونز وهو ناقد فني بصحيفة جارديان البريطانية الغلاف بأنه "عمل فني يؤكد الحياة". وقالت صحيفة لو سوار البلجيكية "أشخاص يتسمون بروح الدعابة قتلوا لكونهم يتسمون بالمرح. هذا الغلاف الجديد هو الرد الوحيد الممكن - رد يجعلك تضحك." وأضافت الصحيفة "عدم نشر هذه الطبعة كان سيصبح مثل وفاة ثانية للضحايا." وأعادت عدة صحف ألمانية نشر الغلاف الجديد.
من جانب اخر قل لوران (42 عاما) الذي كان يقف في طابور "من المهم أن أشتريها وأبدي تضامني. لا تكفي المشاركة في مسيرة" مضيفا أنه غير متأكد إن كان سيمكنه أن يشتري نسخة لأنه لم يحجز عددا. وعلى مقربة عند محطة مترو جول جوفران في شمال باريس قالت بائعة صحف إن الناس كانوا مصطفين أمام متجرها عندما فتحت الساعة السادسة صباحا بالتوقيت المحلي. وقالت "كان لدي عشر نسخ وبعتها على الفور." وقال صاحب متجر لبيع الصحف في محطة جار دو نور إنه فتح الساعة الخامسة والربع صباحا بدلا من موعده المعتاد في السادسة صباحا وإنه باع كل نسخ الصحيفة والبالغ عددها 200 نسخة في أقل من ربع الساعة.
وشارك 3.7 مليون شخص على الأقل في مسيرة نظمت في باريس لتأبين ضحايا الهجمات. وقالت ماري هارف نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في إفادة صحفية "ندعم بالتأكيد حق شارلي إبدو في نشر مثل هذه الأشياء. ونقول مرة أخرى هذا ما يحدث في دولة ديمقراطية."
شارلي ايبدو والحرية
الى جانب ذلك دافع رئيس تحرير شارلي ايبدو جيرار بيار في مقابلة بثت مقاطع منها عن الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد التي نشرتها الصحيفة الاسبوعية الساخرة، مؤكدا انها تساهم في الدفاع عن "حرية الديانة". وقال بيار حسب الترجمة الفورية لتصريحاته في مقابلة مع شبكة التلفزيون الاميركية ان بي سي "في كل مرة نرسم محمد وفي كل مرة نرسم انبياء ونرسم الله ندافع عن حرية الديانة". وذكرت الشبكة الاميركية ان المقابلة هي الاولى التي تجريها قناة اميركية مع رئيس تحرير "شارلي ايبدو" منذ الاعتداء الذي استهدف الصحيفة في السابع من كانون الثاني/يناير. بحسب فرانس برس.
وقال بيار "ننحن نقول ان الله يجب الا يكون وجها سياسيا او عاما بل وجها خاصا ونحن ندافع عن حرية الديانة". واضاف ان "الامر يتعلق بالتأكيد بحرية التعبير لكنها حرية الديانة ايضا"، معتبرا ان "الديانة يجب الا تشكل ذريعة سياسية". وكان رئيس تحرير الصحيفة يرد على سؤال عن رأيه في تصريحات البابا فرنسيس في هذا الشأن. ودان البابا الذين يقتلون باسم الله مؤكدا ان هناك حدودا لحرية التعبير ولا يمكن شتم الديانات او السخرية منها.
في السياق ذاته نشرت وسائل إعلام عديدة في العالم على سبيل التضامن الصفحة الاولى لعدد شارلي ايبدو الجديد التي تضمنت من جديد رسما للنبي محمد، وهو ما اعتبرته دار الافتاء المصرية "استفزازا" بعد الهجوم الارهابي على المجلة الساخرة. وفي الخارج اثار هذا العدد استياء دار الافتاء المصرية التي "حذرت" من نشر هذا الرسم ورأت فيه "استفزازا غير مبرر لمشاعر مليار ونصف مسلم عبر العالم يكنون الحب والاحترام للنبي". وقال ابراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية المصرية ان بلاده تدين العنف وتحترم حرية الرأي وان على الطرف الاخر ان يفهم اننا نحب النبي محمد.
