ازمة خطيرة يشهدها اقليم كردستان العراق بعد ان تحولت الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية الى صدامات واعمال عنف بين الشعب والقوات الامنية اوقعت العديد من القتلى والجرحى، هذا بالاضافة الى تعطيل الحياة العامة في الاقليم الذي يشهد توترا كبيرا اثر انتهاء ولاية الرئيس الحالي مسعود بارزاني وتفاقم الخلاف بين الاحزاب الكردية الرئيسية التي اخفقت في ايجاد حلول ومعالجات الخاصة بتجديد رغم سلسلة اجتماعات مكثفة عقدت في السليمانية واربيل، يضاف الى ذلك الاخفاقات المستمرة في معالجة المشكلات والازمات الاقتصادية التي يشهدها الاقليم في ضوء التقشف في موازنة البلاد على خلفية انخفاض اسعار النفط.
وبدأت مظاهرات الاحتجاج في الأول من أكتوبر تشرين الأول تعبيرا عن السخط الشعبي المتزايد في الإقليم الذي يعاني أزمة اقتصادية حادة يلقي كثيرون اللوم فيها على حكومة الإقليم التي يشارك فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني وأحزاب أخرى.
ويرى بعض المراقبين ان ازمة الاقليم يمكن ان تتطور بشكل كبير بسبب غياب الثقة وتبادل الاتهامات بين الاحزاب والشخصيات المتنفذة، التي تسعى الى تحقيق مصالح ومكتسبات خاصة حيث اكدت بعض المصادر، ان الحكومة الاقليم قد سعت الى اعتماد اسلوب العنف واقصاء الخصوم وافتعال الازمات، من اجل بقاء الرئيس الحالي مسعود بارزاني في منصبة، وبالتالي السيطرة على مقدرات وخيرات إقليم كردستان، الذي يصدر مئات الآلاف من براميل النفط يومياً ويحصل على ميزانة خاصة من الحكومة المركزية، لكنه لا يقوم بدفع استحقاقات ابناء الاقليم من رواتب وخدمات.
من جانبهم اتهم أنصار بارزاني خصومهم بأنهم ينفذون مخططات خارجية تريد تريد النيل من زعامة بارزاني وبتالي افشال تجربة الاقليم، ويريد خصوم بارزاني الذين يتهمونه بالتشبث بالمنصب تقليل صلاحيات المنصب وتحويل النظام إلى نظام برلماني فيما يدافع أنصاره عن النظام الرئاسي وقد ترددت انباء عن تدخل سفيري امريكا وبريطانيا في العراق على الخط طالبين تأجيل موضوع تعيين او انتخاب خلف لبارزاني الى بعد عامين.
تظاهرات حاشدة في السليمانية
في هذا الشأن فقد شارك في تظاهرة السليمانية وحدها اكثر من ثلاثة الاف متظاهر، وسط اجواء متوترة غداة مقتل شخصين واصابة 18 اخرين بايدي حراس احد مقار الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني خلال تظاهرة في قلعة دزة في محافظة السليمانية. وفي ظروف مشابهة، اعلن متحدث باسم المستشفى المحلي في بلدة كلر في اقصى الجزء الجنوبي من المنطقة الكردية في العراق مقتل متظاهرين اثنين برصاص حراس مسلحين فيما كانا يحاولان مع اخرين مهاجمة المقر العام للحزب الديموقراطي الكردستاني. وقال هذا المتحدث في مدينة كلر ان "المتظاهرين قتلا بالرصاص. احدهما عمره 19 عاما والثاني 40 عاما". وقال شهود عيان ومسؤول امني ان المتظاهرين اضرموا النار في المقر المحلي للحزب الديموقراطي الكردستاني في كلر.
وتركزت تظاهرة السليمانية في وسط المدينة وخصوصا في شارع مولوي، واندلعت خلالها مواجهات بين الشرطة والمحتجين الذين رشقوا عناصرها بالحجارة. وشهدت كلر ورانيا وقلعة دزة وهي الاقضية الرئيسية في السليمانية تظاهرات مماثلة. وهتف المتظاهرون "ارحل ارحل بارزاني". وقال نزار محمد وهو احد الناشطين المنظمين للتظاهرات ان "سقف مطالبنا ما عاد ينصب على اصلاحات اقتصادية ومكافحة الفساد، انما ارتفع الى رحيل بارزاني". واضاف ان "الاحزاب الرئيسية الخمسة لا تهتم بشؤون وحياة المواطنين، وينصب عملها على ازمة رئاسة الاقليم تاركة المواطن الذي يعاني من وضع اقتصادي مزر".
