تصعيد خطير يشهده ملف الصراع الجديد بين روسيا وتركيا والذي بدأ بعد إسقاط تركيا لمقاتلة روسية على الحدود السورية التركية، حيث ارتفعت حدة التوتر والحرب الكلامية بين الجانبين بشكل كبير، حيث سعت روسيا الى رفع حجم ترسانته العسكرية في الشرق الأوسط، واعتماد اجراءات جديدة ضد تركيا وفرض عقوبات اقتصادية وغيرها من الاجراءات الاخرى التي قد تكون سببا في ردع تركيا، المتهمة اشعال الحروب ودعم الارهاب في سبيل تحقيق مصالحها التوسعية في المنطقة، وقد توعّد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الحكومة التركية بـ"مزيد من الإجراءات"، وشدّد بوتين على أن "ردّ روسيا لن يقتصر على العقوبات الاقتصادية.
ويرى بعض الخبراء ان التوتر والخلاف بدأ بشكل فعلي بعد التدخل المفاجئ لروسيا في حرب سوريا وهو ما اسهم بتغير موازين القوى وافشال خطط واحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان يسعى الى إقامة منطقة عازلة، تمكنة ومن فرض سيطرتة المطلقة على الحدود وبتالي ابعاد شبح اقامة دولة خاصة بالكرد الذين اصبحوا اليوم سلاح مهم بيد روسيا خاصة بعد الانتصارات التي حققوها في الفترة الاخيرة، وهو ما زاد في غضب أردوغان الذي اقدم على مجازفة كبيرة وغير مدروسة، بهدف لجم واضعاف الدب الروسي الذي سيسعى الى توسيع الحرب الحالية لتشمل تركيا.
روسيا "لن تنسى ابدا" اسقاط طائرتها
في هذا الشأن فقد حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ان روسيا "لن تنسى ابدا" اسقاط طائرتها الحربية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر على الحدود السورية مؤكدا ان الاتراك "سيندمون على ما فعلوه". وقال بوتين في خطابه السنوي امام البرلمانيين والحكومة وحكام مناطق روسية "لن ننسى ابدا هذا التآمر مع الارهابيين. لا نزال نعتبر الخيانة من اسوأ الاعمال واكثرها حقارة. فليعلم ذلك هؤلاء في تركيا الذين غدروا بطيارينا".
واضاف "لا اعلم لم قاموا بذلك. الله وحده يعلم" وسط تصفيق الحضور. وتابع "يبدو ان الله قرر معاقبة الزمرة الحاكمة في تركيا عبر حرمانها من المنطق والعقلانية". ووعد بوتين "يجب الا ينتظروا منا رد فعل عصبيا او هستيريا او خطيرا علينا وعلى العالم اجمع" قائلا "لن نشهر السلاح". واضاف "لكن اذا ظن احد ما بانه مقابل جريمة حرب جبانة كهذه، قتل مواطنينا، سيفلت بعقوبات في قطاع الاشغال العامة او قطاعات اخرى فهو مخطئ بشدة. هذه ليست المرة الاخيرة التي سنذكرهم فيها بما فعلوا، ولا المرة الاخيرة التي سيندمون فيها على ما فعلوه". بحسب فرانس برس.
وفرضت سلسلة عقوبات اقتصادية ضد تركيا استهدفت خصوصا قطاع الزراعة والاشغال العامة والطاقة والسياحة ردا على اسقاط الطيران التركي مقاتلتها فوق الحدود السورية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر. ومنذ ذلك الحين تتصاعد حدة التوتر بين البلدين حيث اتهم الجيش الروسي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وعائلته ب"الضلوع" في شراء النفط من تنظيم داعش. وقال بوتين مجددا "نحن نعلم من في تركيا يجني المال ويتيح للارهابيين كسب المال عبر بيع النفط المسروق من سوريا" متهما انقرة ايضا بانها دعمت المتمردين في شمال القوقاز في التسعينيات ومطلع الالفين فيما كانت موسكو تحارب الانفصاليين الشيشان.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن إسقاط تركيا لمقاتلة روسية هو جريمة حرب وإن الكرملين سيعاقب أنقرة بفرض مزيد من العقوبات في مؤشر على أن تداعيات الواقعة ستكون طويلة الأمد وخطيرة. وبعد دقائق من انتهاء بوتين من خطاب قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إن روسيا ستعلق محادثات مع أنقرة بشأن خط أنابيب الغاز (تركيش ستريم) في تحرك رمزي يهدف إلى اظهار مدى غضب الكرملين. ورفضت تركيا بشدة المزاعم الروسية بأن لها صلات بمتشددي تنظيم داعش. وحظرت روسيا بالفعل بعض المنتجات الغذائية التركية بما في ذلك بعض الفاكهة والخضر في إطار حزمة عقوبات أوسع نطاقا.
