المشكلات والازمات المستمرة التي تعيشها الجزائر، لا تزال تشكل مصدر قلق لدى الكثير من الخبراء والمهتمين، خصوصا في ظل غياب التوافقات والحلول السياسية في هذا البلد يضاف اليها التحديات الاقتصادية والاخطار الامنية التي تفاقمت بشكل كبير في الفترة الاخيرة، بسبب تردي الاوضاع الامنية وازدياد خطر التهديدات الارهابية في المنطقة وانهيار اسعار النفط في الاسواق العالمية، حيث قال البنك المركزي الجزائري إن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي تراجعت إلى 159.027 مليار دولار في الربع الثاني من 2015 مقارنة مع 159.9 مليار دولار في الربع الأول عقب هبوط أسعار النفط العالمية.
وتعتمد الجزائر العضو في منظمة أوبك على إيرادات الطاقة في تمويل 60 بالمئة من موازنتها وتمثل صادراتها من النفط والغاز 95 بالمئة من إجمالي مبيعاتها بالخارج وهي أحد موردي الغاز الرئيسيين لأوروبا.
ويرى بعض المراقبين ان الوضع الصحي للرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة الذي اعيد انتخابه لولاية رابعة والقرارات والتعديلات الاخيرة التي اتخذها، لاتزال من اهم المواضيع واكثرها جدلاً خصوصا وان المعارضة الجزائرية ترى ان ما تقوم به السلطات الجزائرية وأحزاب الموالاة، ربما يكون بداية التحضير لمرحلة ما بعد الرئيس المريض خصوصا وان بعض هذه القوانين والتعديلات قد شملت الكثير من القطاعات الحكومية والإدارية والأمنية والعسكرية التي يرتكز عليها النظام السياسي الجزائري.
البقاء في السلطة
وفي هذا الشأن فقد أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعاني من المرض منذ أكثر من ثلاث سنوات بعد إصابته بجلطة دماغية، أنه باق في السلطة إلى غاية انتهاء عهدته في 2019، وقال "قد طالبني عدد منكم بمواصلة الـمهمة التي شرفتموني بها ثلاث مرات، و قد استجبت للنداء وقبلت التضحية رغم ظروفي الصحية الحالية تأسيا مني بالتضحية العظمى التي قدمها الأخيار من رفاقي في صفوف جيش التحرير الوطني الذيـن كتبت لهم الشهادة في ميدان الشرف". وأضاف "فإنني سأمضي عاكفا على أداء هذا الواجب وفقا للعهدة التي أناطها بي أغلبية شعبنا".
وبخصوص مخاطر الإرهاب التي تحدق بالبلاد، دعا بوتفليقة الجزائريين إلى استخلاص العبر من التجارب الوخيمة التي عاشتها البلاد خلال ما يسمى بالسنوات السوداء، وهي سنوات الإرهاب (1990-2000)، وإلى نبذ الخطابات الشعبوية والديماغوجية والعمل على إثراء التعددية السياسية والنقابية". وخلافا للكلمة التي ألقاها في آذار/ مارس الماضي، مد بوتفليقة هذه المرة يده للمعارضة الجزائرية التي طالما أهملها وأهمل دعواتها إلى حوار بناء وشامل يتم بموجبه صياغة دستور جديد ومتحضر يرتقي إلى طموحات الشعب الجزائري.
وصرح في هذا الخصوص "يحتاج الشعب الجزائري إلى الإطلاع على الاقتراحات البديلة التي تروم تحسيـن مصيره وسيعرف كيف يختار، بكل سيادة، أثناء الـمواعيد الانتخابية الـمتعارف عليها في نظام الجمهورية. هذه هي الرسالة التي أوجهها، في هذا اليوم الذي تتوحد فيه قلوبنا، إلى الطبقة السياسية في البلاد، و في الـمقام الأول إلى فعاليات الـمعارضة التي أحلها من نفسي محل التقدير. ذلك أن الـمعارضة تؤدي دورها، في كنف مراعاة أخلاقيات الديمقراطية".
