أتى الإنهيار الاقتصادي الذي يعصف بلبنان منذ نحو ثلاث سنوات، على مؤسسات حكومية نهشها الفساد والمحسوبية لعقود، فلم تعد قادرة على تقديم سوى ما قلّ من خدمات لمواطنين منهكين يبحثون عن سُبل للاستمرار في بلد يبدو الأمل بالنهوض به ضئيلاً. ومنذ بدء الإنهيار، تتكرّر إضرابات موظفي القطاع العام...
انهار الجزء الشمالي من صوامع الحبوب، التي ألحق بها انفجار مرفأ بيروت قبل عامين أضرارا، في الساعات الأولى من صباح يتكرر بالأزمات المتلاحقة والأفق المسدود للحلول وانهيار القطاع العام وانعدام الخدمات.
وقالت قناة إل.بي.سي.آي التلفزيونية إن الانهيار أدى إلى تصاعد سحابة من الغبار البني والرمادي فوق المياه المطل عليها.
وأسفر الانفجار الضخم في الرابع من أغسطس آب 2020 عن مقتل 220 شخصا وألحق دمارا بالجزء الشمالي من صوامع الحبوب أدى لسقوط القمح والذرة تحت أشعة الشمس.
وفي الآونة الأخيرة اشتعلت النيران في الصوامع لأسابيع. وقال مسؤولون إنها نشبت بسبب حرارة الصيف في الحبوب المخمرة المتعفنة.
وانهار جزء من الهيكل في 31 يوليو تموز وسقط جزء آخر في الرابع من أغسطس آب في الذكرى الثانية للانفجار.
وقالت وزارة الصحة إن عينات الغبار من أنحاء الميناء أظهرت أن الهواء يحتوي على كميات كبيرة من الفطريات، وهو ما لا يشكل خطورة ما لم يتم استنشاقها بكميات كبيرة على مدى فترة طويلة من الزمن.
وهو السقوط الرابع لأجزاء من الإهراءات خلال شهر، والأكبر حتى الآن. ولا يزال جزء من القسم الجنوبي قائما.
وجاء الانهيار الصوامع بعد أسابيع من اندلاع حريق نجم، وفق مسؤولين وخبراء، عن تخمّر مخزون الحبوب الذي بقي في المكان بعد الانفجار، جراء الرطوبة وارتفاع الحرارة.
وكانت النيران اشتعلت طيلة ساعات في أجزاء جديدة من آخر ثمانية صوامع قمح متبقية في الجهة الشمالية، ما تسبّب بدخان كثيف على مدى أيام قبل سقوطها بالكامل.
ونجم الانفجار، وفق السلطات، عن تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، وإثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً.
والتحقيق في الانفجار معلّق منذ أشهر بسبب عراقيل سياسية.
في نيسان/أبريل الماضي، اتخذت الحكومة قراراً بهدم الإهراءات خشية على السلامة العامة، لكنها علّقت تطبيقه بعد اعتراضات قدّمتها مجموعات مدنية ولجنة أهالي ضحايا انفجار المرفأ التي طالبت بتحويل الإهراءات معلما شاهدا على الانفجار. ولم تعمل السلطات على تفريغ الصوامع من الحبوب.
وفاقمت تبعات الانفجار حدّة الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده لبنان منذ خريف 2019 والذي جعل غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر.
ورغم مرور عامين، لم تستعد بيروت عافيتها مع بنى تحتية متداعية ومرافق عامة عاجزة.
مؤسسات منهارة وشلل سياسي وأزمة اقتصادية
أتى الإنهيار الاقتصادي الذي يعصف بلبنان منذ نحو ثلاث سنوات، على مؤسسات حكومية نهشها الفساد والمحسوبية لعقود، فلم تعد قادرة على تقديم سوى ما قلّ من خدمات لمواطنين منهكين يبحثون عن سُبل للاستمرار في بلد يبدو الأمل بالنهوض به ضئيلاً.
