يشكل تقدم اليمين المتطرف في العديد من البلدان الاوربية قلقا بالنسبة للكثيرين سواء داخل أوروبا أو خارجها، إذ ماتزال أوروبا تعيش تحت وقع المفاجأة بصعود الأحزاب اليمينية في الانتخابات المحلية لعدد من دول الاتحاد الأوربي والتي جاءت نتيجة عدة عوامل ابرزها تزايد الهجمات الإرهابية واستغلال المرشحين لعواطف الجماهير من خلال اللعب على وتر توفير الامن المفقود منذ هجمات باريس وما بعدها.
في الانتخابات التي جرت في فرنسا بداية العام الماضي تصدر حزب الجبهة الوطنية نتائج انتخابات تشريعية فرعية، هي الأولى منذ اعتداءات باريس، ما يؤكد قوة اليمين المتطرف في فرنسا الذي يشكل تهديدا بشكل خاص لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية برئاسة نيكولا ساركوزي المنقسم حيال سبل مواجهته. وكتبت صحيفة "لوفيغارو" المحافظة في حينها "هؤلاء الذين كانوا يظنون أن الجبهة الوطنية ستكون بالتأكيد الخاسر الأكبر من المآسي الدامية التي وقعت في كانون الثاني/ يناير مخطئون. إن حزب مارين لوبن حاضر بقوة، هو في المقدمة والآخرون خلفه".
وفي النمسا حقق اليمين المتطرف أفضل نتيجة له في الانتخابات الرئاسية منذ الحرب العالمية الثانية. فيما تسعى الحكومة النمساوية إلى الخروج من الصدمة إثر انتخابات تاريخية أدت إلى تقدم اليمين المتشدد المعارض المناهض للهجرة في انتخابات رئاسية، قبل عامين من الانتخابات التشريعية المقبلة. وأشارت النتائج التمهيدية إلى فوز مرشح حزب اليمين المتطرف نوربرت هوفر بـ36,4 في المئة من الأصوات ليحقق بذلك أفضل نتيجة للحزب منذ الحرب العالمية الثانية في انتخابات وطنية في النمسا، وفق النتائج الرسمية.
واتجه المرشح البيئي الكسندر فان در بيلين للمرة الأولى إلى خوض الدورة الثانية بـ20,4 في المئة من الأصوات على حساب المرشحة المستقلة ايرمغارد غريس (18,5 في المئة). أما المرشح الاشتراكي الديمقراطي رودولف هاندسفورتر والمرشح المحافظ اندرياس كول فقد تأكد خروجهما من السباق الرئاسي بعدما نال كل منهما 11,2 في المئة.
وهي المرة الأولى منذ 1945 التي لن يتمتع رئيس البلاد فيها بدعم حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، حزب المستشار فيرنر فايمان، ولا بدعم شركائهم من وسط اليمين في التحالف الحاكم في حزب الشعب. ويعني هذا "بدء حقبة سياسية جديدة"، بحسب رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف الفائز هاينز كريستيان ستراش، معتبرا نتيجة الانتخابات "تاريخية".
ورغم أن منصب الرئيس لا يعدو أن يكون شرفيا إلى حد كبير فإن خروج الحزبين المشاركين في الائتلاف الحاكم من جولة الإعادة المقررة في 22 مايو أيار يمثل تحولا كبيرا في سياسات النمسا فضلا عن الدور المتصاعد لليمين المتطرف في أوروبا.
وفي هولندا تفيد استطلاعات رأي أخيرة أن حزب الحرية بزعامة فون غيرت فيلدرز سيحرز 30 في المائة من مجموع الأصوات الشيء الذي يعني تحسين نتائجها لعام 2012 بثلاث مرات. ويُعتبر فيلدرز منذ مدة أحد قياديي اليمين الشعبوي في أوروبا، وموضوعاتها الأساسية هي انسحاب هولندا من الاتحاد الأوروبي والتحريض الممنهج ضد المسلمين. وعقب الاعتداءات الإرهابية في باريس طالب فيلدرز بترحيل جميع من هم غير هولنديين.
