جريمة اغتيال القيادي في حزب الله سمير القنطار، الذي كان يوصف بـ عميد الأسرى اللبنانيين بعد ان مضى نحو ثلاثين عاما في سجون الاحتلال الاسرائيلية، ويشارك في القتال في سوريا منذ اكثر من عامين في غارة جوية استهدفته قرب دمشق واتهم الحزب اسرائيل بشنها، لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان هذه الحادثة وكما يقول بعض المراقبين، اثارت المخاوف ولقلق من حصول مواجهات جديدة بين حزب الله وإسرائيل الامر الذي يؤدي الى تصاعد حدة التوتر في المنطقة، التي تشهد حالة من عدم الاستقرار بسبب الحروب والصرعات المستمرة، حيث عمدت اسرائيل وبعد توعد حزب الله على الى اتخاذ احتياطات امنية. وأكد عضو الكنيست الإسرائيلي إيال بن رؤوفين، والذي كان يشغل في السابق منصب نائب قائد المنطقة العسكرية الشمالية وكما نقلت بعض المصادر، أن "إسرائيل تستعد لرد فعل حزب الله على اغتيال سمير القنطار، وقال بن رؤوفين إنه: لا شك في أن الجيش الإسرائيلي يستعد لرد فعل محتمل من جانب حزب الله، وعلى الأرجح أن رد فعل كهذا، سيكون مدروسا وليس من أجل إشعال المنطقة بحرب شاملة.
كما نقلت صحيفة هارتس عن محلل عسكري إسرائيلي بأن عملية اغتيال القنطار تبشر بمرحلة جديدة من التوتر الشديد وغير المعتاد في تقاطع الحدود السورية الإسرائيلية اللبنانية. وكانت الخارجية الأمريكية صنفت القنطار ضمن لائحة الإرهاب في سبتمبر/أيلول، ووصفته بأنه أصبح أحد "أكثر المتحدثين باسم حزب الله شعبية وبروزا". وأضافت "منذ عودة القنطار، لعب أيضا دورا عملياتيا، بمساعدة سوريا وإيران في بناء بنية تحتية لحزب الله في مرتفعات الجولان". ويعتقد أن إسرائيل قد شنت عددا من الهجمات داخل سوريا، التي تشهد نزاعا وحربا أهلية، مستهدفة عناصر حزب الله.
تشيع القنطار
في هذا الشأن شيع حزب الله في معقله في الضاحية الجنوبية لبيروت القيادي سمير القنطار غداة اعلانه مقتله جراء غارة اسرائيلية في سوريا، حيث كان يتولى قيادة مجموعة عمليات في الجولان السوري ضد الدولة العبرية1967. وفي مقبرة روضة الشهيدين في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية، وضع جثمان القنطار قبل تشييعه، ملفوفا براية حزب الله. ووضعت خلف النعش لافتة كتب عليها "على طريق القدس، عميد الاسرى الشهيد سمير القنطار".
وعزز حزب الله بالتعاون مع قوى الامن اللبناني الاجراءات الامنية في الضاحية الجنوبية، حيث اغلقت الطرقات بحواجز حديدية وسط انتشار امني لعناصر الحزب، وارتدى بعضهم زيا عسكريا موحدا وحملوا اعلام حزب الله. وقتل سمير القنطار في غارة اسرائيلية استهدفت مبنى كان يتواجد فيه في مدينة جرمانا في ريف دمشق، وفق ما اعلن حزب الله في بيان.
وقال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين قبل انطلاق موكب التشييع "اذا كان العدو(اسرائيل) يتخيل انه قد اقفل حساباته فانه مخطئ جدا لانه يعلم وسيعلم تماما انه فتح على نفسه حسابات". وكانت اسرائيل اعتبرت على لسان مسؤول امني كبير غداة اطلاق سراح القنطار العام 2008 انه "هدف". واضاف "اذا كان ثمة احتمال أن تصفي اسرائيل حساباتها مع القنطار فلن تتردد".