ومنذ بدء الإنهيار، تتكرّر إضرابات موظفي القطاع العام الذين تدهورت رواتبهم جراء انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق السوداء، وآخرها بدأ في منتصف تموز/يوليو. وانضم إليهم القضاة منذ نحو أسبوعين بالإعلان عن إضراب مفتوح في انتظار أن تجد الحكومة حلاً لمشاكلهم المادية.
رغم أنه يعمل في الحر من دون مُكيف هواء جراء الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، يمتنع القاضي فيصل مكي عن شرب الماء في وقت العمل كي لا يضطر إلى دخول الحمامات الخارجة عن الخدمة في قصر العدل في بيروت.
ويقول رئيس دائرة التنفيذ في بيروت القاضي فيصل مكي لوكالة فرانس برس "المتطلبات الأساسية الضرورية للإبقاء على القطاع العام فعالاً، لم تعد موجودة".
ويضيف "ليست هناك أوراق، ولا حبر ولا أقلام ولا حتى مغلفات. الحمامات لا تعمل والمياه مقطوعة".
في قصر العدل الذي يأكل العفن والرطوبة جدرانه مع عدم وجود إمكانات لصيانة أو تصليحات، علِق قضاة في المصاعد جراء الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، ومنهم من تعثّر وسقط على السلالم وسط الظلام، وبينهم قاضية كسرت يدها مؤخراً جراء ذلك.
أما الحمامات فحدّث ولا حرج، المياه مقطوعة عنها منذ فترة.
ويقول مكي "أحاول ألا أشرب المياه خلال الدوام كي لا أضطر إلى الذهاب إلى المنزل أو إلى مكاتب نقابة المحامين المجاورة للدخول إلى الحمام".
كما يضطر القضاء لشراء مستلزمات مكاتبهم من مالهم الخاص.
ويتساءل مكي "لا يمكننا حتى شراء حاجاتنا الأساسية الخاصة، فهل يتوقع منّا أيضاً أن ننفق على قصر العدل؟".
وتتكرّر المعاناة ذاتها في كل الوزارات والمؤسسات الرسمية.
في وزارة الصحة التي عملت بأقصى طاقاتها خلال السنوات الثلاث الماضية لمواجهة وباء كوفيد-19، يقول أحد مسؤولي الأقسام لوكالة فرانس برس "كيف أطلب من موظفة راتبها مليون وثمانون آلف ليرة فقط - أي 33 دولاراً - أن تأتي إلى الدوام؟".
على غرار آخرين، توقفت كريستين، الموظفة منذ 26 عاماً في القطاع العام، عن الذهاب إلى عملها في قائمقامية منطقة المتن شمال شرق بيروت، إذ باتت قيمة راتبها لا تتخطى 75 دولاراً في الشهر، بعدما كان يعادل 1600 دولار قبل الأزمة.
تذهب كريستين (50 عاماً)، الوالدة لطفلين، مرة واحدة كل أسبوعين إلى وظيفتها لتضمن ألا تُعتبر مستقيلة.
وتقول "يضطر الموظفون للصعود سبعة طوابق على السلالم جراء انقطاع التيار الكهربائي". وبالكاد تؤمن مؤسسة كهرباء لبنان، جراء الشح في الفيول، ساعة واحدة فقط من التغذية بالتيار كل 24 ساعة. كما تُقنن المولدات الخاصة إمدادتها جراء غلاء مادة المازوت.
وتتابع كريستين "ليس هناك تبريد في المكاتب، ولا أوراق ولا أقلام، ولا ماكينات طباعة (...) ويجدر بك أن تحمل زجاجة مياه إلى الحمام بعد استخدامه، إذ لا توجد فيه مياه".
وتقول كريستين إنها عرفت دوما أن الوظيفة في القطاع العام لا تأتي ب"حياة وردية" المهترئة أصلا والتي يستشري فيها الفساد، لكن كانت تعوّل على الأقل على الضمان الاجتماعي والمعاش التقاعدي.
