q

يرى الكثير من المراقبين ان الولايات المتحدة الامريكية وبعد التطورات العسكرية المهمة، التي حققها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في حربها المستمرة ضد تنظيم داعش الارهابي، الذي تكبد في الفترة القليلة الماضية الكثير من الخسائر، يضاف اليها التدخل العسكري الروسي المباشر في حرب سوريا، سعت الى تغير خططها واعتماد اساليب جديدة في حربها المعلنة ضد الارهاب في سبيل استعادة دورها القيادي ومنع الدب الروسي من التوسيع في منطقة الشرق الاوسط وتكوين تحالفات جديدة، لذا فقد اقدمت ادارة البيت الابيض على تكثيف جهودها العسكرية في العراق، واستخدام اوراق ضغط جديدة لتقيد الحكومة العراقية واجبارها على عدم طلب المساعدة من روسيا، يضاف الى ذلك ايجاد تحالفات جديدة مع القوى الكردية وباقي الاطراف الاخرى التي تخالف او تعارض توجهات الحكومة المركزية، التي اصبحت وبحسب بعض الخبراء في موقف محرج خصوصا مع وجود اطراف وجهات اخرى تدعو الى ضرورة اشراك الجانب الروسي في هذه الحرب.

وقد كشفت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أن تكلفة عمليات الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم "داعش،" بلغت 4.75 مليار دولار. ولفت البنتاغون إلى أن هذه القيمة تغطي التكاليف منذ بدء العمليات في الثامن من أغسطس/ آب 2014 ولغاية الـ15 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، مشيرة إلى أن متوسط الانفاق اليومي يبلغ 11 مليون دولار.

ويشار إلى أن هذه الأنباء تأتي في الوقت الذي ينتقد العراقيون تحالف واشنطن في حربة ضد تنظيم داعش معتبرين أنه وللآن بعد أكثر من عام على بدء العمليات لم يتم الوصول إلى الهدف المنشود المتمثل بإضعاف وهزم التنظيم بينما استطاعت روسيا قص اجنحة التنظيم في سوريا بغضون أقل من شهر. وبحسب بعض التقارير السابقة فان مسارعة الولايات المتحدة لتوجيه ضربات جوية لمواقع المتمردين، جاءت بهدف اقناع العراقيين بان اميركا تقوم بمهامها وهي تتكفل بمحاربة داعش.

امريكا والاكراد

في هذا الشأن فقد بثت حكومة اقليم كردستان العراقي شريط فيديو يظهر جانبا من العملية العسكرية المشتركة التي نفذتها قوات اميركية وكردية ضد سجن لتنظيم داعش في شمال العراق وتم خلالها تحرير 70 رهينة كان التنظيم الجهادي يحتجزهم. وخلال هذه العملية التي استهدفت سجنا للتنظيم المتطرف قرب الحويجة قتل جندي اميركي من قوات النخبة هو اول خسارة بشرية للولايات المتحدة منذ بدأت حملتها ضد الجهاديين في 2014.

وتظهر المشاهد التي التقطتها على ما يبدو كاميرا مثبتة على خوذة، جنودا يرجح انهم من فرقة دلتا لقوات النخبة الاميركية المتخصصة في عمليات تحرير الرهائن ومكافحة الارهاب، يتعاونون مع مقاتلين اكراد لتحرير السجناء. ومعظم المشاهد الواردة في الشريط التقطت داخل مبنى وهي تظهر عملية عسكرية سريعة وبالغة الدقة تتم على وقع ازيز الرصاص المستمر ويقوم خلالها الجنود بتفتيش السجناء الواحد تلو الآخر ثم تحريرهم. ومع ان وجوه بعض هؤلاء السجناء تظهر واضحة في الشريط الا انه لا يقدم كثيرا من التفاصيل عن هوياتهم.

وبحسب القوات الكردية فقد شارك 48 مقاتلا كرديا و27 جنديا اميركيا في تنفيذ هذه الغارة التي اتاحت تحرير "69 رهينة" وقتل خلالها اكثر من 20 جهاديا. وكانت الادارة الاميركية قالت انها وافقت على هذه العملية لانقاذ ارواح الرهائن الذين كان التنظيم الجهادي يعتزم اعدامهم في اليوم نفسه وقد حفر لهذه الغاية قبورا لهم.