والقنطار (54 عاما) درزي يتحدر من بلدة عبيه الواقعة جنوب شرق بيروت، وهو معتقل سابق في اسرائيل لنحو ثلاثين عاما، ويلقب بـ"عميد الاسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية"، حيث كان يقضي عقوبة بالسجن المؤبد بعد ادانته بقتل ثلاثة اسرائيليين في نهاريا (شمال اسرائيل) في نيسان/ابريل 1979. وكان القنطار لا يزال حينها فتى قاصرا ومنضويا في صفوف "جبهة التحرير الفلسطينية". وافرج عنه واربعة معتقلين لبنانيين في اطار صفقة تبادل مع حزب الله العام 2008.
وكتب اخيه الزميل بسام القنطار في مقال في صحيفة الاخبار، المقربة من حزب الله "سبع سنوات في رحاب الحرية، كان سمير فيها منخرطا بكليته في العمل المقاوم داخل لبنان. وحين لاحت بشائر تأسيس جبهة مقاومة في الجولان السوري المحتل، كان اول الوافدين". وقال ان اسرائيل حاولت اغتياله "ست مرات" في لبنان وسوريا. ولم تتبن اسرائيل رسميا تنفيذ الغارة الا ان مسؤولين اسرائيليين رحبوا بمقتل القنطار.
ويقول الباحث اللبناني ومؤلف كتاب "دولة حزب الله" وضاح شرارة "يمثل سمير القنطار رمزا لمشروع معلق، وهو انشاء جبهة مقاومة في الجنوب السوري الدرزي". ويضيف "حاول القنطار ان يقوم بدور فاعل بحكم انتمائه الى الطائفة الدرزية لمد جسور يسعى من خلالها الى كسر علاقة الدروز بالدولة العبرية. وهذا امر لا تستطيع اسرائيل ان تقبل به". ويعيش حوالى الفي درزي في الجولان، ويحمل الجزء الاكبر منهم الجنسية الاسرائيلية منذ احتلال تلك المنطقة في العام 1981. ويعيش في اسرائيل 130 الف درزي.
وادان النائب الدرزي وليد جنبلاط، الذي يختلف سياسيا مع حزب الله، مقتل القنطار. وقال في تصريح "بمعزل عن التباينات في الموقف السياسي حيال الأزمة السورية، فإننا ندين استهداف المناضل سمير القنطار بغارة إسرائيلية في جرمانا ما أدى إلى استشهاده". واضاف أن "الشهيد القنطار كرس حياته لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأمضى عقودا في زنزانات الاعتقال من دون أن يتراجع عن مواقفه ومبادئه، ثم خرج إلى الحرية أكثر إيمانا بالتوجهات السياسية التي عمل في سبيلها".
وشغل القنطار وفق المرصد السوري لحقوق الانسان منصب "قائد المقاومة السورية لتحرير الجولان" التي اسسها حزب الله منذ نحو عامين لشن عمليات ضد اسرائيل في مرتفعات الجولان، التي تحتل اسرائيل جزءا منها. ولبنان واسرائيل في حالة حرب رسميا، وقد احتلت الدولة العبرية اجزاء عدة من جنوب لبنان لمدة 22 عاما قبل ان تنسحب منه العام 2000 وتبقي على احتلالها لمنطقة مزارع شبعا الحدودية مع الجولان المحتل والتي يدور خلاف حول ما اذا كانت لبنانية ام سورية. بحسب فرانس برس.
وانتقدت تعليقات وتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان عدم تحرك روسيا التي تمتلك رادارات من احدث انظمة الدفاع الجوي وصواريخ طويلة المدى "اس 400". وسأل احد الناشطين "هل يمكننا القول ان العملية التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية في جرمانا تم تنسيقها في غرفة العمليات الروسية-الإسرائيلية المشتركة؟". وذكرت وسائل اعلام قريبة من حزب الله ان طائرتين اسرائيليتين قصفتا جرمانا باربع صواريخ من فوق الجولان المحتل عند بحيرة طبريا من دون ان تخترقا الاجواء السورية. وبالنسبة لشرارة، استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، "اوضحت روسيا منذ البداية ان دفاعها عن النظام السوري لا يرتبط بالصراع السوري الاسرائيلي".