لكن مع تدهور الليرة، حتى المعاش التقاعدي فقد قيمته، ولم يعد الضمان قادراً على تغطية نفقات الاستشفاء.
وتقول كريستين "تجسيد الفقر هو الموظف في الدولة اللبنانية".
تدهور الخدمات
وبالطبع، انعكس تدهور مؤسسات الدولة على الخدمات المقدمة للمواطنين الذين بات من الصعب عليهم حتى استخراج إخراجات قيد أو جوازات سفر، إذ ليس هناك حبر أو أوراق كافية.
ويقول موظف في إحدى دوائر النفوس في جنوب لبنان "نصدر إخراجات القيد بالقطارة"، مشيراً إلى أن متبرعا قدّم قبل مدة مبلغا من المال لطباعة أوراق إخراجات القيد التي انقطعت تماماً لفترة.
كما علّقت السلطات اللبنانية لأكثر من شهر إصدار جوازات سفر بعدما شارف مخزون الأمن العام من المستلزمات على النفاد. وبرغم استئناف إصدار جوازات السفر في حزيران/يونيو، ينتظر المواطنون أشهراً طويلة قد تصل إلى سنة لحجز موعد لمعاملة جواز السفر.
وجراء انفجار مرفأ بيروت قبل عامين، طالت الأضرار مؤسسات حكومية عدة بينها مؤسسة كهرباء لبنان، ومقار وزارات عدة مثل الخارجية والبيئة والمالية. ولا يحضر إلى الوزارات سوى عدد قليل من الموظفين.
في مرفأ بيروت، يعمل موظفو الجمارك في كرافانات، بدلاً من مبناهم المتضرر، ولم يتمكن موظفو وزارة الخارجية حتى الآن من العودة إلى مكاتبهم التي استعاضوا عنها بمقر مؤقت آخر.
أما وزارة البيئة، فيعمل موظفوها القلائل تحت ألواح مربعة تتدلى من الأسقف الاصطناعية.
ويقول وزير البيئة ناصر ياسين لفرانس برس "الأبواب لا تزال مكسورة ولا يمكن إغلاقها"، مشيراً إلى أن "بعض الغرف تفتقر إلى خدمات أساسية، فلا يوجد فيها حتى لمبات".
في طرابلس، يقف مبنى البلدية الذي أحرقه متظاهرون العام الماضي احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، مثالاً أيضاً على شلل المؤسسات.
ويواظب الموظفون على الحضور إلى مبنى جدرانه محترقة ومصدعة.
ويقول رئيس بلدية طرابلس رياض يمق الذي سحبت منه الثقة مؤخرا نتيجة خلافات سياسية، "نحن ذاهبون نحو الأسوأ.. انهيار تام وفوضى عارمة".
دولة فاشلة
في يوم عادي من أيام العمل الأسبوعية، لم يذهب وليد الشعار الموظف بوزارة المالية اللبنانية والبالغ من العمر 50 عاما إلى العمل الذي يتغيب عنه منذ يونيو حزيران.
يُسرع الرجل لري حديقة منزله وسط تلال جنوب بيروت مستغلا الساعة الوحيدة التي خصصتها الدولة في إطار ترشيد استهلاك الكهرباء لتشغيل معدات الري. بعدها اتصل بوالدته، التي تواجه صعوبات في محاولة الحصول على جواز سفر جديد من وكالة حكومية تعاني من نقص الورق والأحبار.
وقال الشعار لرويترز إن القطاع العام يقترب من نهايته "إذا واصلنا السير على هذا النحو".
ومثل آلاف من موظفي الدولة في لبنان، دخل الشعار في إضراب عن العمل منذ شهرين بسبب التدني الشديد في قيمة راتبه بعد الانهيار الاقتصادي في البلاد، أحد أسوأ موجات الانهيار في العالم في العصر الحديث.
