شهدت الساحة المصرية مؤخرا تطورات مهمة وحساسة اهمها قرار تنازل الحكومة المصرية عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر الى المملكة العربية السعودية، الامر الذي اثار العديد من ردود الافعال الغاضبة كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا ان الشارع المصري فوجئ بقرار رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، أثناء استقبالهما للعاهل السعودي بإعلان الحكومة عن توقيع 16 اتفاقًا، بينهم اتفاق إعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وأصدر مجلس الوزراء المصري بيانًا، اعتبر أن التوقيع على اتفاق تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية يعد إنجازًا مهمًا من شأنه أن يمكن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما.
وأوضح البيان، أن اتفاق ترسيم الحدود أسفر عن وقوع جزيرتي تيران وصنافير داخل المياه الإقليمية السعودية، وتقع جزيرة تيران، في مدخل مضيق تيران، الذى يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد 6 كم عن ساحل سيناء الشرقى، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كم²، أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالى 33 كم .
هذا القرار أثار حملة انتقادات لمعارضين مصريين أعلنوا رفضهم للاتفاق الذي عده البعض خيانة كبيرة من قبل السيسي، الذي يسعى الى احكام سيطرة المطلقة على جميع مفاصل الدولة من خلال استعطاف المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الغنية، كما ان هذا القرار ايضا ربما سيسهم بإثارة مشاكل وازمات كبيرة مع دول الجوار الاخرى، خصوصا مع وجود خلافات سابقة بشأن ترسيم الحدود وحق السيادة على بعض الجزر والمناطق المصرية. ورغم أن الحكومة المصرية قد وقعت تصديقا رسميا على ترسيم الحدود بشكل رسمي بين البلدين ، إلا ان أراء بعض السياسيين بأن تلك الإتفاقية غير ملزمة على الإطلاق طالما لم يتم التصديق عليها من جانب البرلمان مجلس الشعب المصري ، وفى حالة عدم الموافقة عليها من جانب مجلس الشعب تعتبر الاتفاقية لاغية غير ملزمة على الإطلاق.
حملة مصرية
في السياق ذاته أطلق سياسيون ونشطاء مصريون حملة لإسقاط اتفاقية وقعت بين مصر والسعودية تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير في مدخل خليج العقبة إلى المملكة. ووقع اتفاقية تعيين الحدود البحرية عن مصر رئيس الوزراء شريف إسماعيل وعن السعودية ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان خلال زيارة رسمية قام بها لمصر الملك سلمان بن عبد العزيز عاهل السعودية. وأطلق السياسيون والنشطاء على حملتهم إسم الحملة الشعبية لحماية الأرض (مصر مش للبيع).
ووقع بيان تأسيس الحملة أحزاب بينها حزب الدستور الذي أسسه السياسي البارز محمد البرادعي وحزب مصر القوية الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح ومنظمات شبابية وطلابية بالإضافة للسياسيين وبينهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي وعشرات النشطاء. وجاء في البيان الذي نشر في صفحة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي على فيسبوك بعنوان (نداء إلى الشعب المصري) "تعلن القوى الوطنية الموقعة على هذا النداء من حركات شبابية وطلابية وأحزاب ونقابات وشخصيات ومنظمات جماهيرية عن اتفاقهم على إطلاق حملة مصر مش للبيع."
وأضاف البيان أن إطلاق الحملة جاء "ردا على تنازل السلطة عن الجزر المصرية (جزيرتا تيران وصنافير)" وأن الموقعين على البيان يشددون على "رفض اتفاقية ترسيم الحدود و(رفض) التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية." وتابع أن الموقعين يرفضون "تصريحات رئيس الجمهورية التي تؤكد نفس المعنى. فالتنازل عن الجزر المصرية والمساس بسيادة البلاد وحدودها يعد تفريطا فيما لا يجوز التفريط فيه وتجاوزا لخط أحمر لا يمكن تجاوزه."
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد دافع عن الاتفاقية قائلا إنه استعان في قراره بوثائق سرية خاصة بوزارة الخارجية والمخابرات العامة والجيش لكنه لم يكشف عن أي منها. وقال المسؤولون المصريون إن السعودية طلبت من مصر تأمين الجزيرتين في 1950 بعد عامين من قيام إسرائيل وإن مصر تردهما إلى المملكة. وقال السيسي إن تنفيذ الاتفاقية مرهون بموافقة مجلس النواب. وقال بيان تأسيس حملة (مصر مش للبيع) إن الحملة ستمارس "الضغط على نواب البرلمان لمطالبتهم برفض الاتفاقية." بحسب رويترز.