كما كرر الرئيس الجزائري إرادة الدولة وسلطات البلاد محاربة الفساد الذي تفشى في المجتمع الجزائري، موضحا أن الجزائر "تحارب الفساد بلا هوادة وسلاحها سيف القانون"، داعيا "كل الذيـن يشككون في ذلك إلى الإطلاع على التقرير الصادر عن الهيئة الـمختصة في الأمم الـمتحدة الـمكلفة بمتابعة تـنفيذ الاتفاقية الدولية للوقاية من الفساد و محاربته". وإلى ذلك، أكد بوتفليقة أن بلاده ستواصل تعزيز دولة الحق والقانون بالتواتر مع الإصلاحات التي سيتم دعمها في جميع الـمجالات من خلال مراجعة الدستور التي بلغ مشروعها مرحلة إعداده النهائية أو كاد. كما تطرق إلى انهيار أسعار النفط وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، طالبا من كل المواطنين عدم التبذير وحسن استعمال المداخل المالية والتحكم فيها. بحسب فرانس برس.
وانتقدت المعارضة كلمة الرئيس الجزائري، واعتبرها حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" أنها "أكذوبة وهروب إلى الأمام". وقال هذا الحزب العلماني في بيان له "هل يمكن أن نصدق رئيسا غير موقفه حول المعارضة في غضون شهرين فقط. هذا عبارة عن هذيان". من ناحيته، أكد سفيان جيلالي من حزب "الجيل الجديد" أن بوتفليقة "أركد مؤسسات الدولة خلال 16 سنة من السلطة ودمر اقتصاد البلاد وخرب القيم الاجتماعية والشباب. ولم يكن أحد يتخيل نهاية أسوء من هذه لنظام جزائري لا يملك ولو ذرة من الوعي والوطنية". أما زين الدين طبال من حزب "التجمع من أجل السلم"، فقد أكد أن الرئيس أعلن مرارا مراجعة الدستور دون أن يتجسد شيئا على أرض الواقع.
سيطرة الرئيس
في السياق ذاته اهتزت أجهزة الأمن الجزائرية بعد توقيف المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب، بعد أسابيع على تغييرات هامة في قيادات الجيش والاستخبارات، ما فسر على أنه سيطرة للرئيس بوتفليقة ومقربيه على الأجهزة السرية للبلاد. وألقي القبض على الجنرال حسان الملقب ب"السيد مكافحة الإرهاب" وأودع السجن العسكري بولاية البليدة، قرب العاصمة الجزائرية، بحسب الصحف. ولم يتم تأكيد هذا التوقيف من مصادر رسمية.
وعلقت صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية على الخبر بالقول إن "الجنرال حسان أصيب بأضرار جانبية لحرب الخنادق بين الرئاسة ودائرة الاستعلام والأمن، وهي التسمية الرسمية لجهاز الاستخبارات في الجزائر". وكان الجنرال حسان واسمه الحقيقي (عبد القادر آيت واعراب) قائد مصلحة مكافحة الإرهاب في الاستخبارات التي تضم "فوج التدخل الخاص" المسلح جيدا والذي يملك شبكة واسعة من المخبرين.
والجنرال حسان الذي أقاله الرئيس بوتفليقة (يشغل أيضا منصب وزير الدفاع)، بشكل مفاجئ في بداية 2014، هو الذي قاد عملية اقتحام مصنع الغاز في "تيقنتورين" جنوب الجزائر في 2013. ومنذ أسابيع تم إلحاق فرقة النخبة بقيادة الأركان بدل الاستخبارات. ولا تخضع الاستخبارات الجزائرية لرئيس أركان الجيش بل تقع تحت السلطة المباشرة لوزير الدفاع أي الرئيس بوتفليقة.
وقبل أسابيع من توقيف هذا الضابط المقرب من مدير الاستخبارات الفريق محمد مدين المعروف باسم توفيق، قام بوتفليقة بتغييرات في مناصب هامة في قيادة الجيش الاستخبارات، مست لواءين مقربين من الفريق توفيق، هما مدير مكافحة التجسس ومدير الأمن الرئاسي، المصلحة التي ألحقت أيضا بقيادة الأركان. وبحسب صحيفة الوطن فإن " العديد من الضباط خاصة الذين نجحوا في مكافحة الإرهاب أحيلوا على التقاعد المبكر في عمر يتراوح ما بين 38 و50 سنة".