المشهد السياسي في إيطاليا لم يكن مختلف عن الدول الاوربية الأخرى فحزب جبهة الشمال الإيطالي يؤثر منذ نهاية الثمانيات في المشهد السياسي لإيطاليا حيث شارك عدة مرات في الحكومة بروما. وبعد انتكاسة مرتبطة بفضيحة فساد داخل هذا الحزب صعد زعيم الحزب ماتيو سالفيني في إطار أزمة اللجوء من تصريحاته المعادية للأجانب، ليكتسب الحزب مجددا مزيدا من التأييد لدى الناخبين، حسب استطلاعات الرأي. ويتمثل أحد أهدافه المنشودة في انفصال شمال إيطاليا المزدهر صناعيا عن جنوبها الفقير. وتوجد داخل الحزب بالطبع عدة تيارات سياسية، إلا أن الخبراء يحسبونه على اليمين المتطرف.
اما في الدنمارك فان حزب الشعب الدنماركي هو ثالث أقوى كتلة سياسية داخل البرلمان. وبطلبه فرض إلغاء لحق اللجوء انتزع هذا الحزب في الانتخابات البرلمانية في يونيو 2015 نسبة 21.1 في المائة من مجموع الأصوات متقدما على الحزب اليميني الليبرالي اللذين شكلا في النهاية حكومة أقلية. فسياسة اللجوء الدنماركية تحمل بصمة هذا الحزب اليميني الذي يروج لسياسة معادية للأجانب، ولاسيما المسلمين منهم، وينتقد كذلك النهج السياسي القائم ويرفض الاندماج الأوروبي. ورغم أن هذا الحزب يبتعد رسميا عن اليمين المتطرف، إلا أنه يتم ربطه باستمرار بمواقف وشخصيات يمينية متطرفة.
قوانين جائرة
البرلمان النمساوي تبني واحد من اكثر قوانين اللجوء تشددا في اوروبا مع مساعي القادة السياسيين لوقف صعود التيار اليميني المتطرف الذي فاز في الدورة الاولى من انتخابات الرئاسة. ويسمح مشروع القانون المثير للخلاف للحكومة باعلان "حالة الطوارئ" بشأن ازمة اللاجئين، ويتيح للحكومة رفض معظم طالبي اللجوء حتى من دول تشهد نزاعات مثل سوريا، وذلك مباشرة عند الحدود.
وانتقدت جماعات حقوقية وزعماء دينيون واحزاب المعارضة هذا القانون، وهو الاحدث في سلسلة اجراءات متشددة ضد المهاجرين، مؤكدين انه ينتهك مواثيق حقوق الانسان الدولية. الا ان وزير الداخلية فولفغانغ سوبوتكا دافع عن مشروع القانون وقال ان النمسا ليس امامها خيار اخر "ما دامت العديد من الدول الاخرى الاعضاء في الاتحاد الاوروبي لا تؤدي دورها" لجهة الحد من تدفق المهاجرين واللاجئين.
وبموجب القانون المقترح يمكن للحكومة اعلان حالة الطوارئ اذا هدد تدفق مفاجئ للمهاجرين "الامن الوطني للبلاد". ويمكن للسلطات في هذه الحال قبول اللاجئين الذين يواجهون تهديدات في دولة مجاورة عبروا منها او لهم اقارب في النمسا. ويلزم مشروع القانون كذلك اللاجئين طلب اللجوء فورا امام الحكومة عبر مراكز تسجيل مشيدة لهذا الهدف، حيث سيحتجزون لمدة 120 ساعة بينما يتم النظر في طلباتهم.
وياتي مشروع القانون بعد الصدمة التي اثارها فوز مرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر بنسبة تجاوزت 36% من الاصوات في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية، وذلك على خلفية ازمة الهجرة وتصاعد التوجهات الشعبوية في اوروبا والولايات المتحدة.