واستفحل الشلل في القطاع العام، وامتد للقضاة الذين بدأوا احتجاجهم هذا الأسبوع، فيما بحث جنود عن عمل إضافي لكسب قوتهم وانقطعت الكهرباء ونفدت الإمدادات المكتبية الأساسية بالمكاتب الحكومية.
ووصلت البنية التحتية لنقطة الانهيار، حيث أثقل كاهلها بالفعل ضغوط بسبب الإنفاق غير المحكوم والفساد على مدى سنوات وتفضيل الحلول السريعة على الحلول المستدامة.
وقالت لمياء المبيض من معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي وهو مركز أبحاث بوزارة المالية "نحن في حالة انهيار".
وفي مبنى البرلمان، لا يوجد وقود لتشغيل مولد المصعد الكهربائي لذلك يرسل حراس الأمن الرسائل صعودا وهبوطا على الدرج بين العمال.
وتم إعطاء أولئك الذين يقومون بتسجيل سيارات جديدة أوراقا مكتوبة بخط اليد بدلا من المستندات الرسمية الحكومية بسبب نقص الورق.
ويتغاضى قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية عن اشتغال الجنود بأعمال إضافية، وهو شيء محظور في العادة، لكنه أصبح مقبولا بصورة غير رسمية مع تدني الرواتب.
وانخفض متوسط الراتب الشهري للموظف العام من حوالي 1000 دولار إلى 50 دولارا بالكاد، مع استمرار هذا الاتجاه النزولي، حيث تفقد الليرة اللبنانية المزيد من قيمتها يوما بعد يوم.
ودفع ذلك عشرات الآلاف من موظفي الدولة، في الوزارات والهيئات الحكومية المحلية والمدارس والجامعات والمحاكم وحتى وكالة الأنباء الحكومية، إلى الإضراب.
ولن يحضر 350 قاضيا لبنانيا جلسات هذا الأسبوع، في احتجاج للمطالبة برفع رواتبهم أيضا.
وقال فيصل مكي، أحد مؤسسي نادي القضاة في البلاد، "جاعوا القضاة".
وأضاف مكي لرويترز أن وزارة العدل تعاني منذ فترة طويلة من نقص التمويل لذا كان القضاة، على مدى سنوات، يشترون الورق والحبر لطابعات مكاتبهم على نفقتهم الشخصية.
ومضى قائلا "في العدلية كان الوضع صعب من الأساس، وكنت أنا أشتري الورق والحبر للمكتب، بس هلق (الآن) ما بقدر أشتريهن لأن بيصير ما فيي آكل. أكيد هي دولة فاشلة".
حياة بدائية
ردا على ذلك، تقوم الحكومة بتطبيق سياسات جزئية. ووافقت، في إجراء لسد الفجوة لمدة شهرين، على زيادة المزايا اليومية وتقديم مساعدات اجتماعية لمعظم موظفي الدولة، الأمر الذي ترتب عليه في واقع الأمر زيادة الدخل الشهري الصافي إلى 200 دولار فقط.
لكن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى 11 مثلا، وتحول الكثير من المطاعم وحتى مزودي الخدمات إلى الدولار، فإن غصن الزيتون الذي قدمته الحكومة لم يكن كافيا بالنسبة لحوالي 150 ألف عامل في القطاع العام.
وقال الشعار "لا يستطيع أي موظف حكومي شراء كيلو من اللحم أو الدجاج إلا مرة واحدة في الشهر. أصبحنا نعيش حياة بدائية، لا نشتري سوى الحاجات الأساسية".
وقالت نوال نصر، رئيسة رابطة لموظفي الإدارة العامة، إن العمال يطالبون بزيادة رواتبهم بمقدار خمسة أمثال والمساعدة في تحمل النفقات الباهظة للتعليم والصحة، لكن ذلك أثار مخاوف من حدوث تضخم جامح.
في غضون ذلك، تعثرت إيرادات الدولة مع توقف تحصيل الضرائب لمدة شهرين في ظل إضراب الموظفين المعنيين.
