يسعى السيد الصدر من هذه التسمية، تشكيل اغلبية شيعية على المستوى السياسي وكذلك الشعبي، وهذا بالتأكيد سيكون باب لمقدمة السعي من جديد نحو حكومة الأغلبية الوطنية، فالتيار قد يشمل جهات شيعية غير صدرية تنضوي تحت هذا العنوان باعتباره عنوان أوسع ولا يقتصر على الصدريين فقط...
على الرغم من التكهنات التي تربط عودة التيار الصدري الى العمل السياسي بالمتغيرات التي حدثت داخل مفاصل التيار الصدري أو هيكليته الداخلية واستئناف عمل الكتلة الصدرية (شعبيًا) وتغيير العنوان السياسي، إلا أن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بعودة التيار الصدري إلى العمل السياسي بشكل فعلي، سوى السيد مقتدى الصدر، ولا أحد يمتلك مفاتيح العمل السياسي في كل مفاصل التيار غيره.
وبغض النظر إن كانت هناك نية لعودة الصدر وتياره في وقت قريب أم تبقى تلك العودة مرتبطة بالانتخابات القادمة مبكرة أم في موعدها، فإن التسمية التي أطلقها السيد الصدر على تياره زادت الأمور التباسًا؛ لكون التسمية الجديدة تحمل بعدًا مذهبيًا، إذ عدها بعض المراقبين بأنها تتنافى مع مشروعه الإصلاحي والمشروع السياسي الذي يتبناه السيد الصدر على المستوى الوطني. فضلًا عن ذلك، هناك من يتساءل عن دلالات وغايات السيد الصدر من تغيير عنوان تياره السياسي، وهناك من يتحفظ على تسميته الجديدة؟
إنَّ غاية السيد الصدر في الانتقال من الهوية المكوناتية الاضيق "التيار الصدري" إلى الهوية المكوناتية الاعم "التيار الشيعي" فيها دلالات ومؤشرات سياسية ودينية وشعبية، ولعل الغاية من تغيير العنوان السياسي، هي التمهيد للعودة إلى العمل السياسي "في خطوطها العريضة"، بعد عزلة دامت أكثر من عام، بالتزامن مع تحركات الصدر الأخيرة نحو القواعد الشعبية، وفي إطار الاستعدادات السياسية والشعبية لعودة الصدريين للمشهد السياسي عبر بوابة انتخابات مجلس النواب المقبلة، التي "من المؤكد" أن يشارك فيها بقوة.
أما في خطوطها الضيقة والمبهمة، ربما تكون فيها مؤشرات سياسية واضحة، ولاسيما للقوى السياسية الشيعية المنافسة المتمثلة في "الإطار التنسيقي" التي عادة ما تحتكر الهوية الشيعية في سلوكها وخطابها السياسي، وتتهم خصومها ومنافسيها من القوى السياسية الشيعية الأخرى، ولاسيما في التيار الصدري بعدم انتمائهم للتشيع أو بابتعادهم عن الهوية الشيعية في السلوك السياسي، وهذا ما ظهر جليًا بعد تحالف التيار الصدري الثلاثي "انقاذ وطن" قبل الانسحاب من البرلمان عقب أحداث المنطقة الخضراء. لذا هناك من يعتقد بأنها خطوة جديدة من قبل السيد الصدر للكسب السياسي والشعبي، وتأتي في وقت تحاول قوى إسلامية شيعية أخرى احتكار التسميات ذات دلائل دينية، سواء المرتبطة بأشخاص أو أحزاب، أو غيرها.