ولم يكن هذا القرار مفاجئا إذا ما رجعنا لسلوكيات اليمين المتطرف في الدول الاوربية الأخرى إزاء الإسلام والمهاجرين إذ قرر حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي اليميني عام 2014 تجريد أحد أعضائه المنتخبين عن منطقة سان سانت-دنيس من مهامه الإدارية، وكان تم تعليق عضوية النائب في مجلس البلدية مكسانس بوتي مؤقتا، بعد أن اتهم بالدعوة للديانة الإسلامية من خلال إرسال أشرطة فيديو دينية إلى كوادر بالحزب، في حين علق بوتي على الاتهامات بأن تصرفه كان مجرد تفسير لقراره اعتناق الإسلام.
جوردان بارديلا مسؤول منطقة سان سانت-دنيس في "الجبهة الوطنية" قال إن مكسانس بوتي، وهو عضو المجلس البلدي بمنطقة "نوازي لو غران" قرب باريس، تم "تعليق نشاطه مؤقتا". وأضاف بارديلا أن القضية لا تمس ديانة النائب بل تصرفاته التي امتدت إلى درجة القيام بنشاط "الدعوة" من خلال إرسال مجموعة من الفيديوهات الإسلامية إلى عشرات من المكاتب المحلية.
وأشار إلى أنه عقب الاستماع إلى أقواله من قبل المكتب التنفيذي للحزب الذي اجتمع في إطار لجنة فض النزاعات الداخلية بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر، اقتنع المعني أن تعليق عضويته هي إجراء لتذكيره بواجباته الحزبية، لكن ومن حينه، وجه العديد من مسؤولي الحزب انتقادات تكررت تتعلق بتصرفاته وخاصة تصريحاته للإعلام، وبناء عليه طالبت ماريان لوبان بتعليق عضويته مجددا.
وفي رده على قرار الحزب والذي وصله من خلال رسالة إلكترونية، قال مكسانس بوتي إن هناك جهات في داخل "الجبهة الوطنية" تعاني من الإسلاموفوبيا، وأضاف "أنا لا أطلق اتهامات ضدهم، هذا هو الواقع" في تصريح نقلته صحيفة "لوباريزيان".
زيادة في جرائم اليمين المتطرف
ومع زيادة نفوذ الأحزاب اليمينية ذكر التقرير الصادر عن جهاز المخابرات الداخلية في النمسا أن السلطات وجهت اتهامات في نحو 1690 قضية لها علاقة بالتطرف اليميني العام الماضي وهو أكبر عدد من هذه القضايا حتى الآن خلال عام واحد ويقارن مع 1200 قضية في العام 2014.
وأضاف أن عدد "الأعمال المتطرفة" لليمين في 2015 وصل في المجمل إلى 1150 قضية بعدما كان 750 في 2014 وتتراوح بين إطلاق الألعاب النارية على مراكز إيواء المهاجرين والتحريض على العنف عبر الإنترنت. وتابع أن النمسا تلقت حوالي 90 ألف طلب لجوء في 2015 معظمها في الشهور القليلة الأخيرة من العام بعد أن وصلت أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين الذين فر الكثيرون منهم من الصراعات في سوريا والعراق وأفغانستان إلى النمسا التي يبلغ عدد سكانها 8.5 مليون نسمة أغلبهم كاثوليك.
وقال مارتن فايس رئيس إدارة التحريات وجمع المعلومات في جهاز المخابرات الداخلية للصحفيين "إذا نظرنا إلى جرائم الكراهية هذه عن كثب فسنرى ... (أنهم يسعون) لإثارة التوتر وإحداث انقسامات في المجتمع المدني.
وفي المانيا قال موقع دويتشيه فيلة ان النيابة العامة أرسلت فرقا أمنية خاصة إلى بلدة فرايتال بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا لاعتقال أفراد خلية إرهابية تُدعى "مجموعة فرايتال" المتهمة بتنفيذ اعتداءات إرهابية على لاجئين، وذلك بمتفجرات من تشيكيا المجاورة.