تركيا ترفض الاعتذار
في السياق ذاته رفض رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أي تلميحات بأن على أنقرة الاعتذار لروسيا عن إسقاط طائرتها الحربية بعدما حازت تركيا دعما قويا من حلف شمال الأطلسي بشأن حقها في الدفاع عن نفسها.
وقال داود أوغلو للصحفيين بعد اجتماع مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج في مقر الحلف في بروكسل "لا يحق لأي دولة أن تطلب منا الاعتذار". وأضاف "إن حماية حدودنا البرية ومجالنا الجوي ليس حقا فقط. إنه واجب." وتابع "نحن نعتذر عن ارتكاب أخطاء لا على قيامنا بواجبنا." وقال السفير الأمريكي لدى الحلف دوجلاس لوت للصحفيين "البيانات الأمريكية التي اطلعت عليها تدعم الرواية التركية للأحداث. الطائرة كانت في تركيا واستهدفت في تركيا وتم تحذيرها مرارا." وأضاف "لم تكن هناك أي خطط طيران تنتهك المجال الجوي لحلف شمال الأطلسي."
ونبه داود أوغلو بعد لقائه أمين عام حلف شمال الاطلسي ينس ستولتنبرج ونيله دعما حازما من الحلف لحق بلاده في الدفاع عن نفسها إلى أن مثل هذه الحوادث قد تستمر في الوقوع ما دامت روسيا والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش يعملان بشكل منفصل. وقال داود أوغلو في إشارة إلى تنظيم داعش "إذا كان هناك تحالفان يعملان ضمن المجال الجوي نفسه ضد التنظيم في العراق والشام فسيكون من الصعب الحيلولة دون تكرار حوادث من هذا النوع."
وسعيا لتهدئة الوضع دعا ستولتنبرج إلى الاتفاق مع موسكو على اجراءات جديدة طارئة لتجنب اندلاع صراع جراء أي حادث عرضي سواء خلال الغارات في سوريا أو خلال مناورات تجريها روسيا وحلف الأطلسي. واقترح ستولتنبرج إحياء المعاهدة التي ابرمت بعد فترة الحرب البارد والمعروفة باتفاقية فيينا والتي تحدد اللوائح الخاصة بالمناورات التي تجرى على نطاق كبير والأنشطة العسكرية الأخرى وكذلك الخطوط الساخنة وقنوات الاتصال العسكرية الأخرى. وقال ستولتنبرج "يجب تحديثها نظرا لاحتوائها على عدة ثغرات."
من جانب اخر قال مسؤول أمريكي إنه بعد إسقاط تركيا طائرة روسية أوقفت الولايات المتحدة في هدوء طلبا لها منذ فترة طويلة بأن تقوم تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي بدور أكثر فاعلية في الحرب الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش. وتهدف هذه الخطوة إلى إعطاء وقت كاف فقط كي تخف حدة التوترات المتزايدة بين تركيا وروسيا. وقال مسؤولان أمريكيان إن تركيا لم تقم بأي مهام جوية في إطار الغارات التي يشنها التحالف في سوريا.
وهذا التوقف يمثل أحدث تعقيد بشأن دور تركيا يختبر صبر المخططين العسكريين الأمريكيين الذين يريدون مساهمة تركية أكثر فاعلية ولاسيما في تأمين قطاع من الحدود مع سوريا يعد طريق إمداد مهما لتنظيم. وتأمل الولايات المتحدة أن تخف حدة التوترات بين موسكو وأنقرة بسرعة مما يسمح لتركيا بالقيام بدور أبرز داخل الحملة الجوية التي يشنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وشدد المسؤولون الأمريكيون على أن مجمل العمليات الجوية للتحالف لم يتأثر بالتوترات بين تركيا وروسيا.