الرد حتمي
في السياق ذاته قال الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله إن إسرائيل اخطأت التقدير بقتلها القائد العسكري سمير القنطار في غارة جوية في سوريا مشيرا إلى أن الرد قادم في أي مكان في العالم. وقال نصر الله ان "الرد على اغتياله قادم لا محالة." وللمرة الاولى يشير نصر الله الى إمكانية ان يكون الرد في الخارج قائلا "من واجب الاسرائيليين ان يقلقوا كما هم قلقون الآن. هم قلقون عند الحدود قلقون في الداخل وقلقون في الخارج ويجب ان يقلقوا عند الحدود وفي الداخل وفي الخارج." وأضاف "اقول للصديق والعدو أيا تكن التبعات والتهديدات التي لا نخافها نحن لا نستطيع ولا يمكن ان نتسامح مع سفك دماء مجاهدينا واخواننا من قبل الصهاينة في أي مكان في هذا العالم."
وأبدت إسرائيل ترحيبها بمقتل القنطار قائلة إنه كان يعد لهجمات على إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية. ولكنها لم تبد ما يفيد بمسؤوليتها عن قتله في الغارة التي وقعت في حي سكني في دمشق، وكان وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعلون حذر عبر القناة الثانية الاسرائيلية حزب الله من الرد لكنه قال انه يأخذ امكانية الرد بعين الاعتبار متهما ايران حليفة حزب الله "بمحاولة فتح جبهة ارهابية في مرتفعات الجولان".
لكن نصر الله قال ان التهديد الاسرائيلي في الايام الاخيرة "لن يمسّ بإرادتنا وتصميمنا على العمل أياً تكن التبعات". ووصف نصر الله القنطار المولود عام 1962 بانه "قائد" في حزب الله موضحا للمرة الاولى انه لعب دورا اساسيا في انشاء "مقاومة شعبية سورية" في الجولان السوري المحتل قائلا "سمير وإخوة سمير كان لهم دور المساعدة ونقل التجربة الى المقاومة السورية الفتية التي تعلق عليها الآمال ويخشاها العدو." ويشارك حزب الله في القتال الى جانب الرئيس بشار الاسد في الحرب في سوريا.
وقالت وسائل إعلام حكومية سورية إن القنطار كان مشاركا في هجوم كبير في وقت سابق هذا العام في القنيطرة على مقربة من هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل. واكد نصر الله عبر شاشة عملاقة في احتفال اقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت ان "الصهاينة يتعاطون مع الجولان بهذه الحساسية لانهم لا يريدون ان يفتح عليهم باب من هذا النوع".
وكانت غارة جوية إسرائيلية في يناير كانون الثاني الماضي أسفرت عن مقتل ستة من أعضاء حزب الله منهم قائد وابن لقيادي عسكري راحل في الجماعة هو عماد مغنية قرب الجولان. وقال نصر الله "سمير القنطار استشهد...والرد على اغتياله قادم لا محالة. انظروا عند الحدود من الناقورة للبحر الى مزارع شبعا الى جبل الشيخ الى آخر موقع اسرائيلي في الجولان المحتل اين هم جنود وضباط وآليات العدو الاسرائيلي؟ اليسوا كالجرذان المختبئة في جحورها؟". بحسب رويترز.
ومضى يقول "اذا كان هناك احد أخطأ في التقدير أو يخطئ في التقدير فهو الإسرائيلي وليس نحن.. نحن قرارنا حاسم وقاطع منذ الأيام الأولى. والمسألة اصبحت في يد المؤتمنين الحقيقيين على دماء الشهداء". واشار الى ان القنطار الدرزي المذهب انخرط في العمل العسكري في حزب الله منذ اطلاق سراحه "وشارك بالعديد من الدورات واختار سلاح ضد الدروع نتيجة تصوره لأهميته".
