الانتصارات العسكرية المهمة التي حققتها قوات الجيش العراقي بدعم مباشر من قبل الحشد الشعبي وقوات العشائر في المعاركها الاخيرة ضد تنظيم داعش في بعض المناطق والمحافظات العراقية التي كانت تحت سيطرة التنظيم، لا تزال محط اهتمام العديد من الخبراء والمراقبين الذين اكدوا على ان ما يحدث من تطورات يمكن ان يسهم بتغير قواعد لعبة الحرب ويقلب موازين القوى خصوصا بعد دخول روسيا كشريك مهم في الحرب على الارهاب، وهو ما اسهم بافشال مخططات بعض الدول الاقليمية والعالمية التي كانت تدعم هذا التنظيم الارهابي، وتعمل على اضعاف قدرات العراق العسكرية في سبيل اطالة امد الصراع لتحقيق مكاسبها الخاصة، هذه الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات العراقية والحشد الشعبي في هذا الوقت القصير وكما يقول بعض المراقبين اثبتت زيف وكذب التحالف العسكري العالمي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، الذي عجز في الفترة السابقة عن تدمير قدرات داعش الارهابية التي استفادت كثيرا من دعم التحالف الدولي، الذي عمد الى إسقاط الاسلحة والمؤن وقصف القوات العراقية تحت تبريرات مختلفة.
من جانب اخر اكد بعض الخبراء ان ما تحقق اليوم من انتصارات عسكرية في بعض اهم مناطق النفوذ لداعش هو مجرد بداية لمعركة طويلة سيخوضها العراق في سبيل التخلص من عصابات داعش خصوصا وان هذا الملف يرتبط بقضايا و ملفات اخرى من اهمها الوضع على الاراضي السورية وغيرها من القضايا الاخرى، التي قد تشهد في الفترة القادمة تطورات كبيرة بسبب السباق الأميركي الروسي الجديد في الشرق الأوسط الذي قد يصب في مصلحة العراق، خصوصا وان الولايات المتحدة الامريكية التي ادركت خطر وتأثير المشاركة الروسية الاخيرة في سوريا على مصالحا الخاصة، سعت الى اعتماد خطط واساليب جديدة حيث بدأت زيادة قواتها لمواجهة "داعش" في العراق لمنع أي تبرير للحكومة العراقية في الطلب من روسيا المشاركة في المعارك. كما إنها قامت بزيادة عدد جنودها في بعض المناطق وساعدت في العملية العسكرية. ما اهمية تحرير بيجي؟
في هذا الشأن اعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية تحرير مدينة بيجي بالكامل من قبضة "داعش" إضافة إلى منطقة البو جواري شمال المدينة. وجاء في بيان العمليات المشتركة (الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي): "طهرت مدينة بيجي والبو جواري بالكامل" من الإرهابيين بعد تطهير المنطقة الواقعة في محافظة صلاح الدين (210 كم شمال بغداد) وتفكيك الألغام والمتفجرات والعبوات الناسفة". وكانت القوات الأمنية العراقية شنت هجوما واسعا على آخر معاقل التنظيم في مناطق شمال صلاح الدين، حيث تمكنت من تحرير أجزاء واسعة من بيجي من ضمنها الحي العصري أحد أكبر أحياء المدينة، وتوغلت إلى المناطق الشرقية المحاذية لنهر دجلة. وتمكن الجيش العراقي من إحكام سيطرته على ثلاث طرق رئيسة تقع شمالي مدينة تكريت قامت بدور مهم في تحركات عناصر التنظيم وإيصال الإمدادات لهم، إذ سيطر على الطريق الرابط بين مدينة بيجي وناحية الصينية من الجهة الغربية المطلة على نهر دجلة. أما الطريق الآخر فهو الرابط بين بيجي ومركز مدينة تكريت من الجهة الشمالية، كما سيطرت على الطريق الرابط بين بيجي ومصفاة النفط الأكبر في العراق من الجهة الشمالية الشرقية.
وكانت قوات الحشد الشعبي العراقية أعلنت في وقت سابق تحرير ناحية الصينية التي تعد من أهم معاقل "داعش" في محافظة صلاح الدين. ونفذ طيران الجيش العراقي قصفا جويا مستهدفا رتلا مؤلفا من سبع مركبات، ما أسفر عن مقتل نحو 30 مسلحا من "داعش". وأشار مصدر عسكري إلى أن الرتل كان متجها من قضاء الشرقاط صوب بيجي لشن هجوم على القطعات العسكرية العراقية المرابطة على الطريق الممتد من بيجي إلى مصفاة النفط.
