هدنة سوريا التي لم يتوقع ان يمتد عمرها الى هذه الايام تتهاوى على وقع السابق للسيطرة على مدينة حلب، فالسيطرة على هذه المدينة من قل أي طرف قد تمثل مرحلة فاصلة في الصراع على الأرض السورية، وهو ما يعكسه تسابق الجميع للاستحواذ عليها من قبل الجيش السوري وحلفاؤه من جهة والفصائل المسلحة وعلى رأسها جبهة النصرة الإرهابية من جهة أخرى.
بحسب المحللين ان معركة حلب تشكل سباق محموم لاعادة رسم الخارطة الميدانية في سوريا من حلب شمالا الى دمشق والغوطة جنوبا؛ سباق يزيد من تعقيد الخارطة الميدانية ويكشف طبيعة الحرب ومحدودية قدرات القوى المنخرطة فيها، "معركة حلب المقبلة ستكون مصيرية وحاسمة بالنسبة لمستقبل سوريا والمنطقة كلها، وهو ما يجعلها تشبه، من حيث القيمة، معركة ستالينغراد الاسطورية"، كتب ذلك المحلل السياسي الروسي فلاديمير لبيخين وذكر أنها يمكن أن تغير الوضع الجيوسياسي في المنطقة وفي العالم.
فيما تسأل بعض المحللين هل تهيئ معركة حلب لرسم الخريطة السورية؟، وكانت الاجابة لا يبدو أن معركة حلب التي يرتفع صوت طبولها؛ سيكون شأنها شأن غيرها من المعارك التي خاضتها المعارضة السورية مع قوات النظام في أكثر من محافظة في سوريا، بالنظر إلى حجم المعركة الجديدة، وحدة القصف الذي تتعرض له المدينة، من قبل طيران النظام السوري، في الوقت الحالي.
من جهته مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين قال إن تصاعد وتيرة العنف في سوريا حيث تهاوى اتفاق هدنة هش وانهارت محادثات السلام قد يؤدي إلى مستويات جديدة من الرعب وإن كل الأطراف أبدت "استخفافا شنيعا" بحياة المدنيين. وحث زيد في بيان كل الأطراف على التراجع عن العودة إلى الحرب الشاملة وقال "كان وقف الأعمال القتالية ومحادثات السلام أفضل سبيل وإذا تم التخلي عنهما الآن فأخشى مجرد التفكير في مدى الرعب الذي سنشهده في سوريا.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أعمال العنف خلال الأسبوع الماضي أسفرت عن مقتل 202 مدني في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة في حلب.
وأعلنت اطراف النزاع في سوريا عن هدنة محلية قصيرة الأجل قرب دمشق وفي محافظة اللاذقية يوم الجمعة لكنها تجاهلت وقف القتال في ساحة المعارك الرئيسية في حلب بعد تصاعد وتيرة الاشتباكات التي قالت الأمم المتحدة إنها تعكس "استخفافا شنيعا" بحياة المدنيين. وأوضح الجيش السوري في بيان إن "نظام التهدئة يشمل مناطق الغوطة الشرقية ودمشق لمدة 24 ساعة ومناطق ريف اللاذقية الشمالي لمدة 72 ساعة." لكن باستثناء حلب التي تشهد أسوأ أعمال عنف في الفترة الأخيرة فإن من المستبعد أن تحيي التهدئة المحدودة وقف إطلاق النار ومحادثات السلام التي انهارت قبل أيام. إذ عقد اتفاق سابق منذ فبراير شباط.
وقال مصدر عسكري سوري "نظام التهدئة لا يشمل حلب لأن في حلب هناك إرهابيون لم يتوقفوا عن ضرب المدينة والسكان." ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن الضابط المسؤول عن مركز المراقبة الروسي لوقف إطلاق النار قوله إن التهدئة الجديدة تعني توقف كل الأنشطة العسكرية في المناطق المشمولة بها.
الولايات المتحدة قالت إنها تجري مناقشات مع روسيا لإحياء اتفاق وقف القتال وتسعى لوقف المعارك في اللاذقية والغوطة الشرقية كاختبار قبل محاولة توسيع وقف إطلاق النار في أنحاء البلاد. وقال مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مشيرا إلى وقف القتال في اللاذقية والغوطة الشرقية "نحن على اتصال بالمعارضة ونتوقع أن يلتزموا به." وردا على سؤال عن سبب عدم محاولة الولايات المتحدة وقف القتال في حلب قال تونر "من ناحية هو اعتراف بمدى تعقيد الوضع والقتال في المنطقة ينذر فعلا بالخطر. نحتاج للبدء من مكان ما وسنبدأ باللاذقية والغوطة الشرقية."
ودعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في وقت متأخر إلى وقف فوري للهجمات وقالت إن أربع منشآت طبية على جانبي خطوط القتال في حلب تعرضت لأضرار بالغة. وقالت ماريان جاسر مديرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا في بيان "لا يمكن أن يكون هناك مبرر لأعمال العنف الكريهة هذه التي تستهدف عمدا المستشفيات والعيادات وهي أعمال محظورة وفقا للقانون الإنساني الدولي." وأضافت "المزيد من الناس يموتون باستمرار في هذه الهجمات. لم يعد هناك مكان آمن في حلب. حتى المستشفيات. من أجل الناس في حلب ندعو الجميع لوقف العنف العشوائي."
المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن الغارات الجوية وقصف الحكومة لمناطق خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في حلب أسفرت عن مقتل 142 مدنيا بينهم 21 طفلا خلال الأيام الثمانية الأخيرة. وأضاف أن 84 مدنيا بينهم 14 طفلا قتلوا في قصف شنه مقاتلو المعارضة المسلحة على مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة خلال نفس الفترة.
وقال التلفزيون السوري الرسمي إن عددا من الأشخاص قتلوا وأصيبوا واشتعلت النيران في مبنى نتيجة قصف لأحياء خاضعة للحكومة في حلب يوم الجمعة وشملت ضرب مسجد خلال خروج المصلين من صلاة الجمعة.
وعلى اثر دعوات المعارضة والولايات المتحدة لتوسيع وقف اطلاق النار رفضت روسيا هذا الامر معتبرة ان ما يجري في حلب هو جزء من مكافحة الإرهاب إذ قال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف "لن نمارس ضغوطا (على النظام السوري ليوقف ضرباته) لأنه ينبغي الفهم أن ما يحصل هنا هو مكافحة للتهديد الإرهابي". مشيرا إلى أن "الوضع في حلب يندرج في إطار هذه المكافحة للتهديد الإرهابي".
ولكن يبدو أن عددا من جماعات المعارضة المسلحة رفض "نظام التهدئة". إذ قال بيان أصدره عدد من الجماعات من بينها جيش الإسلام الذي يسيطر على مناطق شرقي دمشق "لن نقبل بأي حال من الأحوال بمبدأ التجزئة أو الهدن المناطقية." وأضاف إن هذه الجماعات ستعتبر أي هجوم علي أي منطقة يتواجد فيها أي فصيل من فصائلها بمثابة هجوم علي جميع المناطق وأن لها الحق في الرد في الزمان والوقت الذي تختاره.
وانتقد البيان الولايات المتحدة لعدم بذلها جهودا كافية لوقف القصف الحكومي. واتهم أنس العبدة رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض الحكومة بانتهاك اتفاق وقف الأعمال القتالية "يوميا". وأضاف أن المعارضة مستعدة لإحياء الاتفاق لكنها تحتفظ بحق الرد على الهجمات.
ومنذ سنوات انقسمت حلب التي كانت أكبر مدن سوريا قبل الحرب إلى مناطق خاضعة للمعارضة وأخرى للقوات الحكومية. وستكون السيطرة الكاملة عليها أكبر مكسب للرئيس السوري بشار الأسد الذي يسعى للسيطرة على البلاد منذ اندلاع الحرب قبل خمسة أعوام التي قال الوسيط الدولي ستافان دي ميستورا إنها أودت بحياة ما يصل إلى 400 ألف شخص. ومنذ انضمام روسيا إلى الحرب العام الماضي بضربات جوية ضد جماعات المعارضة تحولت دفة القتال لصالح الرئيس السوري. ولا يزال مئات الآلاف يعيشون في مناطق خاضعة للمعارضة في حلب وريفها الشمالي ويشمل ذلك القطاع الوحيد من الحدود السورية التركية الواقع تحت سيطرة جماعات عربية سنية معارضة للأسد.
في الختام يرى المحللون ان ما يجري في سوريا معارك في كل مكان لاعلاقة لها بهدف استراتيجي او تفاهمات دولية واقليمية بل امتداد لصراع داخلي بات اكثر ارتباطا بالحفاظ على الوجود والتشرذم التي تعاني منها كافة المعسكرات المتناحرة ؛ معارك لن تحسم المعركة ولن تفضي الى شئ في مفاوضات جنيف؛ بل تؤكد ان الصراع سيمتد اعواما طويلة ليستنزف المزيد من القوى الاقليمية والدولية في مقابل جهود لن تتوقف من القوى المتصارعة للدفاع عن مبررات وجودها في الساحة لدى الشعب السوري والقوى الاقليمية.
اضف تعليق