لا يزال الاتحاد الأوروبي تحت وقع الصدمة إثر فضيحة فساد هي الأسوأ في تاريخه، بعد اتهام نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي اليونانية إيفا كايلي بتلقي أموال مصدرها قطر، للتأثير على قرارات الهيئة التشريعية في التكتل، وتم توقيف كايلي وستة أشخاص آخرين، ومصادرة أموال قد يتخطى مقدارها 600 ألف يورو نقدا وأجهزة إلكترونية وهواتف...
أثار توقيف نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي اليونانية إيفا كايلي الجمعة بعد اتهامها بالفساد، إلى جانب أربعة أشخاص آخرين، صدمة كبيرة في التكتل، اعتبر مراقبون أنها ستضر بسمعة الاتحاد الذي يمثل حالة من النزاهة والشفافية ويحارب الفساد في العالم. فيما يبقى التساؤل حيال علاقتها بقطر وباستضافتها المونديال، وأيضا حول تداعيات الفضيحة التي تطلبت إجراءات عاجلة كإقالة كايلي والتفكير في إصلاح الهيئة الأوروبية التشريعية.
لا يزال الاتحاد الأوروبي تحت وقع الصدمة إثر فضيحة فساد هي الأسوأ في تاريخه، بعد اتهام نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي اليونانية إيفا كايلي (44 عاما) بتلقي أموال، قالت صحيفة "لو سوار" البلجيكية إن مصدرها قطر، للتأثير على قرارات الهيئة التشريعية في التكتل. بحسب فرانس برس.
وبعد أن شنّت الشرطة البلجيكية الجمعة مداهمات في عدة مناطق في بروكسل، تمخض عنها توقيف كايلي وستة أشخاص آخرين، بنفس التهمة، ومصادرة أموال قد يتخطى مقدارها 600 ألف يورو نقدا وأجهزة إلكترونية وهواتف، تستمر التداعيات وردّات الفعل على هذه القضية التي ينظر إليها من مؤسسات التكتل، على أنها "هجوم على الديمقراطية" من قبل أطراف "ذوي دوافع مغرضة مرتبطين ببلدان ثالثة استبدادية"، حسبما قالت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا الإثنين، ونفذت الشرطة البلجيكية لاحقا الإثنين عملية التفتيش العشرين خلال أربعة أيام في بلجيكا، طالت مقر البرلمان الأوروبي.
"بريئة ولا علاقة لها بالتمويل القطري"
والثلاثاء، قرر زعماء الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي بالإجماع تجريد إيفا كايلي من منصبها كنائبة رئيسة البرلمان. وصادق البرلمان بأغلبية 625 مقابل صوت واحد على إقالة كايلي وهي واحدة من ستة أشخاص أوقفوا خلال مداهمات نفذتها الشرطة البلجيكية في إطار تحقيق بشبهة الكسب غير المشروع، قبل توجيه اتهامات لأربعة وإطلاق سراح اثنين.
في المقابل، أصر محامي كايلي على براءتها. وقال أحد أعضاء هيئة الدفاع عن كايلي إن موكلته نفت تلقي أموال من قطر. وصرح المحامي ميكاليس ديميتراكوبولوس، لقناة "أوبن تي في": "موقفها هو أنها بريئة، يمكنني أن أخبركم بذلك". وقال ديميتراكوبولوس: "لا علاقة لها (كايلي) بالتمويل من قطر، لا شيء من ذلك صحيح نهائيا. هذا هو موقفها". وأضاف أن كايلي "لم تمارس أي نشاط تجاري في حياتها".
وقال ممثلو الادعاء في بلجيكا إنهم يشتبهون منذ أكثر من أربعة أشهر في أن دولة خليجية تحاول شراء النفوذ في بروكسل. لكن ورغم عدم الكشف عن ماهية هذه الدولة، إلا أن مصدرا على دراية بالقضية قال إنها قطر، لكن قطر نفت ارتكاب أي مخالفات حسبما نقلت وكالة رويترز.
"قضية احتضان مونديال 2022"
وأمام "أسوأ فضيحة فساد في تاريخ" البرلمان الأوروبي، طالبت النائبة الفرنسية مانون أوبري (حزب فرنسا الأبية)، الرئيسة المشاركة لتكتل اليسار الراديكالي، "باستقالة نائبة الرئيسة التي أوقفت متلبسة وعقد نقاش حازم ووضع لجنة تحقيق بشكل فوري في أوجه قصور البرلمان في هذه القضية".