هذا العدد الجديد الذي سيترجم الى عدة لغات منها العربية والتركية وتطبع منه ثلاثة ملايين نسخة مقابل 60 الفا عادة، يشمل 16 صفحة من المقالات التي تكرم ضحايا الهجوم على شارلي ايبدو والرسوم التي يسخر الكثير منها من الجهاديين. وكتبت صحيفة لو جورنال دو نيغوثيوس البرتغالية "بسبب رسم كاريكاتوري عن النبي محمد قتلوا وبسبب رسم كاريكاتوري عن النبي محمد سيعودون الى الحياة". الصفحة الاولى لهذا العدد التي نقلتها صحف في مختلف انحاء العالم، لم تظهر في المقابل في وسائل اعلام الدول الاسلامية حيث ان الاسلام يحظر تصوير الانبياء. وسائل الاعلام التي قررت نشر هذا الرسم توضح انها اتخذته بعد تفكير وتروي.
وقال دانيال سانكي رئيس تحرير موقع "نيوز دوت كوم" الاسترالي "من جهة فان نشر هذه الصفحة الاولى قد يشعر عدد من قرائنا بالاهانة، من جهة اخرى اذا لم ننشرها فاننا سنغضب عددا اكبر من قرائنا الذين يريدون ان نتخذ موقفا ضد ما مثلته هذه الهجمات في فرنسا". وفي معظم الدول الاوروبية نشرت الصحف والمواقع الالكترونية هذا الرسم الكاريكاتوري. وفي بريطانيا كانت صحيفة ذي اندبندنت الوحيدة بين الصحف الكبرى التي نشرته في نسختها غير الالكترونية.
سياسيون لتأجيج الفتن
اما ذي غارديان فنشرته على موقعها الالكتروني مؤكدة ان "كاتب الافتتاحيات الناجي في المجلة الساخرة الفرنسية اكد ان هذا الرسم يمثل دعوة للصفح عن الارهابيين الذين قتلوا زملاءه ". اما صحيفة الديلي تلغراف فقد شطبت صورة النبي محمد من الرسم الكاريكاتوري. من جهته دافع نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ عن الرسم الذي يتصدر هذا العدد معتبرا انه يندرج في اطار "معركة ايديولوجية" من اجل مجتمع حر.
وفي الدنمارك نشرت الصفحة الاولى لعدد شارلي ايبدو الجديد على مواقع عدة صحف منها برلينغسكي وبوليتيكن وانفورميشن واكسترا بلات فيما امتنعت صحيفة يلاندز بوستن عن ذلك. ورفضت هذه الصحيفة نشر رسوم شارلي ايبدو منذ التهديدات التي تلقتها بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد في 2005.
وفي روسيا وحدها صحيفة كومرسنت نشرت هذا الرسم على موقعها الالكتروني. وفي تركيا اكتفت الصحف بوصف العدد الجديد لشارلي ايبدو لكن دون ان تنشره. وفي ايران اعتبر موقع تابناك الاعلامي المحافظ ان شارلي ايبدو "تسيء مجددا الى النبي". وكتب الموقع ان "موجة الاهانات للرموز المقدسة لدى الاسلام التي لعبت هذه المجلة دورا كبيرا فيها في الماضي تزداد في الغرب كما تزداد كراهية الاسلام". وفي فرنسا نشرت صحيفة لو موند على صفحتها الاولى رسما كاريكاتوريا لللرسام الشهير بلانتو يظهر فيه كاردينال وامام وحاخام يضحكون وهم يقراون العدد الجديد من شارلي ايبدو.
