الحرب في سوريا التي دخلت منعطفا مهما بعد تدخل روسيا بشكل مباشر، من اجل مساعدة ودعم قوات الجيش السوري وتنفيذ ضربات جوية تستهدف تنظيم داعش والمجموعات الارهابية اخرى، لاتزال محط اهتمام العديد من المراقبين خصوصا وان البعض منهم يرى ان الدب الروسي سعى الى اعتماد خطط جديدة في هذه الحرب بهدف تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، وذلك من خلال ايجاد تحالفات جديدة مع بعض الجهات والجماعات المعارضة المدعومة من دول وحكومات غربية واقليمية، الامر الذي قد يسهم في تذليل المشاكل والضغوط ويجنب روسيا الدخول في مواجهات مع دول واطراف اخرى، اتهمت روسيا بضرب المعارضين الذين تصفهم امريكا "بالمعتدلين" من أجل مساندة حليفها الرئيس الأسد.
ويرى متابعون للنزاع السوري أن التحركات الروسية المكثفة اتت على خلفية الهجمات الارهابية التي نفذها تنظيم داعش في بعض الدول، يمكن ان تسهم بتغير المواقف السابقة بخصوص هذه الحرب، حيث سعت روسيا الى الاستفادة من موجة الغضب العالمي ضد داعش التي تزايدت بعد هجمات باريس، وفي اول تحرك كما تنقل بعض المصادر تم تنقش عبارة "من أجل باريس" من قبل أطقم أرضية روسية على بعض القنابل المخصصة لضرب اهداف في سوريا، في رسالة تضامن مع الضحايا. وأظهر تسجيل فيديو بثته وزارة الدفاع الروسية على موقع يوتيوب عسكريا يكتب "من اجل احبابنا" على قنبلة في قاعدة جوية روسية بسوريا. وجاء في وصف للفيديو "طيارو وفنيو قاعدة حميميم الجوية يبعثون رسالتهم إلى الإرهابيين بالبريد الجوي ذي الأولوية." وقال ساسة روس إن هجمات باريس تبرز ضرورة أن ينحي الغرب وروسيا خلافاتهما جانبا ويتحالفا لمكافحة المتشددين في سوريا.
من جانب اخر نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزير الدفاع سيرجي شويجو قوله إن أكثر من 600 من مقاتلي المعارضة السورية قتلوا في ضربة بصواريخ كروز أصابت هدفا في محافظة دير الزور. ولم يتضح متى نفذت هذه الغارة الصاروخية. وأضاف شويجو أن روسيا ضاعفت عدد مقاتلاتها التي تشارك في العملية بسوريا إلى 69.
مساندة الجيش الحر
في السياق ذاته قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا تساند الجيش السوري الحر المعارض وتقدم له الأسلحة والذخيرة والدعم الجوي في عمليات مشتركة مع القوات السورية النظامية في مواجهة المتشددين الإسلاميين. ويبدو أن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها موسكو إنها تدعم بالفعل خصوما للرئيس السوري بشار الأسد في القتال ضد تنظيم داعش. وقال بوتين إن القوات الجوية الروسية ضربت أهدافا "إرهابية" حددها الجيش السوري الحر.
وبعد ذلك بساعات قال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن روسيا تقدم إمدادات أسلحة إلى القوات المسلحة الموالية للأسد. ولم يقل بيسكوف إن بوتين أخطأ أو أُسيئ تفسير كلماته عن تقديم إمدادات إلى الجيش السوري الحر ولم ينف أن أسلحة ترسل إلى قوات المعارضة. وقال بيسكوف للصحفيين "تقدم روسيا أسلحة للسلطات الشرعية في الجمهورية العربية السورية."
وقال بوتين في اجتماع سنوي في وزارة الدفاع "يساعد عمل قواتنا الجوية في توحيد جهود القوات الحكومية والجيش السوري الحر." وأضاف مشيرا إلى الجيش السوري الحر "تشارك الآن الكثير من وحداته التي يزيد قوامها عن 5000 فرد في عمليات هجومية ضد الإرهابيين إلى جانب القوات النظامية في محافظات حمص وحماة وحلب والرقة." وتابع "نسانده من الجو كما نساند الجيش السوري. نساعدهم بالأسلحة والذخيرة ونقدم لهم دعما ماديا."
