q

 

شبكة النبأ: عندما وضع أوباما خطوطه الحمراء امام نظام الأسد في الازمة السورية، وحتى مع تجاوز الأخير لهذه الخطوط، تردد أوباما في ضرب الاله العسكرية للأسد، بعد ان تدخلت روسيا بسحب السلاح الكيماوي وتدميره، في خطوة عدها الكثيرون انتصارا دبلوماسيا لروسيا على حساب الولايات المتحدة الامريكية، فيما اتهم أوباما بالتردد والضعف، من أقرب حلفائه، إضافة الى كبار ساسة الولايات المتحدة، الا ان هذا الموقف سرعان ما تغير، لتجد الولايات المتحدة الامريكية نفسها، اليوم، مسؤولة عن تحالف دولي واسع (يضم اكثر من 50 دولة بحسب تصريحات المسؤولين الامريكان)، عازم على الدخول في قلب المعركة مع الإرهاب العالمي، وبنفس لغة ما يعرف بتنظيم (الدولة الإسلامية/ داعش)، في الغاء الحدود، بعد ان اعلن الرئيس الأمريكي ان الضربات الجوية سوف تستهدف مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا.

ويخشى المتخوفون من نتائج هذا التحالف المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط والعالم لعده أسباب منها:

1. إمكانية ان يشجع هذا التحالف انضمام المزيد من المتطرفين الى تنظيم داعش (خصوصا ممن يحملون الجنسيات الغربية)، إضافة الى توحد الحركات الجهادية والمسلحين تحت هدف واحد هو مقاتلة التحالف الغربي الذي يستهدف داعش، مما يعني خلق المزيد من الصراعات المسلحة.

2. السقف الزمني للحملة التي يشنها هذا التحالف ضد اهداف إرهابية على جانبي الحدود بين العراق وسوريا يكتنفها الغموض، سيما وان اغلب التصريحات الرسمية اشارت الى حرب طويلة قد تستمر لأعوام، وهو مؤشر خطير قد يولد مشاكل أخرى لا يمكن السيطرة عليها لاحقا.

3. في حال اقتصرت الحملة العسكرية على الضربات الجوية، والتي من الممكن ان تصيب اهداف مدنية (كما حدث في باكستان وأفغانستان واليمن)، مما قد يزيد التعاطف المحلي مع المقاتلين المتطرفين التابعين للتنظيمات الجهادية، اما في حال تطلب الموقف تدخل قوات برية لتشارك في المعارك بصورة مباشرة، فهذا يعني عودة الولايات المتحدة الى المربع الأول.

وبالمجمل، فان الولايات المتحدة التي عقدت العزم على استعادة المبادرة في مقاتلة تنظيم داعش بصورة مباشرة، بعد ان نأت بنفسها عن هذا الامر في البداية، إضافة الى دعم المعارضة السورية التي تصفها بالاعتدال، من اجل اسقاط نظام الأسد في سوريا، قد اقبلت على اجراء جراحة كبرى قد لا يتحملها الشرق الأوسط مرة أخرى، كما يرى مراقبون.

مستنقع الشرق الأوسط

في سياق متصل فان الضربات الجوية التي ساندتها دول عربية تحت قيادة أمريكية ونقلت الحرب على الدولة الاسلامية من العراق إلى سوريا زجت بواشنطن في حرب جديدة في الشرق الاوسط وأدخلتها في صراع قضى باراك أوباما رئاسته محاولا أن يتجنبه، فما من أحد يخامره شك أن هذا التصعيد الكبير ينذر بصراع طويل قد يمتد إلى دول مجاورة وأن القوة الجوية الامريكية وحدها لا يمكن أن تحقق النصر فيه، ويعتقد المحللون الذين شهدوا تنظيم الدولة الاسلامية يستولي على مناطق من سوريا ويجتاح مناطق كبيرة من العراق أن من الممكن احتواء هذه الجماعة غير أن اقتلاعها من جذورها سيكون أمرا عسيرا.