بموازاة ذلك، يعتقد بعض المهتمين بالشأن السياسي، ولاسيما اولئك المقربين من التيار الصدري، بإن عملية تغيير العنوان السياسي للتيار الصدري فيه الكثير من الدلالات، أبرزها الانفتاح على الفضاء الوطني بموازاة التمسك بالهوية الشيعية الإسلامية، وأن هذا التغيير جاء بعد لقاء السيد الصدر بالمرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني، فضلًا عن إعادة نشاط الكتلة الصدرية المستقيلة وتفاعلها مع الجماهير. اذ يعتقد مدير مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية مناف الموسوي، وهو مقرب من التيار الصدري، بأن "التيار الصدري يريد الانفتاح على الأغلبية الصامتة التي تشترك معه بالكثير من القضايا، ومنها رفض المحاصصة والاستحواذ الحزبي من قبل أحزاب السلطة، ومشروع الصدر الإصلاحي الذي يهدف إلى إعادة بناء الدولة العراقية وفق الرؤية الديمقراطية، وأن تغيير العنوان هدفه أيضا الخروج من القيد الطائفي والتحول إلى الفضاء الوطني، خاصة أن التيار الصدري يمتلك القاعدة الشعبية الأكبر والأهم في الوسط الشيعي، وبالتالي العودة للعمل السياسي وفق شروط الصدر ومشروعه الإصلاحي".
فضلًا عن ذلك، يرى الكاتب والمحلل السياسي فلاح المشعل أن "الإعلان عن تغيير عنوان التيار الصدري إلى التيار الوطني الشيعي يعد خطوة في تعريف مَن هم الشيعة العراقيين الوطنيين، وعزل للأحزاب والتنظيمات الشيعية الموالية لإيران عن الشارع الشيعي العام، وأن هذا الإعلان بمثابة ضربة سياسية لخصوم الصدريين، رغم أن شعار الوطني لا يلتقي مع ما هو طائفي، لكن الهدف هو طرح البديل النوعي الموازي للإطار التنسيقي".
وهذا التغيير جزء من حراك العودة القريبة للمشهد السياسي، التي أصبحت قريبة جدًا، فهو يريد من تياره بناء قاعدة شعبية أوسع له، بعد اعلان انسحابه من العملية السياسية، وترك عملية تشكيل الحكومة "بشكل مطلق" لمنافسه الإطار التنسيقي بمشاركة القوى السياسية الكردية والسنية، التي اتهمها الإطار قبل ذلك، بأنهم يسعون إلى افشال المشروع السياسي الشيعي والعملية السياسية بتحالفهم مع السيد الصدر؛ الامر الذي أدى إلى التدخلات الإقليمية بأبعادها السياسية والدينية المعروفة.
لذلك يسعى السيد الصدر من هذه التسمية، تشكيل اغلبية شيعية على المستوى السياسي وكذلك الشعبي، وهذا بالتأكيد سيكون باب لمقدمة السعي من جديد نحو حكومة الأغلبية الوطنية، فالتيار قد يشمل جهات شيعية غير صدرية تنضوي تحت هذا العنوان باعتباره عنوان أوسع ولا يقتصر على الصدريين فقط. فضلًا عن ذلك، يحاول السيد الصدر أن يسّوق نفسه "بشكل أكبر" زعيمًا عراقيًا، بعيداً عن الهوية الصدرية والشيعية، على الرغم من تمسكه بالهوية المكوناتية، سواء من خلال التسمية الجديدة أو من خلال تمسكه بالبعد الإسلامي – الشيعي.
وهذا ربما ما يفسر انسحابه من العملية السياسية، فالانسحاب بالتأكيد لم يكن مبهمًا وانما كان يحمل مشروعًا جديدة للمرحلة المقبلة، وأن طبيعة المشروع السياسي لا تختلف كثيرًا عن مشروع الاغلبية الوطنية التي تبناها السيد الصدر بعد انتخابات 2021، وأن معالمه السياسية بدأت تظهر تدريجيًا مع تحركات السيد الصدر الاخيرة، إلا أن العودة هذه المرة ستكون مشفوعة بشروط وضمانات سياسية تختلف عن سابقتها، وأن لم يحصل السيد الصدر على شروطه، فربما لن نشهد انتخابات جديدة، أو أن تنزوي الاوضاع السياسية في البلاد إلى أمور لا تتمناها كل القوى السياسية. بموازاة ذلك، هناك من يقرأها على أنها دعاية مبكرة للتيار الصدري، ولاسيما من محللي ومدوني الإطار التنسيقي.
اضف تعليق