قضية السلام بين السلطات التركية والاكراد كما يرى بعض المراقبين، ربما اصبحت شبه مستحيلة في ظل اصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على مواصلة الحرب والقضاء على الحركة الكردية خصوصا بعد ان سعى أكراد تركيا، ومع استمرار اعمال العنف والقتال وبتأييد من قبل بعض الاحزاب المعارضة الى المطالبة بحكم ذاتي، وهو ما اثار غضب حزب العدالة والتنمية و أردوغان الذي لم يتخلَّ عن النهج العسكري في التعامل مع القضية الكردية ووصفها بالإرهاب يسعى بحسب بعض المصادر، الى تحقيق مكاسب وامتيازات من خلال فرض سيطرته المطلقة على السلطة وبناء حكم شمولي بقيادة السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان وطموحاته الإقليمية الجامحة.
وقد إنتقد الرئيسُ التركي رجب طيب أردوغان مطالبةَ رئيسِ حزبِ الشعوب الديمقراطي بمزيدٍ من الحكم الذاتي للأكراد في تركيا واصفا هذه الدعوات بالخيانةِ والاستفزاز ومتوعدًا بتلقينِ الحزبِ درسا، كما وعد الرئيس التركي بمواصلة العمليات العسكرية مضيفا ان العمليات التي تقوم بها قوات الامن التركية في جنوب شرق البلاد وشمال العراق ستتواصل "دون توقف".
وشهدت تركيا تصاعدا في العنف بين قوات الامن والمسلحين الاكراد منذ انهيار الهدنة التي استمرت عامين في تموز/ يوليو حيث تشن انقرة غارات جوية شبه يومية على قواعد الاكراد على جانبي الحدود مع العراق. ومقابل ذلك قتل المسلحون الاكراد عشرات من رجال الشرطة والجيش في مناطق جنوب شرق تركيا التي تسكنها غالبية من الاكراد في تفجيرات شبه يومية وهجمات بالرشاشات.
حرب مستمرة
في هذا الشأن تعهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعدم التهاون في حملة عسكرية قال إنها قتلت هذا العام أكثر من ثلاثة آلاف معظمهم مسلحون أكراد في بعض من أعنف المعارك منذ اندلاع تمرد الأكراد قبل ثلاثة عقود. وفي بيان بمناسبة السنة الجديدة قال إردوغان إن تركيا تمتلك "الموارد والعزيمة" للتعامل مع حزب العمال الكردستاني الذي حمل السلاح أول مرة عام 1984 للضغط من أجل اقتناص قدر أكبر من الحكم الذاتي لجنوب شرق تركيا الذي تسكنه أغلبية كردية.
وشغل العنف القوات المسلحة في تركيا وزاد من تعقيد المساعي الدولية لمحاربة تنظيم داعش في سوريا حيث تخوض وحدات حماية الشعب الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني معارك مع التنظيم المتشدد. ويريد حلفاء تركيا الغربيون منها التركيز بشكل أكبر على خطر داعش.
وقال إردوغان في إشارة لحزب العمال الكردستاني "قواتنا الأمنية تواصل تطهير كل مكان من الإرهابيين.. في الجبال وفي المدن وسنواصل ذلك." وشنت تركيا ما سمته "الحرب المتزامنة على الإرهاب" في يوليو تموز بهدف استهداف تنظيم داعش في سوريا والأكراد في الداخل. لكن جهودها انصبت بشكل أكبر بكثير على محاربة حزب العمال الكردستاني.
وانزلق جنوب شرق تركيا مرة أخرى إلى مستويات العنف التي شهدها خلال التسعينيات بعد هدنة استمرت عامين مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية. وانهارت تلك الهدنة في يوليو تموز. وقصفت طائرات حربية معسكرات حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا وعبر الحدود في جبال شمال العراق بينما كثف الجنود مدعومون بدبابات حملة داخل تركيا لطرد المسلحين في الأسابيع الأخيرة.