ومن الواضح أن واشنطن تتأهب لمعركة طويلة، فقد قال الجنرال وليام مايفيل مدير العمليات بوزارة الدفاع الامريكية إن الهجمات الجوية في سوريا ليست إلا بداية حملة لإضعاف الدولة الاسلامية وتدميرها في نهاية الامر، وقال فواز جرجس خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد بجامعة لندن "لم يعد بإمكان أمريكا التراجع عن الصراع السوري" وهو الأمر الذي حاوله أوباما حتى بعد أن تخطى الرئيس بشار الأسد العام الماضي "الخط الأحمر" الذي رسمه أوباما له واستخدم غاز الأعصاب ضد المعارضة، وأضاف جرجس "مشاركة أمريكا المتزايدة ستظل معنا في السنوات القليلة المقبلة حتى بعد رحيل باراك أوباما عن البيت الابيض"، فما تشارك فيه أمريكا في سوريا حرب سقط فيها بالفعل 190 ألف قتيل وشردت عشرة ملايين شخص من بيوتهم.

وتؤيد كل من ايران الشيعية ودول الخليج العربية السنية بقيادة السعودية الطوائف التي تنتمي إليها وأصبحت سوريا مركز جذب للمقاتلين الجهاديين الأجانب الذين اكتسحوا صفوف المقاتلين السنة في السنة الماضية وأعلنوا قيام دولة خلافة في يونيو حزيران الماضي، وقد أثارت القسوة التي اتسمت بها أساليب الدولة الاسلامية من اعدامات جماعية وقتل للمدنيين وقطع رؤوس الأسرى الجزع في مختلف أنحاء العالم وأدت إلى التدخل العسكري الأمريكي، وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى إن إضعاف قدرات الدولة الاسلامية "شرط ضروري للوصول إلى الحل السياسي الذي يريد الجميع أن يراه في سوريا"، وأضاف أنه مادامت الدولة الاسلامية تسيطر على "ما يشبه دولة تعادل مساحة الأردن، فإن فرص النتائج السياسية وتهدئة الصراعات تتضاءل على نحو متزايد". بحسب رويترز.

ويقول المسؤول الأمريكي ومسؤولون آخرون من دول التحالف إن الخطة تقضي أن يتم بالتوازي مع الحملة العسكرية تدريب قوات المعارضة المعتدلة لمحاربة الدولة الاسلامية والانتشار في الاراضي التي يخليها المتشددون، وفي حين أن إدارة اوباما ضمنت تمويلا من الكونجرس لتنظيم التدريب في السعودية لنحو خمسة الاف مقاتل من الجيش السوري الحر يقول دبلوماسيون إن سد الفراغ سيستغرق وقتا من المعارضة المعتدلة التي تقاتل الطرفين حكومة الأسد والدولة الإسلامية، وقد أخر أوباما توسيع نطاق العمليات إلى سوريا ضد الدولة الاسلامية التي أعلنها جهاديون من السنة متطرفون في العنف أفرزهم تنظيم القاعدة واختطفوا انتفاضة الأغلبية السنية في سوريا على حكم عائلة الأسد المنتمية للاقلية العلوية وانتفاضة الاقلية السنية في العراق.

وانتظر أوباما حتى يتخلص الساسة العراقيون وداعموهم في ايران من نوري المالكي رئيس الوزراء الذي استعدى بسياساته الطائفية الأقلية السنية وكذلك الأكراد الذين يتمتعون بالحكم الذاتي في شمال العراق وإبداله بحكومة أكثر تمثيلا للشعب برئاسة حيدر العبادي، ثم عكف على تشكيل تحالف من شركاء عرب سنة ضم السعودية والأردن والبحرين والإمارات وقطر، والآن وبعد أن بدأت الضربات الجوية على الدولة الاسلامية يتحول التركيز إلى ما سيحدث من تطورات على الأرض حيث تعهد أوباما بعدم نشر قوات أمريكية لأنه مازال يعي تجربة أمريكا في كل من العراق وأفغانستان، فحتى عندما بلغ حجم القوات الامريكية 160 ألفا في ذروة احتلال العراق لم تستطع الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار في البلاد لأنه لم يحدث اجماع عراقي على اقتسام السلطة وإنهاء الانقسامات الطائفية.