وأشار بوتين إلى أن الضربات التي ينفذها طيران وبحرية روسيا ألحقت أضرارا بالغة بالبنية التحتية لتنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة من شرق سوريا وغرب العراق. لكن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو قال إن نفوذ داعش يتزايد في سوريا حيث يسيطر المسلحون على حوالي 70 في المئة من البلاد. وقال شويجو إن عدد مقاتلي داعش في سوريا والعراق يبلغ حوالي 60 ألفا مشيرا إلى احتمالات بأن يمتد العنف إلى دول وسط آسيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي سابقا والقوقاز.
وفي حديثه إلى قادته العسكريين وجه بوتين انذارا ضمنيا إلى تركيا التي أسفر إسقاطها المقاتلة الروسية على مقربة من حدودها مع سوريا إلى توتر العلاقات مع موسكو وفرض روسيا لعقوبات اقتصادية عليها. وقال بوتين "أود أن أحذر من قد يحاولون من جديد القيام باستفزازات ضد جنودنا." وقال لقادته "آمركم بالتصرف بطريقة صارمة إلى أقصى الحدود. أي اهداف تهدد مجموعة (عسكرية) روسية أو البنية التحتية الأرضية يجب أن تُدمر على الفور."
وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو دعا في وقت سابق روسيا إلى الهدوء لكنه قال إن صبر بلاده ليس بلا حدود. وفي واشنطن قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها لا يمكنها تأكيد مزاعم بوتين أن بلاده تساند الجيش السوري الحر. وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي إنه اطلع على تصريحات بوتين بأن روسيا ساندت الجيش الحر في عمليات مشتركة مع قوات الحكومة السورية ضد المتشددين الإسلاميين. وأضاف كيربي قائلا "لم يتضح لنا ... هل هذه المزاعم عن مساندة الجيش السوري الحر صحيحة أم لا. ولذا فإنه لا يمكنني القول بصحة هذه التصريحات عدا ما قلناه من قبل من أن الأغلبية الساحقة من الضربات الجوية التي تنفذها الطائرات الروسية" تستهدف جماعات معارضة لحكومة الأسد ولا تستهدف داعش.
تدريبات ورسائل
على صعيد متصل تجري القوات السورية والروسية تدريبات مشتركة في غرب سوريا تمهيدا لعمليات عسكرية في محافظة ادلب (شمال غرب) التي تسيطر عليها فصائل اسلامية ابرزها جبهة النصرة، وفق ما افاد مصدر امني. وذكر مصدر أمني في ريف اللاذقية ان "عمليات تدريب مشتركة تجري بين القوات الروسية والقوات السورية في ريف اللاذقية الشمالي"، من دون ان يحدد موعد انتهائها. ووفق المصدر، فان منطقة التدريبات "تحاكي بطبيعتها مناطق في ريف إدلب (شمال غرب) خلف خطوط العدو، حيث انه في مرحلة مقبلة ستصبح إدلب الوجهة الأكبر والأهم للعمليات العسكرية المشتركة السورية-الروسية".
واوضح ان محافظة ادلب "تشكل حاليا أكبر تجمع للفصائل المقاتلة باستثناء تنظيم داعش على مستوى الجغرافيا السورية". وتسيطر فصائل "جيش الفتح" الذي يضم جبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا) وفصائل اسلامية ابرزها حركة احرار الشام على مجمل محافظة ادلب منذ الصيف الماضي بعد معارك عنيفة مع قوات النظام التي بات وجودها يقتصر على قوات الدفاع الوطني والمسلحين الموالين لها في بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين المحاصرتين. بحسب فرانس برس.
