الجولة الثالثة من المفاوضات في جنيف حول الازمة السورية وكما يقول بعض المراقبين، ربما ستكون كسابقاتها، بسبب غياب التوافقات وتضارب المصالح وتعدد الاطراف الخارجية التي تتحكم بقرارات واراء الخصوم في سوريا، الامر الذي قد يسهم بتعقيد المشهد الحالي ويزيد في معاناة المواطنين السوريين. خصوصا مع وجود خلافات دولية الحادة بشأن تمثيل المعارضة المنقسمة في المفاوضات، فقد انطلقت المفاوضات بحسب بعض المصادر حولَ الازمة السورية برعايةِ الامم المتحدة وسط غياب المعارضة السورية المجتمعة في الرياض، فيما تحدثت انباء عن وصول رئيس ما تُسمى الهيئة العليا للمفاوضاتِ في المعارضة السورية رياض حجاب الى جنيف مع اثنين من اعضاء وفد الرياض، حيث اكد بعض الخبراء ان السعودية الداعم الاول للجماعات الاسلامية المتشددة، وبعد التطورات المهمة التي شهدتها الحرب في سوريا عقب التدخل العسكري الروسي المباشر، قد سعت الى تغير خططها وترتيب اورقها من جديد في سبيل قلب الموازين الحرب الحالية، التي اصبحت لصالح الحكومة السورية ورئيسها بشار الاسد الحليف الاول لإيران، لذا فقد عمدت الى اللعب بورقة ما يسمى بالمعارضة السورية من اجل تمرير قراراتها وبالتالي ضمان مصالحها في سوريا.
وقد دعت وزارة الخارجية الأمريكية المعارضة السورية إلى المشاركة في محادثات جنيف دون شروط، حسب ما أفاد به المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر "أمام وفد الهيئة العليا للمعارضة وفصائل المعارضة المختلفة في سوريا فرصة تاريخية للذهاب إلى جنيف وعرض الوسائل الملموسة لتطبيق وقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية وإجراءات أخرى كفيلة بإعادة خلق الثقة". وكانت المعارضة السورية قد أعلنت أنها أجلت إلى اليوم قرارها بخصوص المشاركة في مفاوضات جنيف. وحملت المعارضة الحكومة السورية مسؤولية عرقلة بدء مفاوضات السلام، متهمة إياها بقصف المدنيين وتجويعهم.
كما كشف رياض نعسان آغا الناطق باسم الهيئة العليا للتفاوض في وقت سابق، أن موقف وفد الرياض الحقيقي من الذهاب إلى مفاوضات جنيف "سيصدر بعد يومين"، مؤكداً أن وزير الخارجية الأميركي "جون كيري"، أبلغ وفد المعارضة، بأن "واشنطن لن تستطيع تقديم المزيد".
قال نعسان إن "الولايات المتحدة وضعت الهيئة أمام حالة من التخلي بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي الأخيرة، في زيارته إلى الرياض، بأن واشنطن لن تستطيع أن تقدم أكثر"، وفضل وصف ذلك بـ"الدور الناصح لواشنطن" على "التهديد"، لافتاً الى أن "الهيئة تشعر بأن المفاوضات لن تحقق شيئاً". وأوضح "آغا"، أن وزير الخارجية الأميركية أخبرهم، "أنه من حق الأسد الدخول في الانتخابات، وإذا كنتم قادرين لا تجعلوه ينجح"، مشيراً إلى أن "المعارضة أعطت تنازلات كبيرة ومريعة، بدءً من شعار رحيل الأسد إلى مرحلة بقائه في منصبه لفترة محددة، لتمهيد الحل السياسي".
