عملية تحرير قضاء سنجار من سيطرة ""داعش" من قبل قوات البيشمركة الكردية المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكة الذي شن اكثر من 250 ضربة جوية" لاسناد العملية العسكرية، اصبحت محط اهتمام كبير خصوصا وان البعض يرى ان تحرير سنجار سيكون له انعكاسات ايجابية على جميع محاور القتال ضد تنظيم داعش الارهابي، الذي تكبد في الفترة الاخيرة التي اعقبت التدخل الروسي في الحرب السورية الكثير من الخسائر وفقد العديد من المناطق المهمة، وتمكنت قوات البيشمركة السيطرة على شارع 47 في سنجار الذي يعد خط الامداد الرئيس بين "عاصمة" التنظيم في الرقة ومدينة الموصل في شمال العراق، فيما احكمت سيطرتها على الطريق الرئيس بين مدينة سنجار وتلعفر فضلا عن السيطرة على طريق الرئيسي بين مدينة سنجار والبعاج.
ويرى بعض الخبراء ان التحرك الكردي الاخير وعلى الرغم من اهميته الكبيرة، ربما ستكون له نتائج عكسية في المستقبل القريب خصوصا وان حكومة اقليم كردستان المتهمة في تسهيل دخول داعش من اجل تحقيق مصالح خاصة، تسعى الى السيطرة على مناطق اضافية في شمال العراق من اجل توسيع حدودها الادارية، وهو ما قد يساعد في حدوث ازمات ومشاكل جديدة بين العرب والاكراد قد تتحول الى حرب جديدة يصعب السيطرة عليها، خصوصا وان البعض يرى ان هناك مقدمات خطيرة حدثت في الفترة الاخيرة في سنجار التي يخشى سكانها العرب من انتقام القوات الأيزيدية التي ساهمت في التحرير، يضاف الى ذلك احداث طوزخرماتو وهو ما قد يسهم بتفاقم الخطر وتوسيع الخلافات. من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان الحرب لاتزال طويلة وهو ما قد يمنح تنظيم "داعش" الوقت الكافي للاستعداد وتنفيذ هجمات جديدة ضد القوات الكردية في سنجار وغيرها من المناطق الاخرى، الامر الذي قد يسهم بتغير النتائج التوقعات.
تحرير سنجار
فيما يخص اخر التطورات الميدانية في سنجار تعمل القوات الكردية العراقية على ازالة العبوات الناسفة بعد استعادة السيطرة على مدينة سنجار. ويتوجب على القوات ازالة هذه العبوات قبل السماح لسكان هذه المدينة من الاقلية الازيدية التي واجهت حملة وحشية من التنظيم المتطرف الذي قام بقتل واغتصاب وسبي نسائها، بالعودة وبناء حياتهم مجددا.
وقال سليمان سعيد احد افراد قوة ازالة الالغام الكردية "حتى الان تم تفكيك العشرات من العبوات ناسفة وسيارة مفخخة في المدينة"، واضاف ان "المتفجرات منتشرة في المنازل بشكل واسع، وقد عثرنا على عشرين طنا من المواد المتفجرة في احد المنازل، اضافة الى العثور على معمل تفخيخ واكتشفنا عشرين برميلا من المتفجرات في منزل اخر"، بدوره، قال الكولونيل ستيف وارن المتحدث باسم التحالف الدولي، "الان تمت السيطرة على سنجار، او تحريرها، والصفحة الاخرى هي العودة وتنظيفها من الالغام".
واضاف ان "هذه العملية قد تاخذ بعض الوقت ربما يصل الى اسبوع او عشرة ايام، وذلك يعتمد على مدى تعقيد حقول الالغام والعوائق التي تركها التنظيم خلفه". من جانبه، قال مجلس امن اقليم كردستان في بيان ان الفرق ستعمل على ازالة المساحات المزروعة بالغام بكثافة، في الوقت الذي ستستمر قوات البشمركة بتعزيز مواقعها الدفاعية". لكن العبوات الناسفة ليست العائق الوحيد الذي يواجه عودة النازحين، حيث ان العديد من المنازل والمحال التجارية قد تعرضت للتدمير خلال المعارك.
وقال البرزاني عبر مكبرات صوت نصبت على جدار من أكياس الرمل على مقربة من سنجار "في هذا اليوم أعلن لشعب كردستان تحرير سنجار." وأضاف قوله "لقد وعدنا وها نحن وفينا بوعودنا وأثبتنا لإخوتنا وأخواتنا اليزيديين أن كردستان كلها وراءهم. واليوم نثأر لكل يزيدي." وقال متحدث عسكري أمريكي إن مستشارين عسكريين أمريكيين كانوا مع القادة العسكريين الأكراد قرب جبل سنجار لكنهم اتخذوا مواقع بعيدا عن المعارك.