أما في أفغانستان التي سترحل عنها قوات حلف شمال الاطلسي بقيادة أمريكا في نهاية العام فيدور النقاش عما إذا كانت الضربات الجوية التي كثيرا ما أسفرت عن خسائر بشرية بين المدنيين قد احتوت حركة طالبان أم عززت وضعها، ومن الواضح أن التنظيم طاب له المأزق الذي وقع فيه خصومه. فقد تهكم أبو محمد العدناني الناطق بلسان التنظيم قائلا "أيها الصليبيون لقد أدركتم خطر الدولة الإسلامية، لكنكم لم تعرفوا العلاج ولن تعرفوا العلاج. لأنه لا علاج. فبقتالها تقوى وتشتد وببقائها تزهر وتمتد"، وعلى الأرض يتغلغل مقاتلو الدولة الإسلامية في المدن التي يسيطرون عليها في العراق وسوريا مثل الموصل والرقة استعدادا لحرب عصابات ستشمل بعض الغزوات في دول مجاورة، وقال جرجس "سيعيدون هيكلة قواتهم إلى مجموعات صغيرة ويسيطرون على المدن الكبرى، فلديهم ثمانية ملايين سوري وعراقي رهائن"، وأضاف أن موقف التنظيم هو "إن كنتم تريدون مطاردتي فستضطرون لقتل عدد كبير من المدنيين".

ولأن إمكانيات الدولة الاسلامية محدودة لا تمكنها من شن هجمات كبرى في الخارج على غرار تنظيم القاعدة يعتقد الخبراء أنها ستهاجم نقاط ضعف الغرب وحلفائه في لبنان وتركيا والاردن والخليج بما في ذلك رعاياه ودبلوماسيوه، وقال جمال خاشقجي الاعلامي السعودي "كل الدول الخمس التي هاجمت (الدولة الاسلامية) البحرين وقطر والسعودية والاردن والامارات أصبحت أهدافا"، وقد بدأ رد الفعل يظهر بالفعل، ففي الجزائر قطع متشددون رأس رهينة فرنسي لمعاقبة باريس على مشاركتها في الضربات الجوية على الدولة الإسلامية، ويقول محللون ومسؤولون إن الاستراتيجية الأمريكية تتمثل في تشجيع القوى الاسلامية للانقلاب على الدولة الاسلامية وذلك بعرض مشاركتها في السلطة الوطنية وكذلك التحكم في إدارة شؤونها على المستوى المحلي وهذا الأمر يبدو أوضح في العراق منه في سوريا، فالهدف في العراق هو إعادة تجنيد العشائر السنية التي أطاحت بتنظيم القاعدة في إطار الصحوة السنية فيما بين عامي 2006 و2008، فقد تعاطف كثيرون من مقاتلي العشائر مع الدولة الاسلامية بعد أن استعدتهم حكومة المالكي. وتتمثل الفكرة في منح القوى السنية سيطرة محلية على أن ترتبط بحرس وطني يستوعب أيضا الميليشيات الشيعية التي تتولى إدارة الأمن في مناطقها، وقال مسؤول أمريكي في العراق "ما سيفعله الحرس الوطني في الأساس هو منح وعد للناس في تلك المحافظات، إذا كنتم جزءا من عملية تأمين أهلكم وعائلاتكم ومجتمعاتكم فستلقون الرعاية من حيث الرواتب والمعاشات وتتمتعون بحياة ومستقبل مستقر لأسركم"، أما في سوريا فالمهمة أكثر تعقيدا بسبب المعارضة الغربية لحكومة الأسد، وقال مسؤول في دولة عضو بحلف شمال الاطلسي من أعضاء التحالف المناوئ للدولة الاسلامية إن محاربة التنظيم ستكون أسهل إذا تم عزل الأسد ما يمهد السبيل للتنسيق بين حكومة في ظل قيادة جديدة والمعارضة الرئيسية، وأضاف المسؤول "الكل بمن فيهم الأمريكيون يدركون أن تحقيق تقدم ضد الدولة الاسلامية يتطلب ذهاب الأسد مثلما تطلب الأمر ذهاب المالكي في العراق".

وهذا يستلزم التخلص من "حاشية صغيرة" حول الرئيس وأولئك المسؤولين عن أسوأ الفظائع لتظل المؤسسات باقية بما في ذلك الجانب الأكبر من الجيش كمؤسسات لفترة انتقالية في المستقبل، ولكي يحدث الانتقال لما بعد الأسد يتعين أن يسترد مقاتلو المعارضة المعتدلة زمام الأمور على الأرض، وشدد مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية على ضرورة تقوية مقاتلي المعارضة وقال إن الولايات المتحدة لا تستهدف الأسد الان "لأن المعارضة المعتدلة ليست جاهزة"، غير أن الوفاق قبل كل شيء بين القوتين المتنافستين في الشرق الاوسط السعودية وايران داعمة الأسد وكذلك إبرام صفقة بين طهران وواشنطن سيهيئان المسرح لاتفاق سياسي، وقال دبلوماسي غربي "لو كنت الأسد لانتابني القلق، فهناك اجماع على عدم التعامل مع الأسد وأن هذه معركة خاسرة".