وقال إردوغان إن الجيش التركي قتل 3100 مسلح داخل البلاد وخارجها منذ بداية 2015. ومنذ بدأ حزب العمال الكردستاني تمرده تركزت المعارك بشكل أساسي في الريف لكن أعمال العنف الأخيرة ركزت على مناطق حضرية حيث أسس جناح الشبان في حزب العمال الكردستاني حواجز على الطرق وحفر خنادق لمنع قوات الأمن من الوصول.
وشكا سكان في بلدات مثل الجزيرة وسيلوبي اللتين شهدتا انفجارات ومعارك بالأسلحة في الأسابيع الأخيرة من أن عمليات الجيش تجري دون تمييز وأن حظر التجول المفروض على مدار الساعة أعاق حتى المرضى عن الوصول للمستشفيات. كما أضر العنف بحركة التجارة عبر الحدود التي كانت مزدهرة يوما. وقالت نقابة عمال النقل إن نحو عشرة آلاف من سائقي الشاحنات عالقون على الجانب العراقي من الحدود بسبب المخاوف الأمنية في سيلوبي والجزيرة.
وفي إشارة واضحة لخلاف مع بغداد بشأن نشر قوات تركية في شمال العراق قال إردوغان إن تركيا ليست لديها مطامح في أي دولة أخرى وإن سيادة جيرانها ليست محل شك. واتهم وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري تركيا بعدم احترام اتفاق لسحب جنودها من الشمال وقال إن العراق قد يلجأ للعمل العسكري إذا أجبر على ذلك دفاعا عن سيادته. بحسب رويترز.
واستعر النزاع الدبلوماسي بعد أن نشرت تركيا وحدة حماية مؤلفة من نحو 150 جنديا هذا الشهر معللة ذلك بتزايد المخاطر الأمنية قرب قاعدة عسكرية حيث يدرب جنودها فصيلا عراقيا لمقاتلة تنظيم داعش. وقال إردوغان "لا نريد سوى أن يعيش أخوة لنا تاريخيا وثقافيا في سلام وأمان."
حكم ذاتي
الى جانب ذلك دعت جماعات كردية اجتمعت في جنوب شرق تركيا إلى حكم ذاتي وسط قتال عنيف بالمنطقة ووجه مؤتمر الشعب الديمقراطي المؤلف من منظمات كردية غير حكومية هذه الدعوة بعد اجتماع في دياربكر. وتحت عنوان "إعلان القرار السياسي بشأن الحكم الذاتي" قال القرار النهائي للاجتماع "المقاومة المشروعة التي يقوم بها شعبنا ضد سياسات تحط من المشكلة الكردية هو في جوهره مطالبة ونضال من أجل حكم ذاتي محلي وديمقراطية محلية." ودعا الإعلان إلى تشكيل مناطق ذاتية الحكم بما في ذلك عدد من الأقاليم المجاورة لديار بكر لمراعاة الانتماءات الثقافية والاقتصادية والجغرافية.
وقد تؤدي الدعوة إلى تصعيد التوترات بين الأكراد والحكومة التركية لأن الحكومة تعارض بشدة قيام دولة كردية منفصلة. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تركيا لن تسمح أبدا بإقامة دولة أخرى داخل حدودها. وقال إردوغان "الآن يتحدثون عن فصل أرضنا في هذا البلد. بإذن الله لن نسمح بإجراء عملية جراحية لوحدة بلادنا." وألغى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو اجتماعا مقررا مع حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد قائلا إن سياسات الحزب "متجذرة في العنف" في حين تواصل القوات التركية عملية أمنية واسعة النطاق في جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية.
على صعيد متصل فتحت النيابة التركية تحقيقا جنائيا بحق صلاح الدين دمرتاش زعيم حزب الشعوب الديموقراطي التركي الموالي للاكراد بتهمة ارتكاب جرائم ضد النظام الدستوري. وتاتي الاتهامات بحق دمرتاش بعد تصريحات ادلى بها بشان احتمال حصول الاقلية الكردية في تركيا على الحكم الذاتي، بحسب ما افادت وكالة الاناضول للانباء الحكومية.
