تواجه استراليا مثل دول اخرى انتقادات كبيرة من قبل بعض المنظمات العالمية المهتمة بحقوق الانسان، بسبب سياساتها وقوانينها ضد المهاجرين والاقليات الاخرى في البلد والتي اسهمت بتنامي ظاهرة التميز والعنصرية، ويرى بعض المراقبين ان ما تقوم به السلطات الاسترالية ربما يكون امر ضروري ومهم في ظل تمدد الجماعة المتطرفة واتساع خطر رقعة الارهاب الذي يهدد امن واستقرار البلاد، حيث سعت الحكومة الاسترالية الى اتخاذ بعض التدابير والخطط والقوانين الخاصة اجل محاربة التطرف ومكافحة الارهاب، يضاف إليها الإجراءات الأخرى الخاصة بتشديد قوانين الهجرة، لكن هذه القرارات والخطط وكما يرى الخبراء اثرت سلبا على حياة بعض الاقليات وخصوصا الجالية المسلمة في استراليا، فقد أظهرت دراسة حديثة أن المسلمين في استراليا أكثر عرضة للتمييز والتعصب الديني بنحو ثلاثة أمثال مقارنة بغيرهم من أتباع الديانات الأخرى في البلد. وقال نحو 60 في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع إنهم تعرضوا لنوع من الأفعال الناجمة عن مشاعر الخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا.
وفي مؤتمر عن الإسلام في سيدني، حذر أكاديميون من أن التمييز قد يجعل شباب المسلمين أكثر عرضة للجنوح إلى التطرف. ويرى القائمون على الدراسة أن الأحداث الجارية في أنحاء العالم "منحت الجرأة" للمتعصبين في استراليا. ويُشكّل المسلمون 2 في المئة من إجمالي عدد السكان في استراليا.
انتقادات لاذعة
وفي هذا الشأن واجهت أستراليا انتقادات لاذعة في الأمم المتحدة بسبب سياساتها لفرز طلبات اللجوء وواجهت مزاعم بأنها أعادت بعض اللاجئين بالمخالفة للقانون الدولي وبأنها احتجزت أطفالا مهاجرين. وكانت عمليات تعقيم لذوي الاحتياجات الخاصة والتمييز ضد السكان الأصليين من بواعث القلق الأخرى التي أثيرت خلال نظر سجل أستراليا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في إطار مراجعة دورية لكل عضو بالمنظمة الدولية تجرى كل أربع سنوات.
وتعهدت الحكومات الأسترالية المتعاقبة بمنع طالبي اللجوء من الوصول إلى البلاد ويتم بدلا من ذلك إرسال من يتم اعتراض قواربهم في الرحلات البحرية الخطيرة إلى معسكرات في جزيرة كريسماس وفي الآونة الأخيرة أرسلوا إلى جزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة وناورو في جنوب المحيط الهادي. وقال جون ريد المسؤول بإدارة الادعاء العام الأسترالية الذي قاد وفد بلاده متحدثا في جنيف امام المجلس الذي يضم 47 بلدا "تدفق الهجرة غير المنظمة يمثل تحديات شديدة لنظام هجرة يدار بعناية ومنصف."
وأضاف في إشارة لعرض أستراليا إعادة توطين 12 ألف لاجئ من سوريا والعراق "لعبت إجراءات أستراليا القوية لحماية حدودها دورا رئيسيا في تمكين الحكومة من أن تكون لديها أنظمة جادة ومهمة للمساعدة الإنسانية وإعادة التوطين." وطالب سياسيون أستراليون معارضون بأن تكشف الحكومة عن حجم الدمار الذي سببته أعمال شغب في مركز لاحتجاز المهاجرين في جزيرة كريسماس بعد وفاة أحد طالبي اللجوء.
