في سجن كورو تورو الخاضع لحراسة مشددة في وسط صحراء دجوراب في تشاد، لم يعد السجناء يفكّرون إلّا بالموت، وفق نادجيليم الذي نجا من عملية اعتقال أودع خلالها 621 متظاهرًا من نجامينا في هذا السجن، ونادجيليم هو أحد الذين فرّوا من رحلة مروعة أُخذ فيها أكثر من 600 شاب، من بينهم 83 قاصرًا...
في سجن كورو تورو الخاضع لحراسة مشددة في وسط صحراء دجوراب في تشاد، "لم يعد السجناء يفكّرون إلّا بالموت"، وفق نادجيليم الذي نجا من عملية اعتقال أودع خلالها 621 متظاهرًا من نجامينا في هذا السجن. بحسب فرانس برس.
ونادجيليم (اسم مستعار) هو أحد الذين فرّوا من رحلة مروعة أُخذ فيها أكثر من 600 شاب تشادي، من بينهم 83 قاصرًا، من تظاهرة في نجامينا قمعتها السلطات بشكل دامي، إلى السجن الواقع في إحدى أكثر النواحي المقفرة في الصحراء.
في البداية، كانوا تحت حراسة معتقلين جهاديين، وفق شهادات البعض، ثمّ حوكموا في محاكمة جماعية، دون محامين أو وسائل إعلام مستقلة، بعد شهر ونصف من الاعتقال، في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2022، قضى نحو 50 شخصًا، وفق الحكومة، معظمهم من الشباب الذين قُتلوا برصاص قوات الأمن في العاصمة، خلال احتجاج على بقاء الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي إتنو لعامَين إضافيين في السلطة.
وندّد زعماء المعارضة المنفيون ومنظمات غير حكومية محلية ودولية بـ"اعتقالات وقائية" عشية التظاهرة تَلَتها اعتقالات أخرى بعد بضعة أيام. وتحدثوا أيضًا عن "عمليات إعدام خارج نطاق القضاء" و"تعذيب".
ذاك اليوم الذي يُعدّ أحد أكثر الأيام التي سقط فيها قتلى في التاريخ المعاصر لتشاد، أوقف 621 شخصًا، وفق الحكومة، وتمّ اقتيادهم إلى سجن كورو تورو المؤلف بشكل أساسي من ثكنات محاطة بسياج مرتفع. ويبدو السجن نقطة صغيرة على صور الأقمار الصناعية تحاصرها الكثبان الرملية في وسط تشاد.
شرب البول للبقاء على قيد الحياة
يقول ديودوني (اسم مستعار)، الذي يبلغ من العمر 34 عامًا، إنه كان عائدًا من موقع بناء في نجامينا عشية التظاهرة. قرابة الساعة 21,0، حمّله جنود مع رجال آخرين واقتادوه إلى أرض مقفرة، ويروي لوكالة فرانس برس قصته، مثل آخرين عادوا من كورو تورو، في مكان سرّي طالبًا عدم الكشف عن هويته، ويقول، وصوته يرتجف رعبًا، "بدأوا في ضربنا. أمر القائد رجاله بضربي. ربطوا عنقي بحبل وسمعت أحدهم يقول:اقتلوه (بالعربية)".
يؤكّد مدير منطقة وسط إفريقيا في هيومن رايتس ووتش لويس مادج إن منظمته "وثّقت عدة حالات لرجال اعتُقلوا لمجرّد أنهم كانوا في الأحياء غير المناسبة، ثمّ جرى اقتيادهم إلى كورو تورو".
يبعد سجن كورو تورو 600 كيلومتر عن العاصمة نجامينا - ما يعادل يومَين من القيادة المتواصلة بالسيارة. وكان السجناء بعيدين عن محاميهم وأسرهم الذين لم يتلقوا أي أنباء عن الأسرى طيلة شهر ونصف. وأكّد بعض الأهالي لوكالة فرانس برس أنهم لا يعرفون ما إذا كان أبناؤهم ما زالوا على قيد الحياة.
وشهدت رحلة المعتقلين من نجامينا إلى كورو تورو موت بعضهم، على طول المسارات المتعرجة بين كثبان دجوراب التي عصفت بها رياح حارقة، ويقول نادجيليم قرب كنيسة في نجامينا، وإلى جانبه إيف (اسم مستعار) الذي فرّ أيضًا من رحلة الاعتقال، "كنّا مكدّسين فوق بعضنا بعضًا في الشاحنة".