وينص قانون صدر في 2006 على أن من حق رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يحيل على التقاعد أي ضابط في الجيش، كما يمكنه إبقاء ضباط تخطوا سن التقاعد في مناصبهم. وخلال سنة ونصف فقد الجهاز السري العديد من صلاحياته التي جعلته يمثل "السلطة الحقيقية" في بلد كان فيه لقيادة الجيش الكلمة الأخيرة في اختيار الرؤساء. لكن بوتفليقة حذر منذ وصوله إلى السلطة في 1999 أنه لن يكون "ثلاثة أرباع رئيس".
وبحسب المحلل السياسي رشيد غريم فإن "الرئاسة تتحكم بالسلطة في الوقت الحالي". وذهب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر رشيد تلمساني أبعد من ذلك قائلا "الصراع يشارف على النهاية وبوتفليقة استعاد السلطة الخفية" للاستخبارات التي تمثل "دولة داخل الدولة". ويقود الفريق توفيق (76 سنة) جهاز الاستخبارات منذ 1990، وهو رجل خفي لا يظهر في الإعلام ولا في المناسبات الرسمية، حتى أن الجزائريين لا يعرفون شكله إلا من خلال بعض الصور التي تم تداولها على الإنترنت.
ويتهم المقربون من الرئيس، الفريق توفيق بعدم دعم ترشح بوتفليقة لولاية رابعة فاز بها في نيسان/أبريل 2004، ما تسبب له في هجمة غير مسبوقة من الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني الداعم القوي لبقاء بوتفليقة في السلطة. وبعد هذه الهجمة الإعلامية فقد جهاز الاستخبارات سلطة الضبطية القضائية التي كانت تسمح له بالتحقيق في قضايا الفساد ثم فقد أيضا مديرية أمن الجيش وكذلك مديرية الإعلام. وتم تحويل كل هذه المهام لرئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الفريق قايد صالح (74 سنة) المدافع القوي عن ولاية رابعة لبوتفليقة. بحسب فرانس برس.
ولفت رشيد غريم إلى أن هذه التغييرات "ارتبطت مباشرة بالولاية الرابعة" وهي تواصلت مع الحل غير المعلن رسميا ل"فوج التدخل الخاص" وهو قوة نخبة أخرى كانت تابعة للاستخبارات، كما تم حل مديرية التنصت. وتساءلت صحيفة "لاتريبون" إن كان تفكيك جهاز الاستخبارات يرمي إلى إعادته إلى "مهامه الأساسية أي الاستعلامات" أم إلى "إضعافه لدفع مديره إلى تقديم الاستقالة" و"خدمة طموح سياسي لا يتم الإفصاح عنه" في وقت تبقى قضية خلافة الرئيس بوتفليقة مطروحة.
سطوة الجيش والحزب الواحد
من جانبها اعتبرت صحيفة الوطن الجزائرية أن رسالة نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح للأمين العام لحزب جبهة التحرير الحاكم عمار سعداني لمناسبة إعادة انتخابه تشير إلى "محاولة العودة إلى ديكتاتورية الحزب الواحد". ولاحظت صحيفة "ليبرتي" أن الرسالة جاءت "في وقت نشهد فيه عملية حقيقية لإعادة الحزب الواحد" في بلد تنشط فيه عشرات الاحزاب.
ويشير نظام الحزب الواحد إلى فترة حكم حزب جبهة التحرير الوطني للبلاد بمفرده بين 1962 و1989، تاريخ ولادة دستور جديد يفسح المجال لإنشاء الأحزاب السياسية. ووصف علي بن فليس المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة أمام بوتفليقة، رسالة رئيس الأركان بأنها خطأ "أخلاقي وسياسي ودستوري". وبحسب بن فليس، رئيس الحكومة الأسبق، فإن "أخطر ما تتضمنه هذه الرسالة هو أنها تحمل في طياتها ما من شأنه أن يخل بتماسك قواتنا المسلحة" ويورطها "في ميدان التنافس السياسي الذي لا يعنيها أصلا وهو الميدان الذي يخل بقواعده وضوابطه إدخال الجيش الوطني الشعبي فيه بصفة غير قابلة للتبرير".