ومع ان العملية اسفرت عن مقتل جندي اميركي الا ان وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر توقع تنفيذ مزيد من العمليات البرية في العراق ضد تنظيم داعش. وفي البدء وفرت القوات الاميركية لقوات البشمركة الكردية طائرات مروحية لنقل المقاتلين الاكراد، غير ان الجنود الاميركيين ما لبثوا ان اضطروا للتدخل مباشرة في المعركة لاسناد المقاتلين الاكراد الذي تعرضوا لنيران الجهاديين.

وشكل هذا التدخل الاميركي المباشر في معركة برية في العراق تحولا في نمط التدخل المتبع لدى الجنود الاميركيين المتمركزين حاليا في هذا البلد والبالغ عددهم حوالى 3500 عسكري، اذ ان الدور الاساسي لهؤلاء الجنود هو تقديم المشورة والتدريب والدعم للقوات العراقية النظامية وقوات البشمركة وبالتالي فان مكانهم هو بشكل عام بعيدا عن ساحات القتال. وتلتزم القوات الاميركية في العراق بالمبدأ الذي ما انفك الرئيس باراك اوباما يردده منذ امر ببدء حملة عسكرية جوية ضد تنظيم داعش الا وهو "لا جنود على ارض الميدان" وذلك بسبب رفض الرئيس المطلق لاي تدخل عسكري بري ضد الجهاديين في العراق او سوريا.

من جانب اخر قال مصدر بمجلس أمن اقليم كردستان إن القوات الخاصة الامريكية التي داهمت مجمع سجون بشمال العراق تحركت بناء على معلومات مخابرات أفادت بأن تنظيم داعش يحتجز عددا من المقاتلين الاكراد هناك. وقال مصدر في مجلس أمن إقليم كردستان "كان الهدف انقاذ مقاتلين من البشمركة يحتجزهم (تنظيم داعش رهائن." وقال المصدر "كانت لدينا معلومات مخابرات دقيقة بأن البشمركة محتجزون في ذلك المجمع."

لكن المصدر اضاف ان المحتجزين لم يكن بينهم أي فرد من البشمركة في مؤشر على انهم نقلوا الى موقع آخر. وقال مسؤول أمريكي إن المحتجزين كانوا خليطا من العرب ونحو 20 من قوات الامن العراقية وسكان محليين ومقاتلين من داعش اتهمهم التنظيم بالتجسس. وقال المسؤول إن السجناء كانوا على وشك ان يعدموا ثم يتم وضعهم في أربعة مقابر جماعية.

وبعد الغارة هاجم متشددو داعش خلال الليل مواقع كردية على خط الجبهة في بلدة جنوبي عاصمة الاقليم. وجاء في بيان للتنظيم نشره على الانترنت مؤيدون للتنظيم ان "عشرات" من قوات البشمركة قتلوا في الهجوم الذي نفذه مهاجم انتحاري. لكن قادر حسن الذي كان ضمن مقاتلي البشمركة على خط الجبهة قال إن اثنين فقط قتلا وإنهما ينتميان الى وحدة تابعة للجيش العراقي تتمركز هناك.

وكان متحدث باسم وزارة الدفاع العراقية قد قال إن الوزارة لم تُبلغ بالعملية العسكرية الامريكية الكردية المشتركة التي أنقذت 69 سجينا. وقال المتحدث العميد تحسين ابراهيم صادق إنهم سمعوا عن العملية من وسائل الاعلام ولم يكن لديهم علم بها. وقال إن الذين قاموا بها هم قوات البشمركة الكردية والامريكيون ولم يكن لدى وزارة الدفاع أي فكرة عنها.

وقال صادق إن مسؤولين بالوزارة يجتمعون مع ممثلين للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بغداد يوم الجمعة لمعرفة المزيد بشأن العملية وهي أهم غارة ضد تنظيم داعش في عدة أشهر. تحتجز داعش رهائن في مراكز اعتقال في أنحاء الاراضي التي تسيطر عليها في شمال العراق وسوريا. وتعدم الجماعة المتشددة بانتظام أشخاصا تتهمهم بجرائم مختلفة من بينها التجسس لصالح العراقيين وقوى أجنبية.

