تُبدي سوق ناقلات النفط العالمية مرونةً مثيرةً للإعجاب -حتى الآن- في استجابتها للتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، وتحديدًا بين إيران وإسرائيل، وعلى نحو غير متوقع، نجحت أسواق السلع في الحفاظ على درجة لا بأس بها من الاستقرار على الرغم من تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وانعكاسات ذلك على قطاع الطاقة...

تُبدي سوق ناقلات النفط العالمية مرونةً مثيرةً للإعجاب -حتى الآن- في استجابتها للتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، وتحديدًا بين إيران وإسرائيل، وعلى نحو غير متوقع، نجحت أسواق السلع في الحفاظ على درجة لا بأس بها من الاستقرار على الرغم من تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وانعكاسات ذلك على قطاع الطاقة على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في أثناء وجوده بمقر إقامته في إيران.

ولم تتحرك أسعار الخام سوى في نطاقات ضيقة جدًا؛ ما جاء مدعومًا بقدرة ناقلات النفط على إيجاد مسارات بديلة للبحر الأحمر الذي يشهد اضطرابات نتيجة هجمات جماعة الحوثي اليمنية على سفن الشحن، وبالمثل، ساعد التباطؤ في سوق ناقلات النفط -النظيفة أو الملوثة للبيئة- على ثبات أسعار الشحن ومنع فورانها، وظلت أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب محدودة النطاق، وفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

أسعار شحن ثابتة

أخفقت الاضطرابات المتنامية بين إسرائيل وإيران في رفع أسعار الشحن في سوق ناقلات النفط، في الوقت الذي يتطلّع فيه المشترون الرئيسون إلى المحافظة على الأسواق من التقلبات ومواصلة التركيز على رفع مستويات الطلب، وفق ما نشرته منصة إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس (S&P Global Commodity Insights).

وتنامت المخاوف من أن يُسهم اغتيال إسماعيل هنية والقيادي البارز في حزب الله اللبناني فؤاد شكر، في تصعيد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وما ينجُم عنه من زيادة في أسعار السلع.

لكن أسواق النفط سارت في الاتجاه المعاكس حينما حافظت على استقرارها، في الوقت الذي تواصل فيه سفن الشحن تجنّب الإبحار في مياه البحر الأحمر، ويُظهِر فيه التجار استجابةً أقل لسياسة حافة الهاوية من طرفي الصراع.

ويُقصَد بـ"سياسة حافة الهاوية" تحقيق مكاسب معيّنة عن طريق تصعيد أزمة دولية ما ودفعها إلى حافة الحرب.

وتجاهلت أسعار النفط الخام تسجيل زيادات كبيرة الكبيرة، إذ لم ترتفع سوى بواقع سنتات قليلة من 81.45 دولارًا للبرميل في 31 يوليو/تموز (2024)، حينما أكّد حزب الله مقتل شكر، لتصل إلى 81.61 دولارًا للبرميل في 9 أغسطس/آب (2024).

وأظهرت سوق ناقلات النفط استجابة مماثلة -كذلك- إذ لم تتحرك أسعار الشحن فيها سوى في نطاقات ضيقة للغاية.

وقيّم مؤشر بلاتس غالف كوست ماركر (The Platts Gulf Coast) -الذي يقيس قيم الأسعار- سعر نقل 75 ألف طن متري من المنتجات النفطية المكررة من الخليج العربي إلى المملكة المتحدة/أوروبا عند 35 دولارًا لكل طن متري في 8 أغسطس/آب (2024)، بتراجع طفيف من53.33 دولارًا لكل طن متري في 31 يوليو/تموز الماضي.