ومن الناحية العملية لا الرسمية، لا يتدخل الجيش الجزائري، أحد أكبر الجيوش في أفريقيا والعالم العربي، في الشؤون السياسية منذ 1989 إثر ثورة شعبية أدت إلى تغيير النظام السياسي من الحزب الواحد إلى التعددية السياسية. وكان ضباط الجيش في الفترة السابقة أعضاء في قيادة حزب جبهة التحرير الذي قاد حرب التحرير بين 1954 و1962. لكن المؤسسة العسكرية لم تكف أبدا عن أداء دور سياسي مهم خصوصا في اختيار رئيس الدولة الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. كما أن بوتفليقة احتفظ بحقيبة الدفاع.
والجيش هو الذي طالب بوتفليقة الضابط في جيش التحرير، بالترشح في انتخابات 1999 عقب قرار الجنرال اليامين زروال الانسحاب من الرئاسة وعدم إكمال ولايته. ويحذر بن فليس من أن رسالة الفريق قايد صالح إلى عمار سعداني وكلاهما من أشد المدافعين عن بوتفليقة، "جزء من إستراتيجية يتم الإعداد لها من طرف النظام السياسي المفروض على بلادنا الذي بات لا يرى مخرجا له من الطريق المسدود الذي آل إليه سوى في إعادة استنساخه" في إشارة للتحضير لما بعد بوتفليقة. وبالنسبة إلى رئيس حزب الحرية والعدالة المعارض، محمد السعيد، فإن رسالة رئيس الأركان "تتخطى طابع البروتوكول نحو الرسالة السياسية التي تتضمن موقفا وتأمر بتوجه محدد" بالنسبة للقوات المسلحة. بحسب فرانس برس.
وفي الجهة المقابلة، انتقدت صحيفة "لوكوتيديان دورون" "صراخ الغضب" للأحزاب "التي كانت ستفرح بلا أدنى شك لو أن قايد صالح أقحم الجيش في مخططاتها". لكن الصحيفة سجلت رغم ذلك أن قائد الجيش "عبر بشكل واضح عن دعمه لمحيط الرئيس الذي خطط وأوصل سعداني إلى قياد جبهة التحرير". وولد سعداني النقابي في 1950 بتونس، ودخل المجال السياسي متأخرا، بانتخابه نائبا في المجلس الشعبي الوطني في 1997 ثم في 2002 قبل أن يصبح رئيس المجلس في 2004 بعد استقالة كريم يونس الذي عارض ترشح بوتفليقة لولاية ثانية. وبرز اسم سعداني في شباط/فبراير 2014 عندما طالب مدير المخابرات والرجل القوي في السلطة الفريق محمد مدين (معروف بالجنرال توفيق) بالاستقالة، متهما إياه ب "التقصير" في مهمات حماية البلد والتدخل في كل مفاصل الدولة.
خليف بوتفليقة
من جهة اخرى قالت مصادر سياسية ومحللون إنه بعد أكثر من 20 عاما على وجوده داخل المؤسسة السياسية في الجزائر تولى فيها رئاسة الحكومة عدة مرات أصبح أو يحيي ضمن القائمة المختصرة للاشخاص المرشحين لخلافة بوتفليقة. وحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي ينتمي اليه أويحيي شريك في الائتلاف مع حزب جبهة التحرير الوطني الذي هيمن على الساحة السياسية في الجزائر منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962.
وقال المحلل السياسي فريد فراحي "أويحيي رجل دولة ويمكن ان يصبح الرئيس القادم للجزائر." وأضاف "لكن القائمة مفتوحة لمرشحين آخرين." ويقول محللون إن القائمة المختصرة تضم رئيس الوزراء عبد المالك سلال الذي انضم حديثا الى حزب جبهة التحرير الوطني لتشجيع التأييد لترشحه. وهو مقرب من بوتفليقة لانه خدم مديرا لحملته الانتخابية ثلاث مرات.