وبحسب مراقبين محليين فإن أن خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" بات ينحسر تدريجيا في المناطق الواقعة شمالي محافظة صلاح الدين مثل قرى الزوية والمسحك ومكحول، وكذلك قضاء الشرقاط الواقع كليا تحت سيطرة المسلحين، والذي يعد منطقة مهمة من الناحية الجغرافية، لأنه يتوسط ثلاث محافظات وهي محافظة نينوى وصلاح الدين وكركوك. من جهته أكد محافظ صلاح الدين رائد الجبوري، الثلاثاء أن بيجي "منطقة منكوبة" بسبب العمليات العسكرية وتفخيخ تنظيم "داعش" للمباني وتدمير البنى التحتية، داعيا الحكومة المركزية والدول المانحة ومنظمات الإغاثة إلى المساعدة "لإعادة الحياة" للقضاء. وقال الجبوري إن معركة تحرير المدينة حسمت بزمن قياسي بفضل جهود الحشد الشعبي والقوات الأمنية، مشيرا إلى "تحرير أكثر من ألف كم مربع من أراضي صلاح الدين". وتابع أن "المرحلة الثانية بعد التحرير هي الإعمار وإعادة الخدمات، مطالبا أهالي صلاح الدين ممن "لم تتلطخ أيديهم مع داعش"، بـ"الوقوف بجانب القوات الأمنية والمساهمة في الحفاظ على الأرض".
كما أعلنت قوات الأمن العراقية في بيان لها أنها اكتشفت 19 مقبرة جماعية تضم جثث 365 مقاتلا من تنظيم "داعش" في مدينة بيجي شمال بغداد. وأكد مسؤول في الجيش اكتشاف عدد كبير من جثث الجهاديين في مقابر جماعية ولكنه لم يستطع إعطاء العديد الصحيح لهذه الجثث. وجاء في بيان قوات الأمن أن "وحدات الحشد الشعبي اكتشفت في حي العصري ما مجموعه 19 مقبرة جماعية تضم 365 جثة لإرهابيي داعش". ولم يتضح متى دفنت هذه الجثث ولا كيف تمكنت قوات الأمن من تحديد مكانها.
تفعيل العلميات المشتركة
من جانب اخر أكدت واشنطن أنها حالت دون قيام "داعش" ببث مجزرة بشعة" وذلك من خلال غارة مشتركة لقوات أمريكية وقوات من البيشمركة الكردية على سجن في شمال العراق، كما لم تستبعد المزيد من العمليات البرية ضد التنظيم المتطرف. توقع وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر تنفيذ المزيد من العمليات البرية في العراق ضد تنظيم داعش على غرار العملية التي نفذت وشاركت فيها قوات عراقية وأمريكية وقتل خلالها جندي أمريكي.
وقال كارتر في مؤتمر صحافي في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) "أتوقع أن نقوم بمزيد من هذه العمليات"، مؤكدا أن الهجوم أتاح "إنقاذ حياة" سبعين محتجزا وجمع "معلومات استخباراتية ثمينة". وقال كارتر إنه تم شن غارة مشتركة من القوات الأمريكية وقوات البيشمركة الكردية على سجن لـ"داعش" في شمال العراق بعدما كشفت الاستخبارات عن حفر مقابر بالقرب من السجن.
وأوضح كارتر "كانت القبور بجوار المجمع تماما"، مشيرا إلى تقييم وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاغون" أن الـ70 أسيرا الذين تم تحريرهم في العملية التي شاركت فيها القوات الخاصة كانوا يواجهون "إعداما جماعيا وشيكا". وتابع كارتر أن الغارة التي قتل فيها جندي أمريكي واحد من عناصر العمليات الخاصة في تبادل لإطلاق النار، منعت "داعش" من "بث مجزرة بشعة للعالم".
وكانت واشنطن قد أعلنت عن تحرير نحو 70 رهينة كانوا محتجزين في سجن لدى التنظيم وذلك في عملية شنتها قوات كردية عراقية وأمريكية في شمال العراق وقتل خلالها جندي أمريكي، في أول خسارة بشرية للولايات المتحدة منذ بدأت حملتها ضد الجهاديين في 2014. وفي البدء وفرت القوات الأمريكية لقوات البيشمركة الكردية طائرات مروحية لنقل المقاتلين الأكراد، غير أن الجنود الأمريكيين ما لبثوا أن اضطروا للتدخل مباشرة في المعركة لإسناد المقاتلين الأكراد الذي تعرضوا لنيران الجهاديين. يذكر أن الولايات المتحدة نشرت قرابة 3500 عسكري أمريكي في العراق في إطار عملية خاصة ضد تنظيم داعش. وتتولى هذه القوات تقديم تدريب ومشورة ومساعدة للقوات العراقية.