مهمة صعبة

الى ذلك ومع عودة أمريكا إلى ساحة العمل العسكري في العراق وغوصها من جديد في مستنقع الصراعات الطائفية المتشابكة في المنطقة أجرت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) تقييما عمليا لمهمة صعبة لتثبيت نظام الحكم في بغداد وخلصت إلى أن الأمر قد يتطلب وجود جنود أمريكيين على الخطوط الأمامية مستقبلا، ورغم أن الرئيس باراك أوباما استبعد إشراك القوات الأمريكية في مهمة قتالية يقول مسؤولون عسكريون ومسؤولون سابقون إن واقع شن حملة مطولة في العراق وربما في سوريا أيضا قد يفرض في نهاية الأمر زيادة استخدام القوات الامريكية بما في ذلك وحدات على الارض لتوجيه الضربات الجوية وربما مستشارون مرافقون للقوات العراقية على الخطوط الأمامية.

وهذا يطرح تساؤلات حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه أوباما في الدور المتنامي للجيش الأمريكي دون أن يخل بوعوده التي قطعها على نفسه ألا يزج بأمريكا في حرب برية جديدة كما يسلط الضوء على الأولويات المتباينة بين البيت الابيض والبنتاجون في بداية حملة عسكرية يبدو أنها ستكون طويلة ولا يمكن التنبؤ بمسارها في العراق وسوريا، ومن وجهة النظر العسكرية يقول مسؤولون إن من المنطقي الحفاظ على أقل تقدير على خيار نشر أعداد صغيرة من المستشارين العسكريين الأمريكيين في صفوف العراقيين على جبهة القتال من آن لآخر حتى إذا بدا أن في ذلك تناقضا مع سياسة أوباما المعلنة، من ناحية أخرى يحرص البيت الأبيض أن يظهر للناخبين الامريكيين أن الرئيس الذي خاض انتخابات الرئاسة بوعود بإنهاء الحرب في العراق سيبقي هذه الحملة في أضيق نطاق ممكن، وقد أمر أوباما بارسال 1600 جندي إلى العراق منذ اجتاح مقاتلو الدولة الاسلامية شمال العراق وغربه في يونيو حزيران وأصبح يعمل على تكوين تحالف دولي هدفه اضعاف تنظيم الدولة الاسلامية وتدميره بعد أن أعلن قيام دولة خلافة في قلب الشرق الأوسط.

ومن الممكن أن يساهم الجنود الأمريكيون المكلفون بتوجيه الضربات الجوية في تفادي الخسائر البشرية في صفوف المدنيين عندما تقصف الطائرات الامريكية المتشددين الذين قد يلجأون للاختباء بين العراقيين الأبرياء، وقال الجنرال ريموند أوديرنو رئيس أركان الجيش "تتردد بعض التقارير عن استخدامهم الاطفال بالفعل وغيرهم للبدء في تحصين أنفسهم لأنهم يعلمون أن ذلك سيحميهم من الضربات الجوية"، ويقول أوديرنو إنه يؤيد استراتيجية أوباما في العراق وإن العراقيين المدربين تدريبا سليما يمكنهم تنفيذ المهمة، لكنه لا يريد أيضا استبعاد أي خيار، وهذه لازمة اعتاد الكل في دوائر العسكريين على ترديدها ومنهم الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الذي كان يشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط حتى العام الماضي.