ويوجد مرشح محتمل آخر هو مبعوث الامم المتحدة المخضرم الاخضر الابراهيمي. واستقبل بوتفليقة الابراهيمي وهو مفاوض ومبعوث سابق للامم المتحدة عدة مرات في قصر الرئاسة في العامين الاخيرين مما أذكى مزيدا من التكهنات السياسية. والجزائر حليف رئيسي للولايات المتحدة في الحملة ضد المتشددين الاسلاميين في المنطقة ومورد رئيسي للطاقة الى اوروبا ونجت من معظم الاضطرابات التي اجتاحت الشرق الاوسط وشمال افريقيا في فترة ما يعرف باسم "الربيع العربي" عام 2011.
ويقول كثير من الجزائريين إن بلدهم مر بالفعل بتلك الفترة عندما أنهى حزب جبهة التحرير الوطني حكم الحزب الواحد في الثمانينات وفتح النظام أمام احزاب المعارضة. وشهدت الجزائر حربا اهلية في التسعينات بعد الغاء الانتخابات عندما بدا ان حزبا اسلاميا يتجه للفوز بها. ويشعر كثير من الجزائريين بالقلق من الاضطرابات منذ حربهم في التسعينات مع المتشددين الاسلاميين. ومنذ فترة طويلة توفر الحكومة نظاما شاملا للرعاية الاجتماعية من خلال إنفاق ايرادات الطاقة على دعم السكن والوقود والمواد الغذائية الأساسية والقروض منخفضة الفائدة.
على صعيد متصل قال الأمين العام لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" والرجل القوي في السلطة أحمد أويحيى، إن الجزائر ليست مصر والرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا ينوي توريث السلطة لأخيه الأصغر ومستشاره الخاص، سعيد، كما تردد المعارضة. وأكد أويحيى إن بوتفليقة "رئيس للجزائر وسيبقى رئيسا إلى نهاية ولايته" في 2019. وأوضح أن "الشعب الجزائري ليس ميالا للنظام الملكي. ولا أظن أن المجاهد (شارك في حرب التحرير) عبد العزيز بوتفليقة الذي كافح من أجل البلد له توجه ملكي". بحسب فرانس برس.
وتابع أويحيى "نتحدث عن سعيد بوتفليقة وهو ليس نكرة في الساحة الجزائرية ومن يعرفه من قريب أو من بعيد لديهم بلا أدنى شك أنه لا يلعب في هذا الاتجاه. الجزائر ليست مصر"، في إشارة إلى الحديث عن توريث الحكم بين الرئيس المصري السابق حسني مبارك وابنه جمال قبل "ثورة يناير" 2011. وسعيد بوتفليقة (58 سنة) النقابي السابق والأستاذ الجامعي، ترك عمله ليلتحق بأخيه في رئاسة الجمهورية كمستشار خاص.
أسعار النفط ووعود الرئيس
الى جانب ذلك تراجع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن بعض وعوده الانتخابية بسبب انهيار أسعار النفط. من جهته، اعتبر خبير اقتصادي جزائري أن الحكومة الجزائرية أكثرت من النفقات غير الملائمة، ما يضعها في وضعية اقتصادية صعبة للغاية. تمر الجزائر بأوقات صعبة بسبب الانهيار المفاجئ لأسعار النفط، ما جعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يتراجع عن بعض وعوده الانتخابية و"ترشيد النفقات".
وضربت الأزمة النفطية الجزائر بشكل مباشر حتى أن بوتفليقة وصفها بأنها "قاسية"، معتبرا أنه لا يمكن التكهن بتداعياتها على المدى القريب. ومن انعكاسات هذه الأزمة قرار الحكومة تجميد التوظيف في القطاع العام في 2015 ، وكذلك التخلي عن بعض المشاريع "غير الإستراتيجية" مثل بعض خطوط الترام، كما أعلن رئيس الوزراء. كما قررت الحكومة تشديد الرقابة على التجارة الخارجية "بصفة صارمة ودقيقة بهدف الحد من تهريب رؤوس الأموال".