ناقلة نفط

كما تباطأت التدفقات الآتية من الشرق الأوسط إلى أوروبا بفعل الطلب الضعيف على المنتجات في القارة العجوز، وعدم حصول تغيير متوقع -تقريبًا- في مسارات التجارة الحالية بالنسبة إلى شركات الشحن التي تطوف -غالبًا- حول طريق رأس الرجاء الصالح الأطول مسافةً، تجنبًا لاضطرابات البحر الأحمر، وفق أرقام طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وبالنسبة إلى ناقلات النفط، فقد قيّم مؤشر بلاتس غالف كوست ماركر (The Platts Gulf Coast Marker) -الذي يقيس قيم الأسعار- سعر نقل شحنة تزن 140 ألف طن متري من الخليج العربي إلى المملكة المتحدة/ أوروبا عند 54.75 دولارًا أميركيًا لكل طن متري في 8 أغسطس/آب (2024)، صعودًا من 50.50 دولارًا أميركيًا لكل طن متري في 31 يوليو/تموز الماضي.

مرونة التدفقات

في الوقت الذي تظل فيه سوق ناقلات النفط في حالة ترقب لأي علامات على هجوم إيراني مرتقَب ضد إسرائيل، يزداد تردد التجار بشأن أسعار أقساط علاوات المخاطر المرتفعة، بحسب متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة.

وفضّل قرابة 60% من الناقلات المتجهة من أوروبا إلى شرق قناة السويس خلال النصف الثاني من شهر يوليو/تموز (2024) الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح لتفادي اضطرابات البحر الأحمر؛ ما يعكس تقلبات محدودة منذ بدأت شركات التشغيل في إعادة تقييم رحلاتها في أوائل العام الحالي (2024)، بحسب إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس.

وبالنسبة إلى أوروبا، فقد ساعدت الأحجام القياسية لواردات الديزل الأميركية -كذلك- على تقليل التعرض لتدفقات الشرق الأوسط، في حين أدت مستويات الطلب الضعيف الأوسع نطاقًا على المنتجات النفطية إلى الحد من حساسية الاستجابة لأي مؤشرات على التصعيد بين طهران وتل أبيب.

وفي هذا الصدد قالت محللة النفط في إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس، ريبيكا فولي، إن هبوط أسعار البنزين والديزل إلى جانب تصاعد حدة التوترات يُعد بمثابة تصويت بالثقة بشأن توافر المنتجات خلال الأشهر المقبلة.

مصالح جيوسياسية

يتفق رئيس قسم بحوث السلع في بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي بنيامين هوف، مع الرأي القائل إن الثقة بتدفقات التجارة قد خفّفت المخاطر الصعودية في أسواق التكرير والمعالجة والتوزيع.

وأضاف هوف: "السوق تعاملت بهدوء مع تصريحات الحوثيين في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية"، في تصريحات أدلى بها في 12 أغسطس/آب (2024).

وأشار إلى زيادة غير متوقعة في أسعار العقود الآجلة للديزل الأحمر في أعقاب اغتيال هنية التي وقعت في 31 يوليو/تموز الماضي، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

من جهته، قال كبير المحللين في شركة غلوبال ريسك مانغمنت (Global Risk Management)، الناشطة في مجال إدارة المخاطر، لوهمان راسموسن، إن الإجراءات الانتقامية المتوقعة على نطاق واسع في الشرق الأوسط يمكنها أن تشعل عملية بيع مكثفة في سوق النفط ما إن تنفذ على الأرض.

في غضون ذلك، فإنه وفي أعقاب أشهر من التصريحات العدائية بين إيران وإسرائيل دون حصول أي اضطرابات ملحوظة في البنية التحتية للطاقة، سلّط العديد من المحللين الضوء على المصالح المشتركة في المحافظة على عمليات تدفق الخام.

وقال نائب رئيس أسواق النفط والطاقة والنقل في إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس، جيم بركهارد: "إيران لن تحصد أي مكاسب إستراتيجية إذا هاجمت عمدًا البنية التحتية للطاقة في المنطقة".

وأضاف بركهارد: "ليس معنى هذا أن هذا الهجوم المحتمل لن يقع، ربما عمدًا أو غير ذلك، لكن تلك الهجمات ستثير ردود فعل ضد طهران"، ولفت إلى أن "إلحاق أضرار بإمدادات النفط الإقليمية لن يُكسِبَ إيران أي أصدقاء جدد أو حتى يمنحها دعمًا من وكلائها الخارجيين والبلدان التي تتبنّى سياساتها نفسها". 

اضف تعليق