وقال ماتيس في جلسة استماع عقدتها لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي يوم 18 سبتمبر ايلول "لا يجوز أن تستبعد شيئا مما هو مطروح على المائدة من البداية وهو ما يبدو أن الإدارة حاولت ان تفعله. فنحن لدينا أمهر القوات البرية في العالم وأكثرها شراسة وبالتأكيد أكثرها التزاما بالأخلاق ولا أعتقد أن علينا أن نطمئن العدو مقدما أنه لن يواجهها قط"، وأشعل الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان المشتركة النقاش الأسبوع الماضي عندما قال لأعضاء الكونجرس إنه قد يوصي بأرسال قوات أمريكية لمرافقة القوات العراقية على خطوط القتال الأمامية في مواجهة التنظيم المتشدد الذي استولى على مساحات كبيرة من العراق وسوريا، كما قال ديمبسي إن أوباما طلب منه أن يعرض عليه كل حالة على حدة حسبما يقتضي الحال لطلب استخدام القوات البرية في محاربة الدولة الاسلامية. بحسب رويترز.

وقال ديمبسي "إذا ظهرت تهديدات للولايات المتحدة فبالطبع سأعود للرئيس وأقدم توصية قد تتضمن استخدام القوات البرية العسكرية الامريكية"، وقد سعى القادة العسكريون بالفعل لاتخاذ خطوات تختبر مدى استعداد اوباما للتحرك في العراق، وقال ديمبسي إن الجنرال لويد أوستن رئيس القيادة المركزية الامريكية أوصى بارسال قوات لمساعدة الطائرات الامريكية في تحديد أهداف بالدولة الاسلامية قرب سد الموصل الاستراتيجي في شمال العراق، لكن مسؤولين قالوا إن أوباما اختار أن يعمل المستشارون الأمريكيون عن بعد، ونفى مسؤولون وجود أي خلاف بين رؤية الرجلين لتطور الحملة على الدولة الاسلامية والتي قالوا إن دولا من أوروبا والشرق الاوسط واستراليا ستشارك فيها سعيا لأضعاف القوة العسكرية للتنظيم ومصادر تمويله والدعم الذي يحصل عليه من المسلمين الذين تأثروا بفكره.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إنه لم تطرح للنقاش مسألة ارسال قوات برية أمريكية للمشاركة في اطلاق النار على المتشددين مثلما حدث في الحرب العراقية السابقة، بل إن جنود العمليات الخاصة قد يرافقون القوات العراقية في معاركها مع الدولة الاسلامية لتقديم المشورة والمساعدة في توجيه الضربات الجوية، لكن مسؤولين حاليين وسابقين يقولون إن التطورات قد تتطلب التوسع في استخدام القوات الامريكية التي يقتصر دورها حاليا على دور استشاري بعيدا عن ساحة القتال، ويقول منتقدون إن أوباما ربما يكون قد دفع بنفسه إلى مأزق، وقال روبرت جيتس وزير الدفاع السابق في حكومة أوباما "لابد من وجود جنود على الارض إذا كان مقدرا وجود أي أمل لنجاح الاستراتيجية. وأعتقد أن الرئيس يضع نفسه في مأزق فعليا بمواصلة تكرار ذلك الحديث".

الافتقاد الى الرؤية

فيما كتب الصحفي ديفيد بروكس في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز يقول "نحن الآن نعيش فيما يمكن أن نسميه أو نقر بأنه عصر العراق"، ومضى يقول "هناك في بلاد النهرين تجابه الولايات المتحدة "المشكلة الأساسية" لعصرنا ألا وهي "التفاعل بين الحكم العلماني الفاشل والإسلام الأصولي"، كان بروكس على خطأ، بادئ ذي بدء فانه يسيء تفسير المشكلة الأساسية التي هي اصلا صراع عالمي يضع التقاليد في مواجهة الحداثة، التقليديون (وعدد كبير منهم في العالم الإسلامي لكنه لا يقتصر عليهم) يتشبثون بقناعة أن وجود البشر يجب أن يكون نظاما إنسانيا يتمركز حول الخالق، أما أنصار الحداثة (الذين يلتقطون إشاراتهم من النخبة الغربية العلمانية) فيفضلون بشدة نظاما يحبذ الاستقلال الذاتي الفردي ويهمشون الله اي ليس الخالق أولا لكن نحن أولا وتطلعاتنا ورغباتنا وطموحاتنا، فإذا كانت هناك مشكلة جوهرية تؤرق السياسة العالمية اليوم فهي هذه المشكلة. بحسب رويترز.