على صعيد متصل وبعد الانتقادات الأمريكية السابقة التي جاءت على لسان وزير الدفاع أشتون كارتر بشأن سقوط مدينة الرمادي في يد تنظيم "داعش"، والتي قال فيها أن الجيش العراقي لم يبد حسب رأيه "إرادة للقتال" في الرمادي. أكد الكولونيل ستيف وارن المتحدث الأمريكي باسم التحالف الدولي لصحافيين في مؤتمر بالفيديو من بغداد أن القوات الأمنية العراقية باتت قادرة على استعادة المدينة التي تبعد 110 كيلومترات إلى الغرب من بغداد.
وأضاف "نحن نعتقد أن الظروف أصبحت مواتية في ساحة المعركة لتتمكن قوات الأمن العراقية من دخول المدينة". واضطرت القوات العراقية لوقف العمليات أثناء الصيف خصوصا بسبب ارتفاع درجات الحرارة وأيضا بسبب التحصينات التي أقامها "تنظيم داعش" وضمنها حقول ألغام. لكن في الأيام الأخيرة كثفت طائرات عراقية وأخرى للتحالف غاراتها دعما للجهد الميداني، بحسب ما أوضح العقيد الأمريكي. وقال "إن هذه الغارات قتلت مئات من المقاتلين ودمرت مواقع هاون وسيارات مفخخة ورشاشات ثقيلة وحتى مواقع قناصة". بحسب فرانس برس.
وتابع "ومسنودة بضرباتنا تقدمت القوات العراقية 15 كلم في الأيام السبعة الأخيرة، وشاهدنا تطورات مشجعة". وأعلنت السلطات العراقية تحرير العديد من المناطق شمال الرمادي وغربها. وتقع الرمادي على بعد 110 كلم من بغداد. وأضاف المتحدث إن ما بين 600 وألف مسلح من "تنظيم داعش" متحصنون في المدينة مشيرا إلى أن الجهاديين "لم يكسبوا بوصة واحدة من الأرض في العراق" منذ أن استولوا على الرمادي. وتابع "إن كل ما يفعلونه هو الاختباء ومشاهدة رفاقهم يقتلون عبر الجو أو البر".
غزو العراق وظهور داعش
الى جانب ذلك أقر رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في مقابلة بثت بأن غزو العراق عام 2003 كان له دور في ظهور تنظيم داعش معتذرا عن بعض الاخطاء في التخطيط لتلك الحرب. ولا يزال قرار بلير إرسال جنود لدعم الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق موضع جدل سياسي في بريطانيا إذ لم تُنشر بعد نتائج تحقيق مستمر منذ ست سنوات في المسألة.
ولدى سؤاله عما إذا كان الغزو هو السبب الرئيسي لظهور تنظيم داعش الذي يسيطر في الوقت الحالي على مناطق واسعة في العراق وسوريا المجاورة أجاب بلير بأن هناك "جوانب من الحقيقة" في هذا الأمر. وقال لمحطة (سي.إن.إن) الأمريكية الإخبارية "بالطبع لا يمكن القول أن من أطاح منا بصدام (حسين) عام 2003 لا يتحمل مسؤولية عن الوضع في عام 2015."
ويقول معارضو قرار الحرب على العراق إن القرار الأمريكي بحل الجيش العراقي بعد الغزو ترك فراغا أمنيا هائلا استغله تنظيم القاعدة الذي حل محله تنظيم داعش في نهاية الأمر. كما أصبح بعض الضباط السابقين بالجيش العراقي مخططين استراتيجيين بارزين في التنظيم المتشدد. وينتمي هؤلاء الضباط للأقلية السنية التي تقول إن الحكومة التي قادتها الشيعة بعد رحيل صدام حسين همشتهم. وتنفي الحكومة العراقية تهميشها للسنة.
وقال بلير إن ثورات الربيع العربي في أنحاء المنطقة أثرت أيضا على العراق مشيرا إلى أن تنظيم داعش خرج من قاعدة في سوريا وليس العراق. واعتذر بلير عما وصفها بأخطاء في التخطيط ومعلومات المخابرات قبل الحرب وفي الاستعدادات لمرحلة ما بعد الاطاحة بصدام لكنه اعتبر أن القرار الرئيسي بحد ذاته كان صحيحا وقال "لقد حاولنا التدخل عبر نشر جنودنا في العراق. لقد حاولنا التدخل من دون نشر الجنود في ليبيا. وحاولنا عدم التدخل على الاطلاق باستثناء المطالبة بتغيير النظام في سوريا. ولا يبدو لي -حتى لو لم تنجح سياستنا- بأن السياسات اللاحقة قد أعطت نتائج أفضل." وتابع "من الصعب أن أعتذر عن الإطاحة بصدام. أعتقد أنه حتى اليوم في العام 2015 فإن عدم وجوده أفضل من وجوده".
اضف تعليق