وذكر مصدر قضائي أن كايلي والثلاثة متهمين الآخرين سجنوا بقرار من قاضٍ في بروكسل بعد يومين على توقيفهم في إطار تحقيق بشأن مبالغ كبيرة، يشتبه في أن تكون قطر دفعتها للتأثير في قرارات داخل هذه المؤسسة الأوروبية الرئيسية لتنظيم مونديال 2022. وأوضح نفس المصدر أن كايلي لا تستطيع الاستفادة من حصانتها البرلمانية لأنها أوقفت "في حالة تلبّس"، مؤكدا العثور على "أكياس مليئة بالأوراق النقدية" في شقة النائبة الاشتراكية الأوروبية.
فإذا، ما التهم الموجهة لنائبة رئيسة البرلمان الأوروبي؟ هل يمكن اختراق الاتحاد والتأثير على قراراته؟ ما التداعيات الداخلية على التكتل وعلى علاقاته الخارجية؟ وهل يمكن للأوروبيين استعادة الثقة أم أنها خطوة نحو مزيد من الانشقاقات؟ أسئلة يجيبنا عليها كل من محمد رجائي بركات خبير العلاقات العربية-الأوروبية، وحسين الوائلي صحافي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي.
ما التهم الموجهة لنائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي؟
أوضح محمد رجائي بركات خبير العلاقات العربية-الأوروبية بأن "التهم التي وجهت للسيدة كايلي هي الفساد والانتماء إلى مجموعة إجرامية، وبالتالي تم إلقاء القبض عليها وهي متلبسة، إذ عثر في منزلها على أكياس مليئة بالعملات وعلى مبلغ يزيد عن 500 ألف يورو والبعض تحدث عن 600 مئة ألف يورو لدى أحد الأشخاص الأربعة الذين تم اعتقالهم. ومن المعلوم أن لديها علاقات وطيدة مع دول الخليج وخاصة مع قطر، الدولة التي زارتها مرارا. كما أنها دافعت مرارا خلال جلسات البرلمان الأوروبي عن قطر وأشارت إلى التقدم الذي حققته قطر في مجال حماية وإعطاء حقوق أكثر للعمال، وأشارت إلى إلغاء قطر موضوع الكفيل الذي كان معمولا به. سيتم محاكمة السيدة كايلي في بلجيكا وهي لن تتمتع بالحصانة البرلمانية لأنه تم إلقاء القبض عليها بالجرم المشهود، بعد أن تم العثور على أموال داخل منزلها وأيضا لدى أحد الأشخاص الذين تم اعتقالهم حين كان خارجا من فندق ومعه حقيبة مليئة بالأموال في أحد فنادق بروكسل".
وأضاف بركات: "هذه ليست المرة الأولى التي تحصل فيها فضائح فساد مالي وغيره. ففي كثير من الأحيان حصلت بعض مثل هذه الفضائح ومنها عندما تم اتهام أحد أعضاء البرلمان الأوروبي بأنه حصل على تمويل خارجي عبر مؤسسة تعمل في مجال حقوق الإنسان ومنظمة غير حكومية. من المعلوم أيضا أن في البرلمان الأوروبي مئات اللوبيات التي تحاول التأثير على قراراته، لا تعمل فقط لصالح الدول وإنما لصالح قطاعات مثل الزراعة والصناعة وكبريات الشركات. كما توجد للكثير من المقاطعات في الدول الأعضاء ممثليات أو أشخاص يعملون لصالح هذه المناطق، على سبيل المثال في ألمانيا هناك العديد من المقاطعات التي لديها مكاتب تمثيلية هنا في بروكسل ولديهم أشخاص يعملون لصالحها. هناك أيضا بعض الأعضاء السابقين في البرلمان الأوروبي الذين يعملون كمؤثرين داخله لصالح جهات أخرى، وطبعا هذا العمل يكون مقابل راتب، أي أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد حصول مشاكل من هذا النوع في هذه المؤسسة. ومن أجل تفادي هذه الأمور فإن البرلمان الأوروبي يحاول تنظيم عمل اللوبيات من خلال مثلا مدونة سلوك للأشخاص الذين يعملون في هذا المجال وأيضا سجل شفافية، حيث إن كل شخص يريد أن يعمل كمؤثر داخل البرلمان الأوروبي يجب أن يكون مسجلا في هذا السجل".
بدوره، أشار حسين الوائلي الصحافي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي إلى أن "التهم الموجهة إلى نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي هي تقديم مجموعة من التسهيلات بواسطة صنع القرار لإحدى الدول الخليجية، لم يسمها المدعي العام في بروكسل ولم يتحدث عنها صراحة، لكن ما وجد في منزلها هو أموال نقدا كما أنها على صلة مع دول خارجية لصناعة قرار تؤثر على القرار الأوروبي الاستراتيجي اقتصاديا وسياسيا".