وقال أندرو جوليدزينوفسكي السفير المعني بقضايا تهريب البشر في وزارة الخارجية الأسترالية "لا يعاد أي من طالبي اللجوء الذين يستعينون بالتزامنا بالحماية (الدولية) الى وضع خطر." ولم تقع حالات وفاة خلال محاولة الوصول الى شواطئ استراليا في الأشهر الثمانية عشر الماضية. وفي معسكر الاحتجاز حاليا نحو 2044 شخصا بينهم 113 طفلا وقال ستيف مكجلين من إدارة الهجرة وحماية الحدود إن هذا الرقم "يقل عن ذروة ما وصل إليه عدد (الأطفال) وهو ألفا طفل في منتصف 2013." وأضاف أنه تمت الموافقة على "أن يعيش 30 ألف مهاجر آخرون في المكان." بحسب رويترز.
وكانت وفود مصر وفيجي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة والسويد من بين من انتقدوا سياسات اللجوء التي تطبقها أستراليا. وقال محمد الملا من الوفد المصري إن التقارير الخاصة بالتمييز وزيادة الخوف من الإسلام والاحتجاز القسري للمهاجرين وسياسة إعادة قوارب المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في المياه الدولية تتطلب اهتماما جادا وفوريا.
الى جانب ذلك قال مسؤولون إن السلطات الاسترالية استعادت السيطرة على مركز لاحتجاز المهاجرين بعد أن أثارت وفاة طالب لجوء أحداث شغب تسببت في إصابة خمسة أشخاص على الأقل وأحدثت أضرارا مادية بالغة. وأرسلت تعزيزات للمكان بعد أن تهدم سور المركز الواقع في منطقة نائية بجزيرة كريسماس ايلاند وبعد إشعال حرائق مما اضطر الحراس لترك المنشأة.
وفي مركز الاحتجاز في جزيرة كريسماس ايلاند يجري فصل الساعين للجوء عن الأجانب الذين يواجهون الترحيل لارتكابهم جرائم. وقال وزير الهجرة بيتر داتون إن عملية استعادة السيطرة على المركز قوبلت بمقاومة لكنه ألقى معظم اللوم على المحتجزين لارتكابهم جرائم عنيفة لا على طالبي اللجوء. وأضاف أن خمسة محتجزين لحقت بهم إصابات منها تمزقات خلال "عراك" بعد أن تحركت الشرطة ضد هؤلاء المحتجزين ومنهم أفراد عصابات محظورة رفضوا فرصة أتيحت لهم لتسليم أنفسهم.
وقال إن حالة أحد المحتجزين استدعت نقله من الجزيرة لتلقي العلاج. ولم يصب في الأحداث أحد من الجند أو الضباط. وكان الوزير قال في وقت سابق إن أحداث الشغب بدأت بعد وفاة طالب لجوء عثرت فرق البحث والإنقاذ على جثته أسفل منحدرات في منطقة بعيدة عن المركز. وقال مدافعون عن اللاجئين إن الرجل طالب لجوء كردي إيراني.
العنف والتطرف
الى جانب ذلك دعا امام مسجد في سيدني ارتاده قاتل شخص يعمل لحساب الشرطة الى وقف عنف المتطرفين معتبرا ان المسلمين الذين لا يتبنون القيم الاسترالية يجب ان يغادروا البلاد. وكان فرهاد جابر (15 عاما) الذي تبنى افكارا متطرفة ردد هتافات دينية قبل ان يطلق النار على رأس الرجل الذي يعمل محاسبا والبالغ 58 عاما ويقتل في تبادل لاطلاق النار مع الشرطة، كما ذكرت الصحف. وكان الفتى يتردد بانتظام على مسجد في بارماتا الحي المتعدد الاتنيات في غرب سيدني.