صواريخ وتهديدات
الى جانب ذلك اطلقت ثلاثة صواريخ كاتيوشا من جنوب لبنان باتجاه شمال اسرائيل، وفق ما اكد مصدر امني لبناني وذلك بعد ساعات على اعلان مقتل القيادي في حزب الله سمير القنطار بغارة اسرائيلية قرب دمشق. وفي وقت لاحق، اطلقت اسرائيل تسع قذائف مدفعية استهدفت جنوب منطقة صور، وفق ما ذكرت الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية في لبنان.
وقال المصدر الامني "تم اطلاق ثلاثة صواريخ كاتيوشا من بلدة جنوب مدينة صور، تبعد حوالى خمسة كيلومترات عن الحدود مع اسرائيل". وافاد المصدر في وقت سابق عن اطلاق صاروخين. وفي اسرائيل، اشار الجيش الاسرائيلي في بيان اصدره الى "دوي صفارات الانذار في شمال اسرائيل" مضيفا انه "وفق معلومات اولية، تم اطلاق ثلاثة صواريخ والجيش يجري عمليات بحث" لتحديد اماكن سقوطها. بحسب فرانس برس.
وقالت مصادر اعلامية في جنوب لبنان ان دوريات تابعة للقوة الدولية المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل) واخرى تابعة للجيش اللبناني نفذت انتشارا في منطقة صور بهدف تحديد النقاط التي تم اطلاق الصواريخ منها. وفي وقت لاحق، افادت الوكالة الوطنية للاعلام عن سقوط تسع قذائف مدفعية مصدرها الجانب الاسرائيلي على منطقة جنوب مدينة صور.
من جهة اخرى اكد مسؤول منطقة البقاع في حزب الله لبنان محمد ياغي أن الرد على اغتيال الشهيد سمير القنطار سيأتي مباغتا وصاعقا مضيفا "إن كان العدو سيرد فستكون المقاومة جاهزة وحاضرة لمواجهته في الموقع الطبيعي". وقال ياغي في حديث له نشره موقع المنار "في حال نشوب حرب فلن تكون طويلة وستحسم سريعا فالمقاومة مع مرور الوقت تزداد قوة وعدة وعديدا وهي أعدت خطة استراتيجية لمواجهة العدو على أساس أنه صراع وجود". وشدد على ان "ما يقوم به العدو الصهيوني من اغتيالات للكوادر والقادة لن يستطيع النيل من المقاومة بل يجعل هذا العدو يعيش اليوم مزيدا من القلق والخوف والرعب".
من جانبه حذر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال جادي إيزنكوت "حزب الله" من الرَّد على مقتل القنطار، مؤكدًا استعداد جيشه لكافة التحديات. وقال إيزنكوت ردًّا على تهديدات "حزب الله": إن "جنودنا يواجهون إرهابًا قاتلًا كل يوم بجرأة وإصرار، وخارج حدودنا أيضًا، في مواجهة التهديدات القادمة من الشمال"، مؤكدًا أن "إسرائيل جاهزة للتعاطي مع أي تحدٍّ، وكما أثبتت سابقًا فهي تعرف كيف تضرب من يريد المساس بها". وأضاف: "أعداؤنا يعرفون أن من يحاول زعزعة أمن إسرائيل فإنه سيتحمل نتائج خطيرة".
وقد أنشأ الجيش الإسرائيلي وكما نقلت بعض المصادر لواءً جديدًا، هو لواء الكوماندوز، وحّد فيه أربع وحدات نخبة كانت تابعة لألوية سلاح المشاة، على أن يُنشر هذا اللواء الخاص على الخطوط الأمامية، في مواجهة التهديدات الصادرة عن "حزب الله" وتنظيم "داعش"، إضافة إلى التدهور الأمني في الضفة.
اضف تعليق