النجاحات العسكرية المهمة التي يحققها الجيش العراقي بدعم مباشر من قوات الحشد الشعبي ومقاتلي العشائر في الحرب ضد عصابات داعش الاجرامية وكما يقول بعض الخبراء، لاتزال محط اهتمام واسع فعمليات التحرير السريعة والانتصارات المتعاقبة للقوات العراقية، التي كبدت هذ التنظيم خسائر كبيرة وافقدته السيطرة المطلقة على العديد من المناطق، وهو ما لم يستطع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية تحقيقه رغم توفر الامكانات والموارد، تلك الانجازات اسهمت بتغير الكثير من التوقعات السابقة واعطت الجيش العراقي قوة وثقة اضافية، استطاع من خلالها تغير موازين القوى الامساك بزمام المبادرة من جديد، لكنها في الوقت ذاته فرضت تحديات جديدة وكبيرة على الحكومة العراقية التي تعاني من مشكلات وازمات سياسية ومالية متفاقمة، خصوصا في ظل استمرار المماطلة الغربية المستمرة بتسليح العراق والمطالبات والضغوط السياسية الاخرى المبنية على تحقيق المصالح الخاصة، والتي قد تسهم بعرقلة الخطط الانجازات التي تحققت مؤخرا.
حيث يرى البعض ان المرحلة القادمة ستكون اكثر خطورة بسبب التدخلات الخارجية الرامية الى انقاذ ودعم عناصر تنظيم داعش، وذلك وفق مخططات مدروسة لضرب الحشد الشعبي، فالولايات المتحدة التي عمدت الى اطالة امد الحرب مع تقديم الدعم الخفي لتنظيم داعش الارهابي، تضررت كثيرا من الانتصارات الاخيرة والتدخل الروسي في سوريا، تسعى اليوم الى اعتماد خطط جديدة من خلال العزف على وتر الطائفية وتشكيل قوة قتالية موازية للحشد الشعبي، وقد اكدت بعض المصادر وجود إن هناك مشروع امريكي بالتعاون مع قيادات سنية لتكوين عشرة آلاف مقاتل من العشائر يتم تدريبهم وتسليحهم بمختلف الاسلحة في احدى القواعد الامريكية في العراق، وهو ما ستكون له نتائج وانعكاسات خطيرة على العراق بشكل عام.
قوات كافية
فيما يخص بعض التطورات في العراق فقد قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ان بلاده لديها قوات كافية لانزال الهزيمة بتنظيم داعش ردا على مطالبة اعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي الى زيادة نشر قوات اميركية في العراق. ودعا عضوا مجلس الشيوخ الاميركي جون ماكين وليندس غراهام الى تشكيل قوة من 100 الف جندي اجنبي معظمهم من دول المنطقة السنية اضافة الى جنود اميركيين لمقاتلة "داعش" في المنطقة.
وقال العبادي في بيان اصدره مكتبه الاعلامي "نؤكد بان لدى العراق ما يكفي من الرجال والعزيمة لالحاق الهزيمة بداعش واشباهها من الجماعات الاجرامية الاخرى". لكنه رحب ب "زيادة الدعم في السلاح والتدريب والاسناد من الشركاء الدوليين في حربنا ضد الارهاب". في تصريحاتهما لصحافيين في بغداد، دعا عضوا مجلس الشيوخ الاميركي الى زيادة عديد القوات الاميركية في العراق الى عشرة الاف والتي تقدر حاليا بثلاثة الاف و500 عسكري. بحسب فرانس برس.
وذكر ماكين رئيس اللجنة العسكرية ان "رئيس الوزراء (...) قال بانه يريد تواجدا اميركيا اكبر هنا" في العراق. بدوره، قال غراهام عضو اللجنة ذاتها "قلت لرئيس الوزراء (العبادي) هل ترغب بمساعدة اميركية اكبر الجواب كان نعم". ويعد نشر الجنود الاميركيين في العراق، حيث خاض الجيش الاميركي حربا دامت نحو تسع سنوات، قضية حساسة جدا خصوصا بالنسبة لسياسيين يرتبطون بعلاقات وثيقة مع ايران ولديهم نفوذ كبير في الحكومة ومجلس النواب. ورغم مواصلة قوات عراقية بمساندة التحالف الدولي عمليات لطرد الجهاديين مازال تنظيم داعش يسيطر على مناطق واسعة في شمال وغرب العراق، منذ هجمات شرسة شنها في حزيران/يونيو 2014، كما يفرض سيطرته على مناطق واسعة في سوريا.