وتحدث مينار محمد مدير مستشفى السليمانية العام عن اصابة نحو 25 شخصا في المواجهات مع الشرطة، نافيا وجود حالات خطيرة. الى ذلك، هاجم عدد كبير من المتظاهرين مكاتب قناة روداو الفضائية التابعة لرئيس وزراء اقليم كردستان نيجرفان بارزاني وحطموا زجاج النوافذ وحاولوا اقتحامها، قبل ان تتمكن الشرطة من تفريقهم عبر اطلاق نار كثيف في الهواء. وفي قلعة دزة، قام المتظاهرون بحرق آخر مقر للحزب الديموقراطي الكردستاني المكون من ثلاثة طبقات بعد ان فر الحراس والمسؤولون من داخله.
وكان نحو 500 متظاهر خرجوا في مدينة قلعة دزة الواقعة على الحدود العراقية الايرانية، مطالبين بدفع رواتب الموظفين التي توقفت منذ ثلاثة اشهر واجراء اصلاحات ومحاسبة الفاسدين. وتوجه المتظاهرون اولا الى مبنى قائمقامية المدينة ثم غيروا مسارهم باتجاه مقر للحزب الديموقراطي الكردستاني ورشقوه بالحجارة. وافاد شهود ان حراس المقر ردوا باطلاق النار على المتظاهرين ما ادى الى مقتل فتى في الرابعة عشر من العمر ومعلم. وعلى الاثر، تطورت الاحداث وقام المتظاهرون باحراق مكتبين للحزب الديموقراطي داخل قلعة دزة وناحية زاراوة التابعة. بحسب فرانس برس.
واتهمت كتلة بارزاني في البرلمان حركة التغيير المعارضة بالوقوف وراء هذه الاحداث وتغيير اتجاه التظاهرة في قلعة دزة وتوجيه مسارها الى مقر الحزب الديموقراطي. وقال المتحدث باسم حركة التغيير باسم جلال جوهر في تصريح ان "الحركة مع التظاهرات والاحتجاجات المدنية السلمية وتدعمها لكنها في الوقت نفسه ضد اللجوء الى العنف بحق المحتجين". وطالب جوهر جميع الاطراف بالتحلي بالمسؤولية ازاء الوضع الحساس في الاقليم والمنطقة. يشار الى ان مدينة السليمانية تعد معقلا للاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير، فيما تعد مدينة اربيل معقل للحزب الديموقراطي الكردستاني.
ايقاف 4 وزراء
الى جانب ذلك عين رئيس وزراء إقليم كردستان العراق وزراء ليحلوا محل أربعة وزراء في الحكومة أوقفهم الحزب الحاكم في أسوأ أزمة سياسية منذ سنوات. وأوقف الحزب الديمقراطي الكردستاني الوزراء الأربعة في وقت سابق بعدما اتهم حركة كوران التي ينتمون إليها بإثارة احتجاجات عنيفة سقط خلالها قتلى من أجل تحقيق مكاسب سياسية.
وحل سياسيون من الحزب الديمقراطي الكردستاني محل الوزراء الموقوفين في خطوة وصفها محمد توفيق المسؤول الكبير في حركة كوران بأنها "غير شرعية وغير قانونية". والتعيينات الجديدة التي قام بها رئيس الوزراء نيجيرفان البرزاني ترسخ سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني على شؤون الإقليم شبه المستقل الذي برز كحليف رئيسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويحارب تنظيم داعش المتشدد.
وقال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان سفين دزيي إن الوزراء الأربعة المنتمين إلى حركة كوران في عطلة من الناحية الإدارية وإن عودتهم إلى مواقعهم تعتمد على المفاوضات السياسية بين الأحزاب. وأضاف أن الوزراء الأربعة الجدد عينوا لتسيير الأعمال. وشكل إقليم كردستان حكومة ائتلافية بين الأحزاب الخمسة الرئيسية لكن العلاقات بينها توترت بشكل متزايد بشأن رئاسة مسعود البرزاني الذي يشغل أيضا رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني. بحسب رويترز.
وحركة كوران واحدة من أربعة أحزاب تسعى لتقليص سلطات الرئيس كشرط لتمديد ولايته التي انتهت في أغسطس آب لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني قاوم ذلك. وسيقود الآن وزارة البشمركة كريم سنجاري الذي يشغل حاليا منصب وزير الداخلية. وعين وزير التخطيط علي سندي على رأس وزارة التجارة والصناعة. وتولي بشتيوان صادق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. وسيتولى وزارة المالية نائب الوزير الموقوف وجرى أيضا تغيير رئيس هيئة الاستثمار المنتمي لحركة كوران.
انقلاب سياسي
في السياق ذاته اتهم سياسيون اكراد عراقيون رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني بالقيام ب"انقلاب سياسي" عبر منعهم من الوصول الى مكاتبهم في الاقليم، وابرز هؤلاء رئيس برلمان الاقليم يوسف محمد وعدد من اعضائه. ويأتي ذلك غداة موجة احتجاجات عنيفة ضد رئيس الاقليم الذي يتهم معارضيه باثارة اعمال العنف. واكد هؤلاء السياسيون ان قوة تابعة للحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني منعت رئيس برلمان الاقليم يوسف محمد وخمسة من اعضائه التابعين ل"حركة التغيير" من دخول مدينة اربيل عند حاجز امني بين اربيل والسليمانية.