الصراع لم ينشأ في العراق ولم ينبع منه لذلك فالقول إننا نعيش في عصر العراق هو المعادل للقول إننا نعيش في عصر تيلور سويفت أو عصر جوجل. التوصيف يخدم أساسا صرف الأنظار عن المسائل الأكثر أهمية، على المدى القصير فأننا نعيش في عصر العراق وذلك لأن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين ركزوا على هذا البلد الظلامي كمكان لإظهار السير الصعب قدما نحو الحداثة، وخلال فترة العشرين عاما بين 1991 و2011 (وهي الفترة بين عملية عاصفة الصحراء والانسحاب النهائي للقوات الأمريكية بعد احتلال طويل للعراق) اعتمد صناع السياسة الأمريكيون الجمهوريون والديمقراطيون على أشكال متنوعة من القهر لربط العراق بالتوقعات الأمريكية الخاصة بكيف يجب أن يدار بلد، وقد مني هذا الجهد بفشل ذريع، والآن ها هو باراك أوباما الرئيس المنتخب عام 2008 لأنه وعد بإنهاء حرب العراق يعود من أجل قضمه أخرى من التفاحة، قضمه صغيرة ما دام تجنب أوباما للتدخل الواسع النطاق على الأرض سيقيد بدرجة كبيرة من الجهد الأمريكي للقصف الجوي.

وما إذا كان الرئيس سيفي بوعده بالنيل من متشددي الدولة الإسلامية وإنزال الهزيمة بهم في نهاية المطاف فان ذلك يعتمد على دقة تصويب القنابل والصواريخ الأمريكية أقل مما يعتمد على فعالية القوات البديلة التي تقاتل على الأرض، والوصول إلى وكلاء راغبين وقادرين يبدو أنه يمثل تحديا، وقوات الأمن العراقية التي شكلتها الولايات المتحدة بتكلفة عالية لم تظهر قدرة قتالية أو مهارة، ورغم ان البشمركة الكردية ذات سمعة أفضل الا ان هدفها الأساسي هو الدفاع عن كردستان لا تخليص العراق من الغزاة، والجيش السوري على خلاف ذلك مشغول ومسمم سياسيا، أما الدول التي ينبغي لها ان تعنى بالأمر بدرجة أكبر من الولايات المتحدة وذلك لأنها مهددة بصورة مباشرة من جانب مقاتلي الدولة الاسلامية (وهي ايران وتركيا ومصر وحتى السعودية) فأنها لم تبد رغبة مكافئة في العمل.

ويكمن أفضل أمل في النجاح في احتمال أن يفسد مقاتلو الدولة الإسلامية فرصهم في النجاح بالإفراط في ثقتهم بأنفسهم من خلال أساليبهم الشريرة والخبيثة التي تنفر المتعاونين سابقا معهم والحلفاء مثلما فعلت تصرفات القاعدة في العراق حينما نفرت قادة المقاتلين السنة خلال الطفرة الشهيرة في أعداد القوات الأمريكية في عامي 2007 و2008، وهذا مؤكد إلى حد كبير، فحتى إذا استطاع أوباما وضع خطة لتدمير الدولة الإسلامية فإن المشكلات التي تعصف بمنطقة الخليج والشرق الأوسط على نطاق أوسع لن تزول في أي وقت قريبا، فتدمير ما يقول أوباما إنه الدولة الإسلامية في العراق والشام لن يخلق دولة عراقية تتسم بالفعالية والشرعية، ولن يعيد احتمال ان تصبح مصر ديمقراطية، ولن يثني السعودية عن تمويل الجهاديين، ولن يعيد ليبيا بعيدا عن شفا السقوط في هوة الفوضى، ولن ينهي الحرب الأهلية في سوريا، ولن يجلب السلام والوئام للصومال واليمن، ولن يقنع حركة طالبان بإلقاء سلاحها في أفغانستان، ولن ينهي الأزمة الأبدية في باكستان، ولن يحل قطعا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وكل القوة العسكرية في العالم لن تحل تلك المشكلات، أوباما يعلم ذلك، ومع ذلك فإنه يسمح لنفسه بأن يستدرج إلى نفس الحرب التي وصمها ذات يوم بحق بأنها حمقاء ولا داعي لها، وذلك في الغالب لأنه هو ومستشاروه لا يعلمون ما الذي يمكنهم عمله غير ذلك، فقد أصبحت الغارات الجوية هي الخيار الأول لحكومته، سفينة الدولة الأمريكية ماضية في طريقها بلا دفة ولا بوصلة تدفعها قوة الرياح ومدافعها تصب حممها.

 

اضف تعليق