آخر خطوط الامداد
من جانب اخر قال مسؤولون عراقيون وضابط بالجيش إن القوات العراقية قطعت آخر خط إمداد لتنظيم داعش إلى مدينة الرمادي بغرب العراق حين سيطرت على جسر فلسطين الرئيسي. وتعني السيطرة على جسر فلسطين الذي يقع على نهر الفرات في شمال غرب الرمادي أن القوات العراقية باتت تطوق المدينة. وستتحرك الآن للسيطرة على المدينة من المتشددين حيا بعد الآخر.
وقال صباح النعماني الناطق باسم قوات مكافحة الإرهاب التي نشرت في الجانب الغربي من الجسر إلى جانب قوات الشرطة الاتحادية إن الجسر بات الآن تحت سيطرة القوات العراقية بالكامل. وأضاف أن القوات تحكم الخناق حول تنظيم داعش. وسقطت الرمادي عاصمة محافظة الأنبار في أيدي داعش في مايو ايار فيما وجه أكبر ضربة في نحو عام للقوات الحكومية وأضعف الآمال في اقتلاع المتشددين من شمال وغرب البلاد.
وتعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي بشن هجوم مضاد على وجه السرعة لاستعادة المدينة. لكن الجيش العراقي وضباط بالشرطة الاتحادية قالوا في السابق إن الهجوم تأخر بسبب القنابل المحلية الصنع وعدم كفاية القوات والمعدات بسبب نقص الأموال لدى الحكومة وقواعد الاشتباك الصارمة للضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة. وقال عقيد بالجيش من الفرقة التاسعة في الجانب الشرقي من جسر فلسطين إن أحدث تقدم تم بمساعدة ضربات جوية مكثفة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وإن فرق إبطال مفعول المتفجرات تستعد لتطهير الطريق. بحسب رويترز.
وقال العقيد الذي طلب عدم الافصاح عن اسمه "هذا التقدم بالغ الأهمية". وأضاف "لا يمكن لداعش بعد الآن نقل أي أسلحة أو أغذية أو معدات عبر النهر مثلما كانوا يفعلون في السابق." واستعادة المدينة ستكون دفعة معنوية كبيرة لقوات الأمن العراقية التي انهارت جزئيا عندما اجتاح التنظيم نحو ثلث العراق. وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع تحسين إبراهيم أنه تمت استعادة الجسر وعزل مقاتلي التنظيم داخل الرمادي عن معقلهم الذي يقع إلى الغرب في محافظة الأنبار وسوريا. والهدف النهائي للقوات العراقية هو كسر قبضة داعش على مدينة الموصل في شمال البلاد. واستعادت قوات كردية في الآونة الأخيرة مدينة سنجار في شمال غرب العراق لتقطع خط إمداد مهما بين الموصل ومدينة الرقة العاصمة الفعلية لداعش في سوريا.
نزوح جماعي
من جانب اخر تتوقع الأمم المتحدة نزوح أعداد هائلة من المدنيين عندما تبدأ القوات العراقية هجوما لاستعادة مدينة الموصل من متشددي تنظيم داعش. ولم يتضح متى ستكون القوات العراقية مستعدة لمهاجمة المدينة الشمالية. وأُرجئت عملية الهجوم المضاد التي طال انتظارها أكثر من مرة لأن القوات العراقية غير مستعدة ومنشغلة بالقتال في مناطق أخرى.
وقال برونو جيدو مندوب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن المفوضية تستعد لمساعدة الأشخاص الذين يهربون من الموصل وتم تحديد مواقع محتملة لإنشاء مخيمات جديدة لكن لن يكون هناك مكان يكفي الجميع. ولا يزال جزء كبير من سكان الموصل الذين يتجاوز عددهم مليون شخص في المدينة بعد أن سيطر عليها التنظيم في يونيو حزيران 2014 وحظر عليهم المتشددون الآن الرحيل.