الى جانب ذلك نشرت صحيفة "جمهورييت" التركية في ملحق داخلي، أربع صفحات من أول عدد لصحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة بعد الاعتداء على ومارست السلطات الإسلامية المحافظة رقابة شديدة على صدور هذا الملحق الداخلي. وهذه الصفحات الأربع، المترجمة إلى التركية والموزعة في ملحق في وسط الصحيفة، تنقل أبرز المقالات والرسوم الصادرة في "شارلي إيبدو" بما فيها الصفحة الأولى وعليها رسم جديد للنبي محمد وإنما في داخل الملحق.
ومارست السلطات الإسلامية المحافظة التركية رقابة شديدة على صدور هذا الملحق الداخلي. وأعلنت "جمهورييت" على موقعها الإلكتروني أن الشرطة داهمت ليلا مركز توزيعها في اسطنبول، وتفحصت مضمون الصحيفة واتصلت بنائب عام قبل السماح بتوزيعها. وكان من المقرر أساسا أن توزع الصحيفة العدد الكامل من "شارلي إيبدو"، غير أن إدارتها قررت بعد مناقشة المسألة الاكتفاء بأربع صفحات تختزل أبرز ما في الصحيفة الفرنسية. بحسب فرانس برس.
و"جمهورييت" أسسها عام 1924 أحد المقربين من مؤسس تركيا الحديثة والعلمانية مصطفى كمال أتاتورك، وهي معارضة بشدة لنظام الرئيس رجب طيب أردوغان وواجهت خلال السنوات الماضية العديد من المحاكمات والهجمات. ونشرت الشرطة قوات أمنية مكثفة أمام الصحيفة في أنقرة خشية حصول تظاهرات.
من جانب اخر اعلنت "لوكانار انشينيه"، اكبر صحيفة ساخرة في فرنسا، انها تلقت غداة الهجوم الدامي على شارلي ايبدو تهديدات تحذرها بان "الدور عليكم"، ما ادى الى تشديد اجراءات المراقبة حول الصحيفة وفتح تحقيق في الامر. واوضحت الصحيفة انها تلقت رسالة تقول "الدور عليكم" وان الصحافيين سيقطعون اربا ب"الفأس".
واضافت "نظرا للسياق العام" فانه "تم تشديد المراقبة" وجرى فتح تحقيق قضائي. وذكرت الصحيفة انها تلقت هذه التهديدات عبر البريد الالكتروني. وفي عدد عنونت لو كانار انشينيه صفحتها الاولى "رسالة كابو (ابرز الرسامين الذين قتلوا): هيا يا رفاق لا تتركوا انفسكم تقتلون". ويقول شعار الصحيفة الدائم "حرية الصحافة لا تسلب الا عندما لا نستخدمها".
هل تكفي الإدانة؟
على صعيد متصل دعا الأزهر المسلمين الى "تجاهل" الرسوم الاخيرة التي تصور النبي محمد في نسخة صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة. واكدت المؤسسة الدينية السنية التي تتخذ مقرا في مصر في بيان انها تدعو "جميع المسلمين إلى تجاهل هذا العبث الكريه". واضاف الازهر ان "مقام نبي الرحمة والإنسانية (ص)أعظم وأسمى من أن تنال منه رسوم منفلتة من كل القيود الأخلاقية والضوابط الحضارية".
وأصدر الأزهر بيانا حذر فيه من أن نشر صحيفة "شارلي إيبدو" رسوما كاريكاتورية جديدة مسيئة للنبي محمد "سيؤجج مشاعر الكراهية". وقال مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر من مقره في القاهرة إن تلك الرسوم "ستؤجج مشاعر الكراهية وترسخ ثقافة الكراهية ولا تخدم التعايش السلمي بين الشعوب وتحول دون اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية أو الغربية".