واعتبر الخبير الاقتصادي محمد حمادوش أن ثمة "تبذيرا كبيرا في النفقات وتحصيل قليل للضرائب في ظل انتعاش الاقتصاد الموازي وغير القانوني". وأضاف: "إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن الاقتصاد الموازي سيكون له نفس السيولة المالية للدولة في 2020 أي 50 مليار دولار لكل منهما". وأضاف الخبير أن كل سياسة الحكومة "مبنية على معطى واحد هو التصدير والاستيراد، وكل القرارات السيادية مرتبطة بسعر النفط" في بلد يعتمد بنسبة 97% على عائدات النفط والغاز ويستورد حوالي 60 مليار دولار من السلع والخدمات". لذلك، يجب على الحكومة أن "تبدأ إصلاحات فورا للخروج من هذه التبعية خلال خمس سنوات". وبحسب اتحاد رجال الأعمال الجزائريين، فإن من بين 760 ألف شركة تنشط في الجزائر، هناك 300 ألف شركة لا تنتج شيئا وتعمل فقط في الاستيراد.
كما طالب رئيس قسم الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، مسعود أحمد، بالإصلاحات أيضا خلال زيارته للجزائر مؤخرا. ودعا مسعود الحكومة إلى إعادة النظر في الموازنة للسماح "بتكييف نفقات ومداخيل الدولة مع سعر بترول في حدود 50 و70 دولار للبرميل بدلا من 100 دولار". ولم يشعر الجزائريون فورا بأي إجراءات تقشف في ظل استمرار الحكومة في دعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، أي الدقيق والحليب والزيت والسكر، لكن الصحف أصبحت تنشر في صفحاتها الأولى أخبار ارتفاع أسعار اللحوم والخضار والفواكه.
ويذكر الخبير الاقتصادي محمد حمادوش بأن الحكومة وعدت برفع الدخل الفردي للجزائريين إلى 8500 دولار سنويا، بينما الدخل يتراوح بحدود 5000 دولار "لكنها لن تفي بهذا الوعد أو بوعود أخرى". ورأى أن ذلك يتطلب "تحقيق نسبة نمو اقتصادي لا تقل عن 8% سنويا لمدة خمس سنوات متتالية بينما نسبة النمو المتوقعة للعام الحالي 3 في المئة"". وذهب خبراء آخرون إلى حد التحذير من أن الجزائر "قد تضطر إلى اللجوء للاستدانة من صندوق النقد الدولي خلال ثلاث أو أربع سنوات" كما أكد حاكم البنك المركزي السابق عبد الرحمن حاج ناصر. بحسب فرانس برس.
ويعيد التحذير إلى أذهان الجزائريين ذكريات مظلمة إبان تسعينيات القرن الماضي عندما كانت العائدات لا تكفي حتى لدفع خدمة الدين، بعد سنوات من انهيار أسعار النفط منتصف ثمانينيات القرن الماضي. ويتهم منافسو بوتفليقة في انتخابات الرئاسة بإطلاق وعود انتخابية وسوء استخدام الأموال التي تراكمت جراء الأسعار المرتفعة للنفط خلال السنوات الماضية. وأبرز هؤلاء المعارضين علي بن فليس مؤسس حزب "طلائع الحريات"، الذي اتهم النظام القائم "ببذل كل الجهود لإبقاء الشعب في حالة جهل تام بآثار هذه الأزمة خوفا من تعرضه للمحاسبة و المساءلة" أمام "تهاوي مداخيل تصدير النفط إلى النصف". وتحاول الحكومة أن تعوض تراجع العائدات بسبب انخفاض الأسعار بزيادة الكميات المصدرة من النفط والغاز، واستغلال الغاز الصخري، إلا أن ذلك يواجه صعوبات كبيرة بسبب رفض سكان الصحراء ذلك خوفا على تلويث المياه الجوفية في منطقة قاحلة.