وقالت الوكالة ان نيابة انقرة تحقق مع دمرتاش في اتهامات بارتكاب جرائم "ضد الدستور وكيفية تنفيذه" بدون ان تكشف الفترة التي يمكن ان يمضيها في السجن في حال ادانته. وقال الاعلام التركي ان القضية تتعلق بكلمة القاها دمرتاش وقال فيها ان الاكراد في تركيا عليهم ان يقرروا ما اذا كانوا سيعيشون في حكم ذاتي ام "تحت طغيان رجل واحد".
وفي تموز/يوليو الماضي، فتحت النيابة تحقيقا بحق دمرتاش بتهمة التحريض على حمل السلاح خلال الاحتجاجات الموالية للاكراد في تشرين الاول/اكتوبر 2014 والتي خلفت عشرات القتلى. ويمكن ان يواجه السجن لمدة تصل الى 24 عاما في حال ادانته بهذه التهم. وذكرت وكالة الاناضول انه يجري التعامل مع القضيتين بوصفهما قضية واحدة ضد دمرتاش. وياتي هذا التحقيق وسط تزايد التوتر بين السلطات والاقلية الكردية بسبب حملة الجيش ضد متمردي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد، وفرض حظر التجول في عدد من مناطقه.
ويتمتع دمرداش بالحصانة من مثل هذه القضايا نظرا لكونه نائبا بالبرلمان لكن يمكن محاكمته وصدور عقوبة مع إيقاف التنفيذ إلى أن يصبح بلا حصانة. وتعرض دمرداش لانتقادات شديدة من الحكومة بعد زيارة لموسكو انتقد خلالها أنقرة لاسقاطها طائرة حربية روسية. ووصف داود أوغلو تلك التصريحات بانها خيانة. وقال أوغلو إنه لن يكون من المناسب إجراء مناقشات مع حزب الشعوب الديمقراطي حول دستور جديد للبلاد بسبب تصريحات الحزب "المسيئة".
ولم يذكر داود أوغلو أمثلة على تصريحات حزب الشعوب الديمقراطي التي أشار إليها لكن الحزب وجه انتقادات شديدة لرئيس الوزراء ولحزب العدالة والتنمية الحاكم بشأن السياسة المتبعة في جنوب شرق البلاد الذي تسكنه أغلبية كردية. وقال داود أوغلو "إذا كانوا يعتقدون أنني سأتحمل إهاناتهم فإنهم مخطئون.. إما أن يتعاملوا بجدية وعندها سيكون بابنا مفتوحا لهم أو سنعيدهم إلى جادة الطريق." وبعد الانتصار الساحق الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية في نوفمبر تشرين الثاني بدأت الآن مفاوضات لصياغة دستور جديد يهدف لاقامة نظام رئاسي. وقال داود أوغلو إنه سيجري محادثات في هذا الشأن مع أحزاب المعارضة الأخرى. بحسب رويترز.
وزاد تعقيد القضية الكردية في تركيا بسبب الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا. وانتزع تحالف مدعوم من واشنطن يتضمن أكرادا سوريين و جماعات مقاتلة عربية السيطرة على سد من تنظيم داعش في تقدم عسكري من المرجح أيضا أن يثير قلق أنقرة. وقال داود أوغلو إن تركيا لن تنظر بشكل إيجابي إلى تحرك قوات سورية معادية لأنقرة إلى غربي نهر الفرات. لكنه أضاف أن المعلومات المتوفرة لدى الحكومة حاليا تشير إلى أن الجماعات التي عبرت نهر الفرات كانت من العرب وليست قواتا كردية.
قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تصريحات صدرت عن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دمرداش "استفزاز واضح" وإن الشعب والقانون سيلقنان الحزب درسا. وقد يوسع هجوم إردوغان على دمرداش الهوة بين الحكومة والمعارضة الكردية. وقال إردوغان "نطق زعيم ما ... هراء وما فعله استفزاز واضح وخيانة." وأضاف أن حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد "سيلقن درسا من مواطنينا والقانون".