واعتبر أن كلام الوزير الأميركي جون كيري "غير منطقي"، في ظل اللجوء والتشرد الذي يعانيه السوريون، متسائلاً "ما هي الأداوت التي تمتلكها المعارضة مقابل ما يمتلكه الأسد من دعم"، كما وصف الدور الأميركي بـ "المخرب"، في ظل "إطلاقها شعارات (الأسد لا دور له)، ومن ثم يتم الحديث عن دوره في الانتخابات". وحول الأنباء التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بتوجيه الموفد الأممي "دي ميستورا"، دعوة إلى "مجلس سوريا الديمقراطية" لحضور جنيف، وعن موقف هيئة التفاوض في حال صحة تلك الأنباء، قال "آغا": إن "وفد الرياض لن يقبل بوجود وفد آخر، لأنه من الصعب تشكيل جسد واحد برأسين"، مبيناً أن "المشكلة ليست في أسماء وفد مجلس سوريا الديمقراطية، إنما الخلاف هو في الأجندة والرؤية المختلفة بين الوفدين".
وتابع بالقول: إن "وفد التفاوض لن يذهب إلى جنيف لتحقيق مقررات فيينا والفقرة السابعة التي وضعتها إيران، إنما المشاركة ستكون على أساس جنيف1 ومقررات 2254"، مضيفاً أن "الغرض من الذهاب إلى جنيف ليس الدخول في حكومة موسعة مع النظام السوري، بل الهدف هو انتقال سياسي"، مؤكداً "شرعية وفد التفاوض المنبثق من اجتماعات الرياض".
دعوات للمشاركة
في هذا الشأن وجهت الأمم المتحدة دعوات للحكومة السورية والمعارضة للمشاركة في محادثات السلام ولم يتضح ما إذا كان معارضو الرئيس بشار الأسد سيتغلبون على خلافاتهم بشأن المشاركة. وأرسل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا دعوات لحضور المحادثات دون أن يحدد من هم الذين تلقوا الدعوة أو عدد الجماعات التي قد تشارك. وكانت المعارضة السورية قد أثارت الشكوك فيما إذا كانت ستشارك في محادثات سلام مقررة واتهمت الولايات المتحدة بتبني أفكار إيران وروسيا بشأن حل الصراع.
وستتخذ الهيئة العليا للمفاوضات التي تشكلت حديثا القرار بما إذا كانت ستشارك خلال اجتماع يعقد في الرياض. وقال المتحدث باسم الهيئة سالم المسلط لقناة الحدث التلفزيونية "اليوم تلقينا الدعوة ... النظرة كانت إيجابية للدعوة. هناك إجماع داخل الهيئة العليا على أن نكون إيجابيين في قرارنا." لكنه أضاف أن القرار النهائي سيُتخذ خلال الاجتماع. وقال دبلوماسي غربي إنه لا يمكن عقد محادثات جنيف إذا لم تشارك فيها الهيئة وإن دي ميستورا سيضطر للبحث عن طريقة لحفظ ماء الوجه لتفادي انهيار العملية بالكامل ربما من خلال إعلان تأجيل المحادثات مرة أخرى.
وقال دي ميستورا إن اجتماع جنيف سيسعى في البداية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ثم العمل فيما بعد من أجل تسوية سياسية حيث يتنقل الدبلوماسيون بين وفدي الحكومة والمعارضة في قاعتين منفصلتين. وقالت الحكومة السورية التي تكسب أراضي من المعارضة بدعم من ضربات جوية روسية وقوات برية إيرانية إنها ستحضر المحادثات. لكن الهيئة العليا للمفاوضات قالت مرارا إنه يتعين على الحكومة وحلفائها وقف القصف ورفع الحصار عن مناطق تسيطر عليها قبل بدء أي محادثات.
وقال أسعد الزعبي المقرر أن يرأس وفد الهيئة إنه لن تكون هناك مفاوضات دون تنفيذ خطوات لبناء الثقة ومنها إطلاق سراح معتقلين. وأضاف "في اللقاء مع الدكتور رياض حجاب تحدث عن أن السيد كيري نقل بعض النقاط من المذكرة الإيرانية أو من الفكرة الإيرانية وكذلك بعض النقاط من الفكرة الروسية نقلت تماما إلى السيد رياض حجاب ولم تكن مريحة بالنسبة لنا أن تتبنى أمريكا ولو بشكل نظري أو بشكل جزئي ما جاء على الورقتين الإيرانية والروسية."