وذكر نيل القدومي للصحف انه قال للمصلين في الصلاة "انتظرتم طويلا للقدوم الى هذا البلد وعليكم الا تستغلوا امتياز ان تكونوا استراليين وهو امر مهم جدا". واضاف "ارحلوا. لا نحتاج الى نفايات في جاليتنا ونحن نرفض الارهاب". وقال القدومي ان الشبان بحاجة الى تعليم، مشيرا الى ان فرهاد جبار "كان صغيرا جدا ليدرك ما يفعله". بحسب فرانس برس.
ونصح رئيس الوزراء الاسترالي ايضا الذين يجدون ان القيم الاسترالية "يصعب هضمها" بالرحيل. وقال ان "العيش في استراليا ليس اجباربا. اذا وجدتم ان القيم الاسترالية لا يمكن هضمها، العالم واسع والناس يملكون حرية الحركة". وطلب رئيس الوزراء من مواطنيه ايضا "ادانة الكراهية". وقال ان "التطرف تحد لاهم القيم الاسترالية الاساسية". وقرر اليمين المتطرف التظاهر للمطالبة باغلاق المسجد. وحذرت الشرطة من اي "عمل انتقامي" او "تحريض على العنف ضد مجموعة او افراد". وفي التحقيق في مقتل المحاسب، افرجت الشرطة عن ثلاثة من الشبان الاربعة الذين اوقفوا بسبب نقص الادلة.
الى جانب ذلك قال شهود إن مئات المحتجين واجهوا يساريين معارضين لهم بسبب خلاف بشأن خطط بناء مسجد في بلدة أسترالية ريفية في أحدث احتجاج مناهض للإسلام ووقعت المواجهة بين نشطاء يمينيين من جبهة الوطنيين المتحدين التي تقول إن هدفها مناهضة انتشار الإسلام وأعضاء ائتلاف يساري يدعو إلى التسامح في بلدة بنديجو بولاية فكتوريا. والنزاع حول بناء المسجد قائم منذ شهور.
وقالت متحدثة باسم الشرطة إنه تم إلقاء القبض على أربعة أشخاص لكن أطلق سراحهم لاحقا وإن المواجهة اتسمت بالهدوء. وقدر شهود عدد المشاركين بمئات في كل جانب. والمواجهة جزء من احتجاجات منسقة مناهضة للإسلام على مستوى العالم دعت إليها جماعات يمينية متطرفة.
قوانين مشددة
في السياق ذاته اعلنت استراليا انها تريد سن مزيد من القوانين لمكافحة الارهاب، من خلال الحد خصوصا من حرية تحركات القاصرين، بعد جريمة ارتكبها فتى في الخامسة عشرة من عمره اخيرا. وقال وزير العدل جورج برانديس ان تعديلا خامسا لقوانين مكافحة الارهاب قد اعد، على ان يطرح في الاسابيع المقبلة امام البرلمان.
وعلى صعيد مكافحة الارهاب، تتيح قرارات الرقابة القضائية للسلطات الحد من تحركات وانشطة المشبوهين والاماكن التي يرتادونها. ويمكن ارغامهم ايضا على حمل سوار الكتروني. واضاف ان "داعش يؤثر على شبان صغار في استراليا". ورفعت استراليا في ايلول/سبتمبر 2014 مستوى الانذار من التهديد الارهابي وشنت منذ ذلك الحين سلسلة من العمليات في اطار مكافحة الارهاب. بحسب فرانس برس.
وتتخوف السلطات خصوصا من ان يعمد عناصر يعرفون ب "الذئاب المنفردة" ويستوحون تحركاتهم من مجموعات جهادية كتنظيم داعش، الى شن هجمات. وقال رئيس الوزراء مالكولم تورنبول في البرلمان ان اربعة وعشرين شخصا تعرضوا منذ سنة لملاحقات على صلة بجرائم ارهابية. واضاف "نراقب التهديد باستمرار، ونعمل بشكل وثيق مع الادارات المحلية لضمان ان القوانين تعطي الاجهزة الامنية الصلاحيات الضرورية لمواجهة هذا التحدي".
اضف تعليق