تهريب نفط
من جانب اخر انتقلت روسيا الى مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في اطار الازمة المستمرة بين البلدين، باتهامه مباشرة بالاستفادة مع اسرته من تهريب النفط الذي يقوم به تنظيم داعش في سوريا. وقال نائب وزير الدفاع الروسي اناتولي انتونوف في مؤتمر صحافي امام مئات الصحافيين "يتبين ان المستهلك الرئيسي لهذا النفط المسروق من مالكيه الشرعيين سوريا والعراق هو تركيا". وتابع المسؤول الروسي "ان الطبقة الحاكمة السياسية، ومن ضمنها الرئيس اردوغان واسرته، ضالعة في هذه التجارة غير المشروعة"، معتبرا "ان استهتار الحكومة التركية لا حدود له".
واضاف "الا تطرحون تساؤلات حول كون نجل الرئيس التركي يتولى رئاسة احدى ابرز شركات النفط وان زوج ابنته عين وزيرا للطاقة؟ يا لها من شركة عائلية رائعة!" معلقا على تعيين صهر اردوغان بيرات البيرق (37 عاما) وزيرا للطاقة وعلى نجله بلال اردوغان الذي يملك مجموعة "بي ام زد" المتخصصة بالاشغال العامة والنقل البحري.
وقد سبق واتهم فلاديمير بوتين انقرة ب"حماية" مقاتلي تنظيم داعش والتغطية على تهريب النفط الذي يمثل اهم مصادر التمويل للتنظيم الجهادي المتطرف. وذهب بوتين ابعد من ذلك فاعتبر ان قرار الطيران التركي اسقاط طائرة السوخوي-24 الروسية "اتخذ لحماية الطرق التي ينقل عبرها النفط الى الاراضي التركية". واضاف ان تنظيم داعش ينقل الذهب الاسود "بكميات كبيرة الى تركيا" ويجني "ملايين ومليارات الدولارات".
من جانبه رفض رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو المزاعم الروسية بأن بلاده تشتري النفط من تنظيم داعش ووصفها بانها "دعاية سوفيتية الاسلوب" وقال إن تركيا تبذل قصارى جهدها للسيطرة على حدودها مع سوريا. وقال داود أوغلو "في فترة الحرب الباردة كانت هناك آلة دعاية سوفيتية. لا يعير أحد انتباها لكذب آلة دعاية سوفيتية الاسلوب."
وقال داود أوغلو ان رفض الولايات المتحدة المزاعم الروسية هو دليل آخر على ان روسيا تردد روايات مختلقة. ورفضت الولايات المتحدة بشكل قاطع الاتهامات الروسية بأن الحكومة التركية ضالعة مع تنظيم داعش في تهريب النفط من سوريا. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر إنه لا توجد أدلة تدعم هذا الاتهام.
لكن الرئيس الأمريكي باراك اوباما ومسؤولين أمريكيين كبارا عبروا عن خيبة أملهم من الثغرات الامنية المستمرة على طول نحو مئة كيلومتر من الحدود التركية يسيطر التنظيم على الجانب السوري منها. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست ان بعض المناطق لازالت غير مؤمنة بشكل جيد. وصرح داود أوغلو بأن تركيا تقيم "حواجز مادية" بامتداد المنطقة التي يسيطر عليها متشددو تنظيم داعش في الجانب السوري من الحدود. بحسب رويترز.
وقال إن تركيا تعمل مع شركاء في التحالف في مسعى لطرد مقاتلي التنظيم من الجانب السوري من الحدود في الفترة القادمة. وأضاف "تجري إقامة حواجز مادية في 98 كيلومترا من الحدود تحت سيطرة داعش. "تركيا تقوم بكل ما يلزم من عمل مع عناصر التحالف لطرد داعش من الحدود في الفترة القادمة."
من جانب اخر قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن حكومته ستتصرف "بصبر لا بعاطفة" قبل اتخاذ أي إجراءات ردا على قرار روسيا فرض عقوبات على تركيا. وقال إردوغان حين سُئل إن كانت تركيا سترد بعقوبات من جانبها "دعونا نتصرف بصبر لا بعاطفة. دعونا نتركهم يستخدمون ما لديهم من أوراق إن شاءوا وبعدها إذا كانت لدينا أوراق فسنستخدمها أيضا." وقال إردوغان إن تركيا تعمل لضمان ألا تتمزق العلاقات بالكامل مع روسيا المورد الرئيسي للطاقة إلى بلاده ووصف موسكو بأنها "شريك استراتيجي".
اضف تعليق