وقال رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي إن تلبية كل مطالب العمال ضرب من "المستحيل" مضيفا أن ذلك سيؤدي إلى تدهور الوضع بصورة أشد. وقال إن زيادة الأجور يجب أن تأتي في سياق خطة أوسع للاستقرار المالي.
تفريغ الدولة من الكفاءات
لكن الفصائل السياسية لم تتوصل بعد إلى توافق حول خطة من هذا القبيل، مما يتسبب في خسارة الحكومة بعضا من موظفيها ذوي المهارات العالية. وقالت لمياء المبيض إن ما يقرب من ستة من كل عشرة موظفين حكوميين إما يغادرون أو يخططون للمغادرة، بوتيرة لم تحدث منذ الحرب الأهلية في البلاد من عام 1975 إلى 1990.
وأضافت أن الأمر ليس مجرد أرقام وأن هؤلاء هم الأفضل في الدولة اللبنانية. ومضت قائلة إن البلاد بحاجة إليهم للتعافي وتطبيق أي خطة إصلاح هيكلي.
ويقول الشعار، الحاصل على درجة الدكتوراه ويرأس مديرية ضرائب رفيعة المستوى بوزارة المالية بعد قرابة ثلاثة عقود في العمل بالقطاع العام، إنه يشعر بالإحباط ويريد مغادرة لبنان.
وفقدت النقابة العمالية التي ينتمي إليها نصف أعضائها تقريبا، وحصل ممثلها لعمال الطيران مؤخرا على تذكرة ذهاب بلا عودة من بيروت.
وبالنسبة لمن بقوا، يبدو أن تراكم المشاكل في لبنان سيطالهم في نهاية الأمر.
وأعرب الشعار عن أسفه قائلا إن السنوات الماضية "دمرت كل جهودنا"، متذكرا خطوات كانت تهدف إلى تحسين الحوكمة عبر أنظمة تكنولوجيا المعلومات والتي توقفت بسبب الأزمة.
وقال "من سيبقى؟"
شجار وتدافع أمام مخابز لبنان
انتظر محمد أبو خضر لساعات طويلة خارج أحد المخابز في بيروت على أمل شراء ربطتين من الخبز المدعوم الذي يحتاجه لإطعام أسرته، لكن لم يكن هناك ما يشير إلى إعادة فتح الأبواب أمامه أو أمام عشرات غيره ممن يقفون في الخارج.
قال أبو خضر (57 عاما)، وهو أب لأربعة أولاد، بينما كان يقف وسط حشد أمام مخبز في الضاحية الجنوبية لبيروت “أيام الحرب (الاهلية التي دارت من عام 1975 إلى 1990) لم ننذل هكذا، لم نقف في الطابور هكذا، لم تمر علينا أيام مثل هذه. انظر إلى النساء.. انظر إلى الدنيا.. بهدلة، عيب”.
وفي الوقت الذي يئن فيه الكثير من اللبنانيين في ظل الانهيار الاقتصادي المدمر، أدى نقص الخبز المدعوم من الدولة إلى تفاقم المصاعب وأثار العديد من المشاجرات خارج المخابز وتحول بعضها إلى حوادث إطلاق نار في الهواء.
وازدادت المشكلة حدة منذ اندلاع حرب أوكرانيا التي عطلت إمدادات القمح من مورد الحبوب الرئيسي في لبنان.
لكن أزمة القمح ترتبط أيضا بمضاعفات الأزمة المالية اللبنانية التي أفقدت العملة المحلية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها خلال ثلاث سنوات.
يتم إنتاج الرغيف، الذي يعتبر عنصرا غذائيا أساسيا للكثيرين، باستخدام الدقيق (الطحين) المستورد بأسعار صرف مدعومة، مما يوفر بيئة مواتية بشدة للفساد ويولّد سوقا سوداء يباع فيها الخبز بأسعار مضاعفة.