خطر داعش
على صعيد متصل وبعد التقارير الإخبارية التي كشفت أن قوات الجيش الجزائري استنفرت بشكل كبير على الحدود الشرقية مع ليبيا وتونس ووصلت إلى 70 ألف عسكري، إثر الأعمال الإرهابية والاعتداء الذي شهدته مدينة سوسة التونسيية، يُطرح سؤال حول ما إذا كانت الجزائر تملك الخبرة اللازمة لمكافحة الإرهاب ودرأ الخطر القادم من ليبيا. ويرى بعض الخبراء في المجال الأمني، أن الجزائر لديها تجربة رائدة في مجال مكافحة الإرهاب بإمكانها أن تستفيد منها اليوم لمواجهة المخاطر والتهديدات التي يشكلها تنظيم "داعش" انطلاقا من الحدود الليبية. إذ يقول الخبير في الشؤون الأمنية أحمد ميزاب، إن الجزائر كانت ترافع منذ سنوات على أن الإرهاب ظاهرة عالمية وخطر كبير يهدد الجميع، عندما حذرت من تزايد حجم التهديدات على إثر تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة عقب ما يعرف بـ"الربيع العربي".
وأوضح الخبير الأمني الجزائري أن "الانزلاقات الحاصلة في المشهد الليبي مقلقة للجزائر ولدول الجوار في ظل انتشار الفوضى الأمنية وتمدد الرعب الأمني، وهو ما يتطلب إيجاد حل سريع للوضع في ليبيا، لا سيما وأن تنظيم "داعش" لديه استراتيجية عالمية شمولية للإرهاب، وبالتالي يجب تحمل المسؤولية في ليبيا، معتبرًا أن المشهد الليبي سوف يتعقد أكثر وأكثر". من جانب آخر، انتقد بعض المتتبعين في الجزائر غياب مراكز للدراسات الأمنية رغم التجربة التي اكتسبتها في إطار مكافحة الارهاب، كون هذه المراكز تساعد على تحليل ظاهرة الارهاب وايجاد السبل الكفيلة لمواجهتها، كما ينادي متتبعون ومراقبون للشأن الامني في الجزائر بتحصين الجبهة الداخلية واليقظة الاستراتيجية الأمنية لدرأ هذا الخطر.
وفي هذا الإطار أوضح الضابط السامي السابق في جهاز المخابرات الجزائرية، محمد خلفاوي، أن "الجزائر تغلبت على الإرهاب الذي عاشته في سنوات الجمر خلال التسعينات واليوم بإمكانها التغلب على الارهاب وبكل سهولة". وأضاف محمد خلفاوي أن الصعوبة التي واجهتها الجزائر خلال التسعينات كانت بسبب الدعم الذي كان يتلقاه الارهابيون من الغرب عبر خطابات التأييد التي كانت تصدر من بعض "علمائهم" في الدول الغربية، ورغم ذلك، يضيف الضابط، فقد تغلبت عليه الجزائر عسكريا. بحسب CNN.
ويتابع خلفاوي: "مهما كانت الظروف اليوم فالجزائر لديها الخبرة لمواجهة الارهاب، وذلك بعدما عاش الشعب مرارته وصار مستعدًا اليوم للتصدي لـ"داعش" الذي تطرح الكثير من الأسئلة حوله، هل هي منظمة أم مجرّد آلية تبرّر بها الدول الغربية التدخل العسكري في المنطقة؟ فهذا التنظيم ليس لديه القوة كما يتم تخيله، إذ ما نراه ليس سوى أفلام هوليودية" هذا وتحدثت مصادر إعلامية نقلا عن أطراف أمنية، أن الهدف من توزيع 70 ألف عسكري على الحدود، هو التعامل السريع مع كل المعلومات الأمنية التي ترد إلى غرف عمليات القيادات العسكرية والأمنية. كما ذكرت المصادر نفسها أن الجزائر تداولت في وقت سابق، تحذيرا من عملية إرهابية كبرى سيشنها ما يعرف "داعش" في دول افريقية قريبة من ليبيا.
اضف تعليق