وأدى العداء القديم بين العرب والاكراد الذين يطمحون الى قدر أكبر من الاستقلال في اقليمهم الشمالي الى تعقيد جهود توحيد المعركة ضد متشددي التنظيم. واثناء زيارة في الاونة الاخيرة للعراق دعا الجنرال الامريكي جوزيف دنفورد رئيس هيئة الاركان المشتركة الى اجراء تغييرات في هيكل الامن المجزأ في العراق. وقوات الامن حاليا مقسمة ولها قادة مختلفون يتحدثون مع الولايات المتحدة باسم الجيش العراقي والفصائل المسلحة التابعة له والشرطة وقوات البشمركة الكردية. بحسب رويترز.

وامتنع متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية الامريكية عن التعليق على ما تردد بأن الرهائن المحررين لهم صلات بالحكومة الامريكية. وقال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) إن العملية لا تمثل تغيرا في التكتيكات الامريكية في الحرب على متشددي داعش.

ضربات روسية

في السياق ذاته قال جنرال أمريكي كبير إن الولايات المتحدة حصلت على تأكيدات من العراق بأنه لن يطلب ضربات جوية روسية ضد تنظيم داعش مشيرا إلى أنه حذر بغداد من أن أي دور جوي روسي سيعرقل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة. وأثار التدخل العسكري الروسي الجديد في سوريا جارة العراق تساؤلات حول ما إذا كانت الحملة الروسية قد تمتد إلى العراق. وباتت سوريا مسرحا لضربات جوية متنافسة ينفذها خصما الحرب الباردة.

وتقصف الولايات المتحدة أهدافا لداعش في سوريا والعراق منذ أكثر من عام. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يتعرض لضغوط لتحقيق تقدم في حربه ضد التنظيم قد قال في الأول من أكتوبر تشرين الأول إنه سيرحب بضربات جوية روسية في بلاده. وقال الجنرال جوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة في أول زيارة للعراق منذ تولى منصبه في الأول من أكتوبر تشرين الأول إن العبادي ووزير الدفاع العراقي خالد العبيدي أبلغاه أنهما لا يسعيان لطلب مساعدة روسيا.

وقال "قلت إنها ستجعل من الصعب للغاية بالنسبة لنا أن نكون قادرين على تقديم هذا النوع من الدعم الذي تحتاجون إليه إذا جاء الروس إلى هنا ونفذوا عمليات أيضا." وأضاف دنفورد "قال وزير الدفاع ورئيس الوزراء: ‘قطعا‘. لا يوجد طلب الآن من الروس لتقديم الدعم لهم ولا يوجد تفكير في الروس لتقديم الدعم لهم ولم يطلب من الروس القدوم وتنفيذ عمليات." وهون دنفورد أيضا من مركز لتبادل معلومات المخابرات في بغداد بين روسيا وإيران وسوريا والعراق والذي أثار تساؤلات بشأن نوايا موسكو في العراق. وكان مسؤول بارز في البرلمان العراقي صرح بأن بغداد بدأت بالفعل قصف مقاتلي داعش بمساعدة المركز المخابراتي الجديد في بغداد. لكن دنفورد قال إن العبيدي أبلغه خلال محادثات مغلقة في بغداد إن مركز المخابرات لم يعمل إلى الآن. وأضاف دنفورد "قال إنهم لم يفعلوا شيئا الآن."

وعبر الحدود في سوريا تنفذ روسيا حملة ضربات جوية بدأت في أواخر سبتمبر أيلول وتقول إنها تهدف إلى ضرب تنظيم داعش. وتقول القوى الغربية إن الخطوة الروسية تهدف إلى دعم الرئيس السوري بشار الأسد وهو حليف قديم لموسكو. واستهدفت بعض الضربات الجوية الروسية جماعات غير تابعة للدولة الإسلامية لكنها تحاول الاطاحة بالأسد ومدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها.