وحث المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا مايكل راتني المعارضة على حضور المحادثات. وقال "نصيحتنا للمعارضة السورية هي أن تستفيد من هذه الفرصة باختبار نوايا النظام وأن تكشف أمام الرأي العام الدولي من هي الأطراف الجادة في التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا ومن هي الأطراف غير الجادة." ودعمت الولايات المتحدة المعارضين للرئيس بشار الأسد الذي تقول إنه فقد شرعيته ويتعين عليه ترك السلطة. لكن انتقاد المعارضة يتزايد للسياسة الأمريكية. وقال حجاب في وقت سابق إن الولايات المتحدة تراجعت عن موقفها تجاه سوريا وخففت من اسلوبها لاسترضاء روسيا. بحسب رويترز.
وفشلت الجهود الدبلوماسية مرارا في حل الصراع الذي قتل 250 ألف شخص وشرد الملايين مما أدى إلى أزمة للاجئين في دول الجوار وأوروبا. ودي ميستورا هو ثالث مبعوث دولي إلى سوريا. واستقال من سبقاه وهما كوفي عنان والاخضر الابراهيمي. وتعطل التحضير للمحادثات بسبب مشكلات منها الخلاف على من يمثل المعارضة.
اكراد سوريا
من جانب اخر سعت روسيا إلى توسيع وفد المعارضة ليضم فصيلا كرديا قويا يسيطر على مناطق واسعة في شمال سوريا. لكن المعارضة العربية السنية تقول إن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يجب أن يشارك باعتباره جزءا من وفد الحكومة. وقالت تركيا إنها لن تشارك إذا تمت دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يحارب تنظيم داعش ويحصل على دعم عسكري من الولايات المتحدة تنظيم إرهابي وليس له مكان مع المعارضة على مائدة التفاوض. وقال زعيم الحزب صالح مسلم في وقت سابق بأنه يتوقع توجيه الدعوة لحزبه لحضور اجتماعات جنيف إنه لم يتلق دعوة وليس على علم بدعوة أي ممثلين للأكراد للحضور.
من جهة أخرى قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن من المستحيل التوصل لاتفاق سلام في سوريا دون دعوة الأكراد للمشاركة في عملية التفاوض. وقالت الحكومة السورية إن حلفاءها حققوا مكاسب كبيرة على حساب المعارضة في غرب سوريا في الأسابيع القليلة الماضية. وكانوا قد سيطروا على مدينة الشيخ مسكين في جنوب سوريا قرب الحدود مع الأردن في أكبر مكسب تحققه دمشق في هذه المنطقة منذ بدء التدخل الروسي يوم 30 سبتمبر أيلول. وفي الأسابيع القليلة الماضية سيطرت قوات الحكومة والقوات الموالية لها كذلك على بلدتين استراتيجيتين في محافظة اللاذقية في شمال غرب البلاد حيث تسعى القوات لإغلاق الحدود وقطع خطوط الإمداد من تركيا.
الى جانب ذلك حصل بعض الأشخاص الذين تدعم روسيا حضورهم محادثات السلام المقترحة بشأن سوريا على دعوات من الأمم المتحدة لحضور المحادثات وذلك وفقا لما ذكره شخصان تلقيا الدعوة. وقالت المعارضة السنية العربية إنه يجب أن يشارك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في وفد الحكومة. وواجهت التحضيرات للمحادثات مشاكل منها خلاف على من يجب أن يمثل المعارضة. وقال بيان إن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا أرسل دعوات للمشاركين دون تأكيد الاسماء. وقالت رندا قسيس رئيسة حركة المجتمع التعددي إنها دعيت مع هيثم مناع وصالح مسلم والهام أحمد وقدري جميل وإن الدعوات وجهت بشكل فردي. بحسب رويترز.
وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إن تركيا تعارض بشدة مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي -وهو أكبر جماعة كردية سورية- في صفوف المعارضة بمحادثات السلام المقررة. وأضاف أمام البرلمان أنه إذا انضم الحزب المتحالف مع الولايات المتحدة إلى المحادثات التي تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ خمس سنوات في سوريا فإنه يجب أن ينضم إلى طرف الرئيس السوري بشار الأسد.
موسكو واتهامات المعارضة
في السياق ذاته وكما نقلت بعض المصادر فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن اتهامات ممثلين عن المعارضة السورية لروسيا بمحاولة إفشال مفاوضات جنيف "هراء كامل". وأكدت زاخاروفا، أن روسيا كانت تدعو منذ البداية إلى الحوار بين دمشق وممثلي المعارضة السورية وتسوية الوضع سياسيا ودبلوماسيا.
كما أشارت الدبلوماسية الروسية إلى أن موسكو لم تعلن أبدا أنها تدعم بالكامل سياسة الرئيس السوري بشار الأسد ولم تعتبر كافة الجماعات المعارضة للأسد جماعات إرهابية، مضيفة أن موسكو تشير دائما إلى أخطاء ترتكبها دمشق. ودعت المتحدثة باسم الخارجية الروسية كل الأطراف السورية إلى المشاركة في مفاوضات جنيف دون شروط مسبقة من أجل البحث عن السبل الفعالة لإيجاد تسوية سياسية في سوريا.
وقالت ماريا زاخاروفا إن وفد الحكومة السورية قد وصل إلى جنيف ويقوم بإجراء اتصالات وثيقة مع الأمم المتحدة والخبراء الموجودين هناك، مضيفة أن خبراء روسا يعملون في جنيف. وأشارت زاخاروفا إلى أن جماعات المعارضة السورية التي تشكلت نتيجة اجتماعات موسكو والقاهرة، هي الأخرى مستعدة للتعاون البناء دون أي شروط مسبقة، معربة عن أملها في أن معارضة قائمة الرياض ستعلن عن استعدادها للمفاوضات.
وقالت الدبلوماسية الروسية إن مفاوضات جنيف تمثل لحظة انعطاف في التسوية السورية فيما يتعلق بالبحث عن حلول وسبل لإيجاد تسوية سلمية. وأكدت من جديد رفض موسكو لمشاركة "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" وغيرهما من الجماعات الإرهابية في مفاوضات جنيف. وقالت: "يجب ألا تشارك المنظمات الإرهابية في المفاوضات. وإذا تتحدثون عن مكافحة الإرهاب فإنها يجب أن تقوم على أساس مبادئ موحدة ودون معايير مزدوجة ودون تقسيم الإرهابيين إلى "أخيار" و"أشرار"، مؤكدة: "موقفنا المبدئي يتمثل في أن إشراك المنظمات الإرهابية غير مقبول. ونحن لن نتخلى عن ذلك".
كما أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف أن تحقيق الهدنة في سوريا يتطلب إكمال قائمتي المنظمات المعارضة والإرهابية. وقال "موضوع الهدنة ووقف أعمال القتال (وليس حيال الإرهابيين) كان مطروحا منذ زمن طويل، إلا أن ذلك يتطلب البت في قضية إعداد قائمتي المعارضة والمنظمات الإرهابية في سوريا". وأضاف بيسكوف أن العمل في هذا الاتجاه ما زال مستمرا، مشيرا إلى تحديد المهمات ورسم "إطار متفق عليه" في هذا الشأن. وأوضح بيسكوف أن عملية إعداد القائمتين تواجه "بعض الصعوبات"، مشيرا إلى أن "أحدا لم يتوقع أن تكون سهلة". ووصف بيسكوف عملية المفاوضات في جنيف بالحساسة جدا، قائلا إنه من غير الصواب الآن إبداء أي "تقييمات متسرعة" تضع قيودا معينة.
اضف تعليق