حملة تطهير
من جانب اخر دوت أصوات انفجارات وإطلاق نار بمحيط بلدة الجزيرة في جنوب شرق تركيا بعد اشتباك قال الجيش إنه أدى لمقتل ستة من المقاتلين الأكراد وجندي واحد بعد أن دخلت عملية أمنية هناك يومها الحادي عشر. وانهار اتفاق وقف إطلاق النار الذي دام لعامين بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة في يوليو تموز مما أعاد جنوب شرق البلاد الذي تقطنه غالبية كردية إلى الصراع الذي عانت منه المنطقة ثلاثين عاما وتسبب في مقتل أكثر من 40 ألف شخص.
وحلقت طائرة هليكوبتر في السماء وانطلقت سيارات مدرعة بطول طريق يمر عبر تلال مطلة على بلدة الجزيرة بالقرب من الحدود السورية في حين واصلت قوات الأمن حملة تدعمها الدبابات في أنحاء المنطقة شارك بها الاف الجنود. وأظهرت لقطات مصورة دخانا يتصاعد من مبان تضررت جراء تفجيرات فيما خلت الشوارع وأغلقت المتاجر.
والبلدة -الواقعة في اقليم شرناق- هي محور ما وصفته الحكومة بعملية "تطهير" للمنطقة من المسلحين لكن السكان يختلفون بشأن هذا التوصيف ويشكون من أن الهجمات تتم دون تمييز. وقال عبد الله فاركين (38 عاما) وهو صاحب متجر بينما كانت تقف مجموعة صغيرة من الأطفال والرجال بالقرب منه "الحرب الأخيرة التي بدأت في منطقة شرناق وخاصة في الجزيرة ليست للتطهير. إنهم يقصفون عشوائيا." وأضاف "الناس بائسون. المريض لا يستطيع الذهاب للمستشفى. المصابون يحاولون علاج أنفسهم بالمنازل والبعض مات بسبب نقص الأطباء ومن النزيف." كما شكا السكان من نقص الأغذية والمياه.
وشهدت الجزيرة وسيلوبي -المجاورة الواقعة على بعد 30 كيلومترا من الحدود العراقية- قتالا محتدما منذ فرض حظر تجوال على مدار اليوم في البلدتين قبل 12 يوما. وقال الجيش في بيان إن ثلاثة جنود أصيبوا في القتال وتوفي أحدهم في المستشفى. وفي شرناق قالت قوات الأمن إن أربعة طلاب واثنين من العاملين أصيبوا بحروق عندما ألقى مسلحون ملثمون من حزب العمال الكردستاني قنابل حارقة على مركز ثقافي تديره الدولة مما أشعل به النار. وقالت إن تبادل إطلاق النار اندلع بين قوات الأمن ومسلحين فيما تم إخلاء المبنى.
وتقول وسائل إعلام حكومية إن 168 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني قتلوا في العمليات الأمنية الأخيرة. ويقول حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد إن ما لا يقل عن 38 مدنيا قتلوا خلال تلك العمليات. وقال فرحات إنجو المحامي من الحزب إن جثة طيبات عنان (57 عاما) وهي أم لطفل عمره 11 عاما قتلت على يد قوات الأمن تركت ملقاة في أحد شوارع سيلوبي لمدة اسبوع قبل انتشالها. وقتل قناصة شقيق زوجها وأصابوا زوجها لدى محاولتهما انتشال الجثة. بحسب رويترز.
وقال الحزب إن الكهرباء انقطعت عن عدة أجزاء في سيلوبي حيث يتحصن العشرات في أقبية المنازل. وتصنف تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال منظمة ارهابية. وكانت أنقرة قد أطلقت عملية سلام مع عبد الله أوجلان زعيم الحزب المسجون في أواخر 2012 لكن المحادثات تعثرت في بداية العام الحالي.
اضف تعليق