وانضم نحو 7500 من القوات الخاصة الكردية والبشمركة والمقاتلين اليزيديين إلى القتال. والمعركة في نظر اليزيديين المشاركين في القتال تتعلق بالثأر من العنف الذي ارتكبه تنظيم داعش في حق طائفتهم. ونزح معظم اليزيديين إلى مخيمات في إقليم كردستان ولا يزال الآلاف منهم في قبضة داعش. بحسب فرانس برس.
وجاء يزيديون من كل الأعمار للمشاركة في المعركة وعاد بعضهم من الخارج. وسعى للانضمام عدد قليل من الرجال تتجاوز أعمارهم السبعين عاما وقال قائد عسكري إنه رد صبيا يبلغ عمره 17 عاما. وتطوع للقتال افدل خلف عساف وهو رجل يبلغ من العمر 65 عاما ذو لحية رمادية طويلة. وقال "حتى من لا يملكون سلاحا عليهم المجيء ولو بالعصي لضرب العدو".
مقبرة جماعية
من جانب اخر عثرت السلطات الكردية العراقية على مقبرة جماعية في مدينة سنجار (شمال) تضم رفات عشرات من النساء الايزيديات اللواتي اعدمهن تنظيم داعش خلال سيطرته على المدينة، وفق مصدر محلي. وتقع المقبرة التي لم يتم فتحها حتى الان في الطرف الجنوبي للمدينة التي خضعت لسيطرة التنظيم لاكثر من عام. وقال عضو المجلس المحلي للمدينة ميسر حاجي ان "الموقع يضم رفات نحو 78 امرأة تراوح اعمارهن بين اربعين وثمانين عاما، بحسب شهادة بعض الفتيات اللواتي تمكن من الهرب لاحقا". واضاف "يبدو ان التنظيم الارهابي اختار الفتيات الصغيرات لسبيهن". بحسب فرانس برس.
واكد محمد خليل المسؤول المحلي لبلدة سنجار العثور على المقبرة لافتا الى انها تضم رفات نحو ثمانين ضحية. وشكل هجوم التنظيم ضد الايزيديين في صيف 2014 احد الاسباب المعلنة لبدء حملة الضربات الجوية الاميركية ضده في العراق، والتي توسعت لاحقا لتشمل مواقعه في سوريا ضمن ائتلاف يضم دولا غربية وعربية. واعتبرت الامم المتحدة ان الهجوم على الايزيديين بمثابة "ابادة جماعية". وقال متحف الهولوكوست في واشنطن ان الطائفة الايزيدية كانت ضحية "ابادة جماعية" ارتكبها تنظيم داعش، وفقا لتقرير استند الى ادلة جمعت في شمال العراق.
عمليات انتقامية
الى جانب ذلك افاد شهود عيان ان عددا من مسلحي الاقلية الايزيدية التي تعرضت الى هجوم وحشي على يد تنظيم داعش، اقدموا على حرق ونهب منازل العرب في بلدة سنجار التي حررتها قوات البشمركة الكردية من سيطرة الجهاديين. ومارس الجهاديزن لدى اقتحامهم سنجار العام الماضي حملة مذابح واغتصاب وسبي للنساء الايزيديين والتي وصفتها الامم المتحدة بانها ابادة جماعية محتملة.
وذكر عدد من الايزيديين الذين تمكنوا من الفرار لدى وقوع ذلك الهجوم في اب/اغسطس 2014، ان جيرانهم المسلمين ساعدوا بوقوع الهجوم وكانوا يدلون المتطرفين عن امكان وجودهم. وتمكنت قوات البشمركة الكردية العراقية، في عملية كبيرة نفذتها بدعم التحالف الدولي من استعادة السيطرة وتحرير سنجار من سيطرة الجهاديين. وقال شاهد عيان رافضا كشف اسمه، ان "منازل مسلمين تسرق وتحرق من قبل رجال ايزيديين بالخصوص المنازل التي كتب عليها التنظيم عبارة "سني" من قبل الجهاديين بعد سيطرتهم على البلدة للتعريف عن منازل تحت الحماية. بحسب فرانس برس.
واكد شاهد عيان، مشاهدة "رجال ايزيديين يسرقون ويحرقون منازل مسلمين". ورغم ذلك، نفى اشتي كوجر القيادي في قوات البشمركة المتواجدة في سنجار، وقوع هذه الاحداث، قائلا "لم تحدث اي حالات نهب او حرق لمنازل مسلمين سواء عرب او اكراد ". على ذات الصعيد، ذكر تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية قيام ميليشيا ايزيدية بالهجوم في كانون الثاني/يناير على قريتين للعرب السنة ، الى الشمال من سنجار، ادى الى قتل 21 شخصا واحراق العديد من المنازل. وشهدت مناطق متفرقة تم استعادة السيطرة عليها من سيطرة تنظيم داعش، في العراق حوادث سرقة وحرق لمنازل مدنيين مايهدد استقرار اوضاع البلاد على الامد البعيد.