وأثار التدخل العسكري الروسي في سوريا أيضا مخاوف من وقوع حوادث بين الطائرات الأمريكية والروسية وأثار تساؤلات حول ما إذا كانت الحملة الجوية الأمريكية تقلصت من أجل ضمان سلامة الطياريين. وتحدثت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن حالات اقتربت فيها الطائرات الروسية على بعد أميال من طائرات أمريكية بدون طيار وطائرات أمريكية مقاتلة أخرى.

ووقع مسؤولون عسكريون من الولايات المتحدة وروسيا مذكرة تفاهم تشتمل على خطوات يجب أن يتخذها طيارو البلدين لتجنب الاشتباك الجوي غير المقصود فوق سوريا وقال دنفورد إنه مع تطبيق اتفاق السلامة سيواصل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مهمته. وأضاف دنفورد "لن أقول أنه لن يكون هناك احتكاك" واعترف باحتمال أن تحتاج الطائرات الأمريكية إلى تأجيل مهامها أو تغيير مسارها إذا تم التعرف على طائرات روسية. وقال دنفورد "ما أقوله لكم هو إن التنفيذ الأساسي للخطة سوف يستمر."

من جهة اخرى قال أعضاء في الائتلاف العراقي الحاكم وفي فصائل شيعية تتمتع بنفوذ كبير إنهم حثوا رئيس الوزراء حيدر العبادي على أن يطلب من روسيا توجيه ضربات جوية ضد تنظيم داعش الذي سيطر على مناطق واسعة من البلاد. وتنامي الضغوط على العبادي حتى يطلب دعما روسيا يضعه في موقف حرج يتمثل في محاولة استرضاء ائتلافه الحاكم وقوات الحشد الشعبي الشيعية التي تعتبر حصنا ضد داعش من ناحية وفي الاحتفاظ بحليفه الاستراتيجي واشنطن من ناحية أخرى.

ويشعر العبادي وحكومته والفصائل الشيعية بالضيق من وتيرة ونطاق الحملة التي تشنها الولايات المتحدة على داعش ولمحوا إلى عزمهم اللجوء إلى موسكو وهو ما أثار قلق واشنطن. وقال عضوان في البرلمان العراقي إن رئيس الوزراء يتعرض "لضغوط هائلة" من الائتلاف الوطني الحاكم لطلب التدخل الروسي. وحصل العراق على 20 مليار دولار مقابل تدريب من الجيش الامريكي منذ إسقاط صدام حسين عام 2003 لكن الجيش العراقي انهار فعليا أمام اجتياح الدولة الاسلامية لشمال البلاد العام الماضي. وحقق التنظيم مكاسب أيضا في غرب العراق.

وفشلت الضربات الجوية الامريكية في تغيير دفة الحرب مع التنظيم الذي أعلن قيام الخلافة الاسلامية ويريد أن يعيد رسم خريطة الشرق الاوسط. وقال أعضاء في البرلمان وفي الائتلاف الحاكم إن طلبا رسميا قدم للعبادي وإنه لم يرد رسميا بعد. وقال سياسي شيعي بارز مقرب من العبادي إن رئيس الوزراء أبلغ الأطراف بأن الوقت غير مناسب لإشراك روسيا في القتال لان ذلك سيؤدي لتعقيد الموقف مع الامريكيين وقد تكون له عواقب غير مستحبة على العلاقات مع امريكا على المدى الطويل. بحسب رويترز.

وقال سعد الحديثي المتحدث باسم العبادي ان رئيس الوزراء لم يثر أمر الضربات الجوية مع روسيا لكنه في الوقت نفسه لا يستبعد اي جانب يمكن ان يقدم الدعم للعراق. وقال معين الكاظمي وهو مساعد كبير لزعيم فيلق بدر الشيعي إن روسيا أثبتت أنها تعمل بحسم أكبر من الامريكيين في حملتها الجوية في سوريا وإن من الطبيعي طلب مساعدة موسكو في العراق. وعبر عن ثقته في استجابة الحكومة العراقية للضغوط خاصة بعد التفويض الرسمي الذي أعطاه الائتلاف الوطني لرئيس الوزراء عبادي بطلب مشاركة روسيا.

اضف تعليق