وكان الأزهر من أول من أدانوا هجوم مسلحين إسلاميين على مكاتب "شارلي إيبدو" وحذرت دار الإفتاء المصرية من "إقدام شارلي إيبدو على نشر عدد جديد مسيء للنبي" محمد ردا على الهجمات التي تعرضت لها. وأكدت دار الإفتاء في بيان أن "إقدام المجلة المسيئة على هذا الفعل هو استفزاز غير مبرر لمشاعر مليار ونصف مسلم عبر العالم يكنون الحب والاحترام للنبي". وقالت دار الإفتاء المصرية إن "هذا العدد سيتسبب في موجة جديدة من الكراهية في المجتمع الفرنسي والغربي بشكل عام، كما أن ما تقوم به المجلة لا يخدم التعايش وحوار الحضارات الذي يسعى المسلمون إليه".
من جانبه قال الشيخ محمد حسين المفتي العام للقدس والديار المقدسة إن إعادة نشر رسوم مسيئة للنبي محمد "تؤجج مشاعر الحقد والبغضاء والكراهية بين الناس". وأضاف المفتي في بيان إن إعادة نشر هذه الرسوم "دلالة واضحة على التحدي المتعمد لمشاعر المسلمين والاستهتار بها... هذه الإساءة تمس مشاعر ما يقارب ملياري مسلم في العالم كونها تخص شخص نبيهم الكريم."
ورفض المفتي تبرير نشر الرسوم "بحجة تقديس حرية الرأي والتعبير.. فالحرية والديمقرطية تتناقضان مع انتهاك حقوق الآخرين والاعتداء على مقدساتهم." وقال المفتي في بيانه إنه في الوقت الذين يدين فيه نشر هذه الرسوم المسيئة فإنه يشجب وبشدة "الاعتداء على الأبرياء من الناس ويستنكر الإرهاب الظالم والآثم بكل أشكاله وصوره كافة." وأضاف "فالإسلام ينبذ ممارسة العنف ضد الأبرياء سواء من المسلمين أو غيرهم ويرفض استباحة دماء الناس بغير حق ودون ضوابط مشروعة. والغاية لا تبرر الوسيلة."
وطالب المفتي في بيانه "الامم المتحدة بإقرار قانون يقضي بمنع التطاول على الديانات ورموزها." وقال عزت الرشق القيادي في حركة حماس على صفحته على الفيسبوك "استغلت شارلي إبدو الموقف المتضامن من بعض القادة والمسؤولين العرب لتواصل نهجها المسيء للرسول دون أن تجد موقفا صريحا وجادا ضد تماديها." وأضاف "ندين بشدة الفعل المشين والمتحدي لمشاعر المسلمين في العالم الذي قامت به صحيفة شارلي إبدو من خلال إعادة نشرها صورا مسيئة للرسول الكريم." بحسب فرانس برس.
على صعيد متصل دانت تركيا نشر رسوم للنبي محمد ووصفتها بانها "استفزاز علني"، محذرة من انها لن تتساهل مع اهانة النبي محمد وسط جدل اعقب نشر صحيفة شارلي ايبدو عددا يحتوي على رسوم جديدة. وندد رئيس الوزراء التركي الاسلامي المحافظ احمد داود اوغلو بنشر تلك الرسوم معتبرا ان حرية التعبير لا تعني "حرية الاساءة".
وصرح داود اوغلو للصحافة في انقرة قبل ان يتوجه الى بروكسل ان "نشر هذا الرسم الكاريكاتوري استفزاز خطير (...) وحرية الصحافة لا تعني حرية الاهانة". وتاتي تصريحاته بعد ان اعادت صحيفة جمهورييت التركية اليومية ومواقع الكترونية تركية الصفحة الاولى للعدد الاول الصادر عن شارلي ايبدو بعد الهجوم على مكاتبها. وجدد اصدار العدد الجدل حول حرية التعبير في تركيا التي من المفترض انها علمانية رسميا والتي تحكمها منذ اكثر من عقد حكومة ذات ميول اسلامية على راسها المتدين رجب طيب اردوغان الذي كان رئيسا للوزراء واصبح رئيسا للبلاد.