امريكا ومعركة سنجار
في السياق ذاته قال مسؤولون ومحللون أمريكيون إن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للأكراد العراقيين يمكن أن يعطي قوة دفع لاستراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لهزيمة الجماعة المتطرفة. وقال جيفري وايت المحلل الكبير السابق بوكالة الاستخبارات الدفاعية والزميل بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني عن مقاتلي داعش "إنهم واقعون تحت ضغط كبير في جبهات كثيرة. أمامهم قرارات صعبة بشأن توزيع القوات."
وقال وايت ومسؤولان أمريكيان إن سقوط سنجار سيكون نجاحا كبيرا إلا أن القضاء على االتنظيم أمامه طريق طويل إذ أظهر التنظيم قدرة على احتواء النكسات وشن هجمات في مناطق أخرى حين يتعرض لهجوم وذلك طوال الحملة التي تقودها الولايات المتحدة وبدأت منذ 14 شهرا. وقال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه "أنت ترى نوعا من حرب الاستنزاف بدأ يتجلى هنا." لكن داعش لا يزال لديها "أصول هائلة" و "تصميم غير معقول على المضي حتى الموت." وصرح المسؤول بأن أي محاولة لاستعادة الموصل ثاني كبرى المدن العراقية من التنظيم المتشدد أمامها أشهر.
وفي الأصل تدعو الاستراتيجية التي كشف عنها أوباما العام الماضي بعد أن انطلق مقاتلو داعش من معقلهم في سوريا وسيطروا على مساحات كبيرة من العراق إلى عزل التنظيم أولا ثم دحره في العراق. وأقامت الولايات المتحدة تحالفا دوليا يشن ضربات جوية على التنظيم ويساعد في إعادة بناء الجيش العراقي وتقديم المشورة له بعد أن انهار في وجه الهجوم الضاري كما يدعم قوات البشمركة الكردية. لكن التقدم كان بطيئا. وواجهت القوات العراقية التي تساندها وحدات شيعية مقاومة شرسة لجهودها لاستعادة أراض خاصة في محافظة الأنبار التي تقطنها غالبية سنية.
وفيما يتعلق بسوريا حيث زادت روسيا وإيران من دعمهما للرئيس بشار الأسد اتهم أعضاء في الكونجرس الأمريكي وآخرون الحكومة بأنها تفتقر إلى استراتيجية متسقة للتعامل مع داعش. وحاولت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) وفشلت في تجميع قوات معارضة معتدلة تقتصر مهمتها على محاربة داعش لا قوات الأسد. وأعلن أوباما في وقت سابق أن ما يصل إلى 50 فردا من قوات العمليات الخاصة الأمريكية سينتشرون في شمال سوريا لتقديم المشورة لقوات المعارضة في تحول عن استراتيجية سابقة استمرت عاما لمحاربة التنظيم دون نشر قوات أمريكية على الأرض.
وشمل هذا التغير الاستراتيجي أيضا وضع مزيد من المقاتلات الأمريكية في تركيا لتوسيع نطاق الضربات الجوية مع تصعيد الضغط على الرقة من جانب الأكراد السوريين والعرب ومقاتلين آخرين من المعارضة. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في معرض دفاع قوي عن استراتيجية إدارته أن الحرب ضد داعش ستمتد لأعوام. وقال كيري "هناك أدلة متنامية في العراق وسوريا على أن تنظيم داعش يمكن هزيمتها بل واقتلاعها حين تواجه مزيجا من ضربات التحالف الجوية وشركاء لهم تأثير فعال على الأرض."
وقبل الهجوم الكردي نفذ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة 90 ضربة جوية حول سنجار منذ أول نوفمبر تشرين الثاني وفقا لبيانات البنتاجون. وقال مجلس أمن إقليم كردستان إنه تم انتزاع أكثر من 150 كيلومترا مربعا من التنظيم السني المتشدد وإنه سقط منه عشرات القتلى وهو ينسحب من مناطق من سنجار.
وقال متحدث عسكري أمريكي إن عددا قليلا من المستشارين العسكريين الأمريكيين يعملون مع مقاتلي البشمركة الكردية في جبال سنجار وبالقرب منها. ويقول بعض المحللين والمسؤولين إن معركة سنجار على أهميتها لن تغير دفة الحرب. وقال كينيث بولاك المسؤول السابق في المخابرات المركزية الأمريكية وفي البيت الأبيض الذي يعمل الآن في معهد بروكينجز البحثي إن تلك المعركة "ستربك (داعش) لبعض الوقت." أما إذا سيطر الأكراد على الطريق السريع فسيصعب على داعش تزويد مقاتليها في العراق بالعتاد والمؤن خاصة من يسيطرون على الرمادي عاصمة محافظة الانبار. بحسب رويترز.
وحذرت المصادر من أن الإسلاميين أبدوا من قبل قدرة على القيام بتراجع تكتيكي حين يستدعي الأمر وأنهم يحاولون التغلب على العقبات وتعويض الخسائر في منطقة ما من خلال شن هجمات غير متوقعة على منطقة أخرى. وقال وايت "هم أذكياء جدا فيما يتعلق بتغيير المكان حفاظا على قواتهم... ويخرجون على الأرجح برد فعل مدروس جيدا".
اضف تعليق