هل يمكن اختراق الاتحاد الأوروبي والتأثير على قراراته؟
يرى المحلل السياسي محمد رجائي بركات بأنه "بالطبع يمكن للكثير من الدول التأثير على قرارات البرلمان الأوروبي. هناك جمعيات صداقة على سبيل المثال تربط عديدا من الدول بالبرلمانيين الأوروبيين. تحاول العديد منها تنظيم ندوات والتأثير على سياسة البرلمان وعلى القرارات التي يتبناها".
من جانبه، قال الصحافي حسين الوائلي إن "هناك بعض الدول تتدخل وتحاول أن تخترق الاتحاد الأوروبي وتحاول أن تؤثر وأن تصنع القرار في داخل التكتل، عبر مكاتب علاقات أو تيارات ضغط أو ما يسمى المكاتب الاستراتيجية، وهذا شرعي وقانوني، لكن ما هو غير قانوني هو النشاط عبر منظمات المجتمع المدني، النقابات، التعاملات غير الرسمية وكذلك تحت الطاولة. كما أن هناك بعض الدول التي تحاول أن تصنع القرار بصراحة عبر قوى ضغط. نتحدث هنا عن موضوع مختلف تماما هو كون هذه الدول لديها القدرة والتأثير وهناك أيضا بعض المؤسسات الكبيرة جدا تحاول أن تتدخل. هناك أيضا ضغط داخلي من دول الاتحاد نفسه، لكن الخطر هو وجود دول من خارج الاتحاد الأوروبي تحاول أن تؤثر على القرارات خصوصا عبر البرلمان الأوروبي، الذي يصدر توصيات برلمانية توجه إلى المجلس الأوروبي الذي يأخذها في عين الاعتبار، حتى وإن كان صنع القرار رمزيا من داخل البرلمان الأوروبي".
ما التداعيات الداخلية على التكتل وعلى علاقاته الخارجية؟
اعتبر محمد رجائي بركات بأن "المشكل الآن هو أن هذا الاتهام لدولة قطر يأتي ضمن أجواء يتم التحدث خلالها عن هذه الدولة الخليجية بشكل ملحوظ بسبب تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، وأيضا فإن هذه الأجواء مع الأسف قد تؤثر على العمل والعلاقات وعلى محاولة بعض الدول التواصل مع البرلمانيين الأوروبيين لشرح مواقفها. سيكون هناك تخوف من قبل بعض الأطراف في التواصل مع البرلمانيين الأوروبيين، رغم أن قوانين الاتحاد تسمح بأن يكون هناك تواصل بين البرلمانيين والمواطنين والجمعيات والمؤسسات الشعبية إلى آخره، وهذا نوع من أنواع الديمقراطية. لكن أن يصل إلى حد دفع أموال للبرلمانيين من أجل أن يتبنوا مواقف فإن هذا مخالف للقانون".
وأضاف محدثنا: "هناك في بروكسل جمعيات مثل الجمعية البرلمانية للتعاون العربي-الأوروبي وكانت تضم أعضاء من البرلمان الأوروبي وبرلمانيين من الدول الأعضاء في الاتحاد من البرلمانات الوطنية لتلك الدول، وطبعا عملها سياسي لكن لم يكن هناك تقديم لرشاوى أو هدايا لهؤلاء الأعضاء. فبالتالي تتطلب طبيعة عمل البرلمان الأوروبي أن يكون هناك جهات تتواصل مع أعضاء البرلمان لشرح المواقف السياسية، لكن المشكل هنا في حالة السيدة كايلي أنها حصلت على أموال من جهات أجنبية وهذا مخالف للقوانين، وخاصة أنها لم تعلن لإدارة الضرائب البلجيكية بأنها حصلت على تلك الأموال". كما قال الخبير في العلاقات العربية-الأوروبية: "بالطبع سيؤثر هذا داخليا وسيقوم البرلمان الأوروبي ببحث هذا الموضوع وتبني إجراءات لمنع تكراره، لكن أعتقد أن هذا سيكون صعبا. هذا النوع من الفساد لا يمكن إلغاؤه أو القضاء عليه نهائيا. لكن كافة التصريحات التي صدرت حتى الآن تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي كمؤسسة عازم على استمرار الحكومة البلجيكية في محاكمة هؤلاء الأشخاص من أجل تفادي تكرار هذه الفضائح في المستقبل. وطبعا هذا سيؤثر بشكل أو بآخر على علاقات البرلمان والاتحاد الأوروبي مع الدول المعنية بهذا الفساد".