ويقول إيف (28 عامًا)، واضعًا نظارات سوداء على عينيه، إن خلال الرحلة "لم نحصل على أي شيء نشربه أو نأكله. طلبنا السماح لنا بالشرب من البحيرات الصغيرة، لكنهم رفضوا. شرب البعض البول للبقاء على قيد الحياة".
تابع نادجيليم من جهته "كنّا نكدّس الجثث فوق بعضها بعضًا. بعضها بدأ يتحلّل، فألقى بها الحراس من الشاحنة"، ويذكر كيف تمكّن البعض "من الفرار من خلال القفز من الشاحنة"، مضيفًا "بعضهم كان محظوظًا والبعض أُصيب بالرصاص".
ويقول مدير منطقة وسط إفريقيا في هيومن رايتس ووتش لويس مادج "نسمع أن جثثًا أُلقيت على الطريق وأن العديد من الأشخاص لقوا حتفهم ربما في مركز الاعتقال. نعمل على تأكيد ذلك"، نهاية تشرين الأول/أكتوبر، تحدثت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب عن توقيف أكثر من ألفَي شخص في نجامينا، لكن الحكومة لم تقرّ، في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، إلّا بتوقيف 621 شخصًا "من بينهم 83 قاصرًا" نُقلوا جميعهم إلى كورو تورو، وبُني سجن كورو تورو في العام 1996 بعيدًا من جميع المناطق المأهولة، ويستوعب ما بين 500 و600 سجين.
ومن بين المعتقلين فيه سجناء مدانون بـ"الإرهاب" ومتمردون وأشخاص يُشتبه في أنهم جهاديون مع بوكو حرام ومع تنظيم الدولة الإسلامية ناشطون جدًا في منطقة بحيرة تشاد. لذلك، يُعرف باسم "غوانتانامو التشادي"، ويقول وزير سابق للعدل طلب عدم الكشف عن هويته "لا يمكن لأي سجين الهرب منه، تحت طائلة الموت من العطش".
حرّاس جهاديون
ويقول إيف "كّنا 40 أو 50 سجينًا في كلّ زنزانة. عُهد بنا إلى جهاديين كانوا هم حرّاس زنزانتا. كانوا يضربوننا بقضبان حديدية"، ويتابع نادجيليم من جهته "لقد اختاروا معتقلين من بوكو حرام لتعذيبنا، مضيفًا "لم نكن نفكّر إلّا بالموت".
ويشير لويس مادج إلى أن "هناك روايات جدية وموثوقة عن حالات تعذيب في كورو تورو أدّى بعضها إلى الوفاة"، في 11 كانون الأول/ديسمبر، حوكم 401 محتجزًا من بين أكثر من 600 من المتظاهرين الذين أودعوا كورو تورو، في محاكمة داخل السجن بغياب المحامين. أُعيد القاصرون حينها إلى نجامينا حيث ما زالوا ينتظرون المثول أمام قاضي الأحداث.
أثناء المحاكمة التي استمرّت أربعة أيام، حُكم على 262 محتجزًا بالسجن لمدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات بتهمة "العنف" و"الإخلال بالنظام العام". أُفرج عن 139 هم 80 شخصًا سيبقون عامًا أو عامين تحت المراقبة و59 أُطلق سراحهم ببساطة مثل نادجيليم وإيف.
ويقول منسق مجموعة محامي المعتقلين فريديريك داينونيه "اعتُقلوا في ظروف غير قانونية واحتجزوا في ظروف شبه غير إنسانية وحوكموا وفقًا لإجراءات غير قانونية"، ولم يردّ الناطق باسم الحكومة التشادية ولا وزارة العدل على أسئلة عديدة من وكالة فرانس برس بشأن هذه الاتهامات.
في 20 نيسان/أبريل 2021، عندما أُعلن عن وفاة المارشال ديبي، عيّن الجيش نجله محمد ديبي، الذي كان آنذاك يبلغ 37 عاماً، رئيساً على رأس مجلس عسكري مؤلّف من 15 جنرالاً، لفترة انتقالية من 18 شهراً، وعد في نهايتها بإعادة السلطة إلى المدنيين من خلال "انتخابات حرة وديموقراطية".
اضف تعليق