وعبر كثير من المصريين عن رفضهم للاتفاقية ملمحين إلى أن نقل تبعية الجزيرتين سببه أن السعودية أغدقت على مصر بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في منتصف 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاما. وبعض موقعي بيان تأسيس الحملة الجديدة أيدوا السيسي في حملة أقصت جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي من الحكم.
احتجاجات وقمع
على صعيد متصل قال شهود عيان ومصادر أمنية إن قوات الأمن المصرية استخدمت الغاز المسيل للدموع وألقت القبض على العشرات لتفريق احتجاجات صغيرة ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي لتمنع بذلك ما توقعت جماعات معارضة أن يكون يوما من المظاهرات الحاشدة ضده. وفي وقت دعا بضعة آلاف من المصريين- الغاضبين من قرار الحكومة نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة إلى السعودية- إلى اسقاط الحكومة في أكبر احتجاجات منذ أن تولى السيسي السلطة في 2014.
وتحركت قوات الأمن المصرية سريعا للحيلولة دون تكرار نفس السيناريو حيث أغلقت طرقا بالقاهرة تؤدي إلى مكان رئيسي بوسط العاصمة دأب المتظاهرون على التجمع فيه وقال شاهد عيان إنها فرقت مسيرة في منطقة الدقي عند انطلاقها. واعتبر محتجون المسيرات مؤشرا على تزايد المعارضة.
وقالت الناشطة منى سيف "يوجد نوع مختلف من الزخم لم يكن له وجود في العامين الماضيين" مضيفة أن تفريق الاحتجاجات يذكر بالأيام الأولى لانتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. وتابعت تقول "كان الناس يلوحون لنا من الشرفات." وأظهرت لقطات فيديو وصور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق احتجاج صغير شارك فيه العشرات في حي امبابة. وهتف البعض قائلين "الشعب يريد إسقاط النظام" وهو شعار يعود إلى اتفاضة 2011. وحلقت طائرات وطائرات هليكوبتر في سماء القاهرة.
وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- وهي منظمة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان مقرها القاهرة- إن الشرطة ألقت في الأيام القليلة الماضية القبض على أكثر من 90 شخصا في ثماني محافظات. وقالت مصادر أمنية إن العشرات اعتقلوا في القاهرة وخارجها بينهم ستة في محافظة دمياط الساحلية بشمال البلاد و12 في مدينة المحلة الكبرى الصناعية بدلتا النيل. وقالت وزارة الداخلية إنه لا يمكنها إعطاء إحصاء فوري بعدد المحتجين المقبوض عليهم. بحسب رويترز.
وتزامنت الاحتجاجات مع عيد تحرير سيناء الذي تحتفل فيه البلاد بانسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء في 1982. واحتشد قرابة 2000 من أنصار السيسي للمشاركة في احتفالات رسمية بهذه المناسبة عند قصر عابدين ولوحت أسر بلافتات تزينها صورة السيسي وكتبت عليها عبارات تعبر عن الثقة في الرئيس المصري. وتأتي الاحتجاجات في وقت يواجه فيه السيسي انتقادات متزايدة بسبب موافقة الحكومة المصرية على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. ويقول مسؤولون سعوديون ومصريون إن الجزيرتين تابعتان للمملكة وإنهما كانتا فقط تحت السيطرة المصرية لأن الرياض طلبت من القاهرة في 1950 حمايتهما.
وبالنسبة لمواقفها "وإن اختلفت توجهاتها السياسية ومواقفها من النظام"، تعتبر "مظاهراتها سلمية وأنها ترفض التنازل عن الجزيرتين للسعودية باعتبارها جزر مصرية". وقال المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي "إن المشاركين في التظاهرات هم أشرف المدافعين عن الأرض والوطن"، مؤكدا أن "الجزر مصرية ". وبدأت السلطات في حملة اعتقالات "استباقية" استهدفت عددا من الأشخاص بينهم أحد أعضاء "حركة شباب 6 أبريل" شريف الروبي وأحد شباب "الاشتراكيين الثوريين". وتفيد بعض الأرقام أنه تم اعتقال نحو 400 شخص في الفترة الأخيرة.
تهديدات حكومية
من جانب اخر وعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار بمواجهة "حازمة" لاي محاولات "للخروج عن القانون"، و"المساس بمؤسسات الدولة"، عشية تظاهرات دعت اليها حركات شبابية ومجموعات يسارية. وقال السيسي "خلال ال 30 شهرا الماضية تمت اعادة بناء مؤسسات الدولة ولأول مرة يكون هناك دستور مستقر تم الاستفتاء عليه وهناك برلمان تم انتخابه بشكل حر ولدينا حكومة ومؤسسة رئاسة". واضاف "لا بد ان نحافظ على هذه المؤسسات لأنها تعني الدولة وبقاء هذه المؤسسات يعني بقاء الدولة المصرية".