من جهته، يرى حسين الوائلي بأن "هناك تداعيات حقيقية بقدر ما هناك ضرب لسمعة الاتحاد الأوروبي الذي يمثل حالة من النزاهة والشفافية على المستوى العالمي، خصوصا كونه أكبر مؤسسة اقتصادية وسياسية في العالم. لكن الآن هناك خدش لسمعة ونزاهة وشفافية التكتل خصوصا ما يتعلق بملف الفساد. الاتحاد الأوروبي هو من يحارب الفساد في دول العالم، فكيف توجد ملايين اليوروهات في داخل منازل أعضاء من البرلمان الأوروبي؟ لهذا الأمر تداعيات رمزية وأخرى حقيقية على الاتحاد، وعلى المستوى البعيد لن تكون التداعيات كبيرة خصوصا بعد تجاوز عدة ملفات، مثل ملف ساركوزي، وملف داسو وهي شركة صناعة الأسلحة أو ما يسمى رافال بايبرس، صفقة أسلحة التي شابها فساد. هناك الكثير من الملفات التي يسهل تجاوزها، لكنها تبقى فردية، فيما أن ما يؤثر على الاتحاد الأوروبي الآن هو أنه لن يقدر على ممارسة الضغط على الدول الخارجية، فيما هو أصلا متهم بالفساد. فكيف يكون واعظا لدول خارجية! وتعتبر هذه من أوراق الضغط التي فقدها التكتل لممارسة ضغطه على دول قد تكون نامية أو من العالم الثالث".
هل يمكن للاتحاد الأوروبي استعادة الثقة أم أنها خطوة نحو مزيد من الانشقاقات؟
يرى محمد رجائي بركات بأن الخشية الآن هي "أن يتخوف العديد من العاملين مع البرلمان الأوروبي الذين يحاولون شرح القضايا والمشاكل التي تهمهم، على سبيل المثال، ما يتعلق بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، من التواصل مع البرلمانيين خشية أن يتم توجيه الانتقادات لهم. ومثلا فقد كان أحد أعضاء البرلمان الأوروبي مارك تارابيلا أشار خلال مشاركته في حوار على محطة التلفزيون البلجيكية إلى أن قطر حققت تقدما في مجال حقوق العمال وقد تم الآن توجيه الاتهام له وسيمثل اليوم أمام سلطات الحزب الاشتراكي البلجيكي الذي ينتمي إليه لمساءلته بهذا الخصوص. وقد قال رئيس الحزب الاشتراكي إنه في حال ثبت أنه حصل على قرش واحد كرشوة فسيتم فصله نهائيا من الحزب. وبالتالي، فإن السؤال المطروح هو هل أن كل من سيدافع عن قضية ما سيتم الشك حيال حصوله على أموال؟ أعتقد أن هذا سيكون له نتائج سلبية على التواصل بين أعضاء البرلمان أو الأوساط الأخرى".
وأضاف بركات: "لا أعتقد أنه ستكون هناك انشقاقات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بسبب هذه الفضيحة، فكما ذكرت حصلت الكثير من الفضائح في السابق، وحتى الآن هناك تحقيقات داخلية حتى داخل المفوضية الأوروبي مثلا بشأن شراء كميات من اللقاحات ضد فيروس كورونا. وبالتالي يبقى العمل السياسي في هذا المجال وخاصة في البرلمانات يعتمد على الأشخاص، لكن المشكل أن كايلي هي عضو هام في الحزب الاشتراكي اليوناني وهي نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي وإحدى النواب الـ14 لرئيسة البرلمان، لكن لا أعتقد أنه سيؤثر داخليا على عمل البرلمان بل على العكس ربما سيتم تشكيل لجان أو هيئات لمكافحة الفساد والازدواجية في الحصول على مزايا مادية".
كما يرى حسين الوائلي بأن "الاتحاد الأوروبي قادر على استعادة الثقة وهو سيحدد الإجراءات اللازمة لمحاربة الفساد خصوصا في البرلمان. لكن التكتل في حاجة إلى وقت حتى يعيد ترتيب صفوفه ويعطي للمؤسسات الأخرى المجال لممارسة دورها في التحقيق للخروج بنتيجة شفافة. كما أن الاتحاد الأوربي قادر على تجاوز هذه الفضيحة لكن يبقى أن هناك كبوة مهمة فيما يتعلق بالدول الخارجية، حيث إنه هو بحاجة لأن يمارس الضغط فيما أن قضية محاربة الفساد هي من أوراق الضغط تجاه الدول الأخرى"، التي يبدو أن التكتل قد خسرها.
اضف تعليق