وعزا وزير الاقتصاد أمين سلام أزمة الإمدادات الأخيرة إلى سرقة تجار قمح للدقيق الشهر الماضي.
وفي تصريحات لرويترز ألقى سلام باللائمة أيضا في النقص الأخير على النازحين السوريين واتهمهم بشراء أرغفة فائضة عن حاجتهم لإرسالها إلى سوريا أو بيعها في السوق السوداء.
وقال ردا على سؤال لرويترز “بالنسبة إلى موضوع النازحين السوريين، طبعا هم يشكلون ضغطا كبيرا جدا والمؤسف أنهم لا يستعملون حاجاتهم للاكتفاء الذاتي، بل هم صاروا يأخذون ربطات زيادة ويبيعوها بالسوق السوداء أو يبعثوها على سوريا، هذه هي المشكلة”.
أضاف “بالنسبة لنا السوري مثله مثل اللبناني، هو إنسان يحتاج إلى المواد الغذائية، لا تفرقة إنسانية عندنا، ولكن صار فيه استغلال، يقف (النازح السوري) أول مرة ويأخذ ربطة ومن ثم يرجع ويأخذ ربطة ثانية، ويرسل عائلته كلها، ويحصل تهريب للربطات وبيعها في السوق السوداء أو تهريبها”.
وقال مصدر أمني ان اشتباكات بالأيدي اندلعت لدى تدافع سوريين ولبنانيين أمام أحد المخابز في بيروت.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيان أُرسل إلى رويترز “في هذا الوضع الصعب للغاية، نشهد زيادة في التوترات بين المجتمعات المختلفة”.
وأضافت “المفوضية قلقة أيضا من أن الممارسات التي تضع القيود والتدابير التمييزية يتم تطبيقها على أساس الجنسية، مما يؤثر في جملة أمور على اللاجئين”.
وتابعت قائلة إن استمرار الدعم الدولي للبنان أمر بالغ الأهمية لضمان الوصول الآمن للغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى.
ويستضيف لبنان لاجئين سوريين منذ بدء الحرب في عام 2011، ويقدر عددهم بنحو 1.5 مليون.
وأصدرت نجاة رشدي، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في لبنان، الأسبوع الماضي بيانا أشارت فيه إلى تزايد النقاش العام في لبنان حول عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا ودعت الجميع “إلى الامتناع عن تأجيج المشاعر السلبية والكراهية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي”.
ضغط كبير
قال سلام إن اللاجئين السوريين يمارسون “ضغوطا كبيرة” على الإمدادات لكنهم لم يواجهوا تمييزا.
وأعرب عن أمله في أن تنحسر مشاكل الإمداد في غضون الأيام القليلة المقبلة، قائلا إنه يجري تفريغ 49 ألف طن من القمح في ميناء بيروت هذا الأسبوع، وهو ما ينبغي أن يستمر لمدة شهر ونصف الشهر.
وأشار إلى أن مجلس النواب وافق على قرض بقيمة 150 مليون دولار من البنك الدولي لشراء الحبوب، مضيفا أن القوى الأمنية تكثف مراقبة شحنات القمح لمنع السرقات.
ويقول أصحاب المخابز إن السلطات لا تقدم ما يكفي من الدقيق المدعوم، وهو ما تنفيه وزارة الاقتصاد.
وقال خالد ضاهر، الذي كان ينتظر مع الحشد خارج أحد مخابز الضاحية الجنوبية، إن الخبز متوفر في السوق السوداء ولكن بأربعة أضعاف السعر الرسمي البالغ 13 ألف ليرة لبنانية، أي حوالي 44 سنتا بسعر الصرف في السوق.
وتابع قائلا “إنه أمر مذل. هذا خبز“، مضيفا أن بيته يخلو من أي رغيف خبز منذ يوم الأربعاء.
وقال “فليفتحوا لنا أبواب الهجرة حتى نتمكن من المغادرة، لا حل إلا بذلك. لا يمكننا العيش في بلدنا”.
اضف تعليق