ويسيطر حزب الرئيس بارزاني على مناطق شمال وغرب الاقليم، في حين تعتبر مناطق جنوب الاقليم اي محافظة السليمانية معقلا لانصار "حركة التغيير". وقال يوسف محمد للصحافيين عقب منعه من دخول اربيل ان "الذي حدث عمل سلبي خطير في العملية السياسية في الاقليم"، معتبرا ان "هذا الانقلاب لن يؤدي الى نتيجة". واضاف ان "القوة التي وضعها الحزب الديموقراطي لمنعنا من دخول اربيل تكفي لتحرير قضاء شنكال من سيطرة تنظيم داعش الارهابي"، في اشارة الى قضاء سنجار معقل الايزيديين الذي سقط بيد داعش العام 2014.
ووصف القيادي في حركة التغيير وعضو البرلمان الاتحادي هوشيار عبد الله سلوك الحزب الديموقراطي الكردستاني بانه "غير مسؤول"، متهما بارزاني ب" التمسك بالسلطة بدون اي مبرر قانوني". وراى ان "هذه خطوة خاطئة ونرى انها انقلاب على الشرعية والديموقراطية ونطالب الحزب الديموقراطي بالتوقف عن هذه السياسة الخاطئة". بدوره، ندد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المعارض والذي خاض معارك شرسة ضد الحزب الديموقراطي الكردستاني في التسعينات، الاجراءات بحق حركة التغيير. بحسب فرانس برس.
وقالت الا طالباني وهي نائبة عن الحزب في البرلمان العراقي الاتحادي "بالنسبة الينا انه انقلاب سياسي غير مقبول". وقتل العديد من الاشخاص في كردستان العراق التي تطالب برحيل بارزاني. واحرق خلالها عدد من مكاتب الحزب الديموقراطي الكردستاني في مدينة السليمانية التي شكلت مركز التظاهرات. وأغلق أيضا مكاتب قناتين تلفزيونيتين احداهما تابعة لحركة كوران. وقال جو ستورك نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية "يزعم الحزب الديمقراطي الكردستاني احترام الحقوق لكن لديه تاريخا من اسكات الأصوات المنتقدة... منع الأعضاء المنتخبين في البرلمان من القيام بعملهم وإجبار العاملين في وسائل الإعلام المنتقدة على الخروج من المحافظة هو مستوى متدن جديد."
قلق اوربي
من جهة اخرى وكما نقلت بعض المصادر فقد أعرب الاتحاد الأوربي، عن قلقه مما أسماه المأزق الحالي بشأن رئاسة إقليم كردستان العراق وخطر الاختلافات السياسية الداخلية، داعيا جميع الأطراف السياسية إلى احترام مبادئ وقيم الديمقراطية لإعادة الحوار والابتعاد عن العنف من أجل الوصول إلى تسوية تحترم الاتفاقات السياسية.
وأكدت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى العراق وسفارات الدول الأعضاء في بيان وصل دعم الاتحاد الأوروبي لسيادة الأراضي العراقية والدعوة إلى الحوار والهدوء الذي تعبر عنه الحكومة العراقية بشأن الأزمة السياسية في الإقليم. وعبر البيان، عن القلق بخصوص المأزق الحالي بشأن رئاسة الإقليم وخطر الاختلافات السياسية الداخلية والتي من شانها أن تلهي عن محاربة "داعش"، مدينًا بشدة العنف الدائر في المنطقة، خصوصا الهجمات على مقرات الأحزاب ووسائل الإعلام والصحافيين، معربا عن التعازي لعائلات الضحايا.
ودعا سلطات إقليم كردستان إلى جلب الجناة إلى القضاء، مشددا على "جميع الأطراف من الحكومة الإقليمية والسلطات المحلية أن تحافظ على أرواح المدنيين والممتلكات العامة وحل الخلافات والتداعيات"، مؤكدا أنَّه من المهم جدا في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الضخمة حاليا وإلى جانب الحرب مع "داعش"، أن يحقق الإقليم الوحدة الضرورية من خلال تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية وحماية حرية الإعلام وإعادة النظام المؤسساتي.
وناشدت البعثة الأوروبية، حكومة إقليم كردستان ضرورة التشاور مع بغداد بخصوص موضوع النفط والموازنة لعام 2016 والتي أرسلتها الحكومة المركزية إلى البرلمان، مشيرة إلى مشاركتها في التشجع على الشفافية والانفتاح على إصدار بيانات واقعية بشأن الإيرادات النفطية وغير النفطية في الإقليم. وأعلن البيان أيضا عن استمرار الشراكة الفعالة مع المؤسسات والشعب في إقليم كردستان ومن ضمنها الدعم العسكري والمساعدات الإنسانية والدعم إلى المجتمع والاقتصاد وتطوير المؤسسات كمشاركة واسعة من قبل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في العراق.
اضف تعليق