وقال داود اوغلو "لا يمكننا القبول بالاساءة الى النبي (...) كحكومة لا نستطيع ان نعتبر الاهانة حرية تعبير". وقال ان "الناس لديهم حساسية تجاه ديانتهم في تركيا التي يدين غالبية سكانها بالاسلام، ولا يمكن ان يتوقع منا ان نصبر على اهانة النبي". واضاف "اذا نشر شخص رسوما كاريكاتورية تهين النبي -- وهذا ما حدث وهناك حساسية تجاه ذلك في تركيا -- فان ذلك يعد استفزازا صريحا".
واكد ان تركيا دانت بشدة هجمات باريس الا انها ستقاتل بنفس القوة ضد اية اهانة للنبي. واضاف "نحن مصممون على حماية شرف النبي بنفس الطريقة التي اكدنا فيها موقفنا ضد الارهاب في باريس .. ومن غير الصواب ربط هذا بحرية الصحافة". وامرت محكمة تركية بحجب مواقع الانترنت التي تعيد نشر رسم النبي محمد المنشور على الصفحة الاولى لصحيفة شارلي ايبدو، وفق وكالة انباء الاناضول.
وتسبب عدد شارلي ايبدو الجديد بالجدل في العالم الاسلامي واثار مخاوف من تكرار الاحتجاجات العنيفة التي جرت في 2006 بسبب نشر الصحيفة الدنماركية يولاندس بوستن رسوما تسخر من النبي. وتجمع عشرات المسلمين للاحتجاج على الصحيفة في اسطنبول، وحملوا شعارات "يا نبينا الحبيب لا تغضب، المسلمون معك"، و"يا صحيفة جمهورييت ستحاسبي".
استطلاع خاص
من جانب أخر كشف استطلاع للرأي في فرنسا، أجراه معهد "إيفوب" ونشرت نتائجه صحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، أن 40 بالمئة من الفرنسيين يؤيدون عدم نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد كما أن 50 بالمئة مع الحد من حرية التعبير عبر الإنترنت. وقد تضمن في إحدى فقراته سؤالا عن الموقف من فكرة أن "بعض المسلمين يشعرون بأنهم جرحوا أو أعتدي عليهم عندما تنشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد"، فكانت النتيجة أن 57% من المستطلعين أجابوا أنه "يجب عدم الالتفات إلى ردود الفعل هذه والاستمرار في نشر هذا النوع من الرسوم الكاريكاتورية"، بينما أجاب 42% أنه "يجب أن تؤخذ ردود الفعل هذه بعين الاعتبار ويجب التوقف عن نشر هذا النوع من الرسوم الكاريكاتورية"، في حين قال 1% من المستطلعين إن لا رأي له في هذا الموضوع.
وردا على سؤال آخر عن الموقف من حرية التعبير على الإنترنت قال 50% من المستطلعين إنهم يؤيدون "الحد من حرية التعبير على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي"، بينما قال 49% منهم أنهم يرفضون ذلك، في حين قال 1 بالمئة إن لا رأي لهم في الموضوع. كذلك، أظهر الاستطلاع أن 81% من الفرنسيين يؤيدون "سحب الجنسية الفرنسية من المواطنين المزدوجي الجنسية الذين يدانون بارتكاب أفعال إرهابية على الأراضي الفرنسية". بحسب فرانس برس.
وفي موضوع الجهاديين الفرنسيين الذين يقاتلون في الخارج قال 68% من المستطلعين إنهم يؤيدون أن "يمنع من العودة إلى فرنسا المواطنون الفرنسيون الذين يشتبه في أنهم ذهبوا للقتال في دول أو مناطق تسيطر عليها جماعات إرهابية". من ناحية ثانية قال 57 بالمئة من المستطلعين إنهم لا يؤيدون "تدخلات عسكرية فرنسية أخرى في سوريا أو اليمن أو ليبيا"، بينما قال 63 بالمئة منهم إنهم لا يؤيدون "تكثيف العمليات العسكرية الفرنسية في العراق."
اضف تعليق