عناصر "مجموعة فرايتال" شكلوا هذه الخلية في يوليو/ تموز 2015 على أبعد تقدير، وعددهم ثمانية أشخاص يتزعمهم شاب في الـ 27 من العمر يُدعى تيمو س. وصديقه باتريك ف. البالغ من العمر 24 عاما. المجموعة لم تطلق على نفسها هذا الاسم، بل هو يعود للتسمية التي أطلقتها النيابة العامة الألمانية على المجموعة.
ويفيد عناصر المجموعة أن مجموعتهم للدفاع المدني تشكلت في أعقاب "تجاوزات في فرايتال وعلى حافلة نقل حضري". ويتهم أفراد المجموعة لاجئين بالوقوف وراء تلك التجاوزات، وهي تسعى لأخذ الثأر بيدها، لاسيما بعد أحداث ليلة رأس السنة الماضية في كولونيا التي أعقبها ظهور العديد من مجموعات الدفاع المدني التي تدعي أن "الدولة عاجزة عن حمايتنا" أو "مشكلة اللاجئين يجب أن نتولاها بأنفسنا". ويفيد المحققون أن أفراد هذه المجموعات ينحدرون من عدة أوساط كاليمينيين المتطرفين والهوليغانس وحزب "البديل من أجل ألمانيا".
وإلى جانب مجموعات الدفاع المدني التي هي في غالب الأحيان يمينية متطرفة توجد أيضا مجموعات محلية وأشخاص يحرضون ضد اللاجئين. ولم تصنف السلطات هؤلاء الأشخاص سابقا بأنهم يمينيون متطرفون. ولكن أعمال العنف صدرت أيضا من مواطنين عاديين احتجوا أمام دور لإيواء اللاجئين. وقد سجلت الشرطة الجنائية الألمانية في 2015 أكثر من 1000 اعتداء على دور للاجئين. كما دونت مؤسسة ألمانية أخرى هذا العام 311 اعتداء ضد مساكن للاجئين، 55 منها كانت اعتداءات بالحرق.
خطر على اوروبا
صعود الأحزاب اليمينية الشعوبية وسلوكها المعادي للاجئين دق ناقوس الخطر في الاتحاد الأوربي إذ حذر الأمين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن ياغلاند من أن الديمقراطية مهددة بتصاعد النزعة الشعبوية والقومية في أوروبا، وقال بمناسبة نشر تقرير سنوي حول الديمقراطية في أوروبا إن تصاعد الشعوبية يضع القارة "في وضع خطير جدا".
من جانبه عبر اتحاد النقابات الألماني يوم الأحد (الأول من مايو/أيار 2016) عن معارضته لمعاداة الأجانب واليمين المتطرف خلال مسيرته التقليدية بمناسبة الاحتفال بيوم العمال العالمي الموافق للأول من شهر أيار/مايو. وقال رئيس الاتحاد راينر هوفمان اليوم بمدينة شتوتغارت الألمانية: "ما يدعو إليه الشعبويون اليمينيون، ليس له أي علاقة بالتكاتف الاجتماعي أو العدالة الاجتماعية أو العولمة العادلة أو حتى بالتضامن".
وأشار المسؤول العمالي في تصريحاته إلى مؤتمر "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي المنعقد حاليا في شتوتغارت. وانتقد هوفمان "التحريض" الذي يمارسه هذا الحزب اليميني الشعبوي ضد الأجانب واللاجئين على وجه الخصوص. وقد عرض هوفمان يوم العمال هذا العام تحت شعار "حان الوقت للتضامن".
وفي مدينة تفيكاو شرقي البلاد حاولت مجموعة من المتظاهرين اليمينيين التشويش على خطاب وزير العدل الألماني هايكو ماس، وتدخلت الشرطة لحماية المنصة. وفي بلدة بلاون وقعت صدامات بين يمينيين متطرفين ويساريين مع رجال الشرطة التي تحدثت عن "اندلاع أعمال عنف كبيرة". وأصيب العديد من الأشخاص بجروح، وشهدت البلدة قدوم الكثير من النازيين الجدد من مختلف أنحاء ألمانيا.
اضف تعليق