وتابع "هناك من يدفع لمحاولة المساس بهذه المؤسسات" ولكننا "معا نستطيع ان نحافظ عليها وكل المحاولات التي تهدف للنيل منها لن تنجح لان هناك ثمنا كبيرا جدا دفعناه لنصل الى ما وصلنا اليه واعتقد اننا لن نسمح جميعا لأحد ان يمس مصر وامنها واستقرارها ومؤسساتها". وقال "اؤكد للشعب المصري ان مسؤوليتنا هي ان نحافظ على الامن والاستقرار ولا يتم ترويع الامنين مرة اخرى، هذه مسؤولية اجهزة الدولة والشرطة المدنية والقوات المسلحة".
والتظاهرات ممنوعة في مصر ما لم توافق عليها وزارة الداخلية بموجب قانون مثير للجدل صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2013. من جهتها، قالت وزارة الداخلية في بيان ان اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية وخلال اجتماع مع عددٍ من مساعديه والقيادات الأمنية "استعرض الموقف الأمني ومجمل المستجدات على الساحة المحلية والإستعدادات الأمنية ومدى جاهزية القوات لمواجهة أية إحتمالات للخروج عن القانون".
وأكد ان "أمن وإستقرار الوطن وسلامة مواطنيه خط أحمر لن يسمح بالإقتراب منه أو تجاوزه وأنه لا تهاون مع من يفكر في تعكير صفو الأمن"، مشددا على ان "أجهزة الأمن في إطار مسؤوليتها الدستورية والقانونية سوف تتصدى بمنتهى الحزم والحسم لأية أعمال يمكن أن تخل بالأمن العام، وسوف يتم التعامل بكل قوة مع أي محاولة للتعدي على المنشآت الحيوية والهامة أو الإضرار بالمنشآت والمرافق الشرطية". بحسب فرانس برس.
واضاف عبد الغفار ان "لا تهاون فى حق المواطنين للعيش فى وطن آمن مستقر، وسوف يتم تطبيق القانون على الجميع بكل حزم وحسم ولن يسمح بالخروج عنه تحت أي مسمى". وتتهم المنظمات الحقوقية الدولية ومن بينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش نظام الرئيس السيسي بقمع المعارضة وتدين حالات الاختفاء القسري والتعذيب. ومنذ ان اطاح السيسي، عندما كان وزيرا للدفاع، الرئيس الاسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، قتل مئات من المتظاهرين الموالين لمرسي في اشتباكات مع الجيش والشرطة كما تم توقيف وسجن العديد من الناشطين والمعارضين العلمانيين والليبراليين.
السودان تطالب
الى جانب ذلك اعلنت الحكومة السودانية انها ستواصل المطالبة بسيادتها على منطقة حلايب وشلاتين الحدودية مع مصر عقب تخلي القاهرة عن سيادتها على جزيرتين في البحر الاحمر الى السعودية. وقال وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور امام المجلس الوطني (البرلمان ) "لن نتخلى عن حقوق سيادتنا على مثلث حلايب. اتخذنا الاجراءات القانونية والسياسية بما يحفظ حقوقنا". وتحتج الخرطوم من وقت لاخر على ادارة مصر لمنطقتي حلايب وشلاتين الواقعتان على البحر الاحمر، ويؤكد السودان انهما تحت سيادته منذ استقلاله عام 1956.
ومنذ مطلع نيسان/ابريل الماضي ارتفع صوت السودان مطالبا باعادة حلايب وشلاتين اثر تخلي مصر عن جزيرتين الى السعودية. واكد غندور ان الخرطوم تريد الحصول على نسخة من الاتفاقية المصرية السعودية التي بموجبها تخلت مصر عن جزيرتي صنافير وتيران الى السعودية . واوضح في هذا الصدد "نريد ان نرى تاثير هذه الاتفاقية على حدودنا البحرية". وادى التخلي عن الجزيرتين الى خروج نحو الف متظاهر بالقاهرة للمطالبة ب"اسقاط النظام" في اكبر تحد للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال عامين.
ويقع مثلث حلايب وشلاتين يقع على الطرف الافريقي للبحر الاحمر وتبلغ مساحته اكثر من 20 الف كلم مربعا. وهناك ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وابو رماد وشلاتين. وغالبية سكان المنطقة البالغ عددهم نحو 27 ألفا من اتنية البجا، وينتمون الى قبائل البشاريين المنتشرة من شلاتين شمالا حتى بورتسودان وحدود نهر عطبرة جنوبا، وهناك ايضا قبائل الحماداب والشنيتراب والعبابدة. والرعي هو النشاط الاكثر بين هذه القبائل. وفي المثلث محميات طبيعية وبعض مواقع الاثار الفرعونية، اضافة الى ثروات معدنية.
اضف تعليق