وقال جيدو "هذه المرة يدرك المجتمع الإنساني جيدا أنه لن يكون هناك أي مبرر إذا أُخذنا على حين غرة وكنا غير مستعدين مرة أخرى. سينطوي ذلك على عملية نزوح كبيرة للمدنيين." وسيفاقم ذلك الأزمة الإنسانية العميقة بالفعل في العراق حيث بلغ عدد النازحين داخليا 3.2 مليون شخص أي نحو عشرة في المئة من السكان. وتشجع حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق المدنيين على العودة للمناطق التي تمت استعادتها لكن جيدو قال إن التعجل في ذلك قد يؤدي لنتائج عكسية. بحسب رويترز.
وقال "إذا حدث دمار شامل وكان هناك انعدام كامل للأمن أو عدم قبول لعودة النازحين داخليا من الذين بقوا فإن العودة -التي يجب أن تكون نتيجة طبيعية للمصالحة- قد تخلق في نهاية المطاف مزيدا من التوتر ومن ثم سيكون ذلك منافيا للغرض منها." وأضاف أن الأولوية الفورية هي الاستعداد للشتاء لكن في ظل الضغوط التي تعاني منها عمليات الإغاثة الإنسانية بسبب نقص التمويل فإن الموارد محدودة.
مزيدا من الدعم
على صعيد متصل تقاوم فصائل مسلحة عراقية -ينظر لدورها على أنه ضروري في قتال تنظيم داعش- تحركات لخفض ميزانيتهم وهو ما يسلط الضوء على التحدي المتمثل في فرض الحكومة سلطتها على واحد من أكثر القوات بأسا ونفوذا في البلاد. وأمام تراجع الإيرادات جراء أسعار النفط المنخفضة يخطط العراق البلد العضو بمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لإجراء تخفيضات واسعة النطاق في الميزانية العام القادم وينتظر أن ينخفض الإنفاق الحكومي نحو عشرة بالمئة إلى حوالي 95 مليار دولار.
وتشتكي فصائل مسلحة بينها قوات الحشد الشعبي من أن الحكومة في بغداد تخطط لاستبعاد عشرات الآلاف من عناصرها بدلا من قبول طلبها تمويل 156 ألف مقاتل العام المقبل. ونفى سعد الحديثي المتحدث باسم رئيس الوزراء حيدر العبادي أي نية لخفض الوظائف لمقاتلي الحشد الشعبي. وقال إن حوالي مئة ألف فحسب سجلوا في عام 2015 وإن الحكومة ستواصل تمويلهم بتكلفة حوالي مليار دولار لكنها ستلغي 50 ألف راتب مخصصة لمقاتلين كان من المتوقع تسجيلهم لكن ذلك لم يحدث.
وأكد الحديثي أن التمويل سيتم توفيره إذا ارتفع عدد المسجلين العام المقبل لكن الحشد الشعبي يرغب في تأمين التمويل الحكومي الآن. ويعكس الخلاف رفضا لسيطرة الحكومة بشكل مباشر على الحشد الشعبي الذي يدار من مكتب رئيس الوزراء لكنه يتشكل من مقاتلين لهم صلات وولاءات مختلفة من قادة الفصائل والسياسيين والزعماء الدينيين. وقال سجاد جياد المحلل العراقي الذي يقدم المشورة للحكومة "يفضل الحشد الشعبي الحصول على مبلغ إجمالي لتوزيعه على المقاتلين إذ يعتبره مناسبا للسيطرة على ميزانيته الخاصة كما هو الحال بالنسبة لوزارتي الدفاع والداخلية.
لكن الحكومة لا تريد الموافقة على ذلك." وقال أحمد السعدي المتحدث باسم قوات الحشد إن 550 مليون دولار إضافية قد طلبت لتوفير أسلحة وذخيرة وغيرها من المستلزمات. وقال جياد إنه بضغط الإنفاق العام المقبل يأمل العبادي في منع تحول الحشد الشعبي لمؤسسة حكومية رسمية قد تدفع قادتها على سبيل المثال لمناصب من خلال الانتخابات متوقعة في 2017 و2018. لكن رئيس الوزراء عليه أيضا أن يتجنب النظر إليه كعقبة في طريقهم وهو أمر قد يجلب عليه انتقادات ويدفعهم للجوء إلى ممولين غير حكوميين.