ووفق المصدر، فان "المسلحين يرحلون الى محافظة ادلب بعد التسويات" التي يتوصلون لها مع الحكومة السورية في مناطق اخرى وتنص على انسحابهم من هذه المناطق، خصوصا ان تلك المحافظة هي "الوحيدة الخارجة عن سيطرة الدولة السورية بشكل كامل لصالح مسلحين لا ينتمون الى تنظيم داعش". وتم اجلاء اكثر من مئة مقاتل من مقاتلي الفصائل المحاصرين منذ اكثر من عامين في مدينة قدسيا الواقعة شمال غرب دمشق، الى محافظة ادلب. ومن المقرر ايضا ان تخلي الفصائل حي الوعر، اخر نقاط تمركزها داخل مدينة حمص (وسط)، باتجاه ادلب بموجب اتفاق تم التوصل اليه مع الحكومة السورية برعاية الامم المتحدة.
من جانب اخر وفي رد مضاد قال موقع سايت الذي يرصد الحركات الإسلامية المتشددة إن مقطع فيديو نشره تنظيم داعش على الإنترنت يظهر ما يبدو أنه ذبح رجل قال التنظيم إنه جاسوس روسي أسره مقاتلوه وكان في سوريا والعراق منذ العام الماضي. ويظهر في الفيديو الرجل جالسا وهو يرتدي بزة برتقالية ويشرح تفاصيل تجنيده من قبل أجهزة المخابرات الروسية.
ثم في مكان آخر في العراء يظهر مقاتل للتنظيم وهو يذبح الرجل ويقطع رأسه وتحدث المقاتل بالروسية مهددا روسيا والرئيس فلاديمير بوتين بهجمات. ويبدو أن هذا أول ادعاء للتنظيم المتشدد بأنه يحتجز الأسير الروسي. ولم تعلن موسكو أن احدا من مواطنيها محتجز لدى داعش. وقال موقع سايت ان الفيديو من محافظة الرقة المعقل الرئيسي للتنظيم في شمال سوريا. ورفض جهاز الأمن الروسي (إف.إس.بي) التعقيب. ولم يرد تعقيب فوري من وزارة الخارجية الروسية.
روسيا وامريكا
من جانب اخر اعلنت روسيا والولايات المتحدة بأن مؤتمرا دوليا مخططا له مسبقا لبحث الأزمة السورية سيعقد في مقر الامم المتحدة في نيويورك، وذلك عقب اجتماع وزير الخارجية الامريكي جون كيري في موسكو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقب الاجتماع الذي دام 3 ساعات تقريبا، نؤيد فكرة عقد مؤتمر جديد للمجموعة الدولية لدعم سوريا في نيويورك على المستوى الوزاري وأكد كيري بدوره أن المؤتمر سيعقد في موعده، واضاف "ركز اجتماعنا بشكل رئيس على سوريا ومحاربة الارهاب واوكرانيا".
وقال إنه نقل الى الرئيس الروسي مخاوف واشنطن من أن "بعض الضربات الجوية الروسية استهدفت المعارضة السورية المعتدلة" وليس التنظيم اضاف "ويسرني القول إن الرئيس الروسي اخذ ذلك بالاعتبار." وقال الوزيران الروسي والامريكي إن المؤتمر قد يؤدي الى صدور قرار عن مجلس الامن يثبت عملية السلام في سوريا. ويذكر ان روسيا والولايات المتحدة ترعيان الجهود الدولية الهادفة الى تثبيت وقف لاطلاق النار في سوريا واطلاق مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة. بحسب بي بي سي.
ولكن موقفي البلدين يتعارضان حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد وافضل السبل التي ينبغي اتباعها للتصدي لتنظيم داعش مما يهدد بتقويض العملية برمتها. وقال لافروف إنه "فيما يخص التسوية في سوريا، ركزنا على تعزيز الجهود في التصدي للارهاب. إن داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الارهابية تشكل خطرا مشتركا لنا جميعا، واكدنا اليوم التزامنا وتصميمنا على استئصال هذا الشر." من جانبه، وصف كيري لافروف بأنه "الرئيس المساعد" للمؤتمر، وشكره على الجهود التي بذلها في سبيل عقد مؤتمر نيويورك. وكان مسار عملية السلام في سوريا قد تعثر بعد ان اعترضت موسكو على المحادثات التي استضافها السعوديون والتي شاركت فيها تنظيمات تعدها روسيا ارهابية.
اضف تعليق