وازدادت الفصائل العراقية المسلحة التي زودتها إيران بالسلاح والتدريب- نفوذا وشعبية منذ اندفعت للصفوف الأمامية في يونيو حزيران 2014 بعد إعلان تنظيم داعش قيام ما يسمى دولة الخلافة في مناطق بشمال البلاد وغربها تمتد حتى الحدود السورية. وبينما تنفي قوات الحشد الشعبي أن لها أي تطلعات سياسية فإن للكثير من الفصائل المسلحة أجنحة سياسية وتتمتع بدعم شعبي واسع بعد سلسلة من الانتصارات على داعش في وقت انهار فيه الجيش مرتين تقريبا أمام مقاتلي التنظيم السني المتشدد.
وقال السعدي المتحدث باسم الحشد الشعبي إن الفصائل المسلحة تتطلع لأن تكون جزءا من المؤسسة الأمنية رغم أن هذا لا يعني بالضرورة الاندماج في مؤسسات قائمة كالجيش والشرطة. وقال جياد "إنهم يدركون أن الوقت قد حان للحصول على الاحترام الذي يستحقونه من جانب السياسيين وإضفاء صبغة رسمية على علاقاتهم مع الدولة." مضيفا أن هذا يقتضي تحديد مصادر تمويلها ووضع ذلك في إطار رسمي ورعاية عناصرها ومصابيها.
وفي ديسمبر كانون الأول الماضي وفي إطار إصلاحات ومحاولات لمكافحة الفساد فصل رئيس الوزراء 50 ألف "جندي وهمي" وهم عناصر من الجيش لم يكن لهم وجود لكنهم مدرجون على كشوف الرواتب. وأدت هذه الممارسة إلى إثراء بعض القادة وأضعفت قوة الجيش وعجلت بانهياره أمام داعش. وتساءل البعض إن كانت المنافسة على التمويل داخل الجماعات المشكلة للحشد الشعبي قد تسببت في تضخيم أعدادها. وقال جياد إن هناك بالتأكيد قلقا في الحكومة من أنه مهما كانت الأموال التي يتم دفعها فإنها ليست دقيقة تماما. وقال السعدي إن الأمر ليس كذلك.
وأضاف "هذا كلام غير منطقي فضلا عن انه مبني على اتهامات زائفة. لو نحسب جبهاتنا وما نحتاج اليه من عداد نحتاج ما لا يقل عن اضافة خمسين بالمئة على العداد الحالية حتى تشد الجبهات التي احنا ماسكين." وقال إنه منذ فبراير شباط دفعت قوات الحشد الشعبي رواتب إلى 130 ألف مقاتل بينهم 20 ألفا للمصابين وذوي القتلى. وخاطب هادي العامري القائد البارز بمنظمة بدر وهي حركة سياسية ساهم جناحها المسلح بآلاف المقاتلين في الحشد الشعبي البرلمان لتوضيح أهمية زيادة المخصصات للمقاتلين. بحسب رويترز.
وقال العامري الذي اندفع للجبهات الأمامية العام الماضي لوقف تقدم داعش صوب بغداد رغم أنه حينها كان وزيرا للنقل إن الحشد الشعبي قادر على تحرير العراق لكن هذا سيتطلب توفير المطلوب من الرجال والقدرات والمعدات. ويخشى المؤيدون أن منتقدي العبادي قد يستغلون ميزانية الحشد الشعبي لتسجيل نقاط سياسية في القضية التي تجتذب دعما واسعا بين أعضاء البرلمان وعموم العراقيين. وقال موفق الربيعي -وهو برلماني بارز من التحالف الحاكم بزعامة العبادي ومستشار سابق للأمن القومي "هناك بالفعل شعور معاد للعبادي في البرلمان بسبب خطة الإصلاح. "الناس لا يريدون خسارة مكاسبهم الاقتصادية أو نفوذهم السياسي. ستكون هذه عقبة أخرى أمامه بسبب شهرة الحشد الشعبي".
اضف تعليق